كـتـاب ألموقع

• مذكرات مترجم : ( الحلقة الرابعة )

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حبيب محمد تقي

 

 

مذكرات مترجم : ( الحلقة الرابعة )

٧ / ٦ / ٢٠١٠

 

تجربتي مع طالبي اللجوء والمقيمين العراقيين و العرب في مملكة السويد .

 

المهاجرين العرب في المملكة السويدية ، وإشكالية التصادم الثقافي ، وهموم التقارب والأندماج الأجتماعي فيها :

 

هذه الأشكالية المرصودة في العنوان أعلاه . هي ليست لصيقة على دولة بعينها ، من دول المهجر ( كدولة السويد ) . بل تشمل قاطبة الدول الحاضنة للمهاجرين ، شرقاً وغربا شمالاً وجنوبا ً ، بمجسات متفاوتة . غنية أو فقيرة ، ديمقراطية أو أشباه أو ضد . وهي الشغل الشاغل ، للأفراد وللأسر المهاجرة ، وللأفراد والأسر المستقبلة و للمؤسسات الرسمية والأهلية والأحزاب والمنظمات المحلية والأقليمية والدولية على حد متفاوت . لما تسببه من نزاعات وخصومة وتفشي العنصرة ، الناشئة بفعل الأختلافات والتمايزات والخصوصيات الثقافية المتصادمة . لذلك أنبرت كل هذه الجهات ذات العلاقة والتي تهمها المصلحة العامة . أفراد وجماعات . لأيجاد الطرق الناجعة للحد من هذه التصادمات ، والتي قد تتفاقم الى كوارث ومآسي أجتماعية ، الوافدون والمستقبلون في غنى عن شرورها . في حال عدم أيلاء العناية الفائقة وبحذر بها . في أقتراح و وضع الحلول الأستباقية والملائمة لها . والدول السباقة والمعروفة للقاصي والداني ، في عراقتها بأستقبال موجات الهجرة اليها ، والقائمة أساسا على غنى تنوعها العرقي والأثني والثقافي . كأمريكا وبريطانيا وأستراليا وكندا وفرنسا ونيوزلندا والمانيا وهولندا . يعد النموذج الكندي الأفضل من بينهما ، في موضوعة التعامل مع أشكالية ، التعددية الثقافية وبرامج الأندماج ، التي تصون التعددية في أطار الدمج الأجتماعي . بعيداً عن مفاهيم الذوبان والأنصهار الأجتماعي الأحادي الطرف والمعادلة .

 

 

وللأسف تعد المملكة السويدية ، من بين دول المهجر الأسوء في التعامل مع هذه الأشكالية الطبيعة الناشئة بفعل الهجرة اليها . ومن أسباب سوء التعاطي مع هذه الأشكالية ، يعود الى جملة من العوامل المعيقة. منها حداثة تجربة الهجرة الى السويد ، مقارنة مع الدول ذات العراقة ، في هذا المضمار . ومن جهة أخرى والأكثر أعاقة ، يرجع ((( الى خصوصية المجتمع السويدي وتميزه الفريد ، بكل ما يعنيه هذا التوصيف من دقة ))) ، بعلاقاته الأجتماعية الداخلية ، شديدة الأنغلاق والأنطواء والعزلة والتقوقع . غريب وعجيب المبالغة بحذره من الغرباء ، و من الثقافات الوافدة ، ومفرط في خجله ( ينفلت شرك خجله وتحفظاته ورسميته ، وفي حالات طارئة ومحددة ، حين يتعاطى المسكرات وحين يغادر صومعته متوجها الى الأستجمام والترفيه في الأقاصي السياحية ) . رتمه الحياتي ، رتيب ومبرمج الى حد الملل . مجتمع رسمي الى حد النخاع ، بل الى ما هو أبعد من النخاع . بروده لا يوازيه مثيل ، حتى في أقصى الكواكب النائية عن الشمس ! نواته التكوينية الأسرية مصابة بداء التوحد المزمن ، تحكمها ( داء الأنا ومن بعدي الطوفان ) . جيناته الوراثية غير ديناميكية بالمرة وليس في قاموسها الكيميائي معنى أو مكان للطفرة الوراثية . كارزميته نظامية طيعة للقوانين والتعليمات ، ولا في أحسن الجيوش أنضباطاً وصرامة . متعنصر لثقافته التي يخيل اليه أنها الأصلح والأكمل ، ليس على سطح الأرض فحسب ، بل وفي ما وراء الطبيعة . ملامحه التكوينية الظاهرية ، من حسن مظهر ووسامة وبشاشة ( ومكياج رباني ) تطغي على أنفعالاته الأنسانية ، الظاهرة عند كل خلق الله ، ومن الصعب تحسسها وبدقة عند السويديون . شديدي التأثر والأنسياق بالأعلام الرسمي المحلي والأمريكي . قبلتهم ( بعد الأنا المزمنة ) أمريكا . ( بالطبع بأستثناء فئة محدودة ، من النخبة المثقفة اليسارية الميول فكرياً ، ويعد وللأسف الشديد حجم وكثافة تأثيرها الأجتماعي والسياسي محدود للغاية ،`و وزنها ، وزن الريشة من حيث الفعل في مجتمعها السويدي ، وهي تمثل أستثناء من القاعدة العامة لمجتمع المملكة ) . القاعدة العريضة من المجتمع ، تستمد قيمها ومثلها الثقافية والروحية الجديدة من المتسيد الأمريكي . ومن السيد نفسه ، يستعيرون نظاراته ، لرؤية العالم حولهم . وأترك لحكم القارئ الكريم ، تصور مدى ضخامة وحجم تأثير ماكنة الأعلام الأمريكية ، المسيئة بشكل مبرمج . وموغل في البشاعة والتشويه المتعمد لثقافات الشعوب المناهضة لأمركتها . وبالخصوص العربية والأسلامية منها . والتي تتأثر وتنساق لها ، ليس المجتمع السويدي لوحده ، إنما معظم مجتمعات أوربا عامة والغربية منها بشكل خاص . والتي تدس السم في عسلها الأعلامي الباهر ، لتصور الثقافة العربية والأسلامية على أنها ثقافة عنيفة ، متزمتة ومتطرفة و مغلقة وغير قابلة بالمطلق ، بالتعايش مع الأخر و بالتلاقي معه والحل حسب هذا التوصيف الأمريكي المجنون ، لن يكون إلا بالتعامل معها على أساس من أنها تمثل ثقافة الشر والمطلوب حسب وصفة السيد ( راعي البقر ) ، ترويضها أولاً والأتيان عليها ثانيا .

 

 

والسبب الرابع والمضاف الى ماذكر أعلاه من معوقات ، تفاقم أشكالية المزاوجة الثقافية السلمية والأندماج المتبادل والهادئ ، في التأثير والتأثر . يرتبط هذه المرة ، بشكل النظام الأقتصادي للمملكة السويدية ، ولأرتباط أقتصادها الحميمي بالأقتصاد الرأسمالي الحر . ومن الخصائص اللصيقة بهذا الأقتصاد كما هو معروف ، بعدم أستقراره وتذبذبه وتعرضه لأزمات شتى ، بين الفينة والأخرى ، تؤدي في أحيان كثيرة الى حرق الأخضر باليابس . تلك الأزمات الملازمة لهذا الأقتصاد والتي ينتج عنها تأثيرات أجتماعية خطيرة . أسوأها تلك التي تتعلق بأرزاق الناس ، سيما منهم الشريحة الأجتماعية الأضعف والأوسع في المجتمع السويدي ، من ذوي الدخول المحدودة . فكلما تطفح تلك الأزمات على السطح ، ويترشح عنها ، تسريح المئات والالأف من العاملين في قطاعات مختلفة . وكلما شدت الدولة حبلها التقشفي على رقاب الخدمات المقدمة للشريحة العريضة من أصحاب الدخول المتدنية والمحددودة . كلما طال هذا الحبل الممتد ، ليشمل رقاب المهاجرين ويهددهم بالأختناق . فمن أفرازات هذه الأزمات المرتبطة أساسا ، بشكل النظام الأقتصادي الرأسمالي الأحتكاري العالمي . والتي لانهاية تلوح في الأفق لها . من أفرازاتها الجسيمة تنامي روح العداء والكره والبغيضة ، للمهاجرين القدامة والجدد على حد سواء . وتفشي خطير وأستشراء للنشاطات العنصرية العدائية الموجهة ضد الوافدين ، تهدد أمنهم وأستقرارهم .

 

والسبب الخامس لايقل تأثيرا عن سابقه ، وهو يرتبط كلياَ بالوافدين أنفسهم وبمسلكياتهم وتصرفاتهم ، وبما نقلوه وللأسف من اسوا عادتهم وتقاليدهم وموروثهم وثقافتهم ، وبردود أفعالهم الغير مسؤولة والغير محسوبة العواقب . وحول ذلك تأتيكم التفاصيل في الحلقة الخامسة ، من سلسلة هذه المذكرات .