اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• في ذكرى رحيل فنانة الشعب العراقي المبدعة زينب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

أمير أمين

 

 في ذكرى رحيل فنانة الشعب العراقي المبدعة زينب

 

تمر في الثالث عشر من آب الجاري ذكرى رحيل إبنة الشعب العراقي والقامة الفارعة للسينما  والمسرح العراقي الملتزم ( الفنانة الرائعة  زينب )  بعد صراع مرير مع مرض السرطان ، الذي قضى عليها في نهاية المطاف  ، بعد أن وقفت شامخة ومتحدية له مدة طويلة الى حد ما !   حيث توقف قلبها الحنون عن الخفقان في مثل هذا اليوم في مدينة يوتوبوري السويدية وهي بين رفاقها وأصدقاءها من الفنانين والأدباء والشعراء وغيرهم  من المثقفين ، بعد شهور عديدة عاشوها بحزن وألم حينما سمعوا بصراعها مع المرض ولم تنقطع زياراتهم عنها حتى آخر لحظة من حياتها المليئة بالعطاء وبحب الناس ، وتوافد المشيعون عليها من عدة دول بالإضافة الى المدن السويدية وكانت عيونهم تغرق بالدموع وهم يعزون زوجها الفنان لطيف الذي وقف بصبر رجولي الى جانبها كل لحظة وكان يشد من أزرها لتحمل الألم والمعانات ، والذي كانت خسارته لها لا تقدر بثمن !.....

في أواخر  الستينيات عرض تلفزيون بغداد مسرحية  (النخلة والجيران )، كنت في بداية المرحلة المتوسطة، لم يكن في بيتنا وقتذاك تلفزيون ولكنني شاهدت العرض من خلال شاشة تلفزيون مقهى محلتنا (إسكان الناصرية ) حيث تجمعنا أنا ومجموعة من الأصدقاء ، ووقفنا منشدين الى الشاشة خلف مقاعد الرجال الذين كانوا جالسين يتفرجون وهم منهمكين بإحتساء أكواب الشاي الساخنة اللذيذة !

وكان التلفزيون وقتها  غير ملون ويسوده أحياناً عدم الوضوح  ( كان كثير النمش والتشويش ) !! ولم أنسى الحوار الشيّق الذي دار بين الراحلة زينب في دورها ( سليمة الخبازة ) مع الفنان خليل شوقي الذي كان دوره مصطفى الدلال ، والذي إمتاز بشخصية متلونة في محاباتها للإنكليز من أجل إدامة بقاءهم في العراق ! ولكي يكسب ودها ويستحوذ على بيتها فكان يقول لها ضمن الحوار بينهما  ( سليمة خاتون ، إحنه شعلينه بالإنكليز ، همه بذاك الصوب وإحنه بهذا الصوب  !! )كان يقولها بلكنه بغدادية محببة ، تتبعها تعليقات المشاهدين وطلبات صاحب المقهى منهم السكوت لمتابعة بقية المسرحية !! ومن خلال هذا المقطع من المسرحية ، شعرت أن الراحلة دخلت قلبي كأخت عزيزة جداً وكم تمنيت أن التقيها وجهاً لوجه ، حتى أن بقية أصحابي أحبوها وأحبوا الفنان خليل شوقي على الرغم من بغضهم للإنكليز ! ومرت السنوات وشاهدت فنانة الشعب زينب تتألق بعدة أدوار رئيسية في عدة مسرحيات وأفلام !  كالخرابة والقربان والخان وآني أمك يا شاكر بالإضافة الى سعيد أفندي الشهير سابقاً والحارس وأبو هيلة وغيرها الكثير وإزداد حبي وإحترامي لها بشكل كبير جداً حينما عرفت أنها شيوعية وكبر في نفسي الأمل بأن التقيها في يوم ما !!... وبعد الحملة على حزبنا من قبل السلطة المقبورة في عام 1979 إلتحقت بفصائل أنصار الحزب الشيوعي العراقي وكنت مع رفاقي نتابع أخبار الفنانين ومنهم الراحلة زينب فكنا نسمع أنها في سوريا تارة وتارة أخرى في اليمن  ، وحينما توجهت أنا لليمن في أذار 1984   كانت زينب في سوريا فلم ألتقي بها للأسف ، وأخيراً تشرفت بمعرفتها عن قرب حينما جاءت الى بلغاريا لزيارة زوجها الفنان لطيف ، أخذت رقم الغرفة الكائنة في أحد الأقسام الداخلية في مدينة صوفيا ، طرقت الباب وفتحه لي الأخ الغالي لطيف ، وكنت على معرفة مسبقة به ، رحب بي وصاح على الراحلة النبيلة زينب : إنه أمير أخ داود ! لم تصافحني كما هي العادة لشخص يتعرف به شخص آخر لأول مرة ، لكنها أخذتني بالأحضان وكانت تقبلني كأخيها الأصغر !! وبعد أقل من ساعة أصبحنا إخوة وأصدقاء وشعر كل منا بأنه يعرف الآخر منذ مدة طويلة ودخلنا في مناقشات متشعبة لمواضيع عدة تتناول هموم الوطن والحزب وعوائلنا وحدثتني عن الأمسية التي ستقيمها لنا في صوفيا في اليوم التالي،  وقد دعتني للحضور وجئت وكانت في موضوعها تتحدث عن الواقع الثقافي والسياسي العراقي حينذاك حينما أشارت الى الفراغ الإجباري لحزبنا في الساحة العراقية بسبب الحملة الشرسة التي تشنها أجهزة النظام القمعية ضد الشيوعيين وتنظيماتهم في جميع محافظات العراق وتفريغ الساحة منهم بشكل قسري والذي تقوم العناصر الدينية بإستثماره لصالحها مستغلة كثرة الجوامع لتنظيم الشباب والتأثير على وعيهم ومداركهم البسيطة.!.. الخ( كان الحديث عن فترة الثمانينات ) بحيث أنها تطرقت الى فترة الحرب العراقية الإيرانية وزج شبابنا بها وخاصة الخريجين  وتسخير الماكنة الثقافية والإعلامية لخدمة الديكتاتورية ونهجها في تسيير ماكنتها الحربية بما يخدم نواياها العدوانية وإشغال الشباب بأمور لا ناقة لهم فيها ولا جمل وخاصة نار الحرب التي أخذت منهم مئات الآلاف , وكانت هذه هي  المرة الأخيرة التي التقي  بها الفنانة الراحلة زينب للأسف ! وكانت القاعة التي عملت بها محاضرتها تغص بالعراقيين الدارسين في بلغاريا بالإضافة الى عدد من الضيوف العرب..

إختارت فنانة الشعب الراحلة زينب المنفى الإجباري كسائر الشرفاء من بنات وأبناء شعبنا العراقي بعد أن قامت السلطة المجرمة بتشديد الخناق عليها وذلك بمنعها من دخول مبنى الإذاعة والتلفزيون وجرى  وقف  عرض المسلسلات التي كانت الراحلة تكتبها للإذاعة مثل (أمل والريح ..وما فات القطار...وفي مهب الريح ...والساقية المهجورة)....وتعددت المنافي (في عدن وسوريا وصوفيا والسويد وغيرها ) وكان الوطن والمسرح هاجسها الدائم فكانت تقوم بتشكيل الفرق المسرحية مع زوجها الفنان لطيف وبمشاركة نخبة رائعة من الممثلين العراقيين التقدميين ، في الوقت الذي تقوم به بتمثيل أغلب الأدوار الرئيسية ! ففي عدن ساهمت بإنشاء فرقة الصداقة وفي سوريا كانت فرقة بابل وفي السويد فرقة مسرح  سومر ، ومن المسرحيات التي قدمتها في الغربة :ثورة الموتى ، القسمة والحلم ، المملكة السوداء ،رأس المملوك جابر ، غرف التعذيب ،والأم والتي هي رواية للكاتب مكسيم غوركي، والجوع ، ويا غريب إذكر هلك ، وقارب في غابة وغيرها  الكثير وحينما مكثت في دمشق كانت أكثر أعمالها لإذاعة - صوت الشعب العراقي - وهذه الإذاعة كانت تبث من العاصمة السورية دمشق البرامج والأناشيد والأغاني الوطنية للدعاية والتحريض ضد النظام العراقي المنهار ! وكانت الراحلة تملك ثقافة عالية عكستها كتاباتها الدرامية ومنها : ليطة.. والريح والحب.. وتحقيق مع أم حميد.. وبائعة الأحذية ،.... ونحن  إذ نتذكر بألم بالغ رحيل الإبنة البارة لشعبنا العراقي التي غييبها الموت عنا في وقت مبكر وهي في أوج عطاءها الفني ، لا يسعنا إلاّ أن نشاطر رفاقها وأصدقاءها ومحبوا فنها الأصيل ، الحزن والألم في داخل العراق وفي الدول التي يتواجد بها بنات  وأبناء العراق وما أكثرها  وأكثرهم !! ونطلب من الحكومة العراقية بأن تعمل على إقامة تمثال لها  يتوسط إحدى ساحات بغداد الرئيسية وأن تقوم بجمع  تراثها الفني من مسرحيات الى أفلام وغيرها وأن تعرّف المجتمع العراقي بها وخاصة الجيل الجديد !! وأن تصدر طابع عراقي لتخليدها وقبل ذلك كله على الحكومة أن تمنح عائلتها راتباً تقاعدياً مع جميع مستحقاتها الأخرى وأن تنقل رفاتها الى بلدها العراق بالإتفاق مع عائلتها وتعمل على إقامة مراسيم دفن رسمية  وبحضور ممثلين عن وزارة الثقافة العراقية على أعلى المستويات..

ستبقى فنانة الشعب زينب في قلب  وضمير كل عراقي  أصيل ، محب للفن وأهله... الخلود  لها  ولفنها  الرفيع... ويا أحباءنا أوقدوا الشموع  وضعوا الزهور على قبر زينب   في ذكرى رحيلها الثانية عشر  وفي كل عام ! إنها رمز الأصالة للفنان العراقي المبدع والملتزم بفنه وفكره التقدمي...

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.