كـتـاب ألموقع

التطرف ذو الوجهين// د. ناهدة محمد علي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. ناهدة محمد علي

 

عرض صفحة الكاتبة

التطرف ذو الوجهين

الدكتورة / ناهدة محمد علي

 

إن التطرف هو سمة عالمية لا تختصر على مجتمع بذاته، فقد عم الشرق والغرب قديماً وحديثاً وأحد أهم أسبابه هو التعصب الديني أو العرقي والقومي، أو التعصب السياسي الذي لا يضع أي مساحة للآخر، وكان هو أحد أهم  أسباب الحروب الصليبية أو التترية أو النابليونية أو العنصرية ضد الأفارقة أو الآسيويين، وبضمنها رفض بعض الأديان للأديان الأخرى، ورفض اللاديني للديني والعكس صحيح. وقد يكون جوهر الأسباب هو الوضع الإقتصادي لكنه قد يأخذ واجه دينية أو سياسية. ولا يتحدد التطرف بلون أو عنصر معين ، فقد مارست الأمم جميعها ظاهرة التعصب والتطرف وبضمنها الأمة العربية ، فنحن متعصبون لديننا ولقوميتنا ومن ثم لطوائفنا.

 

لقد حاولت الخبرات السياسية العالمية أن تتعامل بذكاء وديناميكية مع هذه الظاهرة من خلال الخبرة العملية في المجال السياسي والتعامل بمنطق إنساني يناسب إحتياجات المواطنين سواء كانوا من المواطنين الأصليين أو المهاجرين خاصة بالدول التي تعيش فيها أقليات وقوميات مختلفة.

 

لم يكن حجم الدولة وإمكانياتها هو من حدد النجاح في محاربة الإرهاب أو التطرف، بل ما حدده هو حنكة وخبرة قادتها، ففي دولة صغيرة مثل نيوزيلنده برزت إلى الوجود ظاهرة التوحد بين الأعراق والأديان، فلم يتميز عرق أو دين على آخر وأي ظهور لظاهرة سلبية أو عنفية يجري التعامل معها بكل مرونة وإيجابية كظاهرة الهجوم على المسجد الإسلامي في مدينة كراست جرج النيوزيلندية، لم تمر هذه الدولة بتجربة مماثلة من قبل ولم يحتاج قادتها لسنين من ظواهر العنف والتطرف لكي يتعلموا كيفية المواجهة لكن البناء الشخصي لقادتها الشباب أكد ديناميكيتهم ومرونة ردود أفعالهم وهم لم يكتفو بزيارة سريعة لموقع الحدث لكي تتوجه الكاميرات على وجوههم ولكي يبلغوا المواطن العادي بحضورهم. ففي منطقتنا العربية قد يغرق أو يحترق العشرات لكن ردود أفعال القادة لا تتعدى الضجة الإعلامية للحزب الحاكم، وهذا يعني أن الخبرة السياسية الهرمة لهؤلاء  قد فقدت صلاحيتها لذا تجد ظاهرة الإرهاب والتطرف مرتعاً خصباً في تربتنا العربية . إن النسيج السياسي لأي دولة إذا تواجد فيه فتق ووجد هذا الفتق من يرتقه فهذه الدولة بألف خير. ولو تساءلنا هنا من الذي دفع رئيسة الوزراء النيوزيلندية ( جاسيندا آرديرن ) إلى إرتداء الحجاب تعاطفاً وتكاتفاً مع المسلمين المطعونين بدينهم وحياتهم وحياة أولادهم، لم يكن هذا بالتأكيد حساً دينياً أو رغبة في إعتناق الإسلام لكنه كان إمتصاصاً ذكياً لغضب الشارع المسلم ولولا هذا لخرج لها ألف من يضرب الكنائس في الدولة. لقد رفعت صوت الآذان في السماء النيوزيلندية لكي تهبط حرارة الشعور الديني دون مستوى العنف، ولو تساءلنا أيضاً لو كان مكانها أحد قادتنا المسنين قد واجه ظاهرة مثل هذه وهي كثيرة في منطقتنا لكان قد صعد على المنبر مهدداً ومتوعداً ثم نزل بعد دقائق من منبره ناسياً ومتناسياً وقد يحاول الجميع أن ينسى لأن ما نعانيه هو كالأمراض المزمنة التي لم يصلها العلم لحد الآن، وقد تعودت شعوبنا أن لا ترى ولا تسمع أو تتكلم.

 

حينما يقول قائد أمة ما (نحن واحد) وهو عامل حقاً على هذه الوحدة تتوحد فعلياً هذه الأمة، وكلما قال أحدهم ( أنا ) قال هذا القائد ( نحن ) ، وهذا يثبت أن القائد هو أحد أهم المربين لشعبه، فمن قادتنا من علّم شرائح واسعة من شعبه على أن يكونوا لصوصاً أو قتلة ليس بما يقوله وإنما بما يفعله ، فالولد عادة لا ينظر لأقوال أبيه بل ينظر لسلوكه وفعله.

 

إن المرأة العربية لا تقل إمكانية عن المرأة الأوربية بقدراتها الفطرية أو المكتسبة والفارق هنا هو أن المجتمعات الأخرى لا تغلق أبواب الثقة بوجه المرأة، فها هي ألمانيا أو إنكلترا ونيوزيلنده قدمت فيها المرأة القائدة نموذجاً للقيادة الحكيمة.

 

إن المرأة العربية المهاجرة التي عانت من ظاهرة التطرف والتمييز الجنسي والعنصري قد أعطت أفضل ما لديها في أوطانها الجديدة ، فقد إعتلت منبر الثقافة والصحافة وظهرت فئة من الكاتبات ورئيسات التحرير في دول مثل أمريكا واستراليا وهولندا والسويد وظهر تميزهن في إدارة المواقع الحرة وفي مجال الشعر والرواية والفنون كالفن التشكيلي والخط العربي. لم تكن ما أعطته المرأة العربية في المهجر تحت ظل التطرف أو التمييز بل تحت ظل الحرية والمساواة التامة، وإن صادفت هؤلاء النساء المبدعات نوعاً من هذه الظواهر فهي قد إختزنت قوة إبداعية كافية لكي تتعامل مع هذه الظاهرة. أعجبني ولست الوحيدة تعامل الخطاطة العراقية (جنة عدنان عزت) مع هذه الظاهرة التي عصفت بها وبولدها الوحيد ، فلقد كتبت ذات مرة عن رغبتها في خط آيات من القرآن على جدار الكعبة ولم تكن تعلم أنها ستخطها ذات يوم في بيت من بيوت الله بدم ولدها الشهيد (حسين حازم العمري) . فاجأني صمود هذه المرأة وإستمراريتها وإستطاعت أن تجد سبباً لإندفاعها نحو التألق، وأعتقد أن هذه المرأة المبدعة حينما إلتفتت وراءها لتجد مسنداً وجدت شعباً بكامله، كان الشعب النيوزيلندي حزيناً لحزنها وحاضناً لها ولم يبتعد كثيراً أبناء أمتنا عن التعاطف مع هذا الحدث ومع من عانوا بسببه.

 

إن المرأة العربية وظاهرة العنف والتطرف هما قطبان أساسيان لمكونات مجتمعنا ويقع الجذب دائماً لصالح ظاهرة العنف والتطرف، فالمرأة العربية والطفل العربي هما أشد من عانوا من هذه الظاهرة بسبب الضعف الجسدي والمادي لهما ، وكانا الضحايا لمعظم المجازر الأهلية في العراق وسوريا واليمن ولبنان، ولم تفرق هذه الظاهرة بين النساء الرائدات أو المبدعات أو المواطنات العاديات، وكانت أوسمتهن على جدران السجون والمقابر الجماعية أو بالأزقة المظلمة بسبب ظاهرة الإغتيال الفردي لأعلام الثقافة من النساء والرجال ومع هذا لم يتوقف رحم الأمة العربية لإنتاج المبدعات والمبدعين حتى وإن قذف بهم هذا الرحم إلى خارج حدوده لكي يحميهم من الإجهاض القسري ولكي لا يتعرضوا للتشويه الروحي الذي مزق أرواح الكثير من أبناء هذه الأمة.