كـتـاب ألموقع

إنما تبكي على الرفق النساء: قصه قصيرة ومتن// كواكب الساعدي

تقييم المستخدم:  / 2
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتبة

إنما تبكي على الرفق النساء:

قصه قصيرة ومتن

كواكب الساعدي

 

حين رمى المساء عباءته على أسطح المنازل انبرت أنامله تعانق القلم.

هكذا هو! لما يسلم الضوء زمام الأمور للظلمة ,يهجع الكون وتحل سكينة المساء. ينزوي بصومعته تنفتح شهيته للجلوس على مكتبه, زاويته الأثيرة, ليُوْدع خَلَجَاته لأعز ندمائه أوراقه.

لطالما استنجد بخزين أفكاره الذي غالباً ما يأتي إليه طائعاً. هنا تبدأ الطقوس الليلية,

بانسياب الموسيقى الهادئة وفتح النوافذ ليأتي النسيم مستفزاً أرقّ ما عنده فتفيض الروح بقصائد رقراقة كالشهد:

بين قدح من العناب

يغريني

وذبالة القنديل

موشومة في خافقي

لكنكِ

تباغتيني

وبلا ضجيج

بالرحيل

أنتِ كما أنتِ

فراشه وادعة

امرأة من نور

باهته

كل الأماكن بعدك

حتى أكفّي

ما بها ؟

جبانة

لا تتقن التلويح

كانت فناجين القهوة تتبارى تباعاً لشفاهه لتقيم أوده على السهاد.

أعقاب السجائر ما انفكت ترتفع رويداً عن حافة المنفضة بدخانها المتصاعد حلقات بيضاء سرعان ما تضمحل مخلّفة عالماً من الغموض والسحر محفزاً للإبداع.

إنها لدقائق محمومة كان يسابق بها الزمن ليوفي بوعده لرئيس تحريره.

أطلّت زوجته بغتة ووقفت أمام مكتبه مستنفرة للمشاكسة.

هي كل ما فيها جميل إلا هذه الأنانية المفرطة التي عذبته بها مراراً.

يتساءل أين تلك الرقيقة الحالمة التي كانت تستسيغ أشعاري وتصرخ لأي بيت ينبض بالعذوبة:

يا الهي كم ألهمتني ؟

أي زمن يقلب الموازين ؟

أواه لقد تبدلت !

لكنه في دخيلته كثيرا ما أوجد لها الأعذار.

فالمسؤوليات تتكاثر عام بعد آخر و أكثرها مطالب الأولاد التي لا تنتهي.

ابتدأت بالشكوى من تفاصيل كان قد وضع جدولاً زمنياً لإنهائها وتم الاتفاق.

لم يعرها اهتمامه وظل منكباً على ورقه لأنه أدرك مبتغاها.

ازداد حماسها للمشاكسة, ازداد عناده.

أدركت بحدس الأنثى إن لعبتها خاسرة, جندت كل ما لديها من أسلحة لإبدال خططها لتستفزه أكثر. رفعت عقيرتها بالشكوى. ضغطت على أعصابه باتهامه بالتقصير, فلت الزمام منه. تبخرت الكلمات من رأسه, صعدت الدماء لرأسه كف عن التحليق.

هبط من عالمه الخيالي الساحر لعالم آخر كان كل شيء حوله ضبابياً إلا شفتاها كسوطين يجلدانه بالتأنيب.

هو يحبها بجنون قاطعاً على نفسه عهداً منذ سنين زواجهما الأولى على أن يعاملها بكامل الإنسانية والرفق.

أليس الابتداع طريقا للإنسانية المتحضرة والسمو فوق الصغائر ؟

كان في الأمس يقتطع من مصروفه ليكون احد رواد السينما الدائمين وحصرا الأجنبية منها. تذكر في الحال شريطا للمخرج الفرنسي روجيه فاديم وكأن المدد أتاه بغتة. لمعت الفكرة في رأسه وهمّ بتنفيذها أمسكها بلطف من مرفقها وهو الذي يميز من الغضب. وضعها وسط الصالة وحدد دائرة حولها وأخذ يدور محولاً احتجاجه إلى صرخات كالهنود الحمر.

وسط اندهاشها وفزعها قلقت عليه. أرادت تصحيح الموقف وخاصة لما رأت صدره يعلو وينخفض. وضعت يدها اليمنى على فمها إشارة منها أنها لن تقاطعه بعد الآن أبداً. التفت نحوها خفّ هياجه. عاجلته بابتسامة أودعت بها كل أسفها.

خف عويل صراخه امتصت غضبه وارتكن رويداً للهدوء غادرت الدماء محياه. مع ارتفاع شهيقه وزفيره استلقى بجانيها وسط الدائرة وضحكاتهما تخترق أسماع المساء.

 

متن

كطفل أضاع لعبته

يشكو لها الأخرى

وهي المعذبة به

زمنا

تصغي ممزقة

بين قلة حيلتها

وبين لامبالاته

 

 

عنوان القصة مأخوذ من بيت الشعر

إنما تبكي على العشق النساء" "