اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الذكرى الخامسة والسبعين لاستسلام ألمانيا النازية: الجزء الثالث// د. يوسف شيت

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. يوسف شيت

 

عرض صفحة الكاتب 

الذكرى الخامسة والسبعين لاستسلام ألمانيا النازية: الجزء الثالث

د. يوسف شيت

 

الجبهة الشرقية، كانت من أكبر وأعنف المعارك وأكثرها دموية ودمارا على الإطلاق وعلى مرّ التاريخ. وهي التي ستقرر مصير الحرب،أي مصير البشرية جمعاء الذي أصبح على كفّ عفريت، إمّا الاستعباد والدمار والفناء، أو السير نحو الحريّة والبناء السلمي، وهذا ما كان يعرفه حقّ المعرفة قادة دول الحلفاء الذين أثنوا على بطولات وتضحيات الجيش الأحمر السوفييتي. على هذه الجبهة سحقت الماكنة الحربية للنازية ، وفقد الشعب السوفييتي خلال هذه المعارك ما يقارب نصف ما فقدته الشعوب الأخرى التي خاضت حكوماتها الحرب. رغم تفاوت الأرقام بعدد ضحايا الحرب، وفي كلّ الأحوال، فهي لا تقلّ عن 60 مليون شخص.  أصبحت أوروبا، باستثناء انكلترا، تحت حكم النازيين والفاشيين، وتحت تصرّف هتلر ثرواتها وقواها البشريّة الهائلة المستعبدة إلى أقصى الحدود والتي كرّسها لعدوانه وأطماعه التوسعية، ساعيا لتنفيذ عقيدته القومية المريضة النابعة من نفسيّته المصابة بداء العظمة في جعل العنصر الآري يحكم العالم لتفوّقه على الأعراق الأخرى الأدنى مستوى واستعبادها أو القضاء عليها. هكذا انصبّ كل تفكير هتلر في وضع خطط لاحتلال روسيا المالكة لثروات طبيعية لا حصر لها من نفط ومختلف المعادن وغابات وأنهار وبحيرات ومحاطة ببحار وجزر. وهو يعرف، أي هتلر، بأنّه لا يستطيع تنفيذ خططه بدون القضاء على شعوب الاتحاد السوفييتي، وهذا ما بدأ بتنفيذه منذ اليوم الأول من عدوانه عليه. وفي إحدى خطبه البهلوانية المعتادة وعشيّة غزوه للإتحاد السوفييتي قال: "يجب على الروسي أن يموت كي يعيش الألماني"، أي المطلوب من جيشه  القيام بحرب إبادة. كان غزو الأراضي السوفييتية متوقعا، بل وحتميا، من قبل القيادة السوفييتية وزعماء الغرب على حدّ سواء. لكن توقيت الغزو أصبح لغزا. عندما كانت الصحافة الغربية والساسة الغربيون يتوقعون قرب الهجوم، كان ستالين يعتبر ذلك إثارة الخلاف مع ألمانيا لتخريب اتفاقية مولوتوف- روبنتروب، وكان الرئيس الأمريكي روزفيلت قد حذّر ستالين في كانون الثاني 1941 وكذلك رئيس وزراء بريطانيا تشرشل في آذار نفس العام من الهجوم الألماني المرتقب. ووصل الحدّ بستالين إلى عدم تصديق رجال المخابرات السوفييتية العاملين في بولندا وألمانيا بنية هتلر المبيتّة. كما كان رئيس استخبارات الأركان السوفييتية الجنرال فيليب كوليكوف يقدّم تقاريره مباشرة إلى ستالين، وحسب العسكريين السوفييت، كانت التقارير تحوي ما يسرّ ستالين وتناسب رؤيته للأوضاع. وعندما شكا رئيس الأركان الجنرال غيورغي جوكوف لستالين تصرّف كوليكوف بعدم تسليمه التقارير الاستخباراتية، أجابه ستالين: "سيبلغك رئيس الاستخبارات ما سأراه أنا ضروريا"، هكذا حصر ستالين كافة المعلومات الاستخباراتية بيده. وترسّخت لديه فكرة، بأنّ ألمانيا ستهاجم الاتحاد السوفييتي حوالي منتصف عام 1942، لذلك أمر بعدم القيام بأية استفزازات ضدّها. ولم يعط ستالين أوامره لوضع الجيش في حالة الإنذار القصوى إلاّ قبل ثلاث ساعات من بدء الهجوم رغم محاولة جوكوف وتيموشنكو لإقناعه باتخاذ الإجراءات على الحدود، كما أنّه اعتبر تحذير الملحق العسكري السوفييتي في فرنسا- حكومة فيشي- الذي أعلمه يوم 21 حزيران بأنّ الألمان سيهاجمون يوم 22 حزيران بأنّها لعبة انكليزية. وفي يوم 19 حزيران أرسلت المخابرات السوفييتية برقية تؤكد أعلام السفير الإيطالي في برلين من قبل القيادة الألمانية بأنّ الهجوم سيكون بين 21 و 25 حزيران. وعندما أبلغ ستالين بوقوع الهجوم قال، ربمّا هذا استفزاز لأنّ الألمان بارعون به.  ويشير بعض العسكريين السوفييت الذين اشتركوا في الحرب إلى نيّة ستالين وضع خطّة في أيار 1941 للهجوم على الجيش الألماني في بولونيا استباقا لهجوم هتلر المرتقب في العام القادم!

 

بدأت القيادة الألمانية في حزيران 1940 بوضع الخطة لغزو الأراضي السوفييتية التي أطلق عليها "عملية بارباروسا"، وأقرّت من قبل القيادة العليا العامة تحت أمر رقم 21 في 18 كانون الأوّل نفس العام. جاءت العملية تنفيذا لمقولة هتلر: "عندما نتكلّم عن أراضي جديدة علينا أن نفكّر في روسيا، القدر نفسه يشير إلى هناك، إنّ مستقبل الشعب الألماني هو في الشرق ويجب استقطاعه من الاتحاد السوفييتي". شملت العملية ثلاث جبهات،الشمالية  والوسطى والجنوبية (بالنسبة للسوفييت، الجبهة الشمالية الغربية والغربية والجنوبية الغربية) بقيادة الفون براوشتش، وبطول 3000 كم تبدأ من شمال غرب الاتحاد السوفييتي عند ميناء مورمنسك على بحر الشمال حتى ميناء أوديسا على البحر الأسود. زجّت ألمانيا في الجبهة 5,5 مليون جندي مما شكّل 70% من قوّاتها البرية بالإضافة إلى 900.000 جندي من دول المحور الأخرى، و4000 دبابة 4950 طائرة و47200 مدفع و192 سفينة حربية. وبلغ إجمالي القوّات السوفييتية 2.743.000 جندي ما يعادل 53% من القوّات البرية للجيش الأحمر و10.000 دبّابة و5000 طائرة و38000 مدفع و182 سفينة حربية. وكان الهدف النهائي للعملية هو عزل القسم الآسيوي لروسيا عل خط أرخانكلسك- فولغا وتدمير الصناعة الروسية في منطقة اورال بواسطة الطيران الحربي. لتنفيذ العملية قسّمت الجيوش النازية إلى ثلاث جبهات، جيوش الجبهة الشمالية نحو لينينغراد والوسطى نحو موسكو والجنوبية نحو كييف وقفقاس.

 

 في الساعة الثالثة والربع من صباح 22 حزيران 1941 بدأ الهجوم الألماني في الجبهة الوسطى. حاولت القوّات الألمانية دخول قلعة بريست على الحدود بعد قصفها بالمدفعية لكنّها جابهت مقاومة شديدة رغم تفوّق عدد الغزاة بأربع مرّات ونصف عدد المدافعين. وأثناء حصارها قتل الكثير من المدافعين ووقع في الأسر آخرين واستطاع القسم الآخر منهم الإفلات والالتحاق بفصائل الأنصار. ظلت المقامة الفردية حتى أوائل آب، وبعد التحرير كان المدافعين الأبطال قد سجلوا على حيطان القلعة الداخلية ما أبدوه من مقاومة ، منها مثلا: " سأموت ولكن لن أستسلم، وداعا أيها الوطن ، 29 تمّوز 41". وأصبحت قلعة بريست رمزا للصمود والبطولة والتضحية من أجل الوطن. كتب رئيس أركان القوأت البريّة النازية الجنرال فرانس هالدر في الشهر الأوّل من المعارك: "المقاومة القوية من الروس اضطرّتنا أن نلتزم بقواعد المعركة، في بولندا والغرب سمحنا لأنفسنا أن نظهر كما نحن، أمّا الآن هذا غير ممكن". توّغلت الجيوش النازية في العمق رغم المقاومة البطولية للجنود السوفييت فاستولت على مينسك عاصمة بيلاروسيا يوم 29 حزيران ثمّ التوجّه نحو مدينة سمولنسك تمهيدا للزحف إلى موسكو. في الجبهة الجنوبية استولى الألمان على كييف عاصمة أوكرانيا تمهيدا للتوجّه نحو القوقاز حيث منابع النفط وخامات الحديد وغيرها، ثم احتلال ستالينغراد على نهر فولغا. وعلى الجبهة الشمالية تمت محاصرة لينينغراد التي تعتبر رمز ثورة أكتوبر، وأعطى هتلر أوامره لمحو المدينة مع سكانها في حالة عدم القدرة على اجتياحها. لم يمرّ الغزو النازي مرّ الكرام أثناء زحفه، لقد أجبر على التراجع في الكثير من المناطق مثل لينينغراد التي ضلّت عصيّة على العدو حتى فكّ الحصار عنها وملاحقة القوّات النازية، وكييف عاصمة أوكرانيا لم يستطع العدو دخولها حتى التاسع عشر من أيلول ، أي بعد ثلاثة أشهر من المعارك والمقاومة البطولية للجيش الأحمر. كانت الخسائر على الجبهة الغربية  في المعارك حول مينسك كبيرة جدا، وأحد الأسباب هو تركيز القيادة السوفييتية العليا على جبهة أوكرانيا، بينما ركّزت القيادة الألمانية على الجبهة الوسطى الأقرب إلى موسكو. وعلى أثر الهزيمة في مينسك حكم بالإعدام على مجموعة من قادة الجيش الأحمر. أصبحت وجهة الجيوش النازية موسكو، عن طريق مدينة سمولينسك. دارت معارك طاحنة  للدفاع عن سمولينسك واستمّرت شهرين من 10 تمّوز حتى احتلالها في 10 أيلول. بهذا استطاعت القوّات السوفييتية بمقاومتها تأخير معركة موسكو أكثر من شهرين. لقد كان ثمن المقاومة من أجل الوطن غالية جدا، ففقد الجيش الأحمر حتى قدوم شتاء 1941 حوالي ثلاثة ملايين جندي بين قتيل وجريح وأسير وتغلغل البعض إلى خلف خطوط العدو للالتحاق بفصائل الأنصار، والآلاف من الدبابات والطائرات والمدفعية والعربات. بهذا أصبحت أمام القيادة العامة والحكومة السوفييتية مهام صعبة ومعقّدة، سواء في التعويض عن الخسائر البشرية والمادية أو إعادة تنظيم القوّات المسلحة، وكذلك الحصول على القروض المالية، وليس من مقترض سوى بريطانيا وأمريكا. أكّد تشرشل استعداده لمساعدة الحكومة السوفييتية، ولكن عندما طلبت الأخيرة قرض من بريطانيا ب10 مليون جنيه استرليني، وبعد مباحثات بين الطرفين رفض الطلب في البداية، ثم تمّ الاتفاق على شرط دفع فائدة عالية. وفي مذكّراته قال أنستاس ميكويان وزير التجارة الخارجية السوفييتية آنذاك، بأنّ ستالين استقبل شخصيا مبعوث الرئيس الأمريكي روزفيلت الذي كان صريحا بحديثه وقال بأنّ السادة أعضاء مجلس النوّاب والشيوخ لا يحبّذوا تقديم المساعدة للسوفييت، لكن الرئيس روزفيلت والمقربين حوله يريدون تقديم المساعدة. ومن المساعدات التي قدّمتها أمريكا كانت 11 مليار دولار و100 طائرة حربية، وقد قام العسكريون الكبار بعرقلة إيصال الطائرات. لم يشكك روزفلت بصمود السوفييت بوجه الغزاة، وقال في أيلول 1941، أي في أوجه تقدّم الألمان في عمق الأراضي السوفييتية: " إنّ الروس سيصمدون وإنّ موسكو لن تسقط في يد هتلر".    

 

معركة موسكو، كانت من المعارك الشرسة والكبيرة، سواء بعدد الأفراد أو المعدّات والتجهيزات الحربية والمساحة التي شغلتها. كان هتلر يعتقد بأنّ قوّاته ستحتل موسكو خلال ثلاثة أو أربعة أشهر ليعلن سقوط الاتحاد السوفييتي. حتى الصحافة الغربية تنبّأت بسقوط موسكو خلال شهرين، ووصلت المبالغة بالبعض إلى سقوطها خلال شهر! خططت القيادة الألمانية لعملية احتلال موسكو في 24 أيلول تحت أسم "تايفون" وفي 26 أيلول أصدر أوامره لبدأ الهجوم في الثاني من تشرين الثاني 1941، وقدّر بأنّ احتلال موسكو سيكون حوالي منتصف تشرين الثاني أي خلال 45 يوما. كما وأصدر أوامره بتطويقها من كلّ الجهات وبعدم السماح لأي جندي أو أحد من سكانها، إذا كان رجلا أو امرأة أو طفل بمغادرتها، ومن يحاول يقتل حالا. كان لتأخير زحف الجحافل النازية نحو موسكو جرّاء المقاومة العنيفة للجيش الأحمر عاملا مساعدا لإقامة خطوط دفاعية. بلغ تعداد الجيوش النازية لاحتلال موسكو 1.800.000 جندي و14000 مدفع و1700 دبابة 1390 طائر، وتعداد الجيش الأحمر، 1.250.000 جندي و7600 مدفع 990 دبابة و667 طائرة. لم تستطع القوّات السوفييتية منع تقدّم الألمان، إلاّ أنّ مقاومتها أبطأته إلى حدّ كبير. بسبب الظروف الخطيرة التي أحاطت بموسكو تمّ نقل المقرّات الحكومية، ومنها مقرّ ستالين، والبعثات الدبلوماسية الأجنبية إلى مدينة كويبشف. واستقرّ مقرّ لجنة الدولة للدفاع في محطة مترو "ماياكوفسكايا"، كذلك نقلت المصانع والمعامل والورشات ومحتويات المتاحف والمسارح والمدارس والمؤسسات العلمية والمقتنيات والمعان الثمينة خارج موسكو. قام سكان المدينة ، ومعظمهم من النساء، بإقامة المتاريس والموانع وحفر الخنادق، وتحويل شرف وشبابيك البنايات إلى مواقع لإطلاق النيران، ووضعت ألغام في محطات المترو لتفجيرها في حالة استباحتها من قبل الغزاة النازيين. تحوّلت موسكو من مدينة آمنة رومانسية  تسودها حركة بناء سلمي إلى جبهة مدججة بالسلاح تنتظر صدّ العدو في شوارعها. وفي 16 أكتوبر انتشرت حالة رعب بين سكان المدينة وفوضى وسرقة محلاّت والهروب خارجها، وفي اليوم التالي أعلن سكرتير منظمة موسكو للحزب الشيوعي  بأنّ "موسكو لن تستسلم"، وفي 20 أكتوبر أعلن ستالين حالة الطوارئ ومنع التجوّل من الساعة 12 ليلا حتى الخامسة صباحا وإلقاء القبض على كلّ من يخالف الأوامر وتقديمه إلى القضاء، أمّا الأعداء والجواسيس يعدمون حالا. وفي 21 منه أصدر ستالين أمرا بتعيين الجنرال قسطنطين جوكوف قائدا للجبهة الغربية ومسئولا للدفاع عن موسكو. في نهاية أكتوبر تباطأ تقدّم الألمان حتى توقّف نهائيا بعد أن صار على بعد 30كم فقط عن مركز المدينة في جهة شمال الغرب و60كم من جهتها الغربية. وفي 6 تشرين الثاني بدأ الهجوم المعاكس وأمر جوكوف قيادة الفيالق بعدم إعطاء أي فرصة للعدو للتخندق والدفاع عن نفسه. قذف العدو مسافة 200 إلى 300 كم عن العاصمة، مما أتاح في أوائل كانون الأول إرجاع بعض المعامل والمصانع إليها وبدأت المسارح ودور الثقافة تعمل والحياة تستقرّ في المدينة تدريجيا. لقد فشلت خطة "تايفون" وقبرت إلى الأبد، وبانت أفق الانتصار على النازية.

 

معركة ستالينغراد، كانت من أشرس معارك الحرب العالمية على الإطلاق من حيث الضحايا من البشر والأسلحة المدمّرة من مختلف الصنوف وغيرها من المعدّات ودمار مدينة بكاملها. هذه المعركة هي التي تقرر، ليس فقط مصير الاتحاد السوفييتي، بل ومصير أوروبا والعالم، لذلك كانت الخسارة لأيّ من الطرفين المحاربين مرفوضة. بعد خسارته معركة موسكو وجّه هتلر جلّ اهتمامه نحو ستالينغراد الممتدّة مسافة 30كم على نهر الفولغا الشريان الرئيسي للمواصلات النهرية وهو الخط الفاصل بين قارتي آسيا وأوروبا، وكذلك منطقة القوقاز حيث سيسهل تزويد المعدّات بالوقود بعد احتلال منابع نفطها وقطع الوقود على الجيش الأحمر. لذلك عمد إلى تقسيم جيوشه إلى "أ" باتجاه قفقاس و "ب" باتّجاه ستالينغراد، وسمّيت ب"العملية الزرقاء". كان من المفروض للعملية أن تبدأ في أيار1942، إلاّ أن حصار مدينة سيفاستوبل في شبه جزيرة القرم والمقاومة النادرة التي أبداها المدافعون عنها أخّر العملية. تقدّمت الجيوش النازية بسرعة نحو أهدافها إلاّ أنّ المؤن لم تصل بهذه السرعة. وحسب قول بعض ضبّاطه، كان هتلر يعتبر بأنّ العمليات تسير ببطؤ لأنّه يعتمد على أسلوب الحرب الخاطفة، فهو يريد أن يسير كلّ شيء على هواه ويعتبر نفسه القائد الذي لا يهزم. في 23 آب وصلت طلائع الدبابات الألمانية إلى ضفة نهر الفولغا وإلى المدينة التي سوف لا يعودون منها. تمّ إخلاء معظم المصانع والمعامل من المدينة قبل تدميرها. قام الطيران الألماني "لوفتفلوت4"الذي كان أقوى أسطول جوّي في العالم، وتقدّم الجيش السادس، أقوى جيوش العالم، بقيادة باولوس نحو المدينة لاجتياحها بعد أن تحوّلت إلى أطلال واستطاعت إنزال ضربات مميتة بالجيش الأحمر. تطوع سكان المدينة للقتال ضدّ الألمان وتقديم كلّ ما هو ضروري للصمود، ورفع الجنود السوفييت شعار، "لا أرض لنا وراء الفولغا". دخلت القوّات النازية المدينة في منتصف أيلول 1942 لتبدأ حرب المدن والاشتباك بالسلاح الأبيض من شارع إلى شارع ومن بيت إلى بيت. أصبحت تلّة مامايف كورغان في ضاحية المدينة ذات الموقع الاستراتيجي تحتل وتسترجع عشرات المرّات. لم يكن للألمان خبرة في حرب المدن لأنّهم يعتمدون على قاعدة هتلر "الحرب الخاطفة". في أحد البيوت المهدّمة التي اتّخذها العريف ياكوب بافلوف حصنا لفصيله للمقاومة وسط المدينة استطاع تكبيد الألمان مئات القتلى. وعبر قائد الجيش السوفييتي 62 جويكوف مازحا: "إنّ الألمان الذين قتلوا محاولين اقتحام منزل بافلوف أكثر من الذين قتلوا لاحتلال باريس". وكتب المؤرّخ الانكليزي ,أنتوني بيفر: "بعد كل موجة هجوم ألماني على منزل بافلوف كان الجنود السوفييت يخرجون جثث القتلى الألمان ويبعدونها كي يحتفظوا برؤية واضحة لخط المواجهة". منح قائد الفصيل بافلوف لقب "بطل الاتحاد السوفييتي".

 

أنهكت مقاومة الجيش الأحمر القوّات النازية واستنزفت حتى معنوياتها، مما أتاح لقيادة جبهة ستالينغراد تنفيذ خطة الهجوم المعاكس. بدأت القوّات السوفييتية بتدمير جناحي الجيش السادس النازي الأيمن والأيسر ليصبح بدون حماية مما مهّد الطريق لتطويقه ووضعه بين كمّاشة الجيش الأحمر التي لا مفرّ منها، إمّا الاستسلام أو الموت. طلب قائد الجيش النازي باولوس من هتلر السماح له بالانسحاب من المدينة المحاصرة والحفاظ على أرواح المتبقين من جنوده وضبّاطه، رفض هتلر الطلب لأنّ الأرواح لا قيمة لها عنده، ودعا باولوس إلى الصمود إلى حين وصول الإمدادات، التي أصبحت مجرّد وعود

 

إلى جانب رفع شعارات تضليلية مثل، "أصمدوا سيحررنا الفوهرر". أصدر هتلر قرارا بترفيع باولوس إلى رتبة "فيلد مارشال"، وكانت فكرته بأنّه لم يحدث أن استسلم، أو لن يستسلم، ضابط ألماني بهذه الرتبة الرفيعة، فإذا لم يحالفه الحظّ في الصمود سوف ينتحر ويرحل إلى الخلود النازي! لم يكن الفيلد مارشال الجديد من هواة جرائم الحرب، فاستسلم للجيش الأحمر يوم 2 شباط 1943 وأنقذ حياة 110.000 جندي وضابط من الموت المحقق من مجموع 420.000 شاركوا في المعركة. وبعد حجزه حتى عام 1952 قرر باولوس قضاء بقية حياته في مدينة درسدن في ألمانيا الشرقية. ظلّ يدافع عن موقفه حول استسلامه، ونقل عنه حديثا يقول فيه: "إنّ الشيوعية هي أفضل أمل لأوروبا بعد الحرب". غيّرت معركة ستالينغراد، ليس مجرى الحرب فقط، بل ومصير العالم الذي أصبح قاب قوسين بين مخالب النازية. وبعد هذه الهزيمة للنازية اقترح صديق هتلر موسيلسني إجراء الصلح مع روسيا!!! قيّمت مأثرة الجيش الأحمر تقييما عاليا من قبل الكثير من زعماء الدول وشعوب العالم، وخاصة من قبل الرئيس الأمريكي روزفلت ورئيس وزراء بريطانيا تشرشل. كتب روزفلت رسالة إلى ستالين : "نيابة عن شعب الولايات المتحدة الأمريكية أقدّم هذه الرسالة إلى مدينة ستالينغراد احتفاء وإعجابا بالمدافعين الذين أثبتوا الشجاعة والتفاني خلال حصار المدينة، ويلهم هذا النصر قلوب جميع الناس الأحرار. إنّ نصرهم المجيد وضع حدّا لتيّار الغزو، وكانت نقطة تحوّل في مسار الحرب ضدّ قوّات العدوان".

 

حصار لينينغراد، بدأ المعارك على الجبهة الشمالية الغربية اعتبارا من 10 تمّوز1941 حتى 9آب 1944. واشترك في القتال إلى جانب القوّات النازية للإستيلاء على المدينة القوّات الفنلدية والإيطالية والاسبانية ومتطوعين من شمال أفريقيا وأوروبا. وشملت الجبهة منطقة لينينغراد وكالينينغراد واستونيا والحدود مع فنلندا. بدأت جيوش الشمال النازية والقطعات الفنلندية التحرّك على الحدود السوفييتية يوم 21 حزيران 1941، ثمّ الهجوم في اليوم التالي. قام الطيران السوفييتي يوم 25 حزيران بقصف حوالي 20 قاعدة جويّة في فنلندا وشمال نرويج لتلافي تقدّم القوّات النازية إلى لينينغراد. وهدف هتلر للاستيلاء على المدينة هو الاستحواذ على 12% من الإنتاج الصناعي السوفييتي، الاستيلاء على الأسطول السوفييتي الحربي والتجاري في بحر البلطيق، تأمين الحماية للجبهة الوسطى التي تقوم باحتلال موسكو، تحصين هيمنة ألمانيا على بحر البلطيق لتأمين نقل خامات المعادن من النرويج للصناعة الألمانية. وضعت قيادة جبهة لينينغراد خطة حماية المدينة والتي وافق عليها رئيس الأركان الجنرال جوكوف. تمّ إنشاء ثلاث خطوط دفاعية حول المدينة، وفي أطراف المدينة تمّ إنشاء خنادق ونقاط إطلاق النار للمقاتلين وخنادق وسدود معيقة للدبّابات والعجلات. وساهم في إنشاءها النساء ومن هم في دور المراهقة لأنّ الرجال توجهوا للحرب لحماية المدينة وعدم تدنيسها من قبل الفاشست، لأنّها مدينة لينين ومهد ثورة أكتوبر الاشتراكية ومركز الثقافة والصناعة السوفييتيتين. وصلت القوات الغازية مشارف لينينغراد بعد احتلالها عدة مدن وبدأ الحصار يوم 8 أيلول 1941. وقعت المدينة في كمّاشة الجيوش الغازية، وحوصرت من كل الجهات، ولم يبقى سوى طريق واحد على جليد بحيرة لادوغا الشبه السالك في فصل الشتاء فقط للوصول إلى الأرض الكبيرة، والذي سمّي ب"طريق الحياة"، على هذا الطريق تمّ أجلاء حوالي نصف مليون من السكّان، معظمهم من الأطفال، ولم يكن آمنا حيث مات الكثيرين منهم غرقا بسبب عدم تحمّل الجليد ثقل السيارات أحيانا. انقطعت المؤن والمياه  والأدوية والتدفئة في الشتاء عن المدينة الواقعة تحت وابل من نيران المدفعية الثقيلة والدبابات والقاذفات الثقيلة والطيران الحربي من كلّ الجهات، كانت تقع على المدينة كلّ يوم 52 ألف قذيفة. أصبح العدو على بعد 4- 7كم من المدينة. بالرغم من ذلك واصل مصنع كيروف داخل المدينة في إنتاج الدبابات الشهيرة "تي 34". لضخّها إلى الجبهة. اعتبارا من 16 تمّوز بدأ توزيع حصص المواد الغذائية على الوجه التالي: للعاملين في الورشات الحارّة 1000غم، للعمّال 800غم، للموظفين 600غم، للمعاقين والأطفال دون 12 سنة 400غم، وحتى نهاية عام 1941 انخفضت الحصص بسبب الحصار الشديد، على التوالي، 375، 250، 125، 125،125غم. أصبح الطريق الشتوي المنفذ الوحيد للتموين ،وتحوّلت لينينغراد العامرة ببنيانها وأماكنها السياحية ودور ثقافتها ومؤسساتها العلمية وصناعتها وجسورها ال300 ، والأهم من ذلك، أناسها الطيبين إلى مجرّد مدينة أشباح، وأصبح نقل الجثث إلى مثواها الأخير ظاهرة يومية مألوفة بسبب القصف والجوع والعطش والبرد والأمراض المعدية مثل التيفوئيد والكوليرا.               

 

وسط الآلام التي لا تحصى في المدينة ألّف الموسيقار السوفييتي العالمي دميتري شستاكوفيج السيمفونية السابعة المشهورة "لينينغراد"، وعزفها على مسرح كويبشيف للأوبرا والباليه يوم 5 آذار 1942، وأصبح عزف السيمفونية حدثا مهمّا للمدينة المنكوبة ورفع معنويات سكانها.                         

 

في 22 أيلول 1941 أصدر رئيس أركان أسطول البلطيق النازي بيانا جاء فيه: "إتّخذ فوهرر قرارا بمسح لينينغراد من على وجه الأرض...يجب تطويق المدينة بحلقة ضيّقة وتدميرها عن طريق  المدفعية والطيران. إذا تطورّت الأوضاع وحدث الاستسلام سيرفض لأننا نحارب من أجل حقّنا في الوجود، ولا نريد حدوث مشاكل في التموين ولسنا مجبرين على حلّها، لذلك لا يمكن الاحتفاظ بأي جزء مهما كان صغيرا من السكّان". هذه هي العقيدة النازية القومية المتطرّفة، وهذا أسلوبها في الخلاص من هم ليسوا من عرقهم. وفي 11 أيلول قال الرئيس الفنلندي المناصر للنازية للسفير الألماني : " في حالة إزالة لينينغراد كمدينة كبيرة ستبقى حدودنا على نهر النيفا... يجب إزالة المدينة من الوجود". في ظلّ الأجواء الخطرة هذه قدم جوكوف إلى لينينغراد لقيادة العمليات. في مذكّراته كتب جوكوف : "اعتبر ستالين الوضع في لينينغراد كارثة، وحتى استخدم كلمة: ميؤوس منها، وعلى ما يبدو وبعد عدة أيّام سنعتبرها ضائعة". في يوم 29 آذار 1942 دخلت إلى المدينة مجموعة من الأنصار (بارتيزان) حاملين معهم المأكولات لسكان المدينة. صحيح إنّها قليلة جدا، لكنّها تعني الكثير، ظهرت الفرحة على وجوه المحاصرين ورفعت من معنوياتهم، وأثبت اختراقهم، أي البارتيزان، للحصار واللقاء بالسكّان عدم إمكانية العدو في الحفاظ على تحصيناته. استقبل الناس عيد الفصح في 10 من الأديرة والكنائس في المدينة، وتقول السيدة ليوبوف فاسيليفنا شابورينا: "..في ليلة 4/5 نيسان 1942(22 آذار حسب التقويم الشرقي) وتحت قصف مروّع، حملت النساء الخبز الأسود ليباركه الكاهن برشّ الماء المقّدس عليه". في 18 كانون الثاني 1943 تمّ اختراق الحصار من قبل الجيش 67 والجيش الثاني للقوّات الضاربة، وفي 27 كانون الثاني 1944 استطاع الجيشانّ رفع الحصار كاملا عن مدينة لينينغراد. لم يبقى من سكان المدينة ذي المليونين ونصف المليون سوى 800 ألف نسمة وأجلي منها 500 ألف آخرين فقط بعد أن دام الحصار حوالي 900 يوما.

 

بعد خسارته معركة ستالينغراد عمد هتلر إلى إعادة هيبة جيشه بالتحضير للسيطرة على المزيد من المدن السوفييتية على الجبهة الغربية ومحاولة تدمير المزيد من القوّات السوفييتية لإعادة زمام المبادرة. استطاع السوفييت الحصول على المزيد من المعلومات حول تحشّدات الألمان من الدبابات والمدفعية والطيران. مما أتاح لهم الفرصة في وضع مخطط دار حوله نقاش بين ستالين والمارشال جوكوف، وتمّ الأخذ بفكرة جوكوف التي ترمي إلى اتخاذ موقف الدفاع لاستنزاف قوّات العدو وزرع كثيف لمختلف أنواع الألغام، وخاصة المضادة للدبابات. دارت بين الجانبين في منطقة كورسك أضخم معركة للدبابات سمّيت بمعركة "قوس كورسك" شاركت فيها حوالي 6000 دبابة من الجانبين انتهت بدحر الجيش النازي. ثم بدأ الجيش الأحمر بالتقدّم لتحرير مدن خاركوف وكييف ومينسك وسيفاستوبل وجمهوريات استونيا ولاتفيا وليتوانيا. في 13 كانون الثاني بدأ الجيش الأحمر بتحرير رومانيا وبلغاريا وبولندا التي انتفض الشعب  ضدّ حكوماتها النازية وتشكيل حكومة وطنية  وقطع العلاقات مع ألمانيا والانضمام إلى جانب الحلفاء، ثمّ تحرير يوغوسلافيا والنمسا وجيكوسلوفاكيا. وصولا إلى برلين.

 

كانت معركة برلين من المعارك القويّة والتي استمرّت من 16 نيسان حتى 2 أيار انتهت باحتلال الرايخ ورفع العلم السوفييتي فوقه ثمّ استسلام القادة النازيين بدون قيد أو شرط يوم 8 أيار أمام المارشال جوكوف وبحضور قادة عسكريين أمريكان وبريطانيين. في نهاية نيسان انتحر هتلر وعشيقته وغوبلز وزوجته التي قتلت أطفالها الستّة بحقنهم بالسمّ. بعد الاحتلال مباشرة عيّن الجنرال السوفييتي برزانين حاكما عسكريا لبرلين إلى حين استقرار الأوضاع.

 

إنزال نورماندي، كان ستالين قد طالب حلفاءه الغربيين عام 1942 بفتح الجبهة الغربية لتخفيف الضغط على الجيش الأحمر، لم يعترض الرئيس الأمريكي روزفلت على ذلك، إلاّ أنّ رئيس وزراء بريطانيا اعترض على ذلك بسبب المعارك التي يخوضها الحلفاء في شمال أفريقيا. وبعد انتهاء معارك شمال أفريقيا لصالح الحلفاء في تشرين الثاني 1942 طالب ستالين الحلفاء مرّة أخرى بفتح الجبهة. وافق الرئيس الأمريكي على الطلب ، لكن تشرشل ظلّ يماطل، بالرغم من موافقة الأطراف الثلاثة على ذلك في مؤتمر طهران (28 تشرين ثان- 1 كانون أول)، حتى دخول الجيش الأحمر إلى الأراضي البولندية، وكانت أمريكا قد أعدّت الخطة من قبل القائد العسكري دوايت إيزهاور (رئيس الولايات المتحدة 1953- 1961) بعد سقوط باريس عام 1940. حشّد الحلفاء على الجبهة الغربية قوّاد ضخمة وأسطول بحري وجوّي من آلاف السفن الحربية وسفن الإنزال وآلاف الطائرات بقيادة قائد الجيوش الأوروبية ايزنهاور. بدأت العملية يوم 6 حزيران 1944 وبشكل مباغت للجيوش الألمانية التي يقودها رومل لأنّ توقعاتهم بالنسبة لمكان وزمان الإنزال كانت خاطئة. كانت المعارك قويّة في الأيّام الأولى، ولكن سرعان ما أخذ الجيش النازي يتراجع بسرعة، فتمّ تحرير فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا وصولا إلى برلين، والتقت هناك بعض القطعات من القوّات الأمريكية والسوفييتية.

 

حركة الأنصار السوفييتية- البارتيزان، تشكّلت فصائل الأنصار في الأيام الأولى من غزو القوّات النازية لأراضي الاتحاد السوفييتي بمبادرة من منظمات الحزب الشيوعي. وتشكّلت بالأساس من الجنود والضبّاط الذين هزّمت قطعاتهم على جبهات القتال ومن الذين اخترقوا حصار القوّات النازية والتفوا وراءها.  في 18 تمّوز 1941 أصدرت اللجنة المركزية للحزب قرارا بتشكيل المقاومة خلف خطوط العدو. كان عددهم في البداية يعدّ بالعشرات،وأخذ العدد يتزايد بشكل مضطرد  وأخذ الناس يلتحقون بهم دون انتظار أوامر من المنظمّات الحزبية أو العسكرية أو الكومسومول،حتى تخطّى عددهم المليون نصير، أصبح الأنصار حركة شعبية شارك فيها الرجال والنساء من مختلف الأعمار ومن مختلف القوميات وحوّلت حياة الجنود النازيين في المناطق المحتلة إلى جحيم . تمّ تشكيل قيادة عامة للأنصار ونسّب ضبّاط برتب عالية لقيادتهم، وأصبح حوالي 80% من الفصائل تتصل مباشرة بالقيادة العامة عن طريق أجهزة الاتّصالات لتزويدها بكافة المعلومات عن تحرّك العدو والتنسيق مع وحدات الجيش. وحصل الأنصار على آلاف القطع من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة المختلفة بما فيها مضادّات الدروع. أهم المهام التي قاموا بها هي الحصول على معلومات عن تحرّك القطعان النازية، تخريب طرق المواصلات، وخاصة سكك الحديد التي سمّيت ب"حرب سكك الحديد"، تدمير خطوط الضغط العالي وخطوط الإتّصالات، اغتيال ضباط بمختلف الرتب والمندسّين بين الأنصار، نصب كمائن لتدمير وإعاقة وصول قطعات النازيين والأسلحة والعتاد إلى جبهات القتال، تهيئة الناس في الأراضي المحتلّة وإعدادهم للقتال ضدّ المحتل. 

 

بعد تحرير الأراضي السوفييتية انظمّ الأنصار إلى الجيش الأحمر لمواصلة تحرير دول أوروبا من القطعان النازية. لم تقتصر حرب الأنصار على أراضي الاتحاد السوفييتي المحتلّة فقط، بل كانت قد انتشرت في معظم الدول الأوروبية الواقعة تحت النير النازي والفاشي وشارك فيها حوالي 40 ألف نصير سوفييتي. استشهد الآلاف من الأنصار أثناء الصدام مع قوّات العدو أو إعدامهم أثناء وقوعهم بقبضته أو بسبب المرض والأحوال الجوية القاسية. ومن شهداء الأنصار: ماريا ميلنيكايتة (1923- 1943) من جمهورية لاتيفيا، جرحت في معركة غير متكافئة مع القوّات النازية، وأسّرت وعذّبت لمدة خمسة أيّام وأعدمت رميا بالرصاص بعد أن بصقت بوجه مستجوبها، منحت لقب "بطل الاتحاد السوفييتي". زويا كوسموديميانسكايا، وقعت في الأسر بيد الألمان، بصقت بوجه المستجوب ثمّ أعدمت شنقا، وكان قد صوّرها أحد الضباط الألمان، وبعد فترة قتل الضابط وبحوزته فيلم حول عملية إعدامها. منحت النصيرة البطلة لقب "بطل الاتحاد السوفييتي".

 

نيكولاي كوزنتسوف، (1911- 1944) وهو أوكراني، من أشهر المستطلعين في حركة الأنصار، يجيد الألمانية قراءة وكتابة، وعمل في إحدى مقرّات القيادات الألمانية وانتحل أسماء ألمانية. اغتال عدد من القيادات الألمانية في أوكرانيا. استشهد ومرافقه أثناء اشتباكهما مع ما يسمى بجيش تحرير أوكرانيا العميل للقوّات النازية. منح لقب "بطل الاتحاد السوفييتي". ملاحظة: في عام 1990 قام القوميون النازيون الأوكرانيون في مدينة لفوف بهدم قبره. أصدر القائد الأنصاري الجنرال ديمتري مدفيديف الذي عمل كوزنتسوف تحت قيادته  قصة عن حياة هذا البطل وتمّ تصويرها في فيلم سينمائي تحت عنوان: " كان هذا في ضواحي روفنو".

 

 في الثامن من أيار 1945 أعلن في موسكو عن رفع التعتيم الليلي في المدينة ليتحوّل يوم 9 أيار، بعد توقيع القيادة النازية وثيقة الاستسلام في الثامن من أيار بدون قيد أو شرط وبإشراف القائد العسكري السوفييتي الاسطورة قسطنطين جوكوف، إلى يوم الفرح والبهجة التي عمّت قلوب، ليس فقط شعوب الاتحاد السوفييتي، بل وشعوب العالم أجمع. واتّخذت شعوب الدول المستعمرة (بفتح الميم) وشبه المستعمرة من هذا النصر منارا لتحررها. لكن الرأسمالية العالمية لم ترضى بالأوضاع التي تهدد أرباحها، فعمدت إلى إثارة الحرب الباردة بينها وبين الاتحاد السوفييتي، والتي بدأت عمليا قبل سقوط الرايخ، بإشعال الفتن والتدخّل في شؤون الدول الأخرى بشتى الأساليب، وخاصة العسكرية، وأصبح السلام العالمي مهددا بحرب تحرق الأخضر واليابس على الأرض بفعل السلاح النووي الذي جرّبته الولايات المتحدة في مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين. كان القصف النووي تهديدا مبطنا للاتحاد السوفييتي والبدء الفعلي للحرب الباردة التي انتهت بانتهاء التجربة الأولى للبناء الاشتراكي في منظومة الدول الاشتراكية بسبب أخطاء تراكمية استغلّت من قبل الطرف الآخر المدعوم بأموال هائلة وماكنة إعلامية غطّت نصفي الكرة الأرضية . ولكن لا محالة سيكون النصر دائما لما هو أفضل لحياة البشر على الأرض، خاصة أنّ شعوب المعمورة تتابع عن كثب ما تقوم به الدول " المنتصرة في الحرب الباردة" والمآسي التي تخلقها في الكثير من مناطق العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، باستخدام مطاياها في المنطقة

 

تحاول الدول الغربية قاطبة تشويه تاريخ الحرب العالمية الثانية عن طريق ماكنة إعلامها المسموعة والمرئية من قنوات تلفزة وراديو وصحف ورقية وإلكترونية ومراسلين ومحللين ومنظرين ورجال سياسة، وذلك بتهميش دور الاتحاد السوفييتي الحاسم في القضاء على الماكنة الفاشية، ففي كل ذكرى الانتصار يبرزون الإنزال في نورماندي وكأنّها المعركة الحاسمة التي قضت على ألمانيا النازية، مع العلم عندما رأى القادة النازيون بأن الجيش الأحمر يتقدّم باتجاه برلين خففوا المقازمة ضدّ القوّات الانكليزية والأمركية ولم يخربوا المدن التي تركوها في الجبهة الغربية كما فعلوا في تدمير مدن الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية. كما تحاول الأوساط الصهيونية في إسرائيل ومعها الدول الرأسمالية بإظهار وكأنّ هتلر شنّ الحرب من أجل القضاء على اليهود بإظهارها الهولوكوست وكأنّها الجريمة الوحيدة لهتلر بحق الإنسانية مهمشين بذلك 60 مليون ضحية حصدتها الحرب العالمية الثانية، ما يقرب من نصفها كان من حصة الشعب السوفييتي.

 

بهذه الطرق الرخيصة يحاول الغرب إعادة كتاب تاريخ الحرب العالمية الثانية والتي أطلق عليها السوفييت، بحقّ، " الحرب الوطنية العظمى"    

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.