اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الهيمنة الطائفية تهدد الوجود المسيحي في العراق// ابراهيم الزبيدي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

الهيمنة الطائفية تهدد الوجود المسيحي في العراق

ابراهيم الزبيدي

 

العراقيون من أتباع الديانة المسيحية يتعرضون منذ الاحتلال الأميركي للعراق إلى تهجير واستهداف ممنهجين من قبل دعاة الطائفية المسنودين من إيران، ومن قبل الجماعات المتطرفة مثل داعش التي دفعتهم إلى هجر قراهم ومدنهم والبحث عن ملاجئ آمنة خارج العراق، الأمر الذي يعتبر جريمة في حق المسيحيين الذين أخلصوا لوطنهم العراق عبر التاريخ وينبئ بكارثة تاريخية في حالة خروج المسيحيين من بلاد الرافدين.

 

فئة قليلة من الأجيال العراقية الجديدة تعرف الحقيقة. وهي أن العراق، قبل الفتح الإسلامي، كان وطن المسيحيين، ودون شريك، وكان للكنيسة المسيحية إقليمان، إقليم بابل، أو أبرشية سالق أي (سلوقية)، وإقليم تكريت والبلدان الإثني عشر التابعة لها، ومنها سنجار ومعلثا وبانو هذرا في شمال العراق.

 

فمنذ القرن الثالث الميلادي بدأ انتشار المسيحية في العراق، شمالا وجنوبا. وكانت اللغة السريانية هي السائدة لغاية القرن السابع، حين دخلت اللغة الفارسية مع سلطة الاحتلال الفارسي. وقد جلبت الحروب الفارسية والرومانية التي دارت رحاها على الأرض العراقية أقواما عديدة تمكنت من الاستيطان ومزاحمة السكان الأصليين، ثم جاء الفتح الإسلامي حاملا معه قبائل عربية مهاجرة، وأخرى مسلمة غير عربية، فتوطنت في مناطق العراق المختلفة، الأمر الذي قلص الوجود المسيحي إلى حد كبير.

 

ويؤكد التاريخ أن المسيحيين كانوا أصحاب حضارة وعلوم وفنون وآداب سبقوا بها الأمم الأخرى، وعلموا الشعوب المجاورة الكثير من العلوم والفنون والآداب، وكانت ثقافتهم تتميز بالتسامح والحرية والمحبة والسلام. والغريب أن التاريخ يعيد نفسه على المسيحيين العراقيين. ففي القرن السابع الميلادي كان الغزو الفارسي لبلادهم، وقسوة جنوده وتعصبهم لديانتهم المجوسية ثم الزرادشتية، وتقاليدهم، ومحاولتهم القضاء على سلطة الكنيسة ودورها القيادي السياسي والثقافي والتعليمي سببا في نقمة أهل البلاد الأصليين وأحلامهم بالتحرر من ظلم الغزاة الفرس وتعسفهم، ولكن العين كانت بصيرة واليد قصيرة.

 

لذلك حين جاءت الجيوش العربية الإسلامية عام 637 إلى بلاد النهرين رحب بها العراقيون (المسيحيون)، بعد أن حصلوا على عهود بالأمان من الخلفاء ومن قادة جيوش المسلمين، من أجل خلاصهم من قسوة المحتلين الفرس، ومضايقاتهم، على أيدي الفاتحين المسلمين. وحين دخل المسلمون العراق وجدوا سكانه المسيحيين أصحاب حضارة وعلوم لم يكن يعرفها العرب القادمون من الحجاز ونجد واليمن. فقد كانت الأديرة مدارس ومعاهد ابتدائية ومتوسطة وثانوية وجامعية يتعلم فيها الرجال والنساء علوم الفلك والطب والقانون والكيمياء والفيزياء وفنون الريازة والهندسة، والشعر والأدب، وفنون النحت والرسم والغناء والموسيقى. وحسنا فعل خلفاء الدولتين الأموية والعباسية حين حافظوا على تلك المدارس، وخصصوا جوائز ومغريات لتشجيع أبناء المسلمين على أن يدخلوها، وينهلوا من علومها وفنونها ما يستطيعون. ويحدثنا التاريخ أيضا عن استعانة العرب الفاتحين بهؤلاء المسيحيين المتنورين المتعلمين لترتيب أمور الدولة الإسلامية الجديدة، وتنظيم أجهزتها الإدارية، إلى حد بعيد.

 

ومن أشهر علماء السريان حنين بن إسحق وأبو بشير ويوحنا بن جلاد ويحيى بن عدي والكندي وآل بختيشوع وغيرهم، الذين ألفوا وترجموا ونقلوا مختلف العلوم الطبية والفلكية ومن اللغات السريانية واليونانية والفارسية إلى اللغة العربية، وأتحفوا المكتبة العباسية بمصنفاتهم وعلومهم، كما أداروا بيت الحكمة، وكان أطباء الخلفاء دائما من المسيحيين. ومن يوم سقوط الدولة الإسلامية على يد هولاكو عام 1258 ميلادي والمسيحيون يتقاسمون مع ضيوفهم المسلمين جميع أوزار السقوط والحصار والمجاعة. ولكنهم صمدوا في مدنهم وقراهم وأديرتهم وكنائسهم، ولم يهاجروا، كما فعل كثيرون من العرب المسلمين.

 

وفي أيام الدولة العراقية الملكية الجديدة في العام 1921 وضع المسيحيون العراقيون أنفسهم في خدمة الدولة الوليدة، على أمل أن يضمنوا حرياتهم الدينية والاقتصادية، ويحافظوا على هويتهم الثقافية والاجتماعية. وكان منهم أعلام مسيحيون كبار خدموا اللغة العربية والثقافة العربية وحتى الإسلامية الفلسفية والفقهية، وأضافوا فيها الكثير.

 

ولا ينكر أنهم على امتداد العهد الملكي عاشوا بأمان، وتمتعوا بحرية عبادة، لم تكن كاملة، ولكنها كانت كافية لحماية تراثهم وثقافتهم وتقاليدهم من الاندثار، أو من تعدي الدولة، أو المواطنين المسلمين عليها.

 

وقد ازدهرت كنائسهم وأديرتهم في بعض السنين، من عمر الحكم الملكي. وكان لهم وزراء مسيحيون، وموظفون كبار في الدولة ومؤسساتها وسفاراتها، وانتعشت حركة التأليف وطباعة الكتب الدينية والتاريخية المسيحية ونشرها.

 

ومن أول أيام الدولة الوليدة وإلى يوم سقوطها عام 1958 لم تستطع هيمنة المسلمين العرب وغير العرب من الأقليات العديدة الأخرى الوافدة إليهم من الخارج أن تهدد وجودهم أو تضيق عليهم حياتهم وتحتل مدنهم وقراهم إلا في أضيق الحالات.

 

وللتاريخ نسجل هنا أن المسيحيين العراقيين، تحت حكم أحمد حسن البكر في السبعينات، وفي عهد صدام حسين، في الثمانينات والتسعينات، تنفسوا الصعداء كثيرا، وامتلكوا حريتهم الدينية والثقافية والاجتماعية إلى حد كبير. فقد اهتمت الدولة برعايتهم، وأجازت لهم إنشاء كنائس ومدارس جديدة، بأقل القيود والحدود.

 

ورغم أن آلافا من الأسر المسيحية العراقية هاجرت نحو العالم الجديد، في القرن العشرين، لأسباب شّتى، سياسية واجتماعية وأمنية بالدرجة الأولى، إلا أن الغالبية العظمى منها تمسكت بالبقاء في أرضها ومدنها وقراها، محاولة تفادي الاكتواء بنيران التقاطعات والانقلابات والانفجارات والحروب التي تعرض لها المجتمع العراقي. فلم ينخرط في الأحزاب والجماعات المتناحرة إلا قلة تعد على الأصابع من المسيحيين العراقيين.

 

ولكن العواصف المدمرة الحقيقية عادت تهب على المسيحيين العراقيين، بشكل خاص، بعد سقوط نظام صدام حسين، بسبب النفوذ الإيراني المتعصب وظهور الميليشيات الدينية المتطرفة التي راحت تتعمد القيام بعمليات اعتداء وتفجير وخطف بقصد إرهاب المسيحيين العراقيين، وحملهم على الهجرة من الوطن.

 

ثم اكتملت الكماشة المتطرفة المتخلفة على المسيحيين في العراق بظهور داعش واحتلاله لأغلب مناطقهم في نينوى وصلاح الدين. ومعروف ما قامت به عصابات داعش من قتل وذبح وحرق واغتصاب، ومن تدمير أديرة وكنائس ومعالم وآثار في مدن المسيحيين وقراهم، لتجبر الكثيرين منهم على الرحيل. ومن يومها والعراق يخسر، كل عام، وكل شهر، وكل يوم، مجاميع متتابعة من أبناء هذه الشريحة المتحضرة المتنورة المسالمة، هربا إلى دول مجاورة، وإلى أوروبا وأميركا، بأعداد لم يسبق لها مثيل في تاريخ المسيحية في العراق.

 

وقد حذر، مؤخرا، تقرير بريطاني جديد من أن المسيحية تواجه خطر الاندثار في العراق، في غضون خمس سنوات.

 

ووفقا لصحيفة “كاثوليك هيرالد”، فإن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أيد التقرير، وأعرب عن أسفه لحقيقة “أن المسيحيين يواجهون تمييزا بشكل منهجي، ويتم استغلالهم، بل وطردهم من منازلهم كل يوم”. ويسلط التقرير الضوء على محنة المسيحيين في العراق، حيث أدى عدم الاستقرار السياسي في البلاد، منذ حرب عام 2003 واضطهاد داعش إلى خفض عددهم إلى مئتين وخمسين ألفا فقط، بعدما كانوا مليونا ونصف المليون نسمة في عهد صدام حسين. وما زال نزوح المسيحيين العراقيين في تصاعد، خوفا من التطهير العرقي، ومن احتمالات الإبادة الجماعية.

 

ووفق تقرير آخر للـ”بي بي سي” فقد تعرض قسم من المسيحيين العراقيين لأحداث إجرامية كالخطف والتعذيب والقتل، وتكررت بشكل خاص حوادث اختطاف واغتيال رجال الدين المسيحي. وأشار تقرير الـ”بي بي سي” إلى أن استهداف الكهنة المسيحيين يرجع لأسباب عديدة منها الدافع الديني للمتطرفين الذين يريدون إخلاء العراق من العناصر غير المسلمة، والدافع المالي الذي تعمل بناء عليه عصابات إجرامية باستخدام الدين ذريعة لها في اختطاف رجال الدين وطلب فديات كبيرة لإطلاق سراحهم، مستغلين الوضع المالي الجيد الذي تتمتع به الجماعة المسيحية في العراق.

 

كما أن المسيحيين لا يحظون، كنظرائهم العراقيين من السنة والشيعة والكورد، بتجمعات عشائرية واسعة، أو ميليشيات مسلحة توفر لهم الحماية والأمان.

 

بعبارة واضحة نقول إن الغزو الإيراني القديم هجر المسيحيين في القرن السابع الميلادي، ليعود نفسه اليوم ، متعاونا مع الغزو الداعشي، لتهجير من تبقى منهم في العراق. إذن فالعراق سوف يخلو من المسيحية ومن المسيحيين في قادم الأيام. إنها لخسارة كارثية لا تعوض أن يهجر العراق أهلـه وأصحابه الحقيقيون المسالمون المتحضرون لتطغى ثقافة العنف والتطرف والعصبية الطائفية والقومية المدمرة. فأي وطن هذا الذي يطرد الزهر والابتسام والعدل والمحبة والنور، ويزرع مكانها الشوك والكآبة والظلم والضغينة والظلام؟؟.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.