كـتـاب ألموقع

• أفلاطون والديمقراطية ونوري المالكي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

إبراهيم الزبيدي

مقالات اخرى للكاتب

     أفلاطون والديمقراطية ونوري المالكي

 

آخر قراءاتي كتابٌ بعنوان (الطاغية) للدكتور إمام عبد الفتاح إمام. دراسة فلسفية لصـوَر من الاستبداد السياسي. من الكتاب خرجت بما يلي.

كان اليونانيون عندما تحل كارثةٌ طبيعية أو سياسية أو اجتماعية طارئة يختارون شخصا عادلا وعاقلا، ويدعونه لحكمهم حكما فرديا كاملا، مطلق الصلاحيات، بدون برلمان، ودون أية معوقات ديمقراطية أخرى، لفترة محددة، تكون أحيانا عاما، أو شهرا أو حتى يومين. يستقيل فور انتهاء الظرف الطاريء الذي أوجب تنصيبه. وكانوا يطلقون عليه صفة (المستبد).

ولكن بعض المستبدين كان يطمع بالحكم، فيخون الأمانة، ويتمسك بالسلطة، ويقمع الجماهير  المعارضة، ويفرض نفسه عليها بالقوة، ثم راحوا يسمونه بـ (الطاغية).

ومع نمو الديمقراطية في اليونان أصبح الحكم الذي ينفرد به رجلٌ واحد أمرا بغيضا، بل أصبح قتل الطاغية واجبا وطنيا.

ويقول جون لوك في (الحكم المدني) " ليس للطغيان صورة واحدة، فمتى استُغلت السلطة، أية ُسلطة، لإرهاق الشعب وإفقاره تحولت إلى طغيان، مهما كانت صورته ومبرراته".

ويشير أفلاطون إشارة قوية إلى أن الأعوان، مستعينين بغباء الشعب، يمكن أن يخلقوا الطاغية. ويقول إن شخصية الطاغية البهيمية لن تصادق إلا رفاق َ سوء. ولهذا ينبغي ألا ندهش عندما نجد أعوان الطاغية يمارسون مجموعة  من الجرائم البسيطة، كالسرقة والسلب وثقب الجدار واغتصاب أموال المارة وملابسهم، وبيع الأحرار على أنهم عبيد. ولأنهم يملكون اللباقة في الحديث فقد احترفوا الوشاية وشهادة الزور والاتهام الكاذب، مقابل رشوة. وتوصف هذه الجرائم بأنها (بسيطة) إذا ما قورنت بجرائم الطاغية نفسه.

والديكتاتور قد يكون فردا، كصدام حسين وبن علي وحسني مبارك بشار الأسد، وقد يكون جماعة كدولة الولي الفقيه. والمعيار الذي يميز حكم الطاغية هو انعدامُ الرأي الآخر.

والعبرة ليست بما يقوم به الطاغية من مشاريع. فقد يقوم ببناء سدود وجسور ومصانع، لكنه في النهاية يدمر روح المواطن، كما يقول أرسطو، ليُحيل المجتمع إلى مجموعة من النعاج تسهل قيادتها.

وقد  َعرَف افلاطون عن كثب كيف يعيش الطاغية، وكيف ينفق على نفسه وعلى حاشيته وملذاته، ومقدارَ البذخ، بل السفه في الإنفاق، دون حسيب ولا رقيب. فهو يستطيع أن يفرض الضرائب، كما يشاء، متى يشاء، وأن يجمع من المال ما يشاء.

ثم تحدث أفلاطون عن الحراسة التي يحيط بها الطاغية نفسه، وكيف أنه يستطيع أن يعتقل من يشاء، في أي وقت يشاء.

كما وصف حياة الطاغية، داخل حاشيته، فيصفها بأنها ظلام ٌ دامس، حيث تنعدم الحرية، ويكثر الوشاة والمرجفون، وتُحاك الدسائس والمؤامرات، ويصبح الطاغية في شك وريبة من جميع المحيطين به، فيبث عيونه في كل مكان، لكي تنقل له حركات الناس وسكناتهم.

ويقول عن الطاغية إنه بدون أخلاق. فلا وفاء بوعد، وليس لديه كلمة شرف. فهو يخون أقرب الناس إليه. والتهم الملفقة جاهزة، أكثرها استخداما تهمة الخياة والتآمر. وبهذا فإن الطاغية يدمر القيم الأخلاقية، وليس السياسية، وحسب.

لا يكون إلى جانب الطاغية مفكر كبير، لأنه لا يطيق الفكر ولا النصيحة. فقد حُبس أفلاطون نفسَه، وكادت البشرية تخسر أهم منارة للفكر والفلسفة لولا أن القدر ألهم سفير أسبرطة بالحل المثالي، وهو بيع الفيلسوف أفلاطون كما يباع الرقيق.

وفي دولة الطاغية يشيع النفاق والتملق. فالطاغية نفسُه، وأعوانه، حين يحتاجون إلى قضاء حاجة من أحد، يحتالون ويكذبون ويتزلفون، إلى أن يصلوا إلى المبتغى، ثم ينقلبون.

ويقول أفلاطون إن أسوأ شيء يوجد على الأرض هو الطاغية، سواء كان فردا أو جماعة. ويلخص هذه الحقيقة بالقول إن وجود الطاغية نهْبٌ كأي نهب آخر، وسرقة ٌواختلاس. فوجوده هو منعٌ لوجود حاكم عادل، ووجودُ حاشيته السيئة هو منعٌ لوجود حاشية خيرة.

بعد هذه الملاحظات تأملوا الصورة العراقية الراهنة. كان هناك طاغية واحد اسمه صدام حسين، لا أحد يجادل في عنفه وظلمه ونرجسيته وجنون العظمة الذي كان فيه. لم ُيبق رجلا ولا حزبا ولا فكرا يستطيع أن يقف بوجه طغيانه وجبروته. هرب البعض من معارضيه إلى دمشق وطهران ولندن والرياض،  وسكت البعض الآخر على مضض، وأبدل البعض الثالث معارضته السابقة بالموالاة، فانضم إلى حزب الطاغية، وصار من حماته ورجاله المخلصين. حتى لم يبق أمام الشعب الواقع تحت حكم المستبد سوى الأستنجاد بأية قوة خارجية أقوى منه ومن معارضيه، لتزيح كابوسه، حتى لو كانت أمريكا ذاتَها.

وعلى هدير دبابات الاحتلال سقط الطاغية وسقطت معه حاشيته، وتسلق سُلمَ السلطة بعده، لفترة محددة، معارضون، طيبون، مناضلون، مبشرون بالعدل والاستقامة والنزاهة والوفاء. ولكنهم، حين ذاقوا حلاوة الحكم، وسقطوا في عسله وتينه وزيتونه، تمسكوا به، وتمسكنوا إلى أن تمكنوا. وهاهم قاعدون لا يبرحون، ولا أمل في أنهم ربما ينزلون عن الكراسي، دون دم، ودون دخان.

كان قبلهم ديكتاتور واحد، وصار لنا اليوم عشرون وأربعون وثمانون ومئتان وأربعمائة وألف ديكتاتور.

كانوا متنافرين فتآلفوا. وكانوا متقاتلين فتصالحوا. من كل طائفة، ومن كل دين، ومن كل عشيرة، تجمعوا وأنشأوا حزب المحاصصة الواحد العتيد. وهاهم متوحدون علينا، كارهون لكل من يطالبهم بماء وكهرباء وغذاء ودواء.         

كان أياد علاوي وصالح المطلق وبدر الملا والهاشمي والنجيفي لا يتوقفون عن التنديد بظلم المالكي وفساده وطائفيته وعمالته لإيران. صباحا ومساء، على كل صحيفة، وعلى كل فضائية، ينددون بظلم المحاصصة، وفساد الطائفية، ويقسمون أغلظ الأيمان على أنهم لن يدخلوا حكومة فيها نورلاي الماكي. وحين دخلوا جنة السلطة سكتوا جميعا، وصار المالكي الأخ العزيز، والقائد الوفي، والمصلح الصنديد.      

بل صار كل ما يَشغل بال زعيم المعارضة العلمانية هذه الأيام هو الوفاء باتفاق أربيل، وتقاسم السطلة مع المالكي، بنفس صلاحياته، ونفس راتبه، ونفس مخصصاته، ونفس حمايته، ونصف جبروته، ونصف صولجان.         

أما الشعب، وأما فقره وجوعه وخوفه، فلم يعد له مكان في قلب زعيم المعارضين. بعد كل هذه المَضحكة أصبح من حق المالكي أن يسخر من تظاهرات العراقيين المحتجين على الفقر والجوع والفساد، وأن ُيطمئن رفاقه في وزارة الـ (أربعة وأربعين)، ويطلب منهم ألا يخافوا ولا يستحوا. فالتظاهر حق طبيعي ديمقراطي كفله الدستور، ما دام لا يهدد عرشا ولا يهدم قصرا ولا يحرق زرعا لأحد.

ولنوري المالكي العذر كله حين يقول إنهم( هو وشركاؤه المتحاصصون) أسسوا "نظاما سياسيا محميا بإرادة شعبية، قائما على أساس كامل الحريات التي تؤمن بها الفصائل العراقية، كلها".

أما أفلاطون وتخاريفه عن الطاغية، فردا كان أو جماعة،  فكلام فارغ، ليس له مكان في عراقنا الديمقراطي الجديد.  فالصدريون، مثلا، يتصدرون الانتفاضة على الظلم والطائفية والمحاصصة والفساد، ويدعون إلى الاعتصام. الله الله ياديمقراطية. الله الله يا ديمقراطيون.