اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• من خفايا البيروسترويكا الغورباشوفية -الجزء الأول-

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

أ.د. جعفر عبد المهدي صاحب

مقالات اخرى للكاتب

من خفايا البيروسترويكا الغورباشوفية

-الجزء الأول-

صوت براقش كان سببا في فناء أهلها ، لم تكن فعلتها بقصد الأذى بل بدافع الفطرة أطلقت نبيحها الذي ادى بها وباهلها الى المصير المعروف. ولكن بيروسترويكة ميخائيل غورباتشوف كانت وبسؤ نية (لا براقشية) قد أدت إلى: نتف لحى مؤسسي الشيوعية كارل ماركس وفردريك انجلز ، وتكسير تماثيل فلاديمير ايليتش لينين، وحبس رفاقهم الكبار جيفكوف وهونيكر وقتل نيقولاي تشاوتشكو وزوجته يلنا، وتمزيق العلم الأحمر في كل مكان، وتصفية الدولة السوفيتية ونقلها من دولة عظمى إلى دولة تستجدي المعونات من (الأعداء) الإمبرياليين في مطلع تسعينيات القرن المنصرم في عهد يلتسين بالذات.

إن من نتائج البيروسترويكا التي ظهرت مباشرة انحطاط المستوى المعاشي إلى الدرك الأسفل والتعددية الحزبية البراقة وتفكك الدولة العملاقة وخلو أسواق موسكو من الخبز. هذا على المستوى الداخلي أما على الصعيد العالمي فقد خلا الجو لسياسة القطب الواحد وانتهت قواعد القانون الدولي الآمرة لتحل محلها فوضى البلطجة الدولية التي تعكس أوامر الأقوى الذي لا يعر اهتماما سوى خدمة الرأسمال العالمي.

المهم أن ميخائيل غورباتشوف حصل في شهر التمور(اكتوبر) عام 1990 على جائزة نوبل للسلام. وهذه الجائزة سبق وان حصل عليها إرهابي الآرغون مناحيم بيغن مناصفة مع السادات.

وكثيرا ما تثار التساؤلات عن غورباتشوف ولكن أهل موسكو أدرى بجبالها, وهم المجموعة من القادة السوفيت الذين قاموا بعملية يوم 19/8/1991 كمحاولة منهم لإدخال الدولة السوفيتية إلى صالة الإنعاش بعدما بدت ساعات الاحتضار. ولكن لم يكتب لهذه العملية النجاح بفضل إدارة البيت الأبيض وخلفاء الاشتراكية الوطنية في بون . إن تلك المجموعة أصدرت بيانا (البيان رقم 5) أشاروا فيه بوضوح إلى أن ميخائيل غورباتشوف لا يخلو من الخوض في مستنقع العمالة الأجنبية . فقد ورد بالنص"إن هناك قوى تدربت وتعلمت في الخارج من اجل تمزيق الاتحاد السوفيتي وانهيار الدولة السوفيتية".

ويبدو من فحوى هذا البيان أن غورباتشوف هو المتهم الأول بهذا الوصف. وقد حذر البيان من أن الانهيار لا يقضي على مسيرة سبعين سنة فحسب بل سيؤدي بالبلاد إلى الفناء. وهذا ما حصل بالفعل بالدولة السوفيتية بعد أيام معدودة من ذلك التاريخ.

سنعتمد على المعلومات التي وردت في كتاب الصحفي الكرواتي الكسندر نوفاتشيتش المعنون(مسرحية غورباتشوف) وبعض كتابات الأديب الروسي ميدفيديتش وما كتبته عن البيروسترويكا وغورباتشوف أثناء وجودنا . وسوف نتابع حياته منذ طفولته إلى أن احتل المركز الأول في الكرملين.بعد ذلك نلقي الضوء أيضا على حياة فريق العمل الذي اختارهم ضمن تشكيلة حكومته ،ونقصد بهم اولئك الناس الذين لا تجربة لهم في العمل القيادي على مستوى الدولة،مثل ادورد شيفرنادزه.

أدور شيفرنازده رمز الجهالة السياسية:

استلم مسؤولية وزارة الخارجية في شهر ن يوليو- تموزعام 1985 خلفا للوزير المخضرم اندريا غروميكو ( كان يومها غروميكو أقدم وزير خارجية في العالم).

ومعلوم عن شيفرنادزه عديم الخبرة بالسياسة الخارجية إضافة إلى عدم إتقانه لأي لغة أجنبية

وهو جورجي لا يجيد لغة إلا الجورجية، ولا يتكلم الروسية بشكل جيد، وذات يوم كان ضيفا في احد البرامج المرئية - بعد انحلال الدولة السوفيتية - وسئل عن سبب ضعف لغته الروسية فأجاب على الفور بان أمه يهودية وهذا ليس عيبا(على حد تعبيره) . إن صيغة الإجابة وطبيعتها سخيفة جدا ولا علاقة لها بالسؤال ويبدو انه كان راغبا في التملق للمعسكر المضاد لبلاده ولحلفاء ذلك المعسكر من الصهاينة ولدينا مثلا بالعربية ينطبق عليه، احد الحيوانات يسالونه عن ابيه "يقول خالي الحصان".

إ هذا الرجل من مواليد 1928 من قرية ماماتي في جورجيا وقد تخرج من معهد المعلمين في مدينة كوتايس وبعدها دخل الأكاديمية الحزبية في جورجيا وبقي يعمل في منظمة الشبيبة (الكومسمول) في جمهوريته لمدة(20) سنة ، وفي عام 1965 تدرج إلى وزارة الداخلية في جورجيا.

فعندما تمت تسميته لوزارة الخارجية السوفيتية بدأ العد التنازلي لقوة المفاوض السوفيتي مما جعل تعليقات الناس والصحف في ذلك الوقت تذكر بان هذا الرجل سوف يجلب للبلاد هزيمة بلا قتال. وبالفعل هزم الاتحاد السوفيتي بدون قتال في اليوم الذي قدم به شيفرنادزه استقالته لياخذ حصته من كعكة التفكك ويستقل بجورجيا ويصبح رئيسا لها ويتركها فيما بعد افقر بلد في المنطقة ويقيم في المانيا بعد ان اشترى فيلا ضخمة بملايين الماركات وقتذاك "من جيبه الخاص".

إن هذه المواصفات جعلت شيفرنادزه رجلا عظيما في عيون((الغرب طبعا)) فعندما انتهى دوره المسرحي وقدم استقالته عام 1990 قالت عنه الشمطاء مارغريت تاتشر بأنه(( مهندس سياسة التسامح الدولي)) وهي تعلم تمام العلم بان الرجل لا يفقه شيئا بالسياسة الدولية وليس لديه مستوى الثانوية العامة بالسياسة الخارجية –إن صح التعبير—وكل ما يملكه شيفرنادزه بسمته التي لا تفارقه وهذه النغمة يكررها الإعلام الغربي باستمرار.

نيقولاي ريجكوف من المصنع الى رئاسة الحكومة:

ومثال آخر عن أفراد الفريق الذي دفع بهم غورباتشوف للمواقع الحساسة في الدولة السوفيتية بدون الاخذ بنظلا الاعتبار عامل الخبرة, فقد وقع اختياره لرئاسة الوزراء على رجل ليس لديه الدراية بهذا المنصب وهو نيقولاي ريجكوف مدير مصنع( اورال ماشا) . وكان غورباتشوف وراء دفع ريجكوف ليصبح عضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي عام 1985 . ولجأ غورباتشوف لهذه الوسيلة لكي يكسب بها أصوات أعضاء المكتب السياسي الذي يمثل أعلى سلطة حزبية في البلاد.

إن موقع رئيس الوزراء على مستوى الفدرالية ليس موقعا سهلا أو هينا ولكن ماذا ستكون كفاءة مجلس الوزراء عندما يصبح مدير مصنع رئيسا له؟ وكيف تسير الأمور السياسية في البلاد؟

ومن الطبيعي أن رجلا عديم الخبرة لمثل هذا الموقع الحساس سيكون الفشل مصيره، وهذا ما حصل بالفعل. فعندما أصبح الوضع أسوء في ظل حكومة ريجكوف اثير نقاش حاد معه داخل البرلمان الاتحادي (الدوما) فتعرض لنوبة قلبية أثناء النقاش واضطر إلى تقديم استقالته من منصبه.

ولم ينتبه إلى سوء الاوضاع إلا القلة من طاقم غورباتشوف مثل ايفان بولوزكوف ( وهو محسوب على طاقم غورباتشوف) إذ قال: "ان البيروسترويكا جاءت بالفساد للاقتصاد السوفيتي والحزب والدولة السوفيتية ".

وجاء الإعلان عن سياسة الغلاسنوست ( العلنية) بعد يومين من حدوث كارثة التشرنوربيل في 26/4/1986 . ولم تكن الغلاسنوست إلا وسيلة أخرى مشجعة على هز أركان الدولة السوفيتية وتمهيدا لتمرير مخطط تفكيك الاتحاد السوفيتي وهذا ما يؤكد صحة ما جاء في بيان لجنة الإنقاذ السوفيتية .

"إن هناك قوى تدربت وتعلمت بالخارج من اجل تمزيق وتحطيم الاتحاد السوفيتي والدولة السوفيتية".

قصة تولي غورباتشوف السلطة:

في الربع الأول من القرن العشرين وضع لينين أسس الدولة السوفيتية ، وجاء الزعماء من بعده لتقوية وتدعيم مرتكزاتها، كل حسب طريقته الخاصة وبما يخدم بناء الدولة القوية التي تزعمت معسكرا دوليا استطاع إلى حد كبير من فرض سياسة التوازن الدولي.

أما في الربع الأخير من القرن نفسه فقد وصل غورباتشوف إلى حكم الكرملين لكي يهدم تماثيل ابيه الروحي لينين ويقوض دولة دكتاتورية البروليتاريا.

في 10/3/1985 لفظ قسطنطين تشيرنينكو أنفاسه الأخيرة مودعا الحياة. وجرى دفنه في 13/3/1985.

وقد شهدت الساحة الحمراء وسط موسكو خلال (28) شهرا تشييع جنائز ثلاثة من الرؤساء السوفيت وهم ليونيد بريجينيف ويوري اندربوف وقسطنطين تشيرنينكو.

أخذت الناس تتساءل ،أثناء إعلان موت تشيرنينكو ، من هو الشخص الذي سيكون خليفته في الكرملين؟

ان طرح سؤال كهذا يعطي إشارة واضحة بوجود أمر ما يجري خلف الكواليس. لان نظاما مثل نظام الدولة السوفيتية لا ينبغي أن تطرح فيه أسئلة من هذا النوع ، لان ترتيب الجلوس داخل المكتب السياسي للحزب منسق على أساس الأقدمية وان سكرتير المكتب السياسي هو حكما رئيسا للكرملين. فعند موت الرئيس يتزحزح الباقون حسب ترتيب الجلوس بانتظام،وحسب الأقدمية.

ويمكن لنا القول هنا بعدم وجود قضية الصراع على السلطة بين صفوف الكادر المتقدم في الحزب الحاكم.

موت المارشال أوستينوف 1984 وعدم اكتمال النصاب وتحجيم غريشين:

حصل شيء غريب قياسا للأعراف السوفيتية .ففي ليلة رحيل تشيرنينكو في 10/3/1985 عقدت جلسة طارئة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي وتم "انتخاب" ميخائيل غورباتشوف أمينا عاما للحزب.

اثيرت الشكوك حول تلك الجلسة الطارئة التي عقدها المكتب السياسي للحزب ،ويعود سبب الشكوك الى الغموض والملابسات التي لازمت الجلسة،إذ لم يكتمل فيها النصاب ولم يحضرها كل اعضاء المكتب السياسي وذلك خلافا للنظام الداخلي للحزب، حيث كان عدد منهم خارج البلاد وبعضهم الآخر بعيد جدا عن موسكو. على سبيل المثال:

شتشربيسكي: عضو المكتب السياسي- كان في زيارة للولايات المتحدة الامريكية.

فورو تينكوف: عضو المكتب السياسي- كان في زيارة ليوغسلافيا.

علييف كونانييف: عضو المكتب السياسي- كان في آلما آتا - وهي تبعد اربع ساعات عن موسكو بالطائرة.

على أي حال لم ينتظر غورباتشوف عودتهم وتلاقف صك انتخابه داخل المكتب السياسي وعرضه في اليوم التالي على اللجنة المركزية للحزب لغرض دعم القرار. وجرى له ما كان يسعى اليه, انه سكرتير عام الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي.

لم ينشر أي شيء عن وقائع تلك الجلسة الا بعد خمس سنوات عندما تسربت الأخبار التي توحي أن انتخاب غورباتشوف كان جاهزا وهذا ما جعل جورجي رومانوف عضو المكتب السياسي مسؤول لينينغراد على وشك أن يفسد ذلك السيناريو عندما دفع بترشيح فكتور غريشين مسؤول موسكو لمنصب السكرتير العام للحزب.

وكانت هناك علامات تبرر ترشيح غريشين لذلك المنصب إذ انه كان يلقي خطابات الرئيس تشيرنينكو طوال فترة رقوده في المستشفى، بالإضافة إلى قدمه الحزبي وهذه إشارات واضحة تشير إلى أن هذا الشخص هو البديل الذي يرغبه الحزب في حالة وفاة الرئيس.ولكن من الأسرار الغريبة جدا وغير المعروفة حتى الآن اشتراك اندريا غروميكو وزير الخارجية المخضرم في ذلك النقاش ووقوفه إلى جانب ميخائيل غورباتشوف.

ولابد من الإشارة إلى أن من الأمور المساعدة التي سهلت الطريق أمام غورباتشوف موت وزير الدفاع السوفيتي المارشال اوستينوف في نهاية عام 1984.

ومن الملفت للنظر أيضا تركيز وسائل الإعلام المحلية والغربية بشكل خاص على نشاطات غورباتشوف قبيل موت تشيرنينكو بأسابيع. والسؤال المطروح :

لماذا التركيز على نشاطات هذا الرجل دون الآخرين من رفاقه من أعضاء المكتب السياسي؟

قبيل موت تشيرنينكو باسابيع (في فبراير شباط 1985 ) عرضت محطات التلفزة السوفيتية صور غورباتشوف وزوجته رايتسا وحفيدته اوكسانا وهو يتحرك ضمن انتخابات المجالس المحلية . يبدو واضحا هناك توجيه إعلامي مدروس بتغطية نشاطاته.

وكان المشاهد السوفيتي هدفا خفيا وغير معلن للاعلام قبل موت تشيرنينكو. فكان المواطن السوفيتي يستقبل صورة "الشاب" غورباتشوف ضمن تشكيلة قيادته وهو يتحرك بحيوية في المجلس المحلي لمدينته وفي نفس تعرض محطات التلفزة السوفيتية صورا أخرى تكشف فيها ذهاب صندوق الانتخابات إلى المستشفى التي يرقد فيها الرئيس تشيرنينكو ،ومن فراش مرضه يشارك في تلك الانتخابات.

لقد لعب الاعلام دورا كبيرا في التمهيد لوصول غورباتشوف الى الموقع الاول في الكرملين.ويجمع معظم المحللين الى ان هذا العمل كان يدار من قبل ايادي خفية هذفها دق المسمار في نعش الاتحاد السوفيتي.

أما مسألة موافقة اللجنة المركزية على تزكية الأمين العام للحزب فلا يوجد هناك عائق إذ أنها شكلية ،وجرى العرف على أن قرارات المكتب السياسي يتم تصديقها بالإجماع من قبل اللجنة المركزية. وهذه هي الطريقة التي ينتخب بها زعيم الحزب منذ تأسيسه على يد لينين عام 1903 ف . وبذلك كان عمر غورباتشوف ,وقت استلامه القيادة, قد بلغ الرابعة والخمسين وهو سابع زعيم سوفيتي وأصغر الذين سبقوه سنا ماعدا لينين وستالين:

فلاديمير لينين : 33 سنة.

جوزيف ستالين: 44 سنة.

نيكيتا خروشوف : 58 سنة.

ليونيد بيرجينيف : 57 سنة.

يوري اندربوف : 68 سنة.

قسطنطين تشيرنينكو:74 سنة.

إن مسالة الصراع على السلطة داخل جدران الكرملين ،ومنذ عهد ستالين وتروتسكي ترافقها الكثير من الدسائس التي تجري خلف الكواليس والتي بموجبها يتم تصفية الكثير من الحسابات السياسية. لذل فان حالة غورباتشوف ليست غريبة عن هذا الطور ولكن يبدو ان هذا الرجل قد عمل كثيرا وبشكل مبكر لخدمة هدفه، إذ بدأ تحركه منذ عهدي اندربوف وتشيرنينكو.

في الحلقة القادمة (الجزء الثاني) سوف نجيب على الأسئلة التالية:

هل كانت مراسم دفن تشيرنينكو طبيعية؟

وهل كان حالها حال مثيلاتها عندما نقلت جثامين قادة الحزب الشيوعي السوفيتي الى مثواها الاخير؟

وهل خرجت حالة تشيرنينكو عن البروتوكول المتبع؟

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.