اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

اليوم اللاعالمي// مارتن كورش تمرس

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

مارتن كورش تمرس

 

عرض صفحة الكاتب

اليوم اللاعالمي

مارتن كورش تمرس

محامي وقاص

 

 (شمعون) شابٌ من مدينة (.. نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ..)"سفر يونان1: 2". قد تجاوز الربيع الثاني من عمره. تربى في طفولته في بيت عمه، بعد أن فقد والديه في حادث  سير في المدينة وهو لم يزل في السابعة من عمره. عاش في كنف بيت عمه، أحبته زوجة عمه كثيراً خاصة لأنها كانت إمرأة عاقراً، لذلك كانت عيونها لا تفارقه ذهاباً وإياباً إلى مدرسته خشيةً عليه من أي طارئ. عندما بلغ الخامسة عشر من ربيع عمره، حبلت زوجة عمه، أنجبت ولداً. قالت لزوجها على مسمعٍ من (شمعون):

-    لن يسأم إبننا (شمعون) من الوحدة بعدُ! أصبح له أخاً.

أجابها زوجها ودموع الفرح تنهمل من عينيه:

-    شكراً للرب.

-    نعم شكراً كثيراً للرب. كنتُ أقرأ في الكتاب المقدس، جذب نظر إيماني هذه الأعداد (وَذَكَرَ اللهُ رَاحِيلَ، وَسَمِعَ لَهَا اللهُ وَفَتَحَ رَحِمَهَا، فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتِ ابْنًا فَقَالَتْ: قَدْ نَزَعَ اللهُ عَارِي.)"سفر التكوين30: 22 و 23".

-    اذا نسميه (يوسف) تيمناً بالنبي (يوسف).

-    يا رب بارك أولادنا.

 يوم إلتحق (يوسف) بمدرسة الروضة، كان (شمعون) يقوده إليها، بينما زوجة عمه تلاحقهما بنظراتها المملوءة فرحاً وإطمئناناً. هكذا بدت الأيام تسير على طريق السنين، يتنقل الأخوان من مرحلة دراسية إلى أخرى على درجات سلم النجاح. حصل (شمعون) على مقعدٍ في الجامعة. بينما أخوه يعتمد على الرب في ذهابه للمدرسة الإبتدائية وإيابه منها. تخرج (شمعون) من كلية الزراعة وكله أمل في أن يساعد عمه الذي شاخ، في فلاحة وزراعة الأرض. لكن وقع ما لم يكن في الحُسبان! حيث وقعت الحرب العراقية- الإيرانية! خشية (شمعون) على حياته قرر السفر إلى دولة جارة، قبل أن يُصدر مجلس قيادة الثورة العراقي قراراً بغلق الحدود. ودع مَن هم له عائلة، عمه وزوجته وإبنهما (يوسف). وصل إلى البلدٍ الجار الذي يعتبر بلداً من البلدان الشقيقة!

منذ أول يوم وطأت قدماه أرض الدولة الشقيقة، حتى أصبح رَدَنا قميصه منديلاً للدموع المنهملة بغزارة من عيون قلبه! وإذا ما ترطب وليس غيره منديل قريب، نشره على شرايين قلبه ليجف بحرارته تارة وتارة أخرى بحرارة نيران الشوق والحنين إلى الوطن والأهل، المشتعلة ولازالت مادامت أحطاب البعاد عن الوطن، ترمي بنفسها وسط أتون نيرانها. لم يسكن له بال! كان يشعر دوماً بأنه بعيد عن وطنه، عن بيت عمه وأخاه (يوسف)، أحبته وأصدقائه.. و.. في بلد ليس بالوطن الثاني.. في بلد لم يعرف فيه إلا معاملة الإزدراء.. في بلد  قدم له التمييز هدية! ما على الغريب سوى القبول بها وإلا تعرض للطرد! بلد فيه لا يشعرُ الغريب بأن له حقوق كما للمواطن الأصلي! لكنه بقلبه تجاوز كل هذه المطبات وأحب فتاة وأحبته!

أنها (عالية) مواطنةٌ من مواطنات البلد الجار. قرر أن يُسكنها في دنيا صدره الرحب بجوار قلبه لا تفارقه أبداً. الصدر وطن والمُحب أشوري والقلب مسيحي.

نعم يا ساكنة الصدر طوعاً، لقد قرر(شمعون) أن لا تخرجي إلى العالم ما دمت قد إرتضيت السكن إلى جوار قلبه. لقد جعل من دنيا صدره عالماً خاصاً بكِ، عالماً يعمه السلام ( سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا.) "يوحنا 14: 27". عالماً فيه الحبيبة قد سكنت بجوار قلب حبيبها، تصغي كل صباح لنبضات قلبه كأنها ترنيمة، تخرج كل مساءٍ مع قلب المحب في نزهة، كأنهما على الطبيعة سائران. كانت تعلم أن الحب ممنوعٌ في بلدها! لو حدث لا سمح الله، أن خرجت هي والقلب سوية إلى العالم، فإنهما لا محالة سيصابا بسهام عيون الحاسدين! الذين لا يطيقون أي شاب وفتاة جمع قلبيهما الحب! أنه الحب الذي لا تعرفه إلا القلوب النقية. لم يعرف (شمعون) منذ صغره غير الحب الذي رضعه من ثديِّ أمه، التي نامت مع زوجها على رجاء القيامة، الحب الذي فتح  له قلبه، حتى أصبح له بودقة يخزن فيها ما يغرفه من المحبة قادمة من السماء، بل إختارته هذه المحبة ليكون لها كقناة جنباً إلى جنبٍ مع غيره من المحبين الصادقين.

تعهد (شمعون) بأن يكون صدره واحة وقلبه بذرة ونفسه تربة وأنفاسه حديقة لكي لا تسأم حبيبته من البقاء في صدره، حتى تسمح لقلبها أن ينمو مع قلبه، ثمرتان تثمران زهرة من زهرات المحبة.

صارت الحبيبة مع قلب الحبيب، يخرجان كل مساء في نزهة جميلة يسيران في دنيا صدره يتنقلان أو يجلسان في أحد أركانه الهادئة ذات الجو الرومانسي، حيث سلام القلب حاضرٌ لا يفارق مشاعرهما، كأنهما آدم وحواء في جنة عدن قبل الخطيئة!

كانت تبدو (عالية) سعيدة جداً وهي تخرج مع قلب المحب في نزهة في دنيا الصدر الرحب! لذلك فضلت عدم التنزه خارج حدود صدر مَنْ أحبها وأسكنها بجوار قلبه. في أمسية من أماسي تلك اللقاءات، بينما (شمعون) يسير في متنزه المدينة الخالية كلياً مقاعده من زواره! كان قلبه مشغولاً بقلبها. شعر بألم في الجهة اليسرى من صدره على شكل موجات ضعيفة متعاقبة! على الفور جلس على أول مقعدٍ صادفه واضعاً كلتي يديه على موضع الألم، شعر كأنه قد أُغمي عليه. لم تمض لحظات، إذا بالحبيبة جالسة إلى جواره على المقعد! ألقت برأسها على موضع الألم وعينيها في عينيه، إذا بالألم يزول كلياً! أغمض عينيه وقال لها:

-    يا لهذا الجمال الرائع! الآن عرفت لماذا لم يسمح قلبي لكِ بمغادرة صدري، وتركه لوحده؟! أنا خائف في تغربي عن أرض وطني مما قد يحدث لي! يا فتاة هيا عودي من حيث خرجتِ! عودي خشية على صدري من أن يُصاب بذبحة صدرية.

أجابته:

-    أنا معكَ. أحبكَ. لن أترككَ.

   أخذ الخوف يداهمه. فيما أخذ المساء بالرحيل رويدا رويدا من ذلك المتنزه الخاوي حتى من المستجدين. إحتضنها بكلتا يديه دون شعور من شدة خوفه عليها من أن يُقدم أحدهم على خطفها منه. وقع ما كان يخشاه! سمع وقع أقدام متجهة نحوهما. تمت إحاطتما من جميع الجهات. أنهم رجال ذي وجوه بشعة وخالية من كل ترحيب أو سلام، على ما يبدو، أنهم أناس قساة في تعاملهم مع الآخرين. صرخ أحدهم قائلاً:

-    من سمح لكما بالخروج في هذا اليوم والتنزه.. كيف دخلتما إلى هذا المتنزه؟!

قبل أن يجيبه نظر إلى حبيبته خلسة، وجدها في أروع حالة من حالات الإسترخاء! غير مبالية بالذي يجري، لم تتحرك ولو قيد أنملة بل إزدادت لجوءاً إلى جنبه! حتى شعر قلبه بأنها تريد العودة إلى الجوار ثانية. تيقن (شمعون) من خلال نبضات قلبه المتلاحقة غير الإعتيادية، بأنه نادم على سماحه لها بخروجها من صدر شخصه. إذا بذاك البشع يعيد سؤاله ثانيةً وبلهجة أغلظ مما في المرة الأولى. أجابه (شمعون) بكل هدوء خشية أن تنهض حبيبته فتُحْرَم من حلمها الجميل الذي أصبحت تعيشه منذ لحظة وجودها معه:

-    منذ "سبعة الآف سنة" مضت لم نخرج إلى أيِّ متنزه!

-    إذاً فليكن خروجكما هذا الأول والأخير.

-    لماذا؟!

-    لأنكما خارج نطاق حدود تواجدكما؟!

-    هل أصبح في بلادكم حدوداً للتواجد؟!

-    في هذا اليوم بالذات.

-    هل هناك مناسبة لا نعلم بها؟!

كلهم أجابوا بصوتٍ غليظ واحد إهتزت له أركان المتنزه! حتى إستيقظت (عالية) خائفة مذعورة، وهي تنظر يميناً وشمالاً لتسمعهم قائلين:

-    أنه اليوم العالمي للـ!

أجابهم (شمعون):

-    بل أنه اليوم اللاعالمي.

اذا بصوت رعد مع بريق البرق، وهما ينذران بوجود سحابة مزنية، تغطي كبد السماء، ليبدأ هطول المطر. بينما الشمس صامتة في إرسال أشعتها. لاَحَ قَوْسُ قُزَحٍ فِي الأُفُقِ. بينما قد أخفتْ الحبيبة رأسها في صدر حبيبها. نظر (شمعون) من حوله، فلم يجد أي وجه من تلك الوجوه البشعة!

نهض من ذلك المقعد وقد أحاط بساعد يده اليمنى بخصر حبيبته، وقف لحظة وصرخ بصوت جهوري:

-    أحبكِ يا (عالية).

 

المحامي والقاص

مارتن كورش تمرس لولو

 

هذه القصة مقتطفة من مجموعتي القصصية ( عندما تسافر القلوب) طبعة أولى 2003. مهداة إلى القراء الأعزاء في موقع تللسقف.

+++

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.