كـتـاب ألموقع

الدكتور علي إبراهيم ونقدية القص العراقي// نبيل عبد الأمير الربيعي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

عرض صفحة الكاتب 

الدكتور علي إبراهيم ونقدية القص العراقي

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

  وصلتني هدية الدكتور علي إبراهيم بواسطة الصديق محمد علي محيي الدين، كتابه الموسوم (دراسات نقدية في القص العراقي). ونقدية القص العراقي يثير إشكالية حول دقة المصطلح الذي يعني النصوص القصصية المتكونة للرواية، والنقد فاعلية سِمتُها المداومة والتحري والتمحيص والنظر والتمثيل. وهذا ما وجدته من خلال متابعتي لكتابات د, علي إبراهيم من على الصفحات الثقافية لبعض الصحف العراقية، ولأنه ترك آثاره على الساحة الثقافية لاسيما ما يخص بعض المفاهيم والاتجاهات النظرية صار مهماً تثبيته لتاريخ الوعي الأدبي.

 

    الكتاب عبارة عن مسح نقدي للقصة العراقية الحديثة، ومنها: (حصار العنكبوت، الركض وراء الذئاب، أسرار عائلية، ريادة المرأة للقصة والرواية، فتاح فال) فضلاً عن مقالات في السرد والنقد العراقيين، ويتضمن الكتاب (162) صفحة من القطع المتوسط تزينه لوحة للفنان بديع الألوسي.

 

    وفي الكتاب حاول الدكتور علي إبراهيم رد الاعتبار النقدي للقصة العراقية التي نالها بعض الحيف من قبل نقاد تخصصوا فيها أو وضعوا ببلوغرافيات أو انطولوجيات في مجاميعها. هذا إلى جانب ما للقصة العراقية من تاريخ غني تجلى في تقاليد فنية واضحة وراسخة. ويضاف إلى ذلك الحالة المرضية لأولئك النقدة الذين أوغلوا برطانة الاصطلاحات والمفاهيم وصاروا يحللون النتاجات الأدبية بعشوائية جامعين التعميم بالتعتيم والفضفاضية بكليشيهات جاهزة حين الطلب فلا كتابة نقدية بل ضياع الذوق الأدبي فنياً وتلاشي الاتقان الجمالي فكراً ونباهةً.

 

   تضمن الفصل الأول نقد لكتاب الدكتور عبد الله الغذامي (الأنساق الثقافية في الرواية)، وقد تطرق الدكتور علي إبراهيم لمدخل نظري لمصطلح (الأنساق الثقافية)، معززاً رأيه في ذلك، فضلاً عن التطرق لثقافات الأقوام وكيفية تطورها، كما سلط الضوء على مفهوم الثقافة وأقدم تعريفاته، ةعلى فلسفة تلاقح الحضارات، أي المظاهر الناصعة والمنسجمة مع التطور والتنوير الفكري، إضافة إلى تعريف الأنساق الثقافية وتنوعها، وما ذكره الدكتور عبد الله الغذامي في كتابه (الأنساق الثقافية في الرواية)، وقد عارض الدكتور علي إبراهيم رأي الدكتور الغذامي بقول الأخير (أرى أن النقد الأدبي... قد بلغ حد النضج أو سن اليأس)، ويرى الدكتور إبراهيم قائلاً ص16 (ولا أدري كيف ساوى الدكتور الغذامي بين زمن النضج وسن اليأس المتناقضتين). إلا أن الدكتور علي إبراهيم يرى أن هذه الدراسة لم تلتزم بمنهج النقد الثقافي.

 

    أما في ص21 فهو تحليل النص الروائي لكريم كطافة (حصار العنكبوت)، ويذكر د. علي إبراهيم قائلاً (يعد عنوان الرواية عتبة نصية مهمة تنتمي إلى النسق الثقافي، فلقد وجدت أن العنوان منسجم مع النص)، والرواية قد ركزت على الأيام الأخيرة بعد توقف الحرب العراقية- الإيرانية، وحاول الكاتب في مقدمة مقتضبة جداً أن يمهد لحدثها، ويؤكد الدكتور إبراهيم في ص22 وما بعدها (مع اختيار المؤلف لتلك الأيام لتكون الحدث الرئيس في روايته كان موفقاً جداً... في الرواية نتلمس الأنا المتضخمة في ذات النظام المقبور بعد إيقاف الحرب عام 1988م وإقدامه على سياسة إنهاء الحركة الأنصارية في كردستان). وقد أكد د. علي إبراهيم على أكثر من نسق في الرواية، ويراها قد استطاعت توصيل رسالة منصفة وموضوعية عن أحداث دامية مرت في جزء صغير من كردستان العراق، لكن د. إبراهيم يرى أن هذه الرواية من خلال الروائي كريم كطافة قد حاول التمرد على الالتزام الفكري والحزبي الصارمين في الرواية، ويرى أن الروائي ملتصق بالماضي وهو نبع منجزه الإبداعي.

 

    أما في الفصل الثاني فقد وظف صفحات كتابه في نقد رواية علي بدر (الركض وراء الذئاب)، وقد عرف إبراهيم القراء بسيرة الروائي علي بدر، وشخص في ص32 أن رواياته تدور (في بغداد وتتخذ من الطبقة الوسطى موضوعاً لها)، ويرى أن الروائي قد وظف المعلومات الشخصية لسيرته، واستطاع عبر رواياته أن يجسد معاناة العراقيين ص35 (مختاراً نماذج من السياسيين السابقين في الحركة اليسارية في العراق)، فرواية الركض وراء الذئاب تعتمد على المعلومات الواقعية المترابطة مع بعضها، ووجد د. علي إبراهيم في رواية علي بدر أن تغيير (الزمكان) يرتبط بتغيير المعلومات، إذ يتشكل عبر سرد الراوي - الذي هجر بلده قسراً إلى أمريكا- مكان عاش فيه أكثر من أربعين سنة)، لكن د. إبراهيم في ص 43 يجد في رواية الركض وراء الذئاب (تعميمات غير منطقية، ولا تستند إلى الوقائع التاريخية، فهي من خيال الكاتب ووهمه وفقدانه لبوصلة تحليل المعلومات، فيصل إلى صورة مقلوبة تماماً وإلى مفارقات غير واقعية) ولا أعرف كيف ذكر في ص35 إنها مختارة لنماذج من السياسيين السابقين في الحركة اليسارية في العراق، وبين ما ذكر في ص43، لكن الروائي علي بدر يجد أن الشيوعيين في عهد الاحتلال الأمريكي هم شركاء في الحكم بعد عام 2003م.

 

    مع هذا يجد د. علي إبراهيم أن هناك أخطاء في المعلومات الاقتصادية في الرواية ص44 (فهو لا يدري لأي قارئ يريد أن يبسط مصطلح البرجوازي والبروليتاري). لكن د. إبراهيم ص46 وما بعدها يجد الرواية قد (أسبغت على نفسها طابعاً توثيقياً بنسبة معينة، وأعتقد بأن الجانب التوثيقي في أي عمل روائي يتطلب من الكاتب أن يكون موضوعياً وحيادياً أيضاً... وهنا يتطلب الابتعاد عن النقل الحرفي لأحداث الرواية بمكانها وزمانها وشخصياتها، خوفاً أن يتحول العمل إلى سرد تاريخي جامد يسوده الجفاف... المقارنة بين الاستعمار والثورة أخذت طابعاً تعسفياً)، وفي هذه النقطة أتفق مع الدكتور علي إبراهيم.

 

    لكن رواية علي بدر أراد من خلالها أن يدين الركض الغير الواعي وراء السلطة، لكن الرواية تضمنت مفارقات منطقية ونقيضها مثل ص52 (العراق هو الآخر ركض، ركض وراء قاسم أو وراء صدام حسين حتى انزلقنا شيئاً فشيئاً وأصبحنا في الوحل).

 

    ويعلق د. علي إبراهيم على أن الرواية ص54 (تجمع بين الواقع والخيال، هي سرد فني في مسيرة الشخصية في الحدث المتخيل... تجربة علي بدر تحتاج دراسة واسعة تشمل منجزه الكامل، وربما أكثر من دراسة... من الممكن أن تكون الرواية التي تؤكد على فنية السرد وابتعادها عن النصوص الواقعية البحتة).

 

    أما الفصل الثالث فتخللهُ {التجريب في رواية (أسرار عائلية) للروائي علي بداي}، الصادرة عن دار ميزر في السويد عام 2019م، وقد عرف الدكتور علي إبراهيم بالروائي كونه شاعراً وصحفياً ومتابعاً للشأن الثقافي، ويسلط الضور على الرواية في ص59 (تبدأ الرواية في التجريب منذ الصفحة الأولى حيث يضع الكاتب مهندساً لروايته ويعطيه الملف الكامل لأسراره العائلية وهي بين الواقع والتخيل). لكن د. إبراهيم يجد في الرواية أن المقدمة والخاتمة حلقتين زائدتين، في ص60 قائلاً (يكفي ما موجود من أصوات تعبر عن نفسها بشكل مباشر).

 

    وفي ص61 يؤكد د. علي إبراهيم أن الروائي علي بداي في روايته (جاء متأثراً بالرواية الغربية... ولهذا جاءت نتاجاته السردية متأثرة بما أنتجه الغرب، وهذا ليس عيباً)، ومن خلال المقال يعرف د. علي إبراهيم التجريب من خلال عدة تعاريف لعدد من الكتاب، لكن في ص64 يرى د. علي إبراهيم (أن هذه الرواية تنتمي إلى مصطلح قصص الرواية) ثم يعقب في ص73 أن الرواية (بغض النظر عن تلك الملابسات والهناة تعد من الروايات المتميزة بقصتها ولغتها وحوارها وتجريبها. وإن كاتبها متمكن من هذا الفن). لكن رسم الشخصيات في الرواية والأحداث كانت رائعة ومشوقة ومتداخلة.

 

    وفي الفصل الرابع كُسر الكتاب بمقال حول (ريادة المرأة للقصة والرواية في العراق.. سافرة جميل حافظ اختياراً)، وفي المقدمة يذكر د. علي إبراهيم قائلاً ص78 (لم تتواجد المرأة في البدايات منذ أن انطلقت تجربة قصص الرؤيا (1909-1921م) كان جميع كتابها رجالاً... ولا بد من التنويه؛ إن شكل قصص الرؤيا ليس عراقي المنشأ بل جاءنا من تركيا عند انتشار رواية الرؤيا للأديب التركي نامق كمال... وفي الحقيقة لم أجد قصة لأي امرأة ترافقت مع المرحلة التي ذكرناها عدا قصة واحدة يتيمة لـهيام الوسواسي اسمها (بين اليأس والرجاء)، وجاءت متأخرة أيضاً حيث نشرت في 22 كانون الثاني 1923م)، ويؤكد د. علي إبراهيم بأن (الريادة لا تعني الأسبقية في النشر) ص80.

 

    لكن في مجال ريادة الشعر الحر يذكر د. علي إبراهيم في ص80 قائلاً (حسم النقاد الأمر عندما جعلوا من السياب الرائد الأول بناءً على غزارة ما كتبه ونوعيته، ولم يبخسوا حق نازك الملائكة ولا بلند الحيدري ولا عبد الوهاب البياتي، فهم الرواد الأربعة للشعر الحديث).

 

    في ص84 يذكر د. علي إبراهيم رائدات القص العراقي بعد القاصة هيام الوسواسي التي كتبت أولى قصصها عام 1923م، ومن تلك الرائدات: مليحة أسحيق، حورية هاشم نوري، حربية محمد، ناجية أحمد حمدي، سافرة جميل حافظ، ليلى عبد القادر، بدور درويش.

 

    وقد سلط الدكتور علي إبراهيم الضوء في مقاله على القاصة العراقية سافرة جميل حافظ من خلال مجموعتها القصصية (دمى وأطفال وقصص أخرى)، إذ يؤكد الدكتور في ص88 قائلاً (عندما نبدأ بالقراءة نجد أننا أمام تجربة مختلفة، معاناة إنسانة تشعر بالضجر، فتخرج للشارع وفي داخلها حوار داخلي)، ثم يسلط الضوء على بقية القصص منها: حصة الكلب، بائع الدوندرمة، أولاد المساحي، ثمن الجنين، لكي نعيش، قبل الفجر، وما هو ماء.

 

    في ص96 يستنتج د. علي إبراهيم من بحثه هذا إن (دراسة جميع منجز المرأة في مجال القصة والرواية ليس سهلاً، بسبب ضياع الكثير منه في الصحف والمجلات القديمة... تأخر المرأة عن زميلها الرجل في بلد مثل العراق، ما زالت الأمية سائدة فيه... يعزي بعض الباحثين أن سبب غياب المرأة عن ريادة زميلها الرجل، يكمن في ضعف كتاباتها، أو أن ما كتبته لا يستحق الدراسة)، ثم يعقب د. علي إبراهيم في ص 97 قائلاً (تعد سافرة جميل حافظ الرائدة الأولى بناءً على ما كتبته من قصص فنية وظفت فيها جمالية اللغة العربية والأساليب الحديثة).

 

    اما الفصل الخامس فقد احتوى على عنوان لرواية جديدة (تعددية الرواية في رواية فتاح فال) للقاص عباس الحداد، وقد بدأ الدكتور في مطلع الفصل بالتعريف بـ(تعددية الرواة والرواية) مبتدأً بـ(باختين وهنري جيمس) وآخرين، من هذا نجد أن رواية عباس الحداد (فتاح فال) فيها خمسة أصوات منها (صوت نورا، صوت سعدون، صوت شريفة، صوت بلقيس، صوت الروائي)، وقد اطلعت على الرواية قبل عامين، وأجدها رواية ناجحة في المنهج، وتجربة رائدة، لكن الروائي عباس الحداد قد جعل من صوته صوتاً خامساً.

 

    يذكر د. علي إبراهيم حول الرواية في ص104 أن الروائي بدأ (من النهاية عن موت بطلها سعدون المتخفي بشخصية سعاد... موت بطل الرواية في بداية القصة ليس اسلوباً جديداً في الرواية)، كما يضع الدكتور علي إبراهيم على موضع الخلل في الرواية فمن خلال قوله في ص118 وما بعدها (لا أجد ضرورة لصوت الراوي لأن الرواية مكتملة من خلال الأصوات الأربعة التي غطت كل جوانب الحدث... يربط الروائي بين نصه وحادثة موت جيرانه... وهذا اقحام على النص ليس له مبرراً فنياً أو منهجياً وبنائياً... نسي الكاتب أن النهاية بدأت في بداية الرواية.... لم يكشف الكاتب شيئاً جديداً بكتابته... لم يضف الكاتب شيئاً كبيراً لشخصية بلقيس... ما أورده الكاتب في نهاية الرواية كان زائداً، أساء لمنهجية الرواية وفشل في أن يجعل من نفسه صوتاً خامساً إلى جانب الاصوات الربعة)، لكن الدكتور يعقب في ص121 قائلاً (الرواية من الروايات الناجحة على مستوى اللغة والقص والحوار ورسم الشخصيات والحدث... ونجح الكاتب في توظيف الحلم والأغنية والشعوذة والعهر والرذيلة والخيانة، والطيبة والكفاح الشخصي في إظهار أبعاد شخصياته الروائية).

 

    أما في الفصل السادس من الكتاب فتضمن (مقالات في السرد والنقد العراقيين)، وهي مجموعة قراءات لمؤلفات الكُتاب العراقيين منها: قراءة في مذكرات د. شجاع مسلم العاني (من أصداء الماضي)، قاسم عبد الأمير عجام قاصاً، قراءة في رواية هم أو يبقى الحب علامة للروائي محيي الدين زنكنة، إبراهيم الخياط مقالياً، في اصغر قصة قصيرة في العالم، اشكالية الراوي في رواية هروب الموناليزا.

 

وفي النهاية لابد من القول أن الدكتور علي أبراهيم استطاع من خلال منجزه هذا أن يبرز منهجيته النقدية، ورؤيته التي زاوجت بين الحداثوية في النقد والمدرسة الانطباعية التي تطورت في العصر الحديث وهو الى جانب هذا قارئ جيد للنصوص ومحلل تمكن من سبر أغوار الروايات والقصص التي تناولها وبذلك أوجد له مكانا مائزاً بين نقاد الرواية الذين اتبعوا المناهج الحديثة في النقد.