كـتـاب ألموقع

• الخوف على شباب الانتفاضة كبير

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

إبراهيم الزبيدي

مقالات اخرى للكاتب

    الخوف على شباب الانتفاضة كبير

 

05 فبراير 2011

 

قيل الكثير عن انتفاضة شباب ميدان التحرير ونزاهتها وعفويتها ووطنيتها. كما تعلق بها وترقب انتصارها الملايينُ لكي تُطلق الجماهير المظلومة لسحق ظالميها، وتعيد إليها الخبز والحرية والكرامة. وتوقع كثيرون أن يهرب الديكتاتور كما فعل الديكتاتور التونسي، منقذا نفسه وأسرته، تاركا أعوانه للحساب العسير.

وظن كثيرون أيضا أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما حازم في طلب ترحيل مبارك، وصادق في طلب تشكيل حكومة انتقالية تمهد لانتخابات حرة ونزيهة تتمخض عن نظام ديمقراطي حقيقي في مصر، لا وصاية عليه من أحد، ولا يد لأمريكا ولا لإسرائيل في اختيار قياداته، ولا فضلَ عليه لشقيق أو صديق في ولادته العظيمة بعد هذا المخاض العسير.

لم يفطن هؤلاء المتفائلون ذوو النوايا الحسنة إلى أن أعوان حسني مبارك وأمريكا وإسرائيل وقادة النظام العربي لا يحتاجون إلى نظام من هذا النوع. ولأنهم فوجئوا بهذه الثورة الصاعقة فقد اختل توازنهم، واختلطت عليهم الأمور.

لذلك فهم، في هذه المرحلة، أحوج ما يكونون إلى عرقلة المسيرة ، ومنع انهيار النظام كما انهار نظام بن علي، وكسب ما يمكن من وقت إضافي لفهم هذه الثورة، وتحليل دوافعها، ومعرفة قواها الفاعلة، والبحث عن أقصر الطرق لتفكيكها وإفراغها من مضامينها الشبابية العفوية البريئة الصادقة في ثوريتها.

ومحاولاتهم هذه دائبة ومتسارعة لاصطياد عناصر من داخلها، ربما من أحزاب المعارضة التقليدية التي التحقت بها وتحركها شهوة السلطة، لتشجيعها على ركوبها وسرقتها من أصحابها الشرعيين.

ومنذ الساعات الأولى لاندلاع التظاهرات والمواقفُ الأمريكية ُالمعلنة تتميز بالحذر الشديد، وبالغموض وعدم الوضوح. فهي تواصل تأييدها لمطالب الشعب المصري، لكنها تتذرع بحجة أن الذي يحدد من يحكم مصر هم المصريون أنفسُهم، وليس أي أحد غيرهم. كلمة حق يراد بها غيرُ الحق، بكل تأكيد.

فهل يُعقل أن حسني مبارك يمتلك كل هذا الجبروت وكل هذه الرجولة والشهامة والشجاعة والوطنية والكرامة ليرفض طلبا أمريكيا برحيله، وهو الذي قال في إحدى فكاهاته في جامعة عين شمس، إبان الغزو الصدامي للكويت، ردا على أحد الصحفيين: (اللي ما يخافش من أمريكا ما يخافش من ربنا)؟.

تارة يخرج الرئيس الأمريكي نفسه، وتارة وزيرة خارجيته هيلاري كلنتون، أو الناطق باسم البيت الأبيض، أو باسم وزارة الخارجية، مرددين بلغة واحدة وصيغة واحدة أن أمريكا تدين العنف، وتدعم حقوق الإنسان وحرية الإعلام، وتحترم مطالب جموع المتظاهرين، شرط أن تظل التظاهرات في حدود الكلام والشعارات والأغاني والزغاريد. وفي الوقت نفسه تدعو نظام حسني مبارك إلى أن يرمي للشباب المنتفضين ببعض إصلاحات عاجلة قليلة، ولكن بدون الحزم الذي عرف عنها في مواقع عديدة أخرى من العالم في حالات مشابهة.

أمريكا لا تريد حربا أهلية مصرية، هذا صحيح. وربما لا تريد حسني مبارك، وهذا ممكن أيضا. ولكنها لا تريد لنظامه الرحيل. وما ترغب فيه بقوة، وتعمل على تحقيقه بالصبر وسياسة النفس الطويل، هو ترقيع النظام ببعض وجوه المعارضة التقليدية المعروفة، ولكن بقيادة عمر سليمان بالتحديد، وبدون شباب التحرير الذين لا تطمئن أمريكا، ولا إسرائيل ولا أوربا ولا النظام العربي، لحماستهم المفرطة في تغيير وجه مصر ولحمها ودمها بالكامل، وتعلقهم الشديد بالديمقراطية والتحرر والاستقلال، خصوصا وأنهم غير معروفين ولا مُجرَبين ولا مروضين ولا مُدجنين. وشيطان تعرفه خيرٌ من آخر لا تعرفه.

من ناحية أخرى كشفت محنة حسني مبارك غيرة جميع رفاقه من قادة النظام العربي، وتسارعَهم لنجدته وتجنيبه مصيرَ بن علي، وربما بأوامر أمريكية أيضا. ومن يراقب الإعلام العربي الرسمي أو الخاص الدائر في فلك الحكام، على حد سواء، يلاحظ بسهولة أنه يدق على وتر واحد، ويبالغ في الدق عليه، هو الحرص على حماية استقرار مصر، والخوف من ظهور نظام ديني متطرف قد يهدد أمن مصر والمنطقة معا.

ولكي لا تُفلح انتفاضة مصر كما أفلحت الانتفاضة التونسية في هدم النظام كله تقريبا، فتُشكل حكومة ٌانتقالية تكاد تخلو تماما من أعوان الديكتاتور الهارب، وينطلق التحضير لانتقال جذري من نظام العسكر الديكتاتوري إلى نظام ديمقراطي جديد قد يتمرد على ما يكبل مصر من اتفاقات وعهود وقيود، وخاصة ما يتعلق منها بإسرائيل، فقد أشير على حسني مبارك بعدم التنازل العاجل للشباب،  وبالمماطلة، والمراهنة على عنصر الزمن، من أجل كسب مزيد من الوقت يتيح لهم إعادة ترتيب أوراقهم ومواقفهم بعناية. قد لا تكون الخطة الجديدة التي بدأ النظام استخدامها، منذ يوم الخميس الماضي، من اختراع نظام مبارك نفسه، بل قد تكون من تفصيل مخابرات أخرى أكثر مراسا وخبرة في إدارة الأزمات ومواجهة الطواريء.

الملاحظ أن هذه الخطة تقوم على ثلاثة محاور، الأول يتميز بوقف التعديات المفبركة، وعدم اللجوء إلى العنف ضد المنتفضين، في هذه الفترة العصيبة، لأنه قد يشعل حربا أهلية مخاطرُها أكثر من منافعها على الجميع، وباعتماد الرقة والليونة، وبالإكثار من مديح الشباب، ودغدغة عواطفهم، وإنعاش غرورهم، بصفات النباهة والحداثة والعفوية والنزاهة، وبإبداء كثير من احترام مطالبهم.

أما المحور الثاني فيتلخص بأن يقوم النظام ببعض الإصلاحات الصغيرة العاجلة، مع الإكثار من الدعوة إلى التفاهم والحوار. وفي هذا الإطار يكثر عمر سليمان وأحمد شفيق من الحديث عن عدم وجود قيادة للانتفاضة للتحاور معها، والطلب من الشباب تعيين قيادة للحوار. والغرض من ذلك غير بريء، فهو يهدف إلى زرع الفتنة بينهم، وشق صفوفهم، ليتحقق تفكيك الانتفاضة، إما بصرعات وخلافات بين الشباب أنفسهم، أو بينهم وبين أحزاب معارضة انضمت إليهم أو التحقت بهم. وفي هذا الإطار يتعمد رئيس الوزراء إطلاق التلميحات والتصريحات بأن للنظام داخل ميدان التحرير عيونا وعناصرَ عديدة يزعم أنها موجودة لرؤية الواقع داخل الميدان. لزرع الخوف من العقاب في نفوس البعض من المنتفضين، ولخلخلة قناعات البعض الآخر بجدوى الانتظار الطويل، وللتأثير على معنويات البعض الباقي، بالتزامن مع إطلاق إشاعات ينهمك إعلام النظام بترويجها، بمعاونة الإعلام العربي والأمريكي، عن توبة كثيرين من الشباب، وعودتهم إلى بيوتهم، بعد أن اقتنعوا بضرورة منح الحكومة الجديدة فرصة لاختبار النوايا، والحكم على الإنجاز. ويرافق ذلك كله ظهور يومي ولساعات طويلة لعمر سليمان وأحمد شفيق على شاشات التلفزيون، لإغداق الوعود بمحاربة الفساد، وإجراء انتخابات نزيهة، وغير ذلك. ولتقديم الدليل الملموس قاما، فعلا، بتقديم بعض رفاقهما من رجال الأعمال الفاسدين، أكباشَ فداء، بمنع بعضهم من السفر، وحجز أموالهم.

المحور الثالث، وهو الأهم، فيتمثل في عمل النظام الجاد والمضني على تأزيم حياة الموطن المعاشية اليومية، وتعطيل المصالح والمؤسسات الحيوية، حتى تلك التي تقع خارج ميدان التحرير، والتسبب في شحة المواد الغذائية والأساسية، وغلاء الأسعار، لإلقاء السؤولية على شباب التحرير، وتأليب المصريين عليهم، باعتبارهم سبب هذه الأزمات الخانقة.

ولا يكف إعلام النظام عن ترديد الشكاوى من تضرر الاقتصاد وانهيار السياحة وتوقف المواصلات وعجز المحلات الصغيرة عن توفير خدماتها للمواطنين، والتحذير من ازدياد البطالة والفقر والمعاناة.

وبالإضافة إلى ذلك كله تداخلت عوامل خارجية عديدة لتلحق ضررا بالانتفاضة وتخدم النظام. منها أن الشباب، وبسبب الحصار الإعلامي المفروض على انتفاضتهم، قد اضطروا إلى اعتماد قناة الجزيرة مَعبَرا رئيسا لهم إلى العالم الخارجي.

ولكن قناة الجزيرة، بدوافع غير بريئة، تخطت، في تغطيتها، حدود َ أمانة المهنة الإعلامية، وأصبح بثها، على مدى أربع وعشرين ساعة، من ميدان التحرير، تحريضا وتهويشا وتجريحا، ومبالغات وتلفيقات. فلم تخدم ثورة الشباب، بل أساءت إلى صدقيتها بكثير.

ثم ظهر القرضاوي بنداءاته الساخنة، مناديا شباب الانتفاضة بالصمود والثبات لتحرير مصر من الديكتاتورية والعمالة، رغم أنه لم يُعرف سابق بمعاداة الديكتاتورية، ومعارضة الحكام الظالمين وفسادهم، وهو المرتبط، من سنوات طويلة، بأنظمة حكم ٍ مشكوك في توجهاتها وارتباطاتها.

ثم أكملها النظام الإيراني بدخول خامنئي على الخط بدفاعه الانتهازي عن الانتفاضة، رغم علمه بأنها ديمقراطية وطنية علمانية، وهو الذي قمع المعارضة في بلاده بقسوة وهمجية ليس لهما حدود.

هذه كلها وغيرُها غيومٌ سوداء تتجمع فوق ميدان التحرير فتُفسدُ سماءه الصافية، وتعطي النظام المصري وأمريكا وإسرائيل وحلفاءَ حسني مبارك وحُماتَه من القادة العرب ألف عذر ٍ وعذر للتشكيك في نزاهة الانتفاضة واستقلاليتها وعدالة أهدافها وصدق شعاراتها.

إن شباب التحرير في خطر. فالنظام يَستخرج كل خبراته المتراكمة في الغش والتلاعب والتآمر والدس والوقيعة للفتك بشباب يافعين لم يتمرسوا في السياسة، ولم يتعلموا ألاعيبها.

فإذا لم تستطع ثورة الشباب أن تصنع انتصارها اليوم أو غدا، أو حتى بعد غد، فسوف تكون في خطر محدق أكيد. لأن الانتظار الطويل ليس في صالحها بل في صالح النظام. ومع استمرار حالة اللاحسم واللا حل سوف يتسلل الوهن والتعب والملل إلى نفوس كثيرين منهم ومن أنصارهم ومؤيديهم، لتصل ثورتهم، في النهاية، إلى طريق مسدود. اللهم احم ِ هذه الثورة من أصدقائها وأعدائها الكثيرين.