اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• أمي التي رسمت وجهها في مياه الفرات

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

أمير أمين

 

 

أمي التي رسمت وجهها  في مياه الفرات

 

مثل ملايين العراقيين الذين لا يعرفون يوم مولدهم وثبت الأول من تموز في وثائقهم الرسمية على أنه تاريخ ميلادهم، فقد ولدت أمي في 1 تموز عام 1932 في أربيل وكان ترتيبها الأول في العائلة ولحق بها خمسة إخوة، تزوجت في سن مبكرة كعادة أيام زمان عام 1946 في الزبير بعد ان قطعت المهر في السليمانية لأن فوج والدي كان قد نقل الى الزبير بينما نقل والدها مع فوجه الى التنومة في البصرة، حينما حملت سافر والدي قبل أسبوع من الولادة الى فلسطين مع قطعات من الجيش العراقي للدفاع عن الشعب الفلسطيني بوجه الإسرائيليين الذين قرروا إعلان دولتهم في 15 أيار عام 1948 ، توجهت الوالدة الى بيت أهلها لتضع مولودها البكر بمساعدة والدتها في التنومة يوم 20 أيار وبقي والدي هناك سنة ونصف إستطاع أن يأتي مرة واحدة شاهد بها إبنه البكر داود وقد بدأ يتعلم المشي! ( أنجبت الوالدة ستة ذكور وأربعة إناث مات إثنان من الذكور في مرحلة الطفولة وإستشهدت بنتيها الصغرى والكبرى) وحينما سألتها عن بداية علاقتها بالحزب الشيوعي قالت : أنها تأثرت بالحزب عام 1954 من خلال الفقيد شاكر شناوة الذي كان يستقبل الشيوعيين في بيته وهم جيراننا ، حيث بشرهم بالثورة وشرح لهم أهدافها ، ولما نجحت ثورة 14 تموز ظهرت رابطة المرأة الى العلن فسارعت الوالدة الى الإنتماء لها ثم فتح مقرآ خاصآ بالرابطة يقع في منطقة قريبة من حديقة غازي وسط مدينة الناصرية (وأنا أتذكر كيف كانت أمي حامل بأختي إنتصار وكانت تأخذنا معها أنا وإخوتي سمير وجمال وتقوم بحمل إثنين منّا على متنها ويديها بينما يبقى الثالث مناوبآ وماسكآ أذيال عباءتها!!!! لحين مجيء دوره فتقوم بإستبداله إلى أن نصل مقر الرابطة! ) سألت الوالدة عن دوافع إنتماءها للرابطة وماهي أهدافها ونشاطها حينذاك فقالت: كانت رابطة المرأة العراقية تشرح أمور كثيرة تخص هموم المرأة وتبين نضال الحزب الشيوعي من أجل تحريرها من الظلم الذي تعانيه في المنزل والمجتمع وتفضح السياسة السابقة لنوري سعيد وتوضح أهداف وبرامج النظام الوطني الجمهوري وعن سؤالي لها حول عملهم داخل المقر وماذا يفعلون كل يوم ، تضحك الوالدة قائلة: أنت كنت صغير جدآ ولا تتذكر فقد فتحنا صف لمحو الأمية دخلت به الكثير من النساء وكنت أنا من ضمنهم (تضيف الوالدة) وكنا ندرس القراءة والحساب ومباديء العلوم وكانت معلمتنا إمرأة كردية إسمها كلاويش وهي تعرف اللغة العربية بشكل جيد وأيضاً يقومون بتعليمنا التطريز والخياطة وفن الطبخ كذلك دروس التوعية السياسية والإجتماعية ثم تتذكر الوالدة حينما حاول البعثيون ومن ضمنهم صدام حسين قتل الزعيم قاسم ، شاركت الرابطة بمظاهرة تهتف ( يا جمال العفلقي يا غبي يا إبن الغبي، إتريد وحدة مزيفة !) وتذكر الوالدة أن هنالك معلمة أخرى إسمها تنزيل (أم زهير) أيضاً تقوم بتعليمهم بينما تقوم بلقيس بمهمة تعليمهم الخياطة، وتقوم الرابطة بتنظيم الحفلات بمناسبة ثورة 14 تموز حيث يجري جمع للنقود التي توزع لاحقآ للفقراء وتشجع الرابطة الناس لختان أولادهم في المستشفيات وتقدم لهم الهدايا بهذه المناسبة وتعمل لهم الحفلات الترفيهية وتؤكد والدتي الى أن أمها والتي كانت أيضآ عضو في الرابطة ، كانت أبرز رابطية تقوم بجمع الأموال لكي توزعها على الفقراء والمساكين في الأعياد وتشتري ببعض منها الملابس لهم ولأطفالهم الصغار !

ومن المؤسف أن الوالدة قطعت الدراسة بضغط من والدي لكثرة الأطفال الذين هم بحاجة ماسة الى رعايتها كما كان والدي يؤكد ذلك عليها دائمآ ! وتشير أمي الى أن الرابطة أجبرت على غلق مقرها في إنقلاب 8 شباط الدموي عام 1963 حينما إنتكست الثورة وأجرم البعثيون بحق الشرفاء من أبناء وبنات الشعب العراقي وإغتصبوا الكثيرات وحول علاقة الرابطة بالدين تؤكد الوالدة بأنهم لا يتدخلون في الأمور الدينية وتضيف ، أنا أصوم وأصلي وأهتم بشؤون الرابطة بحرية وهم يحترمون معتقداتنا الدينية ! في عام 1973 وعلى أثر التحسن النسبي للوضع السياسي في البلد من خلال التقارب بين حزبنا الشيوعي وحزب البعث الحاكم لإبرام الجبهه وتوسع تنظيماتنا عمودياً وأفقياً ، رشحت والدتي للعمل في الحزب ، وفي أحد نهارات شهر آب عادت الوالدة من أحد الإجتماعات الحزبية وكانت ترتسم على ملامحها الفرحه ! ،أخرجت من محفظة نقودها ورقة برتقالية اللون وناولتني إياها قائلة : خذ هذه وإحفظها عندك بشكل جيد !!! فوجئت حقاً حينما فتحتها ! وقلت لها: ما هذه ! بعد أن قرأت محتوياتها، إبتسمت لي وقالت بفرح :هذه بطاقة عضويتي بالحزب وكان مثبت بها إسمها الحزبي (جميلة) وتاريخ قبولها العضوية في 8_8_1974 هنأتها على ذلك وحسدتها على نوع البطاقة الجميل وعلى الكلمات الرقيقة والمعبرة والتي إحتوتها قياساً ببطاقتي التي إستلمتها قبل ذلك بستة شهور وكانت عبارة عن ورقة عادية من بقايا العمل الحزبي السري !!وبقيت أخبئها مع بطاقة عضويتي الى عام 1979 حيث أنني أحرقتهما مع بعض الوثائق الحزبية قبيل خروجي من الوطن حينما تصاعدت الحملة ضد حزبنا وشملت عموم مناطق الوطن ، وحينما سألت الوالدة عن سبب دخولها للعمل الحزبي لا سيما وأنها تعمل في رابطة المرأة ! أجابت على الفور : كان دافعي هو حبي للوطن والحزب !! ونحن أولادها ندرك صدقية كلامها الذي ينبع أساساً من وعيها العالي بمصداقية نضال الحزب الشيوعي العراقي ودفاعه عن مصالح شعبنا ، قلت لها : ومن كتب لك رسالة الإنتماء؟ وما هي طبيعة عملكم؟ ردت والدتي بالقول : أنا كتبتها وبمساعدة إبنتي منى (الشهيدة أنسام ) ثم وضحت أن لديهم 3 أو 4 إجتماعات في الشهر ويقومون بدراسة الوضع السياسي ويناقشون وضع المرأة كذلك حقوق العامل والفلاح ، وكانت مسؤولتها أم معالم وأيضاً الشهيدة أنسام وعملت معها أم سلمان (الشهيد سلمان جبو) ، وتتذكر أن ماليتهم في الحزب كانت ربع دينار ! ، في الشهور الأولى لعام 1979 بدأت السلطة تضايقنا كعائلة وإبتدأت ذلك بطرد أخواتي سحر وكوثر وإنتصار من ثانوية الوحدة ( لعدم إنتماءهن للإتحاد الوطني ) ، أحسسنا أن هذا أول الغيث! وسارعنا لتنظيم تحركنا صوب العاصمة وجرى إخفاءنا في البيوت الحزبية وبيوت بعض الرفاق ولم يبقى مع والدتي سوى سحر وإنتصار مع إبنة أخي روزا ( لأن أمها جرى تهريبها الى بغداد مع إبنتها نهران وكانت حامل بإبنتها سوزان وكانوا أيضاً يسكنون معنا في نفس البيت وكانت أم نهران أيضاً شيوعية ومطلوبة من قبلهم كسائر أفراد العائلة ) فرحت أمي كثيراً لإنقاذنا أنفسنا من السقوط أو الإستشهاد وحمدت الله كثيراً على سلامتنا وبدأت تسعى جاهدة لمحاولة إعادة بناتها الى مقاعد الدراسة وسافرت ثلاث مرات الى بغداد لتحقيق هذا الغرض حتى إستطاعت من مقابلة الأستاذ الفقيد محمد محجوب والذي كان يشغل منصب وزير التربية ( قبل أن يعدمه صدام ) وإستمع الى المشكلة وقام بتزويدها بورقة رسمية يطلب فيها من المعنيين بالتربية في المحافظة بإعادتهن فوراً الى الدراسة ، ولكنه أكد للوالدة بأن على أخواتي تقديم إستقالة من الحزب الشيوعي لتنفيذ ذلك !!! فأخبرته الوالدة بأنهن يرفضن التنازل عن المباديء! ، قال لها: أننا نؤمن بالإشتراكية كما أنتم ! فهل أنتم ضد الإشتراكية !؟ فردت عليه الوالدة قائلة : أن إشتراكيتكم مزيفة !! وإنصرفت، ولما شعر أزلام النظام المقبور بعدم ظهورنا في المدينة شددوا من مضايقاتهم للوالدة وكانوا يكثرون من السؤال علينا وعن أماكن تواجدنا وكانت أمي تنكر ذلك بشدة حتى صاروا يدخلون البيت بإستمرار للتفتيش عنا عسى أن يجدوا أحد منا فيكون فريستهم المرتقبة !! ولما يأسوا من ذلك قاموا بإرسال مختار المحلة المرحوم سعدون لإستدعاءها لديهم لغرض ما !!! ولكن الوالدة بحسها الفطري أيقنت أن نهايتها قد إقتربت على أيديهم ! ، وصدق حدسها حينما أخبرها أحد من الناس أنه شاهد مدير أمن المحافظة وهو متوجهاً نحو بيت المختار ! طمأنت المختار بأنها ستلتحق به بعد قليل ! ولكنها بدلاً عن ذلك قامت بإقفال البيت وإيداع المفاتيح لشخص ما ! ولم تتمكن من أخذ أي شيء يذكر! فحتى صور العائلة الشخصية بقيت فيه !! وسافرت الوالدة على عجل الى العاصمة الحبيبة بغداد والتي أنقذت آلاف المناضلين بأحضان بيوتها الدافئة ( ومن الجدير بالذكر أن بيتنا هذا لم يعد الينا حتى هذه اللحظة !!!!! ) بعد أن قامت زمرة من عناصر الأمن بإقتحامه في اليوم الثاني ، وفي بغداد قامت الوالدة بإستئجار غرفة عند أناس لا تعرفهم في الشعلة وسكنت عندهم لبضعة شهور مع شقيقاتي سحر وإنتصار وإبنة أخي روزا ثم إنتقلوا الى غرفة أخرى فثالثة وبعدها إستقروا في بيت صغير يقع قرب الكاظم ، وتقول الوالدة أنهم أنتقلوا 18 مرة !!!من مكان الى آخر لأسباب أمنية ! لم تستطع أمي من الذهاب مجدداً الى الناصرية لإستحصال راتب والدي التقاعدي الذي كانوا يعتاشون عليه ، ولم تتمكن من نقله الى بغداد ، ولأن إمكانيات الحزب كانت بسيطة وهو لا يستطيع من مساعدة عدد كبير من الرفاق الذين توجهوا للإختفاء ومواصلة العمل السري داخل العاصمة ، لذلك فكرت الوالدة بأن تعتمد على نفسها في إيجاد عمل !! .. إستغربت من ذلك حقاً !! وقلت لها : كيف تمكنت من معرفة بغداد؟! وكيف إستطعت الحصول على العمل ؟! أجابت ببساطة : إشتريت في البداية ملابس لنكات بالجملة ، ثم بعتها بالمفرد ! وأردفت موضحة ذلك بالقول : كنت أبيعها صباحاً في مدينة الشعلة وعند العصر أذهب الى الكاظم لبيعها هناك وعملي يمتد منذ الصباح الباكر الى وقت متأخر من الليل !! وأتناول طعامي وشرابي أثناء العمل في الشارع !! وتضيف أيضاً : غالباً ما أصطحب حفيدتي روزا معي طيلة يوم العمل وكانت هي طفلة صغيرة جداً وتناديني : يمّه لأنها لا تعرف والديها لسفرهم الإضطراري خارج العراق ، وتشير الوالدة الى أنها تحولت الى بيع الملابس الجديدة كالقمصان وغيرها بالمفرد أيضاً بعد أن تشتريها بالجملة من متعهدين ولا يوجد لها محل ثابت ، فهي تبيع في الشارع متحملة الظروف القاسية ! زائداً تجاوزات رجال البلدية عليها وحصولها على الغرامات المالية لأي سبب كان!! وإستمرت على ذلك العمل القاسي لأكثر من 13 عام أي من سنة 1980 وإلى سنة 1993 حينما بدأنا بالإستقرار أنا وإخوتي في بلدان اللجوء وسارعنا فوراً الى إيقافها عن مواصلة هذا العمل ، وبدأنا بمساعدتهم بإنتظام ، وخلال هذه الفترة الشاقة من حياتها لم تنقطع عن مواصلة عملها الحزبي وكان الحزب يرسل لهم بعض الرفاق أو الرفيقات للإختفاء معهم وتعزيز العمل الحزبي داخل بغداد وعموم الوطن ( في عام 1994 إستطعنا من سحب روزا من بغداد الى كردستان فسوريا وثم الى النرويج )وحينما سألت الوالدة عن كيفية التوفيق بين عملها اليومي وعملها الحزبي ، أشارت الى أنها كانت تستلم النشريات وتوزعها في الأماكن التي تعمل بها أو التي تمر عليها وهي في طريقها للعمل أو عند طريق العودة للبيت ، وقالت أنها كانت توزع المناشير في الكاظم والثورة ومدينة الشعب وأيضاً تترك قسماً منها في السيارات ، وتذكرت قائلة : أنني في أحدى المرات سافرت الى لبنان للبحث عنكم وإستلمت من الحزب نسخاً من طريق الشعب وبعض النشريات الأخرى وأوصلتها الى بغداد وقمنا بتوزيعها في العاصمة .. في عدة أماكن !! وحينما كنا في كردستان جاءت الوالدة خمسة مرات لغرض ملاقاتنا في سورية أو في لبنان ونجحت في إحداها أن تلتقي بالشهيدة أنسام في دمشق ( قبل أن تلتحق الشهيدة بكردستان ) وكانت قد إصطحبت معها الطفلة روزا ، وفي دمشق قامت بالتبرع للحزب بمبلغ 60 دينار وكان حينذاك يعادل حوالي 190 دولار ،.... بعد هذه الرحلة الطويلة والمليئة بالألم والمعانات ، سألت الوالدة عن شعورها حينما سقط النظام فقالت : كنت أتمنى أن تكون إبنتي سحر على قيد الحياة لأنها كانت سجينة ، ولم أكن أعلم بأنهم أعدموها ! ! وأول شيء فكرت به هو أن أرى جميع أولادي !وحول سحر وموناليزا لم أكن مصدقة بأنهن ذهبن وإلى الأبد !! وكنت لسنة كاملة بعد السقوط أراجع أسماء المعدومين للبحث عنهن دون جدوى الى أن أخبروني بالحقيقة المحزنة !! وقلت لها : هل أنت نادمة عليهن ؟ فقالت :لا ، ولكن البزر عزيز ! وأنا أحبهن وأصبحت الآن فخورة بهن!!.........ولا زالت أمي تتمتع بعضويتها الحزبية وإستلمت بطاقة جديدة ناولتها الى أخي جمال وقام بكبسها لها عند محل قريب من البيت ، وهي تحتفظ بها قريباً من القلب وتعيش معها بفرح غامر !

 

* العنوان لهذا الموضوع مأخوذ من أغنية سياسية للمطرب سامي كمال

 

ملاحظة: أعدت نشر هذا الموضوع الآن بعد إستلامي النبأ المحزن بوفاة والدتي مساء  السبت العاشر من تموز 2010 في مدينة الحرية ببغداد 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.