اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

نظرية المؤامرة! -//- عارف معروف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نظرية المؤامرة!

عارف معروف

مامن مثقف او سياسي ، لدينا اليوم . مامن دعّي من ادعياء الثقافة او السياسة ، بل وما من انسان ذي صلة بالشان العام او الاعلام ، الاّ ويدفع عنه الامر ، مثلما يدفع تهمة وبيلة :" لست ممن يؤمن بنظرية المؤامرة .." او " ارجو ان لايفهم قولي على انه نوع من نظرية المؤامرة ..." او "..اعوذ بالله من ان اكون من القائلين بنظرية المؤامرة.." .... الخ .

اذن .. فالقول بالمؤامرة ، بل مجرد التلميح او الاشارة اليها ، اصبح تهمة تستوجب الابراء ، وشبهة تتطلب النفي ، او ، على الاقل ، سفاهة يتعين على العاقل الحكيم دفعها والفرار منها !!

ذلك ان للرأي السائد سطوة ثقافية ونفسية هائلة ، ومن يصنع الراي السائد ويعمم القناعات المطلوبة ، منظومة اعلامية هائلة تصوغ وتعيد صياغة افكار وتطلعات وقواعد تفكير الناس وفقا لغاياتها ومصالح القوى الكبرى التي تمتلكها، في كل بقاع الارض وعلى مدار الساعة ، عبر ضخ اعلامي جبار ، لم تشهد له البشرية مثيلا عبر كل عصورها السالفة ! وهذه المنظومة ، ما انفكت تؤكد وتعيد التاكيد ، طوال ثلاثة عقود ، على تسفيه والتشنيع على فكرة "المؤامرة" والقائلين بها، باعتبارها فكرة منافية للواقع ومعادية للعلم والمعرفة .

ورغم ان الاعلام العالمي ، الاعلام الامبريالي ، ذاته ، كان الاشد اعتمادا و ترويجا لمفهوم المؤامرة في مواجهة الحركات الشعبية والوقائع العالمية التي لا تنسجم ومصالحه ، طوال ثمانية عقود من القرن المنصرم تقريبا . حتى ان الثورة البلشفية الروسية ، كانت ، بحسبه ، مجرد مؤامرة للمخابرات الالمانية ضد روسيا نفذها العميل "لينين ". وكذلك كان شانه مع الثورات التركية والمصرية والكوبية والعراقية والايرانية وحرب تشرين وبناء الاشتراكية وصعود قوى التحرر في امريكا اللاتينية وافريقيا والحركات الطلابية والاحتجاجية في اوروبا ، كلها ، جميعا ، مؤامرات في مؤامرات ، وراءها هذا المحرض او ذاك العميل ، لتجريد الحدث او الواقعة من اية دلالة او خلفية. او مؤشر اجتماعي او اقتصادي . وبذلك ، نزع اي اساس لشرعيته وعقلانيته . فان العالم يشهد ، ومنذ ثلاثة عقود تقريبا ، انقلابا كاملا في هذه النظرة الى نقيضها ، والتثقيف بعكس مضمونها وصياغة الافكار والاذهان وقواعد التفكير ، على تقبل الوقائع والاحداث الجديدة على انها وقائع واحداث عفوية وطبيعية و انها صدرت و تصدر عن الواقع وصيروته وتطوراته، دون ارتكاب خطيئة التشكيك او رزّية التساؤل ! فما هو السر في ذلك الانقلاب ؟

يمكن التاريخ لهذا الانقلاب بشأن نظرية " المؤامرة " الى ثمانينات القرن الماضي ، ابان تنامي وصعود الحركات الاحتجاجية ، في الاتحاد السوفيتي السابق وفيما كان يعرف بالدول الاشتراكية ، حينما برز وتنامى منشقون ونقاد وقادة وثوار اصبحوا في بؤرة التركيز الاعلامي العالمي ، كثوار ومصلحين ، تنامت حولهم حركات احتجاجية ، ثقافية واجتماعية ، انتهت بتقويض البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هناك، لصالح اخرى بديلة عبر ثورات متزامنه ، شملت بلدانا عدة ،دفعة واحدة . منذ ذلك الحين وحتى اليوم ، ضرب نوع من الحضر الثقافي على مفهوم المؤامرة واتهم من يقول بها بالشطط وعومل بالاستخفاف ورمي بالجهالة ! رغم ان المؤامرة تكاد تصرخ في كل حدث. وتشف بين ثنايا كل واقعة !

وحيث ان الكثير من "المثقفين "، ومعظم "السياسيين "الحاليين ، لدينا ، هم باعة " ستوكات " للمخازن الاجنبية ، فقد تحول الامر لدينا ، ككل شيء آخر، الى هوّس ، وتحول القول بالمؤامرة الى شتيمة تستوجب الرد وتهمة تتطلب النفي ونقيصة يتعين على المفكر المتزن ، تقديم شهادة حسن سلوك بشانها ! على الرغم من ان الة الاعلام الغربي ،ذاتها ، لم تشهد ، لدى كتابها ومحلليها البارزين ،غياب الحس النقدي وانطفاء روح التساؤل الجاد والتسليم لهذا الهوس دون قيد او شرط ، وما تزال الصحافة الغربية تعج بعشرات الاسماء التي تشير الى المؤامرات الجارية على قدم وساق في كل بقاع المعمورة ، من الشمال الافريقي حتى مالي والنيجر ومن الشرق الاوسط حتى امريكا الجنوبيه : عودة الى الكولونيالية المباشره باسم مكافحة الارهاب واسناد الثورات الشعبية ولهاثا وراء احتياطات النفط والغاز واليورانيوم والذهب !

لقد كانت الغاية من هذه البروبغندا كلها وماتزال ، وأد روح الشك واغتيال عزيمة التحري والحفر وراء كل واقعة والتبصر بدوافعها الكامنه والتمييز فيما اذا كانت واقعة اصيله تصدر عن حاجات و بواعث اجتماعية فعلية ام واقعة " مصّنعة "، مختلقة وتلفزيونية ويراد بها اذكاء وتطوير حريق معين او توجيه مسار حركة شعبية ما باتجاه ينسجم ومتطلبات اللاعبين الدوليين بعيدا عن متطلبات وحاجات الواقع الفعلي . او حتى استبدال ثورة حقيقية بثورة زائفة !

ان قولنا هذا ، لايعني ، عدم وجود ارضية مناسبة ومتاعب حقيقية وازمات واقعية تبحث عن حلول في خلفية الكثير من الوقائع المعاصرة ، وانما يعني ، اساسا ، بان هذه المتاعب والازمات وبعضها ، ذات عمق اجتماعي وتاريخي ،اكيد . لا يسلط الضوء عليها وتستثار وتعزز من اجل الوصول الى حلول حقيقية، وجادة ومسؤولة لها وانما يجري كل ذلك من اجل استثمارها وتوظيفها لخدمة مصالح دولية قد تتناقض ، بالكامل مع مصالح الشعب او البلد المعني القريبة والبعيدة .

ان عودة لتامل الثورات " الملونه " في ماكان يدعى بالمنظومة الاشتراكية ، وكيف حلّت الازمة الاقتصادية الاجتماعية ، الحقيقية والمتفاقمة فيها ، بعيدا عن الديمقراطية والانماء الاقتصادي لصالح حفنه من اللصوص والمافيات ووكلاء الاحتكارات العالمية ، وملاحظة كيف يجري ، اليوم ،استثمار وتوظيف ، الازمة التاريخية المتفاقمة التي تعاني منها الشعوب والبلدان العربية ، بعيدا عن حاجات هذه البلدان ومطالب شعوبها الحقة ، في الحرية والديمقراطية والاستقلال والانماء الاقتصادي الجاد ، بتدمير بنى الحداثة والمعاصرة، واستبدالها ببنى واطر متهالكة ورثة ، با ستبدال الطغاة الدمويين السابقين غير المكترثين بمصالح شعوبهم بعصابات لصوص" ديمقراطيين " ترهن هذه المصالح او تبيعها بالكامل مرة واحدة . بتمزيق اللحمة الوطنية وبعث الهويات المجهرية وبث روح الفرقة والتناحر بل والاقتتال . بتدمير اي قدر من الاستقلال الاقتصادي لصالح استحواذ كامل على الثروات الوطنية اما بشكل مباشر او بالوكالة عبر وكلاء طفيلين لاهّم لهم الاّ تحويل الاقتصاد الوطني القائم على هذا القدر او ذاك من الاستقلالية والانتاجية والتخطيط الى اقتصاد ريعي غير منتج و مكشوف بالكامل للنهب المحلي والعالمي وللازمات العالمية .

ان الضخ الاعلام الهائل ، والمغالط للوقائع والحقائق في معظمه ، والانتقائي الى اقصى حدود الانتقائية ، وما يعقبه من تدخل سافر في تقرير مصائر الصراع عبر المال والسلاح والمرتزقة والجيوش . ان ظهور "القاعدة" وما يشبهها من منظمات التطرف "الاسلامي " ودعاته في الاماكن المحددة ، تتبعها جيوش الغزو و" التحرير " لاحقا. ان كل هذه الامور ، مما بدأ يستشعره ويحدس دلالته حتى البسطاء من الناس ، يجب ان تدفعنا الى سحب رؤوسنا من رمال المسايرة والتسليم للتضليل الاعلامي الموّجه والمغرض و رؤية ملابس الامبراطور الجديد ، كما هي حقا وفعلا ، نسيج مهلهل يشّف ،بالفعل، عن عورات الامبراطور !

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.