كـتـاب ألموقع

• قاسم عبد الأمير عجام قاصا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. علي إبراهيم قاسم عبد الأمير عجام قاصا

قاسم عبد الأمير عجام من المثقفين العراقيين المعروفين ، عضو اتحاد الأدباء العراقي، ورئيس اتحاد الأدباء فرع بابل بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وكان رئيس بلدية ناحية جبلة، عندما امتدت يد الإرهاب لغتياله في وضح النهار، وبذلك اغتالت قاسم الإنسان والأديب، وأجهضت مشاريع كثيرة لم تكتمل بعد، فكان خسارة كبيرة للعراق ولبابل مدينته التي ولد فيها .

عرف نقادا تلفزيونيا في سبعينات القرن الماضي، وكان عموده في جريدة طريق الشعب خير دليل على نشاطه هذا، وكان له تأثير كبير على الناس وعلى السلطة التي اقض مضجعها كما عبر عن هذا المعنى بعض المسئولين الإعلاميين للنظام السابق وعلى رأسهم محمد سعيد الصحاف.

لست بصدد الحديث عن نشاطاته الكثيرة وإنما سوف أركز على إبداعه القصصي، وإن كان نتاجه بهذا الجانب قليلا معتمدين على ما نشر في الصحف والمجالات العراقية أو ما وقع بأيدينا من مقالات مخطوطة وجدناها راقية فنيا – جماليا وذات مضامين معاصرة، تعالج موضوعات ما زالت بحاجة إلى حلول إنسانية .

القصة الأولى: (زهرة المشمش) والتي تبدأ بداية فلسفية من خلال طرح الأسئلة عبر فكرة تسيطر على الشخصية المحورية - وجعلها الكاتب مجردة من الاسم ، ربما أرادها أن تكون أكثر شمولية – وهي" الامتناع عن أخذ الجرعة اللعينة"وهي إشارة إلى أن الشخصية تعاني من مرض عضال لم يذكره الكاتب ليبقى رمزا لأي مشكلة ... والامتناع يعني الموت نتيجة عرفها من خلال الكثيرين، ويتساءل ما هو الموت ؟ ويجيب: يعني انقطاع الحياة، وما الحياة ؟ وهكذا ينتقل من فكرة إلى أخرى، دون تجاوز للسرد القصصي ، ويرمز للحياة بـ " فتاة قوامها متدفق كنافورة " كمعادل موضوعي لتدفق الحياة وجمالها ويؤكد هذا المعني فيما يتمناه " ليته يكون كذلك حلوا كقوامها". ويتابع الراوي(المريض) فتاة وشابا متحابين، ويجعلهما رمزا آخر للحياة ويسرع وراءهما "مالهما يسرعان... وإلى أين يا ترى ؟ سأسرع أنا أيضا وسألحق بكما " ومن صفات الحياة حب القراءة (الفتاة تحب القراءة فهي كتابا) وتمنى أن يكون الشاب متذوقا للفن والجمال والفكر وهي أشياء مكملة للحياة الطبيعية، التي يطمح أن يعيشها ، ويضيف مفردة الزواج ، ثم الأولاد ومن خلالها ينطلق في معاني أخرى للحياة، النزهة والمطاعم"وطعم التجديد وطعم الحرية ونكهة الحب ..." ولا ينسى أن الحياة لا تسير على وتيرة واحدة ففيها " بئر عميقة " و " رمال متحركة " وعلى الإنسان اجتيازهما، ولا بد أن يحالفه النجاح، قد يتعب لكنه لا ينبغي أن ييأس فقد علموه" أن اليأس هو الأفعى الوحيدة القادرة على تدمير الإنسان" والحياة تعني الاندماج مع الناس. ويعبر القاص عن أهمية المستقبل رامزا له بدلالة اسم ابنه (بهيج) " سيكون منظرنا ونحن نسير وبهيج متعلق بيدي جميلا، ربما أجمل حتى من منظر الفتى والفتاة اللذين دخلا المدرسة!" ولكي تكتمل صورة الحياة يأتي بنموذج فاشل، متمثلا بأخيه، وبنموذج المتعاون متمثلا بصديقه الذي يقدم له مُسَكنا (مهدئا) لكنه يرفض هذه المساعدة قائلا:- " لا. دعني أنتهي بدونه، فأنا أريد علاجا دائما وأبدا"وهو بذلك يثبت موقفا ضد الحلول الوقتية مطالبا بالحلول الجذرية الدائمة، وينتقل طبيعة العمل الذي يبنى على سرقة جهد الإنسان بثمن بخس فالعمل هنا ذل. وينقل لنا مشهدا لرجل سكران، يغني وزملاؤه يصفقون وشرطيان يحاولان جره ونعته باللص. وهو اعتداء صارخ على حرية فرد في مقهى. أجبر رواد المقهى الفرحين بزميلهم الشرطي على ترك صاحبهم، مستنكرين الأسلوب والاتهام الباطل.

المهدئ يجره إلى مأزق الإدمان، لكنه يقاوم ويقرر البحث عن الشفاء أو الموت، والشفاء لن يأتي، إنما يؤتى به. وعبر هذه المقولة يوظف رحلة كلكامش والمظاهرات والعمل الفدائي بقوله: "كلهم يريدون زهورا لا تذبل ونورا لا ينطفئ!" بمعنى البحث عن حلول ناجعة لا مهدءات وقتية.

نهاية القصة ايجابية، فهو ينتصر على الذات، ويترك طريق المسكنات التي لا تفضي إلى حل جذري متعظا بزهرة المشمش التي تزهر قبل الأوراق الخضراء. يترك عمله القديم ويبحث عن عمل "أكثر قدرة على الخلق" ووظف في توجهه الجديد (منطقة الصالحية) الذي اتجه إليها باسما، وجعلها معادلا موضوعيا لبحثه عن إصلاح نفسه، وإصلاح العالم معه.

وقصته الثانية: (المكعبات) كتبها في 11/8/ 1975 بغداد وألقاها في الأمسية الثالثة من أماسي ملتقى القصة الحلي، الذي نظمه اتحاد الأدباء وكتاب بابل في مقره في الحلة بتاريخ 22/ 12/ 1997.

والقصة تتناول هموم شاب متزوج وعنده ولد واحد، يعيش على راتبه المحدود ويعاني من ضنك العيش، بيته يكاد أن يكون عاريا من الأثاث، وولده ليس لديه لعبة فيلعب بغطاء القدر، يحلم بالمكافئات ليسدد ديونه أو ليشتري أشياء ضرورية... عائلة متحابة ومتفائلة رغم صعوبة الحياة، يلتقي صديقه، وزميله في زمن السجن ومن خلاله يستخدم تقنية الاسترجاع للكشف عن حقبة زمنية قضاها في السجن مع زملائه سجناء الرأي، متحدثا عن التعاون وتنظيم الوقت بين إدارة الأمور اليومية وبين التزود بالثقافة وتعليم الأميين القراءة والكتابة، ومستحضرا بعض الشخصيات المرحة التي خففت عن صعوبة تلك الأيام العجاف ...

وبعد الدعوات المتكررة من رفيق نضاله الدكتور ماجد، ورغبة زوجته في تلبية الدعوة يقرر زيارته في بيته ... وهناك يتم التعارف بين الزوجتين والتعارف بين الطفلين بهيج وآمال...

ويستخدم القاص الاسترجاع مرة الأخرى ليعود إلى طفولته، من خلال لعبة المكعبات حيث يشارك الطفلين في اللعب، فيستذكر فقر طفولته وضحالتها، مرة لعب بالكرة مع أقرانه في الزقاق فشاطها أحدهم بقوة فدخلت دكان الحلاق فشكاهم لآبائهم ، فكانت ليلته ليلة لم يذق فيها طعم النوم...

ولم يفت الراوي إن يربط بين القصة وبين السياسة ووظف لذلك التلفزيون " جاءني صوت المذيع"... أعادوا الصوت للجهاز وأنا منغمس في اللعب!" وهو يعلق على جولات كيسنجر وزير خارجية أمريكا . وسدت ضحكة (أنور السادات ) الشاشة وهو يعانق كيسنجر"

ويوظف لعبة المكعبات رمزا ليثبت موقفه من سياسة السادات " كانت المكعبات مبعثرة وعلى أحدها يظهر وجه ثعلب تنقصه الأذن الثانية "وبهذه العبارة البليغة ينهي قصته . التي انمازت بلغة سلسة واضحة، ومستخدما الدلالات الرمزية والتي أشرنا إليها. وزمن القصة يعود إلى حقبة السبعينيات من القرن الماضي بدلالة كيسنجر وأنور السادات وزمن كتابتها. ولم يحدد القاص فضاء القصة لكنه واضح أن يدور في بغداد ، فأحمد التقى صديقة في شارع الرشيد، وزوجته صبيحة تحدثه عن جارتهم التي كانت تشكو من زوجها الذي يراهن على سباق الخيل وأجبرها على بيع قطعة ذهبها الوحيدة، ونادي سباق الخيل في بغداد في زمن القصة.أما أمكنة القصة في بيت أحمد وهو مكان إقامة دائمة، وبيت الدكتور ماجد وهو مكان إقامة دائمة بالنسبة لماجد ومكان انتقال بالنسبة لعائلة أحمد. ويبقى السجن وهو مكان إقامة إجباري والزقاق والشارع فهما أماكن انتقال. ومع ذلك فان المكان كان شموليا يمكن أن يكون في أي مكان من العراق. كما أن الأمكنة ارتبطت بالشخصيات فعلى الرغم من الدكتور ماجد كان متواضعا ومحبا لصديقة إلا أن بيته ينتمي إلى البيوت الراقية، بينما بيت أحمد كان متواضعا في حي شعبي. والقصة تنتمي إلى المدرسة الواقعية الاشتراكية.

القصة الثالثة: وفي قصة (ولتسقط الكآبة) يكرر هاجس الموت ونقيضه الحياة حيث يبدأ القاص ببداية متشائلة، كل شيء يوحي بالفرح والسعادة: المطر، الشجر، المصابيح، الفجر، مات الليل، طلع الفجر. وبالمقابل "الموت يحزن لأن غصا من شجرته انكسر، وانخلع " ومع ذلك " ربحت الحياة عينا تندى بالحب وتتفجر بالبسمات"وهكذا نرى أن الشخصية الرئيسية في القصة تتأرجح بين التشاؤم والتفاؤل، تدور في دوائر من الفرح والقلق. مرة ترى أن الشمس تشرق من الغرب وأخرى من الشرق، وتارة يرى أن الابتسامة ينبغي أن تسود العالم، وأخرى يلغى اللون الأبيض من حياته، ويرى أن اللون الأسود أجمل، ولهذا غيّر حتى لون نظارته البيضاء إلى سوداء.

إن تغيرات عالم الشخصية من حالة الأمل إلى الخيبة مرتبطة، بتطورات تحيط بها، فنراها تنتقل إلى حلم كبير بمجرد أن عباس صديقه أخبره إن اسمه ظهر في قائمة التعيينات الصادرة عن الوزارة، وكان واحدا من إحدى عشرة مقبولا.

إن ما يربط القصة هو الحدث الذي بدأ مذ سماعه خبر ظهور اسمه مع قائمة المعينين إلى أن التقى بالموظف المعني في الوزارة والذي أخبره بأن اسمه قد شطب لعدم تأدية واجب خدمة الاحتياط في الجيش. وما بين الحدثين تناولت القصة كثيرا من القيم والمواقف الإنسانية، ومنها: البطالة وتأثيراتها على الشخصية التي هي رمز لكل الشباب الخريجين الذين يتلقفهم الشارع بعد تخرجهم، وأشار القاص إلى هذه الظاهرة من خلال تعيين إحدى عشرة خريجا فقط ،وبسبب البطالة تظهر الأفكار السوداوية والضياع والشعور بعدم جدوى الحياة. وجسد هذه المعنى في القصة بتنكر الشباب للحقائق العلمية المشرقة التي تنير دربهم، ويدخلون في أنفاق مظلمة، مبتعدين عن الحياة، ومعتقدين أن راحتهم تكمن في العيش في الظلام، والهروب من مواجهة الواقع المرير، لكن الشخصية الرئيسية تتغير بمجرد أن يلوح في الأفق بصيص من الأمل في حل مشكلتها. وفي القصة انتقاد واضح لجوهر المشكلات، فعندما يصطدم مستقبل الإنسان بقوانين جائرة، حيث أن الدولة تريد من المواطن دون أن تعطيه، هذه الأفكار التي استطاع القاص أن يوصلها بأسلوب سردي محكم بعيدا عن شعارات، ودون إقحام، بل جاءت متسلسلة مقنعة.