اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• مدينة النجف: عبقرية المعاني وقدسية المكان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عرض: أ.د. جعفر عبد المهدي صاحب

مقالات اخرى للكاتب

مدينة النجف: عبقرية المعاني وقدسية المكان

 

أهدى لنا زميلنا الأستاذ الدكتور محسن عبد الصاحب المظفر نسخة من كتابه الجديد "  مدينة النجف: عبقرية المعاني وقدسية المكان " الصادر عن دار الشؤون العامة بوزارة الثقافية العراقية 2011 , ضمن سلسلة مدن عراقية  وكجزء من فعاليات النجف عاصمة الثقافة الإسلاميةعام 2012.

وقبل البدء في إستعرض كتاب البروف المظفر لابد من الإشارة الى أن عبارات الإهداء الرقيقة التي كتبها لنا  بتاريخ  في 12/6/2011  لم تصل إلينا إلا بعد رحلة استغرقت ثمانية أشهر في التمام والكمال, إذ سلم الدكتور نسخة الكتاب المهداة الى الشيخ مؤيد مجبل الشعلان- شيخ قبيلتي- ومنه الى قريب متوجه لتركيا على أمل أن يصلني الى العاصمة الصربية بلغراد ولكن رحلة الكتاب قد توقفت لأسباب طارئة الى أن جاءت رحلتي المفاجئة الى النرويج فتم إرسال الكتاب مع شخص عراقي متوجه الى السويد ومن استوكهولم وصلني عن طريق البريد الى العاصمة النرويجية أوسلو. ولربما أحد يقول ولماذا لم يرسل  إليك الكتاب بالبريد من العراق بشكل مباشر الى بلغراد أو أوسلو دون هذه الرحلة البطيئة الشاقة الإنتظار, فنقول إن لنا تجربة مرة في ذلك وأن بريد العراق لا يختلف عن كافة مؤسسات الدولة في تفشي الفساد والفوضى, ونكتفي بهذا القدر من التعليق. نعم استلمت الكتاب في 12/1/2012.

الكتاب ضخم من حيث عدد صفحاته (672) صفحة, وثري من حيث مادته العلمية الغنية,وذلك نتيجة للمعاناة البحثية التي واجهها المؤلف في جمع المادة  والذي بدأ في كتابة مسودته عام 1973 ,كما جاء في المقدمة, الى أن رأى النور لينشر عام 2011. وهذا مؤشر واضح على تأني الباحث وسلامة منهجيته البحثية وحبه في مواصلة الجهود الحثيثة بغية تكامل رصانة انتاجه العلمي.

وتكمن أهمية الكتاب في عقدة البحث التي أثارها المؤلف في المقدمة. فأرض النجف خالية من الموارد وبعيدة عن المياه وفي موقع صحراوي هامشي, وينبغي أن تكون هذه المواصفات من العومل التي تقلل من إمكانيات الجذب السكاني, في حين نراها عكس ذلك على ارض الواقع فهي مدينة مهمة من الناحية الدينية والثقافية ومن المدن الحجمية الخمس في العراق.

وزع الكتاب على خمسة فصول :

الفصل الأول: عوامل نشأة مدينة النجف.

الفصل الثاني: مراحل تطور مدينة النجف.

الفصل الثالث: خصائص سكان مدينة النجف.

الفصل الرابع: الاستعمالات الوظيفية لأرض مدينة النجف.

الفصل الخامس: العلاقات الوظيفية الإقليمية لمدينة النجف.

لربما يشعر القارئ غير المتخصص أو غير المهتم بطرق ومناهج البحث العلمي, ربما يشعر بنوع من التكرار في مادة الكتاب, إلا أن ذلك الشعور لا مبرر له بالنسبة للقارئ الأكاديمي وذلك أن شيخنا الدكتور المظفر قد اتبع منهجية علمية دقيقة في فرز المصطلحات واستخدام المفردات. على سبيل المثال تطرق المؤلف في الفصل الثالث الى خصائص سكان مدينة النجف وفي الفصل الخامس تكلم عن العلاقات السكانية لمدينة النجف, وفي حقيقة الأمر لم يكن ذلك تكرارا لأن الفصل الثالث كان مخصصا للنواحي الديموغرافية الصرفة في حين جرى الكلام في الفصل الرابع عن الجوانب الوظيفية للسكان. ونلاحظ هنا أن جدران الفواصل بين هذه التصنيفات رقيقة جدا يشعر بها الباحث المتخصص أكثر من القارئ العادي غير المتخصص.

تطرق المؤلف في الفصل الأول الى علاقة الموقع والعوامل البشريةوالدينية والتاريخية والحضارية في نشاة المدينة.وقد شمل ذلك موقع النجف والبيئة الإقليمية المحيطة بها.وبذلك تضمن هذا الفصل عناوين

 فرعية – فرعية برهن من خلالها على صحة فرضيات بحثه. (sub-sub)

  وقد استعرض الدكتور المظفر موضع النجف في العهد البابلي وما قبله, وخصائص الموقع حول النجف في عهد مملكة الحيرة وجمالية الأرض والقصور في إقليمها, كقصري الخورنق والسدير وقصور اخرى عديدة درجها المؤلف ربما بعضنا لم يسمع بها من قبل, رغم أن كانب هذه السطور نجفي ولكنه قد تفاجأ بهذا السيل من عدد القصور التي ذكرها المؤلف. فقد ذكر لنا قصر بن بقيلة المنسوب الى عبد المسيح بن بقيلة الغساني والذي بني جواره  دير ابن مزعوق بأعلى النجف. وذكر كذلك قصر الأبيض الذي سجن فيه النعمان الشاعر عدي بن زيد, وقصر العباديين نسبة الى جماعة من النصارى فضلوا الانزواء للتعبد فيه,وقصر أبي الخصيب, وقصر ابن مازن الذي حوصر من قبل ضرار بن مقرف وبأمر من خالد بن الوليد, وقصر الزوراء الذي بناه المنذر بن امرئ القيس الثالث اللخمي, وقصر الجوسق قرب النخيلة, وقصر محمد الأشعب بن قيس الكندي, وقصر الطين الذي بناه يحيى بن خالد, وقصر الفرس , والفرس هنا ضرب من النبات, وقصر الدكاكين شمال غربي النجف, وقصر الأثل وقصر الرهبان وقصر ام عريق وقصر بن مقاتل وغيرها.

واستشهد دكتورنا المظفر بالشعر القديم إستدلالا في ضبط التواريخ, مثل قول أعشى قيس في ذكر قرى  سليحون وصريفون التي تحيط بقصر الخورنق:

وتجيئ إليه السليحون ودونها          صريفون في أنهارها والخورنق

ولنقرأ هذه السمفونية الشعرية الرومانسية التي نقلها لنا المؤلف من العصر المغولي الإيلخاني:

يا فرحة اليوم المطــــــير      بين الخورنق والسدير

والماء شبه بواطن الحياة      مجهول الظهــــــــــــور

 الطل في دمن الثرى             كالبكر في ثوب حرير

ونظرا لكون ظهر الحيرة أرض مكشوفة لها موقع رائع يطل على منخفض النجف حيث الماء والزرع والأشجار والنخيل وتطل على الصحراء لجمال ازهارها وخلابة منظرها ونقاوة هوائها الذي يملأ الصدر فيذكر الباحث ان النويري جعل تلك الأسباب عاملا يدفع المسيحيين النساطرة على بناء القصور والأديرة والأكراح على جنبات المنطقة ومنها دير الأسكون ودير الأعور ودير بني مرينا ودير ابن براق ودير حده ودير حنا ودير عبد المسيح ودير السوا ودير اللج ودير مارت مريم ودير مارافاثيون ودير ابن المزعوق ودير هند الصغرى ودير هند الكبرى ودير ابن وضاح ودير ابي موسى ودير الجماجم ودير بني عبد الله بن دار ودير حنظلة ودير سرجس ودير العذارى ودير علقمة وغيرها.  فقد ذكرها ابن كنانة بقوله:

أي مبدي ومنظر ومزار          واعتبار لناظري ذي اعتبــــار

في محل الخيام في النجف         المعرض فوق الجنان والأنهار

فالرحى فالسدير فالحيرة البيضاء      ذات الحصون والاحبـــار

ويصفها الحماني وصفا جميلا:

فمدارج الرهبان في      أطمــــــار خائفة وخائف

دمن كأن   رياضها       يكسين اطراف المطارف

وكأنما غدرانهـــــا        تهز بالريح العواصـــف

طرر الوصائف يلقيان    الى طرر المصــــــاحف

بحرية شتواتهــــــــا      سرية فيها المصـــايف

درية الصهباء كافور      ية منها المشـــــــارف

وقد ذكر المؤلف مفردة الأكراح في معرض كلامه عن الأديرة فيعود ليوضح معنى هذه المفردة تحت عنوان " الأكراح في أرض النجف" ويعرفها بانها بيوت رجال الدين المسيحيين التي تقام الى جانب الأديرة . ويذكر شعرا عنها قاله بكر بن خارجة:

دع البساتين من آس وتفاح       واقصد الى الشيح من ذات الأكيراح

الى الدساكر فالدير المقام بها     لدى الأكيراح أو دير ابن وضــــاح

منازل لم أزل حبا الازمها            لزم غـــــــــــاد الى اللذات رواح

وذكرها اسحاق بن ابراهيم الموصلي بمنظومته بقوله:

يا راكب العيس لا تعجل بنا وقف          نحيي دارا لسعدي ثم ننصرف

لم ينزل الناس من سهل ولا جبل       أصفى هواءا ولا أعذى من النجف

حفت ببر وبحر من جوانبها             فالبر في طرف والبحر في طرف

وما يزال نسيم من يمانيه               تاتيك منها بريا روضــــــــة أنف

كأن تربته مسك يفوح به               أو عنبر دافه العطار في  صدف

وتحت عنوان فرعي تناول البروف المظفر منطقة النجف كبوابة للفتح الإسلامي  ويقصد بها  (نجف – حيرة – كوفة) إذ أولت القيادة العربية الاهمية لتحرير الحيرة لمكانتها العسكرية والاستراتيجية وهي التي تفصل بين سواد العراق وصحراء الجزيرة العربية. وقد اتخذت القوات الإسلامية من مثلث النجف – الحيرة – الكوفة منطلقا في عمليات الإغارة والمباغتة ضد القوات الفارسية.

ويثبت المؤلف بأن معركة القادسية قد جرت على أرض النجف وذلك إعتمادا على الرسالة الني بعث بها خالد بن الوليد الى الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – إذ تؤكد على أن القادسية تقع بين الخندق والعتيق والى يسارها بحر أخضر في جوف لاح الى الحيرة بين طريقين احدهما يمتد على نهر يدعى الخضوض يؤدي الى ما بين الخورنق والحيرة. وبذلك يستنتج الدكتور محسن بان موقع معركة القادسية, التي دارت بين القوات الإسلامية والفرس, هو في المنطقة الواقعة بين النجف والحيرة عبر البادية الموصلة الى شبه جزيرة العرب.

ويعرج المؤلف ضمن هذا الفصل للحديث عن القبر الشريف لسيدنا أمير المؤمنين علي عليه السلام في العهد الأموي ووصية الإمام بدفنه في مكان حدده لولديه الحسن والحسين عليهما السلام دون الافصاح عن مكانه تحسبا لعبث الامويين مع معرفة أهل بيت الإمام والعلويين والموالين بمكان القبر.

وبمجيئ العصر العباسي بدأ الاهتمام بالقبر وذلك ضمن حملتهم ودعوتهم لاستقرار حكمهم. وفي عهد السفاح زار الامام جعفر الصادق(ع) قبر جده. وظهرت أول نواة للنجف بعد شيوع معرفة موضع قبر الإمام (ع) إذ سكن نفر من محبيه الى جوار قبره وذلك عام 755 م. وفي عام 170 هـ  زار هارون الرشيد القبر ليلا وبصحبته علي بن عيسى الهاشمي بعد ان  أبعد أصحابه قام واخذ يصلي عند القبر حتى الفجر وأمر أن تبنى عليه قبة. ومنذ عام 170 هـ 786 م أصبح القبر مزارا لعامة الناس فأخذوا يزورونه ويدفنوا موتاهم حوله.

وفي العصر العباسي الثاني والذي يبدأ بتولي المتوكل الخلافة وتصاعد نفوذ السلاجقة الأتراك لم تشهد مدينة النجف الناشئة أي إهتمام, ولكن  الخليفة المنتصر 186 هـ 862 م  أمر الناس بزيارة قبر علي (ع) ومنذ ذلك العام اخذت النجف تنمو وتستقطب الناس لتصبح عاصمة إقليمية.

وتابع الباحث تطور المدينة في العهد  البويهي 334- 371 هـ  945 – 982 م حيث جرى الإهتمام بالمدينة في زمن معز الدولة 334 هـ 945 م و عضد الدولة البويهي 367 هـ  977 م والذي أجرى الإصلاحات بعد عام من توليه الحكم فتم تعمير المشهد العلوي ووقف له الأوقاف وبنى عليه قبة بيضاء. ذكرها  الشاعر ابن الحجاج المتوفي عام 1001 هـ :

يا صاحب القبة البيضاء في النجف         من زار قبرك واستشفى لديك شفى

زوروا أبا الحسن  الهادي لعلكم             تحظون بالأجر والاقبال والزلـــــف

وقل سلام من الله  السلام  على              أهل السلام وأهل العلم والشـــــرف

وانتقل المؤلف الى العصر السلجوقي  443 – 448 هـ  1051 – 1056 م الذي اشتعلت فيه الفتن الطائفية التي شهدتها بغداد وذلك عام 446 هـ 1056 م وهو العام الذي ترك فيه ابو جعفر الطوسي بغداد وتوجه الى النجف بعد أن احرقت مكتبته وكرسيه, وبمجيئ الشيخ الطوسي بدأت النجف عهدا جديدا من التطور.  أما في عصر الدولة الجلائرية 740 – 813 هـ 1338 – 1411 م تطورت المدينة حيث قام السلطان أويس ابن حسن الجلائري ببناء سور للنجف مع تجديد الضريح المكرم.

وازدهرت النجف في عهد الدولة الصفوية 1507 – 1534 م إلا أن أواخر العهد الصفوي عانت النجف من شحة المياه بعد أن جفت قناة النجف القديمة, وقد أدى ذلك الى هجرة عدد كبير من السكان والى قلة عدد الزائرين.

وتطرق شيخ الجغرافيين العراقيين الدكتور المظفر  لقضية كانت قد شغلت بال النجف والنجفيين ألا وهي معضلة شحة المياه وشحة معدلات سقوط الامطار على المدينة. و طرح المؤلف هذا الموضوع باسلوب الجغرافي المحنك من حيث دراسة ميرفولوجية التربة وحالات الطقس ومعدلات الرطوبة ومعدلات تساقط مياه الأمطار وعزز ذلك بالجداول الرقمية والأشكال التوضيحية والصور والتي بلغ مجموعها 41 جدولا وشكلا وصورة.

أما الفصل الثاني فقد تناول مراحل تطور النجف, وقسمها الباحث الى خمس مراحل رئيسة هي:

المرحلة الأولى: وتمتد منذ نشأت المساكن حول المرقد عام 87 م حتى عام 1765 م  وهي السنة التي وضع فيها نابور خريطة المدينة. وخلال هذه المرحلة سورت المدينة بخمسة أسوار بفترات متعاقبة, الأول بناه محمد زيد الرفاعي والثاني بناه أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان والثالث بناه عضد الدولة البويهي والرابع بناه أبو الحسن الأرجاني بأمر من الحسن بن سهلان وزير دولة بويه الملقب بعميد الجيوش.

المرحلة الثانية: من عام 1765 م حتى عام  1925م  وهي المرحلة التي بقيت فيها النجف ضمن حدود اسوارها الستة علما أن سورها السادس الذي  بناه الوزير المملوكي  سليمان باشا عام 1788 م . وضمن هذه المرحلة تطرق الباحث الى عدة ظواهر منها ظاهرة الأسوار وظاهرة الملاجئ(السراديب) وظاهرة الآبار والقنوات الجوفية وغيرها. ومن الناحية المناطقية تناول الباحث المناطق التجارية والصناعية والمنشئآت الدينية والطرق والمساكن التي أخذت بالتوسع والانتشار خلال هذه المرحلة.

المرحلة الثالثة: وتمتد من عام 1925 م ولغاية عام 1958 م وهذه المرحلة تمثل بداية إستبباب الأمن بعد نشوء الدولة العراقية الحديثة – المملكة العراقية - الذي أدى الى توسع المدينة خارج سورها الدائري بعد هدمه عام 1938 م الى اندلاع ثورة 14 تموز وقيام الجمهورية العراقية.

المرحلة الرابعة: منذ 1958 الى م عام 1973 م وهي المرحلة التي شهدت فيها النجف التوسع العمراني الذي تلازم مع الهجرة إليها من المدن والمناطق المحيطة بها  وتحسين الطرق وزيادة وتطور وسائل المواصلات وإنشاء المصرف العقاري إذ توسعت المدينة توسعا كبيرا باتجاه الشرق والجنوب وظهور أحياء جديدة مثل حي السعد والحنانة والإسكان والحسين والبلدية والمعلمين والأمير وتوسع منطقة الجديدة في حنون والجمهورية والثورة بالاضافة الى إنشاء الحي الصناعي.

المرحلة الخامسة: من عام 1974 م الى عام 2005 م وهي المرحلة التي شهدت توسعا للمدينة باتجاه الشمال على جانبي طريق كربلاء حيث ظهرت أحياء العروبة واليرموك والرسالة والميلاد و العدالة و الفرات والقدس والنداء. واشار الدكتور المظفر الى بعض التغيرات التي أجريت على أسماء الأحياء فيما بعد.

وفي ذيل الفصل  قدم البروف المظفر إستنتاجات أشفعها باقتراحات تقدم بها لتطوير المدينة داعما إقتراحاته تلك بالأرقام والشواهد التاريخية والحجج العلمية. وأختتم حديثه في هذا الفصل عن أنطقة حواف مدينة النجف وأطرافها الحضرية بحسب مراحلها التاريخية الخمس المذكورة.

وخصص المؤلف الفصل الثالث من الكتاب لخصائص سكان مدينة النجف وباسلوب الجغرافي المتمرس الذي تناول النواحي الديموغرافية بشكل ماهر فتحدث عن الهجرات السكانية الى المدينة بالأرقام والتواريخ وتصنيف عوائل النجف من حيث الفترات الزمنية لهجرتها الى المدينة ثم أجرى تقسيما له. وتناول الباحث نسيج المجتمع النجفي أي البيوتات النجفية وذكرها بالأسماء (486) عائلة ولم تفت على الدكتور المظفر شاردة ولا واردة  فقد ذكر بالإسم حتى الأسر التي تعدادها دون العشيرة أو القبيلة. وقد راعى المؤلف جوانب الحساسيات التي ربما تظهر عند التطرق لهذه الأمور فقد لجأ الى أسلوب ذكر البيوتات حسب الأبجدية تجاوزا للإحراج في مثل هذه المواقف.

وبما أن الفصل الثالث مخصص للجوانب السكانية فقد جرى الحديث عن سلوكية السكان وتاثير الشعائر الحسينية على النجفيين كلبس السواد ومواكب العزاء والتشابيه ومشاعل العمارة وظاهرة التطبير بين مؤيد ومعارض والمشي على الأقدام للزيارة. وخصص الباحث عنوانا فرعيا تناول فيه ظاهرة النمو السكاني والتوزيع العددي السكاني للنجف وطبيعة ذلك النمو وعامل الهجرة وتركيب السكان العمري والنوعي وإحصاءات القوى العاملة في النجف والحالة الثقافية لسكانها وكثافة السكان والوعي السياسي لدى النجفيين. وقد عزز هذا الفصل بـ(41) جدولا إحصائيا ورسما تخطيطيا وصورة وخارطة.

مجرد طرفة بريئة : من خلال إستعراضنا للكتاب لاحظنا السلامة اللغوية  التي يتمتع بها أستاذنا المظفر وعدم وجود الأخطاء النحوية وحرصه الكبير على تلافيها بقدر الإمكان والشاهد على قولنا  ما ورد في الكتاب في السطر ما قبل الأخير من هذا الفصل حيث يقول: " ويشاهد المهاجروين الريفيون المتجمعون...الخ" . فعند رجوعنا للقاموس المحيط ومحيط المحيط وحتى قاموس الطاهر الزاوي   والإنسكلوبيديات العديدة فلم نعثر على مفردة " المهاجروين" فقلنا يقينا كان الدكتور المظفر قد حسبها مفعول به أو مضاف إليه  فكتبها (المهاجرين)وعند مراجعته النحوية تأكد بان مفردة(جمع مهاجر) جاءت بمحل رفع مبني للمجهول فاستدرك وصححها ووضع الواو ولكنه نسي أن يمحو الياء فطبعها الطباع على عنائنها فجاءت بهذا الشكل "المهاجرويني". ومن باب الإنحياز لصديقنا المؤلف نقول العتب على الطباع لا على المظفر.

وضع د. محسن الفصل الرابع من كتابه تحت عنوان الاستعمالات الوظيفية لأرض مدينة النجف, وذلك ضمن محورين أساسيين الأول يشمل مخططات مدينتي النجف والكوفة وأبرزها مخطط عام 1973 و 1976 وخطط التطوير الحضري للمدينة القديمة. أما المحور الثاني تناول استعمالات أرض النجف في عام 1973 م وعام 2005 م. وضمنها المؤلف في خمسة استعمالات رئيسة: التجارية والصناعية والسكنية و الإدارية والنقل. وجرى التطرق من خلالها الى استعراض النظريات التي تحلل بنية المدن أو تركيبها  وهي, نظرية الدوائر لأرنست برجس التي تقول إن نمو المدينة يحدث بشكل دوائر مشتركة المركز, ونظرية القطاع التي نادى بها هومر هويت الذي تؤكد على أن النمو الحضري يحدث بصفة أساسية على طول طرق النقل وأن المدينة تاخذ شكلا نجميا, ونظرية النوى المتعددة لهرسوآلمان والتي تنص على أن المدينة تنمو على شكل نوى متعددة أو موزائيك رغم وجود نواة تمثل القلب التجاري للمدينة, وتبعتها دراستان  الأولى دراسة إيزارد وهي تتعلق بالنمط التوزيعي لاستعمالات المدينة, و الثانية دراسة لوفينستين لمواقع الاستعمالات الحضرية من المركز الى الحدود الخارجية للمدينة, والنظرية الرابعة, نظرية الأماكن المركزية لكرستالر, ونظرية مان التي تبحث عن دراسة الهيكل العام المنظورالمدينة, ونظرية التحديات الاقتصادية التقريبية ونظرية  لوتن الخاصة بالتحديات الاجتماعية والديموغرافية التقريبية. 

ومن خلال تبحره في هذه النظريات وغيرها وهو البروف الجغرافي البارز فقد قام بتطبيق ذلك على واقع مدينته النجف الأشرف, فيقول إن نظرية النوى المتعددة لهيرسوآلمان مطابقة تقريبا للمناطق المكونة لتركيب مدينة النجف. لذا نراه يتناول هذا الموضوع من خلال محورين:

المحور الأول: ياخذ المدينة من الجانب المناطقي فيقسم النجف الى ثمان مناطق وهي: منطقة الأعمال المركزية (النواة وتشمل المرقد ومحيطه) ومنطقة تجارة الجملة وهي المنطقة المحيطة بشارع الصادق من بدايته في دورة الصحن حتى نهايته في باب الولاية, والمنطقة السكنية الفقيرة وهي تشمل قطاع المدينة القديمة والثلمة والشوافع والقسم الأوسط والمتطرف من الجديدة, والمنطقة السكنية المتوسطة وهي تضم منطقة براق الجديد التي تمتد من شارع الإمام علي محتوية القسم الأول من الجديدة, والمنطقة السكنية الغنية مثل حي السعد والحنانة, والمنطقة الصناعية الواقعة شرق المدينة , والمنطقة التجارية الخارجية وهي النوى التجارية الناشئة حول مناطق السكن مثل النواة حول خان الخضروات وفي براق الجديدة وحديقة غازي والنواة الجديدة في حنون.

المحور الثاني: استعمالات أرض المدينة للأغراض الصناعية. ويذكر الباحث بأن الجغرافيين حددوا استعمالات الأرض بخمسة جوانب رئيسة: الاستعمالات للأعمال التجارية والصناعية والسكنية والإدارية والنقل. وبالاضافة الى ذلك هناك تقسيمات ثانوية ولكنها تبقى ضمن التقسيمات الرئيسة.فقد جاءت دراسة استعمالات أرض النجف بأن الاستخدامات للأغراض التجارية والصناعية لا تزيد عن 1% ونسبة استعمالات ارض المدينة تقل عن 21% . ورأى الدكتور المظفر بأن يقارن نسب استخدام الأرض في النجف مع مدينة عراقية قريبة منها ولم يقارنها مع نتائج دراسة أمريكية للجغرافيين هورلوند و بارثتومويف. فاختار المؤلف مدينة الحلة, فنسبة استعمالات الأرض للأغراض السكنية في مدينة الحلة تؤلف 33% بينما في النجف 36.7 من مساحة المدينة. أما لأغراض النقل في الحلة بلغت 22.2% بينما في النجف 13.4% في حين شكلت نسبة مساحة الحدائق والمتنزهات في الحلة 14.2% وفي النجف تؤلف الحدائق مع النوادي والملاعب نسبة 5%. أما المقابر في الحلة تؤلف نسبة مساحية قدرها 14.7% وفي النجف 53%  ونسبة الأراضي الخاصة بالمؤسسات الصناعية في الحلة 8.6% وفي النجف 0.8% .

وقد أعزى البروف المظفر هذه التباينات في النسب لاستعمالات الأرض بين المدينتين الى عدة أسباب أبرزها  موقع الحلة على نهر تكثر فيها الحدائق والمتنزهات وموقعها يشكل عقدة مواصلات  تؤدي اليها من جميع الجهات, أما النجف فهي مدينة دينية غير زراعية وذات موقع هامشي بعيدة عن النهر يدخل إليها من جانبي الشمال والشرق وتكثر فيها المؤسسات الاجتماعية والدينية وتضم  مقبرة تعد من أوسع مقابر العالم. ولكن المؤلف يعرج في القول بان تدرج النسب لا يعني أن هناك تناسبا طرديا بين المساحة المشغولة بالمؤسسات وأهمية تلك المؤسسات الوظيفية,وخير دليل على ذلك أن المؤسسات الدينية والثقافية والاقتصادية تشكل محور الفعاليات الوظيفية للمدينة ولكنها لا تحتل إلا نسبة ضئيلة من مساحة المدينة. واختتم المؤلف هذه النقطة منوها الى التغير الكبير الذي طرأ على مدينة  النجف بعد توسعها عام 2005 م .

ولقد لفت إنتباهنا عنوان طريف يتعلق بالخصائص المورفولوجية للمسكن النجفي , فيقول إن النجف منذ تاسيسها عام 786 م محتشدة البيوت بأزقة ملتوية بعضها غير مفتوح النهاية وقد ساعد على ذلك طبيعة الروابط الاجتماعية العالية ورغبة الناس بالسكن قرب مرقد أمير المؤمنين علي (ع).    

 ويتابع المؤلف باستخدام الألفاظ المحلية  النجفية فيصف الحوش بأنه المساحة المكشوفة وسط السكن والذي تحيطه الغرف السكنية والممرات والسلالم. ثم يتحدث عن البراني والدخلاتي في المسكن النجفي فالبراني للضيوف و الدخلاني للعائلة. ويحاول الموسورون بناء السكن بمدخلين الأول للبراني والآخر للدخلاني. ويصف المؤلف المجاز والسرداب والبادكير  والرازونة والمحجر والأحواض والشناشيل, ويضع شرحا تفصيليا لكل مفردة من هذه المفردات التي يضمها المسكن النجفي التقليدي.

وتحت عنوان الأقاليم السكنية في مدينة النجف ويقسمها الى أربعة أقاليم سكنية رئيسةا:

الإقليم الأول: إقليم المساكن ذات الطراز العربي وتشمل المدينة القديمة بمحلاتها الأربع المشراق والبراق والحويش والعمارة إضافة الى جزء من منطقة الثلمة. وتمتاز مساكن هذا الإقليم بأنها ذات طراز عربي شرقي  قديم يعكس نمط الظروف الاجتماعية والمناخية ولا يخلو بيت من السرداب والبئر وتتميز المساكن بسقوفها العالية وبتصميمها القبابي الموشح بالأقواس. ووصف المؤلف وصفا دقيقا للمواد الإنشائية المستخدمة في بناء مساكن هذا الإقليم من الجص والطابوق الفرشي والطين والتبن والبورك وجذوع النخيل والخشب. وتمتاز البيوت بانها متراصة ولا تفصلها مساحات فارغة وتبلغ كثافة سكن الغرفة الواحدة 3 أشخاص ويصل معدل مساحة المسكن في هذا الإقليم 100 متر مربع.

 الإقليم الثاني: إقليم المساكن المتصلة ذات الطراز العربي المحور, ويشمل الجديدة والشوافع فيقسمه الباحث الى قسمين تبعا للحالة الاجتماعية ومستوى المعيشة والكثافة السكانية , الجديدة وحنون, وتمتاز بيوت هذا الإقليم بأنها ذات طراز معماري شرقي مع بعض التحويرات مثل إنفتاح الباب نحو الخارج وإنفتاح الشبابيك العريضة نحو الواجهة الأمامية للمسكن ونصب العماريات عليها وأوضح معنى العماريات وهي صفوف من الخضب تعبأ بالشوك وتبلل بالماء بطريقة خاصة لتصبح وسيلة للتبريد في حر الصيف اللاهث وقذ ذكرني الدكتور المظفر برائحة أوراد الشوك البنفسخية وهي تعبق ببيوتنا أيام زمان كلما تهب نسمة عليها . ونوه الى أن أحياء هذا الإقليم لاتوجد هيها شبكة مجاري.

الإقليم الثالث: إقليم المساكن ذات الطراز العربي المسقف (شبه الغربي) وأغلب هذه المساكن في مناطق الحنانة والأحياء المجاورة وهي الحسين والغدير والشعراء والعلماء. وهي تجمع بين سمات  البناء الشرقي والتصميم الغربي, وأهم خصائص هذا الأقليم  أن الباب الخارجية  تقع في الوسط أو الجانب لتؤدي الى ممر داخل الجنينة  ومنه الى الباب الداخلي وهذه الباب تنتهي الى فسحة صغيرة فيها مدخلين آخرين الأول الى غرفة الضيوف والثاني الى الحوش المسقوف التي تطل عليه الغرف التي تحتوي على شبابيك بمستوى الناظر تشرف على الجنينة الخلفية أو الأمامية المحيطة بالمسكن. ومعدل مساحة السكن في هذا الإقليم بالمتوسط 365 مترا مربعا. والسقوف متوسطة الإرتفاع.  ومستوى الكفاءة الوظيفية للمساكن عالية مقارنة بالأقاليم السابقة. والمساكن منفصلة عن بعضها ومن النادر وجود بيت ملتصق بآخر من جهة واحدة. وعدد العوائل في السكن الواحد لا يزيد بالغالب عن عائلة واحدة ومتوسط عدد الغرف خمس وبمعدل شخص واحد للغرفة الواحدة.

الإقليم الرابع: إقليم ذو الطراز الغربي, تتميز هذه المساكن بانفتاحها كليا نحو الخارج بشبابيك واسعة وانفصال كتلة البناء عن الشارع بحديقة مسورة . وتتمثل بالأحياء التي شيدت بعد عام 1973 م ويتراوح متوسط مساحتها 392 مترا مربعا واحيانا تصل مساحة بعضها الى 600 متر مربع.

وينتقل المؤلف بعد ذلك الى جانب آخر من دراسته تتعلق باستعمالات الأرض لأغراض النقل داخل المدينة, ويتناول  عناصر التصميم الهيكلي للنقل الداخلي والخارجي للمدينة.  فيذكرنماذج موزعة على فترات وحقبات زمنية معززة بإحصائيات رقمية دقيقة , مثلا في عام 1973 م  بلغ مجموع أطوال الطرق في المدينة 103466 مترا طوليا, غير المبلط منها 18066 مترا , وتحتل مساحة 1117641 مترا مربعا بنسبة 62% من مجموع مساحة الطرق الكلي البالغ 1800481 مترا مربعا.ويقارن هذه الأرقام بمحصلة  الإحصائيات بعد توسع المدينة  حتى عام 2005 م فقد بلغت مساحة المعبد منها  7572429مترا مربعا و 2211071 مترا مربعا غير معبد, وبذلك تصل نسبة المعبد الى 77.4%. وأستخدم الباحث في هذه الجزئية 12 إحصائية وصورة ورسما تخطيطيا.

الخانات القائمة على الطرق صفحة من الماضي:

ان كثرة الأرقام والنسب المئوية لا يمكن استعراضها في هذا العرض الموجز ويمكن للباحثين والمتخصصين الرجوع للمصدر مباشرة ,ولكننا نرى من الأفضل استعراض الصفحات التي تتحدث عن مواضيع أصبحت مواد للمتاحف وقصص لصندوق الذكريات. فليس هناك متعة يكتسبها القارئ الكريم غير المتخصص بعلم الجغرافية عندما أستعرض له بالأرقام طول أومساحة الطريق المعبد من النجف الى ابو صخير, ولكن القارئ لمثل هذا العرض الموجز سيجد متعة أكبر عندما يقرأ عن الخانات القائمة على طريق بغداد – كربلاء – النجف لأنها  فقدت حاليا مسببات وجودها وأصبحت بحكم الماضي.

فيذكر الدكتور المظفر أسباب تشييد تلك الخانات على أنها بنيت لراحة زوار العتبات المقدسة في كربلاء والنجف إذ كانت الرحلات الشاقة تتم على ظهور الحيوانات. ويعدد المؤلف الخانات من بغداد الى النجف حسب تسلسل موقعها الجغرافي بعد أن يذكر الشخص الذي أمر ببنائها وتاريخ التشييد وغيرها من المعلومات الممتعة.

ويبدأ بذكر أول خان على الطريق المذكور وهو خان المحمودية  أو خان السبيل الذي بناه السيد جعفر السيد حمود وسماه بهذه التسمية تخليدا لإسم أبيه, وإن تاريخ بنائه كما ذكره السيد عبد الرزاق الحسني يعود الى عام 1868 م .  ويليه خان الإسكندرية الذي يقع في مركز ناحية الإسكندرية التابع لقضاء المسيب. وهو يتكون من خانين متجاورين, فالخان الواقع غربا بناه سليمان باشا الكبير عام 1793 م ويذكر دكتورنا المظفر بأن بعض المصادر تشير الى أن محمد حسين خان رئيس وزراء إيران بناه على نفقته الخاصة لتوفير الراحة للزوار الايرانيين المتوجهين لزيارة العتبات المقدسة في كربلاء والنجف. ويستدرك الباحث قائلا قد يكون هذا الرجل قد عمل على تجديد الخان ولم يكن مؤسسه.

ويأتي الدور لخان العطيشي الواقع في ناحية الحسينية التابعة الى كربلاء, وينسب بناؤه الى سليمان باشا الكبير عام 1793 م ويصفه الباحث بأن شكله مستطيل ومبني من الآجر والجص وقد تعرضت أغلب أجزائه للتلف في الوقت الحاضر. ثم يذكر خان النخيلة الذي يعرفه النجفيون الذين يطلقون عليه تسمية خان الربع لوقوعه في ربع المسافة بين كربلاء والنجف, ويقال إن الحاج حسين بن محمد شمسه هو الذي شيده من ماله الخاص. ولم يذكر المؤلف تاريخ تشييده.

أما خان الحماد (خان النص) يقع على بعد 12 كم الى غرب خان النخيلة وفي وسط ناحية الحيدرية, ويمتاز هذا الخان بوسعه وهو على الجانب الأيسر من الطريق العام كربلاء – النجف. وقد بنى هذا الخان الحاج محمد صالح كبه في الربع الاول من القرن التاسع عشر.

خان المصلى هو آخر الخانات في طريق الزائرين من بغداد الى النجف ويقع على بعد 18 كم شمال المدينة , ويرجع المؤلف أصل هذه التسمية الى روايتين الأولى تقول إن  القوافل التي تخرج من النجف صباحا تصل ظهرا الى الخان عند صلاة الظهر,والثانية تقول سمي هذا الخان بخان المصلى لأنه يمثل الحد الفاصل بين صلاتي التمام والقصر للمسافرين من النجف الى كربلاء, وإن المسافة بين الخان والنجف هي بالفعل تمثل المسافة الشرعية لصلاة القصر. ويمتاز خان المصلى بعظمة البناء والزخرفة في منطقة مقفرة بعيدة عن العمران. ويعود تاريخ بنائه الى عام 1890 م .

الشيلان: قد يصل الزوار القادمون من بغداد سور مدينة النجف في وقت  تم فيه غلق باب الولاية فلم يستطيعوا دخولها عند ذاك يتوجهون الى مكان خاص للمبيت يدعى الشيلان. وهو خان يحتوي على غرف وقاعات كبيرة يقع خارج السور قرب معالم الصفا. بني الشيلان عام 1888 م بأمر من الصدر الأعظم محمد حسين العلاف.

وبعد أن يستعرض المؤلف تلك الخانات التي تعد ذات أهمية كبرى في حركة الزوار في حقبة زمنية كانت فيها الجمال والحمير والخيول وسائط نقل يستخدمها الناس, ينتقل الى وصف الطرق المؤدية الى النجف مثل طريق النجف – كربلاء – بغداد - خانقين – إيران. وطريق النجف بلاد الشام. وطريق الحج البري وطريق الكوفة – نجف.وطريق النجف – الحلة. وطريق النجف – أبو صخير.  ثم يذكر الطرق المائية القديمة المؤدية الى النجف, وهي طرق لم تعد موجودة في يومنا هذا نظرا لجفاف بحر النجف.

ونحن نستعرض هذا الكتاب يبقى بيننا وبين نهاية قراءتنا للفصل الرابع ستة عناوين فرعية هي:

استعمالات الأرض للأغراض الدينية والاجتماعية.

استعمالات أرض النجف للأغراض الثقافية.

استعمالات الأرض لأغراض التعليم العام حتى 2005 سنة.

استعمالات الأرض للأغراض الصحية.

استعمالات الأرض للأغراض الترفيهية.

الاستعمالات الأخرى مثل تربية الحيوانات وغيرها.

رغم أن جميع تلك العناوين مهمة جدا للباحث الجغرافي, إذ استخدم  فيها العديد من الإحصائيات الخاصة بعدد المؤسسات الثقافية والدينية وأعداد الطلاب والمدارس ولفترات زمنية مختلفة و تناول كذلك المؤسسات الصحية والترفيهية, نقول مرة أخرى رغم أن جميع تلك المعلومات في غاية من الأهمية إلا اننا سنتوقف عند عنوان فرعي نعتقد أن القارئ الكريم سيجد فيه متعة من خلال عرضنا السريع لهذا الكتاب الضخم.

والعنوان الفرعي الذي نقصده ما يتعلق بالمراحل التي مر بها مرقد  أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام باعباره أول منشأ ديني أقيم ونشأت حوله المدينة القديمة. فيحتل المرقد الشريف مساحة 6314 مترا مربعا ويبلغ عدد العاملين في خدمته 250 شخصا عام 2005 م .

ويؤكد التاريخ النجفي على أن أول من أظهر قبر الإمام  عليه السلام حفيدة جعفر الصادق عليه السلام وأمر صفوان الجمال ببناء دكة فوق القبر وهي أول دكة تبنى. وإن داوود بن علي العباسي المتوفي سنة 755 م  قام بإصلاحه ووضع عليه صندوقا بحجم القبر. ويعد داوود أول من أجهر بوجود القبر علنا بعد أكثر من ثمانين سنة من التخفي خوفا من العبث فيه من قبل الأمويين.  

وكانت أول عمارة بأربعة أبواب بنيت لمرقد الإمام (ع) تلك التي أمر بها هارون الرشيد سنة 797 م. ولهذه الواقعة قصة تتداولها الأجيال يمكن أن نجملها بما ذكره عبد الله ابن حازم حينما قال: إنه خرج مع الرشيد من الكوفة للصيد حتى صار الى ناحية الغريين أو الثوية فشاهد أكمة في المنطقة فسأل عنها الرشيد فقيل له, هذا قبر علي بن أبي طالب, فتوضأ وصلى عندها ثم أمر ببناء القبة على القبر. ومنذ ذلك الحين أخذ الناس التردد عليه علنا والدفن حوله. وقد أطلق على المكان بالمشهد أي مجمع الخلق وكلمة المشهد متداولة عند النجفيين وتعني النجف ويطلق على الشخص لفظ مشهدي أي نجفي والمشاهدة النجفيون. وقد وصف تلك الحقبة الشاعر دعبل الخزاعي المتوفي سنة 858 م فقال:

سلام بالغداة وفي العشي      على جدث بأكناف الغريي

وصي محمد بأبي وأمي       وأكرم من مشي بعد النبي

لأن حجوا الى البلد القصي    فحجي ما حييت الى علي

 وشهد القبر عمارة ثانية على يد محمد بن زيد الداعي ولحقتها عمارة ثالثة قام بها عضد الدولة وقد صرفت فيها أموالا طائلة وتحسينات كبيرة. وفي عام 1382 حصلت العمارة الرابعة الني لا تنسب الى أحد. وفي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي –القرن العشرين- جرى تطوير خارج سور الصحن حيث ازيلت البيوت والبنايات والمحلات التجارية الملاصقة للسور. وأصبح المرقد الشريف بصحنه وسوره مستقلا عن أي بناء يحيطه, وظهرت حوله فسحة واسعة وشارع محيط اعطى للمرقد بهاء وروعة للناظر إليه من جميع الجوانب.

ويصف الدكتور محسن المظفر المرقد الشريف وصفا دقيقا, فالضريح المقدس أحيط بثلاثة أسوار, الأول يرتفع 16 مترا وهو أقرب الى المربع, فمن الجنوب الى الشمال يبلغ 77 مترا ومن الشرق الى الفرب 72 مترا. ويتألف هذا السور من طابقين فيه أواوين وغرف, وهو قائم على رحبة من جهة الشرق الطارمة أو

(البهو) التي ترتفع عن أرض الصحن مترا واحدا, أما طولها فيصل الى 33 مترا وفي ركنيها تنتصب مئذنتان ارتفاع كل كمهما 35 مترا مغشيتان بطابوق من الذهب الإبريز وعدده 4000 طابوقة.

أما السور الثاني فهو سورالرواق الذي يرتفع الى نفس ارتفاع  الرواق الأول  ويقع وسط الصحن بجدران مكسوة بالمرائي الملونة وله ثلاثة أبواب, في حين أن السور الثالث وهو مربع يحيط بالقبر الشريف وهو المعروف بالروضة المقدسة وجدرانه مغطاة بالمرائي والرخام.

إن ارتفاع قبة الإمام علي عليه السلام من قاعدتها الى رأس المخروط منها 35 مترا ومحيط قاعدتها 50 مترا وقطرها  16 مترا. ويبلغ عدد طابوقها 13000 طابوقة . وكتب على القبر الشريف وعلى الباب المؤدي الى الىوضة الحيدرية:

إذا ما الدهر عفى كل باب       فباب الله   باق   لا  يعفى

ولا يبقى مع  التاريخ  إلا       علي الدر والذهب المصفى

علقت على الحضرة االمقدسة ذات الهيبة والجلال والعظمة على جميع جهاتها القناديل الذهبية المرصعة بالأحجار الكريمة واللآلئ الثمينة والثريات . وجدران الحضرة مغشاة بالفسيفساء اللطيفة والرخام البديع والمرايا, وأرضها مفروشة بالرخام الأزرق الجميل وفيها أربعة أبواب من الفضة وخامسة من البرونز. ويتوسط الحضرة المرقد الغروي المطهر يحيط به مشبكان الأول من الفضة الناصعة البياض وهو الخارجي والآخر داخلي من الحديد الفولاذي. وتعلو المشبك الأول آيات من القرآن الكريم مع أبيات من الشعر لابن أبي الحديد. وفي كل ركن من أركانه الأربعة  وضعت رمانة من الذهب الخالص يبلغ قطرها زهاء النصف متر, ويتوسط المشبك الحديدي مصطبة من الخشب المرصع بالعاج ومنقوش عليها آيات من القرآن الكريم وتحتها المرقد الشريف.

أما الفصل الخامس وهوالأخير من الكتاب يتناول العلاقات الوظيفية الإقليمية لمدينة  النجف. ويبدأ الباحث بدراسة ميدانية وأستمارات أستبيانات اجراها عامي 1973 م وعام 2005 م . وبموجب تلك الدراسة يقسم النجف الى ثلاثة أقاليم  رئيسة هي:

الإقليم الكثيف :وهو الذي يقع ضمن الدائرة المحصورة بين طريق النجف - كربلاء والذي طوله 78 كم  وطريق النجف أبي صخير. وهذه المنطقة واقعة ضمن الدائرة التي تبادلت التأثير مع النجف منذ نشأتها. لذا يرى الدكتور المظفر مدن أبي صخير والمشخاب والحيرة والشامية والشنافية وغماس والقادسية والديوانية والصلاحية والمهناوية والكوفة وخان الحماد والعباسية والحرية وكربلاء والرحبة والكفل والحلة والقرى التابعة لها تدخل ضمن الدائرة المشار إليها أي إقليم النجف الكثيف.

الإقليم الثاني: وهوالإقليم الواسع المحلي,ويقصد به الإقليم الواقع خارج حدود إقليم النجف الكثيف.يتحدد بمدن وقرى في وسط وجنوب العراق وبعض مدن وقرى محافظات كركوك والسليمانية ونينوى وديالى .وقد أطلق عليه الدكنور المظفر تسمية إقليم النجف الواسع المحلي, وهو يذكر بأنه اعتمد على المعلومات المتوفرة لديه من سجلات حكومية وأهلية, والدراسات الميدانية والمقابلات الشخصية.

الإقليم الثالث: الإقليم الواسع العالمي, ويقول المؤلف إنه إعتمد على سجلات المرجعية الدينية في النجف وعلى سجلات المدارس الدينية وكلية الفقه, ونتيجة للجولات الميدانية والمقابلات الشخصية التي اجراها في المدينة فقد تجمعت لديه معلومات كشفت عن وجود إقليم علاقات آخر للمدينة يتحدد بدول أجنبية  وأقطار عربية مختلفة منها سوريا ولبنان ودول الخليج العربي كالكويت والبحرين وقطر ودولة الإمارات وعمان والإحساء والقطيف من المملكة السعودية وإيران.  وهذا يشكل حسب إجتهاد البروف المظفر إقليما واسعا عالميا لمدينة النجف. وهو إقليم علاقات غير متصل. وعلى هذا الأساس يبني المؤلف العديد من استنتاجاته المرتبطة بالعلاقات السكانية والاقتصادية والتجارية والصناعية والمواصلات والدينية والاجتماعية ومجال التأثير المحلي والعالمي لوظيفة النجف الدينية.

إن كتاب أ. د. محسن عبد الصاحب المظفر, مدينة النجف – عبقرية المعاني وقدسية المكان يعد وبحق من الكتب العلمية القيمة في مجال جغرافية المدن والجغرافية الحيوية, إضافة الى أن المؤلف وهو أبن النجف البار قد أسهم في كتابة تاريخ مدينته بأسلوب الجغرافي المبدع ونسأل الله أن يثقل به ميزان حسناته. 

 

 نبذة عن السيرة العلمية للمؤلف:

 

ولد  أ. د. محسن عبد الصاحب المظفر أطال الله في عمره في النجف الأشرف عام 1938

عمل في أقسام الجغرافيا في جامعة بغداد والمستنصرية وعميدا لكلية الآداب -جامعة القادسية.

تقاعد عام 1997 وسافر إلى ليبيا ليعمل أستاذا في قسم الجغرافيا بجامعة السابع من ابريل في مدينة الزاوية.

له العديد من البحوث العلمية المنشورة في المجلات والدوريات العراقية والعربية والعالمية يصعب حصرها لكثرتها.

نشر كتبا عديدة منها:

القرآن والأصول المناخية - وادي السلام في النجف - نهاية الكون بين العلم والإنسان - التحليل المكاني لأمراض متوطنة في العراق - التخطيط الإقليمي - الجغرافية الطبية - جغرافية الأحياء - تقنيات البحث المكاني - فلسفة علم المكان - مدينة النجف الكبرى - جغرافية  المعتقدات والديانات- مقبرة النجف الكبرى. -.

والأستاذ الدكتور محسن المظفر حافل بمسيرة علمية مشرقة ملموسة من خلال إشرافه على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه ويشهد له زملاؤه وطلابه بالأخلاق الحسنة وتواضع العلماء .وقد عرفناه من خلال معايشتنا اليومية له طوال سنين العمل التي قضيناها سوية في جامعة الزاوية الليبية. فهو نعم الأستاذ ونعم الزميل ونعم الأخ وكل من يعرفه يعلم بان الدكتور المظفر كهل متشبب ناشط  وشاب مكتهل ثاقب الذكاء وافر الإنتاج والعطاء. ونتمنى له صحة وافرة وطول العمر  ليتحفنا بما هو جديد ومفيد..  

  

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.