كـتـاب ألموقع

الهجرة المتزايدة تهدد مستقبل الأيزيديين في موطنهم الأصلي// ناظم ختاري

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

الهجرة المتزايدة تهدد مستقبل الأيزيديين في موطنهم الأصلي

ناظم ختاري

 

منذ عقود من الزمن بدأ الأيزيديون العراقيون يهجرون موطنهم ويتوجهون إلى أوروبا طلبا للأمان والاستقرار والرفاهية، ولكن رغم ذلك كانت هجرتهم  فردية وكانت تعد أمرا طبيعيا، إذ لم ترتق إلى الشكل الجماعي إلا في العقدين الأخيرين اللتينتحقق فيهما حدثين كبيرين مترابطين .

الأول – انسحاب إدارات النظام الدكتاتوري من مدن إقليم كوردستان وسقوطه النهائي في 2003

والثاني – ظهور تنظيم  الدولة الأسلامية "داعش" وتمكنه من المناطق التي يسكنها الأيزيديون

فبعد انسحاب إدارات النظام الدكتاتوري من مدن إقليم كوردستان أثر انتفاضة آذار في 1990 وعدم زوال تهديداته الموجهة لكوردستان رغم حمايتها دوليا، شعر الأيزيديونبدق ناقوس الخطر، وهو يهدد استقرارهم إلى جانب الأوضاع الاقتصادية المزرية التي كان يعاني منها العراق كله بسبب الحصار الاقتصادي الدولي علاوة على وجود مدن ومجمعات سكنهم في منطقة التماس بين ذات السلطة المركزية وسلطة الإقليم الجديدة التي امتدت إلى العديد من بلداتهم، والتي حرمت من الخدمات تماما وعدم وجود أي أفق واضحة بان المرحلة الجديدة ستنصفهم وتوفر لهم بعض ما يستحقونه من حقوق في المجالات المختلفة، مما دفع بأعداد كبيرة من الأيزيديين إلى ترك مناطقهم والهجرة نحو أوروبا على غرار أقرانهم من أيزيدي تركيا وسوريا، ورغم إن هذه الهجرة لم تتخذ الشكل الجماعي، إلا أنها استمرت بوتائر أكبر بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003 وذلك لنفس الأسباب المذكورة في أعلاه، إضافة إلى فقدان الثقة بكل من السلطتين اللتين اهملتا كل طموحات الأيزيديين في مختلف المجالات بما في ذلك عدم الجدية في حمايتهم من تهديدات قوى الإرهاب التي قتلت منهم الكثير قبل أحداث سنجار الأخيرة، وأمثلة تهميشهم وإقصاءهم وقتلهم كثيرة ومتنوعة ومنها (منع العديد منهم من المشاركة في التصويت عند الدورة الأولى للانتخابات البرلمانية العراقية – عدم إشراكهم في صناعة القرار السياسي حتى بما يخص مصيرهم وإبعادهم عن مراكز القرار - إهمال ترشيح الأيزيديين إلى مجلس النواب العراقي وبرلمان اٌلإقليم – حرمان المناطق الأيزيدية من الخدمات العامة والتخلف الواضح في هذا المجال عن باقي المناطق - أحداث سيبا شيخ خدر وكر عزير الدموية في 2007– مقتل 24 عامل من عمال معمل النسيج في مدينة الموصل في نفس السنة– ممارسة التسلط والتشدد بحقهم وغيرها من الأمور التي تحدث عنها مثقفواالأيزيدية عبر المنافذ الإعلامية لسنوات طويلة في وقتها) .  

وارتباطا بهذا وأثر اشتداد قبضة تنظيم الدولة الإسلامية" داعش" على العديد من المدن العراقية أثر لعبة قذرة يشارك فيها العديد من القادة السياسيين المتنفذين في الداخل وفي المحيط الإقليمي والدولي وبتواطئي مشبوه استطاع هذا التنظيم الإرهابي من احتلال مدينة سنجار وتحويلها إلى ساحة مفتوحة لممارسة القتل العام بحق أبناء الديانة الأيزيدية وسبي نساءهم ونهب ممتلكاتهم وحرق بيوتهم تحت "راية الله أكبر "التي تعد الراية الأكثر رعبا في العالم بعد هذه المجازر التي وصمت جبين من ينتمون لها بالعار والتوحش .

ناهيك عن احتلال بلدات ومدن أخرى تعرضت إلى نهب كل شيء فيها، وهذا ما دفع بالأيزيديين إلى اختيار النزوح نحو المناطق الأمنة ومنها الهجرة إلى أوروبا ولكن هذه المرة بشكل جماعي لم يسبق له مثيل .

إذا كانت هذه الهجرة ناجمة عن ما تعرض له الأيزيديون على يد تنظيم الدولة الإسلامية، فإن الكثير منهم اعتقد إنها يمكن أن تتوقف بعد تحرير مدنهم من "رافعي رايات ألله أكبر" ولكن يبدو إن الأمر لم يكن كذلك، فالايزيديون ما عدا المسؤولين منهم والذين انتفخت بطونهم من أموال التملق والمتاجرة بقضية أبناء جلدتهم، أمامهم العديد من الأسباب التي تدعوهم إلى المزيد من القلق وعدم التراجع عن اندفاعهم  لمواصلة الهجرة الجماعية إلى أخر إمرء فيهم .

ومن بين هذه الأسباب يمكن التطرق إلى التالي.

1- لم يقتنع الأيزيديون إن سنجار تحررت بفعل إرادة صارمة ومواجهة حقيقية لتنظيم الدولة الإسلامية، وإنما بفعل مسرحية مفتعلة ضامنة لمصالح كل الأطراف المشاركة فيها، علاوة على الطمطمة على أطراف مساهمة وفاعلة في إرتكاب المجازر وجرائم خطف النساء الأيزيديات أثناء الغزو في 3.آب.2014 وثم بعد ذلك .

2- لم يعد السنجاريون ولا أي أيزيدي آخر، مقتنعا وقادرا على العيش إلى جانب من أرتكب بحقه أفظع الجرائم في ظل نفس الأوضاع السابقة وبغياب الحماية الدولية .

3- إهمال تحرير بقية المناطق الأيزيدية مثل بعشيقة وبحزانى وتلك المختلطة مع المسيحيين، يعتبر مؤشرا مخيفا حول إمكانية منحها إلى غيرهم في خضم احتمالات إعادة تقسيم وترسيم "الحدود" .

4- التطرف الديني الذي يجد له أرضية خصبة في كوردستان، إلى جانب وجود أحزاب إسلامية قد تتحول بين لحظة وأخرى إلى ارتكاب ممارسات شبيهة بممارسات داعش، وهذا ما يرتعب منه الأيزيديون بلا حدود .

5- العلاقة السلبية بين الأطراف الكوردية في سنجار تنذر بعواقب لا يحمد عقباها، فيخشى الأيزيديون من تحويلها إلى عداء مسلح يصبحوا فيه وقودا رخيصة .

6- لا يشعر الأيزيديون كما بقية أبناء الشعب العراقي والشعب الكوردي بأنهم السكان الأصليون في هذا البلد أو جزء من الشعب له حقوقه، فكل السلطات تتعامل معهم على كونهم جالية أجنبية تعيش في العراق، وكل الثروات التي تحت الأرض وفوقها هي ممتلكات تعودلعدة عوائل متنفذة في المركز والإقليم، وما يحصلون عيله يعتبر هبة من هذا المتنفذ أو ذاك ، يمكنها منعها عنهم متى ما شاءوا أو حتى طردهم .

7- الأيزيديون فقدوا ثقتهم بشكل مطلق بالأحزاب السياسية الكوردستانية المتنفذة، وفقدوا ثقتهم بما يسمى قياداتهم الدينية والمدنية الذين تحولوا إلى أذيال وأبواق لمن يدفع لهم .

8- كل المتدخلين في الشأن العراقي، هم في الواقع أعداء كل مكونات الشعب العراقي، وتدخل الجيش التركي في الآونة الذي يرمز إلى التخلف والتطرف والدعشنة تاريخيا، يعد أمر مخيفا للأيزيديين .

ولهذه الأسباب مجتمعة يواصل الأيزيديون الهجرة عبر أكثر الطرق مخافة للوصول إلى أوروبا حيث المجتمعات المسالمة والبيئة الأمنة لبناء مستقبلهم هناك، ومن الجدير قوله هنا إذا ما استمرت هذه الهجرة وبهذه الوتيرة ستشهد السنوات القليلة القادمة نهايتهم في موطنهم الأصلي المستباح من قوى التطرف والتوحش وأصحاب النفوذ والمصالح .

والأمر المخيف والصادم هنا، هو سكوت الكل عن هذا الأمر، وكانه لا يعني أحدا، لا الحكومة ولا الأحزاب والقوى السياسية ولا الشعب العراقي .