اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• سامي ميخائيل الروائي العراقي الذي مزج بين الواقعية والرواية الشرقية

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

نبيل عبد الأمير الربيعي

مقالات اخرى للكاتب

سامي ميخائيل الروائي العراقي

الذي مزج بين الواقعية والرواية الشرقية

 

      (إنني من فرط شوقي  للعراق كُنت أسير ماشياً باتجاه  بغداد ووجهي مبلل بالدموع حتى يهدني التعب وأضطر للعودة إلى طهران) , بهذه الكلمات الممتلئة بالعاطفة الجياشة يتكلم الروائي سامي ميخائيل للأديب حميد قاسم بلقائه في تركيا بمؤتمر من أجل (حرية التعبير ) الذي رعتهُ منظمة العفو الدولية"هيومان رايتس ووتش" لدعوة تجمع الكتاب والإعلاميين.

    بعد أن كان مطارداً من قبل السلطات العراقية أبان الحكم الملكي هرب  سامي ميخائيل إلى إيران عام1946 بسبب  نشاطهُ السياسي في تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي , فعمل في صفوف حزب توده , وكان يذهب سيراً على الأقدام باتجاه العراق مكفكفاً دموعه ثم يعود إلى طهران مستقراً في المبيت في مساجدها بمساعدة حزب توده , حتى يئس من العودة إلى العراق  ليعيش في ذكريات الوطن والأهل والخطيبة التي فارقت الحياة , كان يأمل بلوغ  الإتحاد السوفيتي (سابقاً)  لكن الظروف الصعبة التي مر بها حالت دون ذلك , مما لم يجد أمامه سوى إسرائيل  ولكن مثل الآخرين وصلها عام1949 شيوعياً لا يؤمن بالصهيونية , عمل في صحيفة(الإتحاد) في حيفا عام 1952 مع الكاتب الفلسطيني أميل حبيبي  ثم تفرغ للكتابة,و عملَ في صحيفة (هارتس) ,و قد حصل على العديد من الجوائز منها جائزة برلين عن كتابات للأطفال وقد ترجمت رواياتهُ للعديد من اللغات, والآن يشغل منصب رئيس جمعية حقوق المواطن الإسرائيلي.

 

 

   ولد الروائي العراقي سامي ميخائيل في بغداد عام 1926  في حي البتاوين من الطائفة اليهودية , تلقى دراستهُ الابتدائية في المدرسة الوطنية القريبة من سوق الغزل , وأكمل الثانوية في مدرسة شماس  وتلقى الدروس العلمية فيها باللغة الإنكليزية على أيدي أساتذة بريطانيين أما اللغة العربية على يد الراحل حسين مروه والشاعر والأديب محمد شرارة , بعد تخرجهِ من الثانوية دخل كلية الهندسة الأهلية التي أسسها الأمريكان في بغداد لكن بسبب التوتر بين العلاقات العراقية البريطانية تم إغلاق هذه الكلية عام 1946 مما أدى به إلى ترك التعليم وهو بعمر العشرون عاماً.

    انتمى لصفوف الحزب الشيوعي العراقي مع  شاؤول طويق وساسون دلال (وهم أول شهيدين في الحزب الشيوعي العراقي في تظاهرات الوثبة عام1948 ), بدأ الكتابة في صحيفة ( الوطن) لصاحبها عزيز شريف وعمل في تنظيمات  نقابة الخياطين والإسكافيين والطلبة, بسبب المضايقات من قبل جهاز التحقيقات الجنائية اضطر للهروب من العراق إلى إيران ومن ثم إلى إسرائيل عام 1949 مرغماً على ذلك , ثم تابع نشاطهُ  في صفوف الحزب الشيوعي الإسرائيلي ,واستمر في الكتابة  على صفحات ونشرات وصحف الحزب باللغة العربية ناقداً ممارسات السلطة الإسرائيلية وتعاملها مع اليهود الشرقيين(السفارديم) وكانت أبرز كتاباته في هذا المجال كتاب"متساوون ومتساوون أكثر" .

   ما زال سامي ميخائيل يملك وجهة نظر مخالفة لسياسة الدولة الإسرائيلية, إذ دعا إلى إقامة دولة فدرالية بين الإسرائيليين والفلسطينيين لغرض التعايش السلمي ونبذ العنف, كما لهُ مواقف اتجاه العراق البلد الأم وقوفاً ضد الاحتلال الأمريكي  مما أخذت الصحافة بشن حمله ضدهُ وتطلق عليه الصحفية" داليا كاربيل" لقب روائي تحت التأثير.

 

التحول بالكتابة من العربية إلى العبرية:

   يقول سامي ميخائيل للكاتب حميد قاسم " بعد فترة لا بأس بها سألتُ نفسي: ما جدوى الكتابة بالعربية فيما لا القراء العرب يقرءون  ما أكتبهُ بهذه اللغة ولا اليهود كذلك؟.. وهكذا كان.. غيرَ أن مقدرتي  على الكتابة باللغة العربية الآن لم تعد كالسابق, لكنني بدأت بالترجمة من الأدب العربي ونقلت ثلاثية نجيب محفوظ إلى العبرية, .. وأمامي تجربة الراحل سمير نقاش الذي لم يقرأهُ العرب ولا اليهود فرحل بائساً محبطاً", لقد انتقل  الكثير من الكتاب اليهود العراقيين من ذوي الميول اليسارية للكتابة بالعبرية بدلاً من العربية لكون اللغتين توأمين للغة الآرامية  لغرض الوصول إلى الجمهور الأكبر للتأثير فيه, ومن هؤلاء الكتاب" شمعون بلاص وإيلي عمير و سامي ميخائيل" وقد نجحوا في إسرائيل وحصلوا على الجوائز  التقديرية العديدة إلا إنهُ قلما كتب عنهُم النقاد العرب ,ومن روايات إيلي عمير( ياسمين ومطيّر الحمام) وقد ترجمت للغة العربية وقد طغت على رواياته الفولكلور العراقي والشخصيات الشعبية العراقية , أما سامي ميخائيل فيعتبر من اشهر الروائيين اليهود من أصل عراقي الذين كتبوا بالعبرية , ويشكل الحنين إلى الوطن الأصلي أبرز المشاعر , حيث تعتبر رواية( عايدة) بغداد  التسعينات,كذلك تفاعل الثقافات العربية والعبرية وتوسع رقعة الحوار بين أبناء  شعوب المنطقة, كما صدرت للروائي سامي ميخائيل الكثير من الروايات التي تجسد هذه الثقافة منها المعابر 1950 ومتساوون متساوون أكثر و عائد إلى حيفا عام1969 وحمائم الطرف الأغّر وعاصفة بين النخيل 1975 وحب بين النخيل 1990 والجناح الثالث 2000  وحفنة من التراب ولجوء والماء يعانق الماء وأخيراً فيكتوريا, وقد أطلق على ابنتهُ لحبهِ لنخيل العراق اسم( نخلة) وكذلك أطلقها  على إحدى رواياته كما ذكرنا لتعلقهِ بوطنهُ الأُم العراق وهي (حب بين النخيل) فقد كانت النخلة ظلهُ وملهمهُ والشجرة التي ذاق تحتها القُبله الأولى.

 

  سامي ميخائيل روائياً:

   كتب الروائي العراقي الأصل سامي ميخائيل الكثير من الروايات التي تجمع بين الحداثة والرواية العراقية ومنها  رواية المعابر  التي تعتبر أولى روايات الكاتب والروائي سامي ميخائيل عام1950 إذ اشتهرت في السنوات الأولى من الهجرّة إلى إسرائيل , حيث أسكن القادمين من اليهود العراقيين والشرقيين(السفردايم) محميات سكنية أشبه بالمخيمات التي تفتقد للكثير من الخدمات, وهي أحياء للفقراء اليهود الشرقيين بالأساس , أما اليهود الغربيين(الأشكناز) إذ لم يعانوا من السكن , وبذلك أصبحت المعابر من رمزاً من رموز التمييز بين اليهود الشرقيين والغربيين , وقد كتب الروائي هذه الرواية باللغة العربية التي فازت بالجائزة الأولى في مسابقة الرواية  التي نظمها الحزب الشيوعي الإسرائيلي , يؤكد الكاتب سامي ميخائيل إنهُ لا يمتلك نصاً عنها وقد نشرًت هذه الرواية باسم(سمير مارد) في صحافة الحزب الشيوعي الإسرائيلي.

    يعتبر سامي ميخائيل الروائي الذي يمثل العراقي العربي في أعماق نفسهِ ,ولكنهُ يعيش حالة اغتراب   في مجتمعهِ , وينتقد إسرائيل وبشدة  لتحولها إلى دولة حرب ,ويرى باتفاقات السلام يمكن منع الحرب وإمكانية بناء واقع آخر في العلاقات العربية  اليهودية وغياب دور البندقية وسفك الدماء.

أما رواية (فيكتوريا) التي تمثل لقصة العوائل العراقية  التي عاشت في أحد الأحياء اليهودية في بغداد  قبل الحرب العالمية الأولى , تلك العوائل التي عاشت بعضها لبعض, فكتوريا تلك الابنة لرئيس أحدى العوائل , وهي إحدى البطلات  للتراجيديا  والتي عن طريقها يقدم أطراف الصراع أنفسهم منذ انهيار الإمبراطورية  العثمانية عام 1918  ودخول جيش الاحتلال البريطاني  لبغداد وتأسيس الدولة العراقية الجديدة.

    فكتوريا التي أحبت  رافائيل  وعاشت معهُ ثم تركها وهاجر إلى إسرائيل , فبقيت تكافح من أجل لقمة العيش  والبؤس لتعيش باستقلالية ذاتية , ثم الهجرة مع عائلتها عام 1951 إلى إسرائيل نتيجة الضغوط التي مارستها الدولة على هذه الطائفة من إصدارها لقانون  إسقاط الجنسية العراقية  لعام 1950  , الرواية تمثل الطبيعة الواقعية  والسيرة الذاتية للحياة العائلية.

   تؤكد الكاتبة أنعام كجه جي  في موقع كتابات حيث" استقى المؤلف الكثير من تفاصيل هذه الرواية  من والدتهِ  التي عمرّت قرابة المائة  عام" , وفي مقابلة مع الأديب حميد قاسم يؤكد سامي ميخائيل على رواية فكتوريا هي" قصة حياتي , بل قصة حياة أُمي  تحديداً , وهي  من أحاطتني  بدرجة هائلة من الحب والدفء و والغريب إنها  كانت تقول لي في طفولتي: حينما تكبر أُكتُب كتاب عني..." .

   كان سامي ميخائيل  يعرف كيف يفتتح روايتهُ ويأخُذ القارئ  معهُ في رحلة عبر الزمن  ليتسنى ما يحيط بهِ ويذهب إلى عالم بغداد وأزقتِها وأحيائُها  عبر البتاوين والباب الشرقي وشارع الرشيد والحيدرخانة والشورجة والفضل وأبي سيفين , فهي تمثل سيرة مدينة اسمُها  بغداد  وبكل ما حوتهُ من بشر ومِلل ونَحل  وقوميات , فهو يكتب لتدوين التأريخ لمدينة بغداد.

    أما رواية حَمام الطّرف الأغّر  التي تعبر عن الكارثة اليهودية, لضياع أحد أفراد عائلة  يهودية فلسطينية يدعى زَئيف ذلك الفرد الذي تطوع في الجيش الإسرائيلي  وقتل برصاص الموساد , الذي لم يترك الفسحة للحب والفرح, فهي رواية مركبة ومليئة بالأحداث ولكن الكاتب سامي ميخائيل  يبرز القدرّة الكبيرة على السرًد وطرح الأسئلة الصعبة  للعلاقات بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني في ظل استمرار  سفك الدماء المتبادل.

  يمثل اسم  الرواية (حمَام الطرَف الأغًر) ساحة في لندن تشتهر بالحمام الداجًن , يقول سامي ميخائيل:" إذا كان الحمَام الطرًف الأغرً قادراً على اجتياز  حاجز الخوف من عسًف الإنسان, ويرفرف في كل حرية في الفضاء  وعلى الأرض..فالإنسان قادر  أيضاً على اجتياز الحواجز التي تبعدهُ عن أخيه الإنسان", فالرواية هي ميلودراما عنيفة ذات لوحة سوريالية في واقع مجنون مليء بالألم والدماء والدموع, لذلك الفتى الفلسطيني زَئيف  الذي تحول إلى جندي  في جيش إسرائيل , والصراع النفسي العنيف بين الأم والأخت  والأخ فتقول الأخت في الرواية" لم تكن أية كراهية يا أمي, أنتِ وهو ارتكبتما خطأً مخيفاً  قبل سنوات من التقينا بهِ ..لم أكرههُ حتى للحظة واحدة يا أمي ", هذه الرواية تعبق  بروح الإنسانية  وصرخة تُدين الاحتلال وتحلق بالروح الإنسانية  في نبؤه عن مستقبل آخر , وصرخة لوقف التدمير الذاتي الذي يمارسهُ الشعبين في فلسطين.

   أما روايتهُ الأخرى (عايدة) فهي عبارة عن تفاصيل دقيقة لعائلة تفرقت في أنحاء العالم, وكيف تحولت حياتها إلى جحيم , وبطل الرواية(ذكي) الذي تمنى أن يصبح أديباً ذاتَ يوم, إذ وجد نفسهُ في النهاية مراسلاً لإحدى المحطات  التلفزيونية , هذه الرواية عند قراءتها تعبر عن حياة الكاتب سامي ميخائيل  الحقيقية الذي حرص على تجسيدها  في الرواية , والحياة التي عاشها بين العراق وإيران وإسرائيل.

    يمثل(ذكي) ذلك اليهودي الذي آخر من بقي في العراق ورفض الهجرًة إلى إسرائيل , الذي غادرها معظم اليهود في عام 1951 تلك الهجرًة الجماعية  القَسرًية , وهي رسالة سياسية يمررها الكاتب بين السطور, ويعبر بطل الرواية عن عشقهِ للجمال والطبيعة العراقية  وكذلك عملهُ الذي يمارسهُ من التقاط الصور والمشاهد الطبيعية الرائعة  للطبيعة العراقية , ويرفقها بتقرير تلفزيوني , لكن تلك الطبيعة العراقية تحولت إلى خراب ورُكام بفعل قنابل الاحتلال  الأمريكي , لكن(ذكي) يمر بتجربة قاسيه و هو خوفهُ من إعلان ديانتهِ في المجتمع العراقي الذي يعيش فيه , ثم الأيام الصعبة التي يمر بها خلال فترة حرب الخليج الأولى والثانية , في هذه الرواية يحاول الكاتب أن يتناول العراق في الماضي وصولاً للوقت الحالي , فهي عبارة عن رواية سياسية تحمل الطابع الرومانسي , فقد جسد شخصية الحاكم الراحل(صدام حسين) بالشخص (نذار السيد) الذي تربطهُ علاقة قوية مع (ذكي).

   وقد اختار الكاتب اسم (عايدة) لتلك اللاجئة  الكردية التي وجدها (ذكي) أمام منزلهِ حيث اعتقدَ إنها جثة في البداية  طبقاً لمكالمة هاتفية , وقد اختار لها هذا الاسم لعشقهِ الشديد للأميرة الأثيوبية بطلة العرض الأوبرالي ( عايدة) الذي ألفهُ الإيطالي  فيروي.

    كما ترصد الرواية  المشاهد والصور الأدبية المرعبة من رموز النظام السابق في بغداد والذين طاردوا الجالية اليهودية المتجسدة بالصديق (نذار السيد).

   وقد  أثارت  أغلب روايات الكاتب سامي ميخائيل جدلاً  كثيراً حول صواب النظرة السياسية  التي تنطلق منها أفكار سامي ميخائيل  وهموم المواطن اليهودي العراقي مع قدر سياسي مفروض عليه  والذي خلخل سكينتهُ وحرّف مسار حياتهِ , وهو مازال  يؤكد , إن الحل الصهيوني  يشكل خطراً لا على الفلسطينيين فحسب  بل وعلى اليهود أيضاً  إذ يقول"إن أخطر مكان  لليهود في العالم هو إسرائيل , لقد كتبتُ ذلك قبلً 60 عاماً وهو ما زال  صحيحاً حتى اليوم , فأصبحَ   يهود إسرائيل همهُم الدفاع, وتحولت الدولة لدولة حرب والاهتمام باللباس  العسكري" , حيث يذكر في الرواية ( بوق في الوادي) المترجمة للغة العربية عن لسان أليكس" ماذا تفعلون في الجولان في جو كهذا؟" , وهو يمثل الطرح العربي الإسرائيلي والحرب بينهما ومصير شعبيهما من قَتًل وتهجيًر العرب من أراضيهم ويؤكد سامي ميخائيل" إن العديد مِن المسؤولين الإسرائيليين  يقروًن بأنهُ لا مَناص من قيام دولة فلسطينية , لكنهم في الغالب يقصدون بذلك دوَيًلة  تابعة , يتوقف وجودها  على النوايا الحَسَنه لإسرائيل".

   من هذا تعتبر روايات الكاتب سامي ميخائيل لها الدور الواسع والجدل بين المثقفين العرب في إسرائيل والوطن العربي بسبب انطلاق الكاتب من رؤيته الإنسانية ولعمق المأساة الفلسطينية الذي بات مرعباً, ومع ذلك فرواياتهُ هي  حرفة إنسانية لوقت العنف والتدمير الذاتي لما يمر بهِ الشعب الفلسطيني والمنطقة العربية.   

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.