اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

سنّة العراق، من الافق القومي الى الثقب الطائفي -//- عارف معروف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

سنّة العراق، من الافق القومي الى الثقب الطائفي

عارف معروف

اصبح الشيعة ، منذ قرون الاسلام الاولى ، طائفة ، وعت ذاتها ، بفعل الاختلاف والمغايرة، ذات الاساس السياسي ، اولا  ، عمّا امسى ، في غضون ذلك ، اسلاما سائدا .  ثم بفعل التهميش والتقتيل  والحرب العوان التي واجهتهم بها مؤسسة الخلافة الاموية والعباسية فالعثمانية  والمؤسسة الدينية الرسمية المؤازرة للخلافة . ولقد طوّرت الشيعة ، بفعل قوانين التكيف والصراع ، وخلال قرون ، سبل البقاء واساليب المواجهة الممكنة ، في العراق على وجه الخصوص ، حيث المهد والحاضنه .  وفي العالمين  العربي والاسلامي عموما .

في العشرينات من  القرن الماضي ، وبداية تكوين الدولة الحديثة ،  تبلور جوهر  مطالب الشيعة ،  في وطن  يتمتعون فيه بالمساواة والمشاركة على اساس المواطنة ، خصوصا بعد التضحيات الجسيمة التي قدموها خلال مواجهة الاحتلال الانكليزي ،اولا ،وثورة العشرين ،ثانيا . ومن ينظر  ، بانصاف ، الى العقدين الاخيرين ، من العهد الملكي ، لا بد ان يشهد تناميا ملحوضا في الدور السياسي للشيعة وذوبانا  تدريجيا للكثير من الكوابح والموانع في وجه مشاركتهم ودورهم، على الاقل ،في قمة السلطة ، اي على المستوى الوزاري ، دون ان ينسحب ذلك ،بنفس النسبة والدرجه ،على اجهزة الدولة التنفيذية والقضاء والمؤسسة العسكرية لاسباب تتعلق، جزئيا ، بالاعداد وا لتأهيل الذي حرم منه القطاع الاعظم من الشيعة لاسباب شتى . لقد كان يمكن للنظام الجمهوري الذي انبثق عن ثورة 14 تموز ، ان يكون جمهوريا حقا ، وان تتطور الدولة فيه الى دولة مواطنة حقيقية وان تتوسع قاعدة النظام الاجتماعي شاملة كل مكونات الشعب العراقي والوانه القومية والدينية والطائفية  مغلّبة الهوية الوطنية الجامعة والمؤسسة ،حقيقة ،لرابطة وطنية فعّالة ومجتمع مدني وديمقراطي ، لكن الامور جرت في مجرى آخر ، تخرج متابعة اسسه ودوافعه عن مضمون معالجتنا هذه . وسرعان ما تنامى لدى الشيعة ، حس مبرر ، بالتهميش والاهمال والتمييز ، خصوصا منذ منتصف ستينات القرن الماضي ، والذي اخذ  يتّضح  و يترّكز و يتّسع،حتى انتهى، على يد نظام صدام ،  الى فواجعه الدامية المعروفة . لقد اجج هذا السلوك  شعورا بيّنا بالتمييز والاضطهاد ، وقاد الى  اعادة بلورة مطلب المساواة على اساس الهوية الوطنية  ، من جديد ، بعد ان حاقت به الشكوك . وانمى اضافة الى البنية التنظيمية التي طورتها الطائفة ،خلال قرون ، والمتمثلة في مؤسسة المرجعية والتقليد ، احزابا وقوى سياسية ،وولّد تيارا واسعا من الجماهير والشباب ،خصوصا ،مهيئا بالفعل للعمل ضمن هذه الاطر ومشّكلا حاضنه اجتماعية لها .

امّا بالنسبة للاكراد العراقيين ، فان حس المظلومية ، يعود ، على الاقل ، الى بداية القرن العشرين ، حينما حرم الكرد ، من تاسيس وطنهم القومي والحقت اجزاء كردستان بالدول التي الحقت بها ، وقد عبر الاكراد عن رفضهم لهذه القسمة ، الضيزى ،بثورات وكفاح  قدّموا خلاله  تضحيات جسيمة ، وواجهوا كوارث الحروب و الابادة الجماعية . لقد طوّر الاكراد، ايضا  ، ادواتهم الخاصة ، بعد ان يأسوا من امكانية ان  يهنأوا بالمساواة والمواطنة في دولة ديمقراطية ، كما تحددت مطاليبهم ، المرحلية والبعيدة المدى ، ضمن العراق او المنطقة ، بفعل تجربتهم السياسية والكفاحية لما  يقرب من قرن من الزمان ،  واليوم ، فان مطاليبهم السياسية ، بالنسبة لهم على الاقل ، باتت، اكثر وضوحا وملموسية ، من اي وقت مضى .

وعلى العكس ، من هؤلاء واولئك ، فان  سنّة العراق ، اتصّفوا ، غالبا ، باحساس السائد والمهيمن  ومركزيته الذاتية ،  وشعوره بانه الشيء الطبيعي  والفطري ، كما هو شأن احساس البشر اتجاه ماهو سائد ومهيمن ومستمر ، دائما ، حتى يبرز تحد مغاير يضع ماهو سائد ومتعارف عليه موضع المسائلة والتشكيك !

لم يشعر سنّة العراق ، ابدا، بانهم طائفة او بالاصح " سنّه "ولم يحتاجوا الى  التأمل في ذلك او مناقشته او الحماسة له ، الاّ في اوقات نادرة وفي مواجهة تحد آني ، كمثل ايام انتفاضة ال،1991

، لقد كنّوا عن المذهب ، دائما ، او طوال عقود عديدة ، بالقومية  والعروبة ، كما كانوا ، في اكثر الاحيان ، علمانيين ، وطنيين ، ولكنهم ما كانوا ، بدرجة اساس ، "سنّه " لانهم ببساطة ، لم يحتاجوا الى ذلك . كما ان  الدين لم يطّور لديهم مرجعيات معتمدة او  تنظيمات سياسية باستثناء الاخوان المسلمين ، الذين بقوا ، ذوي تاثير محدود ومتحفظ عليه ان لم يكن مرفوضا من اغلب السنه ، حتى انهم كانوا يسمون "باخوان ال....." .وكان  نشاطهم  السياسي الذي يتمترس بالدين وليس  االنشاط التعبدي  الفردي ، موضع ريبة وتشكيك ، الّا في حدود محددة وضمن دوائر ضيقة . لقد انفتح باب الجحيم هذا ، على مصراعيه ، بعد 2003 ومورست ضغوط كبيرة باتجاه،دفعهم  الى  التمذّهب والتطّيف، وفي ضل ضعف عام واضح في بنية واداء وامكانية حركة وطنية جامعة وعابرة للمذهب والقومية وفقر بل وجدب سياسي  وتنظيمي  شديد خلفته عقود من الاضطهاد والمنع الدامي وجد الكثير من السنة ان  سقوط نظام صدام حسين يمثل تهديدا ماحقا لهم ، خصوصا ، مع ما رافق البدايات التي اعقبت  اسقاط النظام على يد الامريكان من ممارسات  وخطابات خاطئة عززت هذا الشعور ، فوجدوا انفسهم ، مدافعين عن النظام الساقط ، مبررين لجرائمه وافعاله الشائنه ، رغم ان غالبيتهم ، شأنهم شأن كل العراقيين ، قد ذاقوا على يديه الامرّين . لقد فقد اكثرهم ، كذلك ، من خلال حلّ الجيش والاجهزة الامنية وتحريم حزب البعث ، الاطرالتنظيمية الوحيدة التي كانت متاحة و الجامعه ، حتى ذلك الحين ، لفعاليتهم ونشاطهم ، وانحكم اغلب سكان المناطق ذات الاغلبية السنية الى تركيبة معقدة من الاعتبارات ،  فمن جهة عليهم دائما ان يظهروا  رفضهم او ، على الاقل ، تبرمهم وعدم رضاهم من الوضع الجديد ، وتاييدهم لمقاومته باليد واللسان او بالقلب على طريقة اضعف الايمان ، ومن جهة فانهم يعون حقيقة ، ان مصلحتهم الجدّية تتطلب المساهمة الفاعلة والجادة في وضع اللبنات الحقيقية لبناء وطن جديد والمساهمة المسؤولة في اقرار عقد اجتماعي حقيقي  وفعال  ، ومن جهة اخرى ، فان الوضع القائم ، يتضمن بالفعل ممارسات قهرية لايمكن الشعور معها بالتفاؤل ، ومن جهة ثالثة ، فان المحتل الامريكي وكذلك الحكومات التي اعقبته لم تتعامل معهم كجمهور  ومواطنين ، في البداية على الاقل ، وفضلت التعامل مع ممثلين ومرجعيات ، عشائرية ودينية ، متناسية ان  جل الجمهور السني ، هو جمهرة مواطنين عاديين الفت التعامل مع  الدولة  على اساس رابطة المواطنة ولم تألف الانقياد الى مرجعية على اساس الطائفة !  لقد كتب السيد جلال الطالباني،مقالة ، في  جريدة المدى عام 2004، عكست توجها ونظرة اكبر من ان تكون شخصية ، دعا  فيها السّنة الى تجلية مرجعية محددة لكي يسهل التعامل معهم وبلورة غاياتهم كمكّون ، وهو امر  اصاب ويصيب ،بالارباك ،كل المحاولات الجارية ، بهذا الاتجاه ، منذ ذلك الوقت حتى اليوم ، ، حتى ان  ما اريد اشاعته مؤخرا من مرجعية الشيخ عبد الملك السعدي والاشارة اليه ب" مراجعنا العظام " بدا كما لو كان  رطانة بلغة ، اخرى ، لا يعرفها  ولم يفهمها الوسط المخاطب بها وسرعان ما نقضت الصورة برمتها ، قبل ان تولد وتتعزز ،حين  اعلنت اكثر من جهة ، سياسية وعشائرية  وحتى دينية ،ان لا مرجعية دينية لها تلتزم باوامرها ونواهيها ، حتى في اعم الاطر !!

ان ما يخلقه تراكم تاريخي ، لايمكن اصطناعه بقرار او ارادة سياسية ظرفية  . وما تصنعه الضرورة  تعجز عن مجاراته الرغبة . لقد كان من الطبيعي ، لو تم التوّجه الى بناء ديمقراطية حقيقية ودولة مواطنة فعلية ، ان تتحلل كل الاطر والبنى البديلة والصغيرة التي كونّتها ظروف العزل والقهر والتغييب التاريخية لصالح شعور جاد ومسؤول وبنّاء بالمواطنه والمشاركة ، لا ان تبذل المساعي الحثيثة، وتضّيع الجهود ، عبثا ،لتكوين واضافة اطر ضيقة جديدة . لكنها ديمقراطية الطوائف  وامارات الاثنيات والشرق الاوسط الجديد المطلوب  طبخه على نار طائفية واثنية وعرقية ، وادواته ورجاله واجنداته ، تلك التي قادت وتقود السّنه العراقيين ، بتأثير ، لايغيب عن النظر ، لظرف خارجي وأرادات دولية تخطط "لمستقبل" المنطقة عموما ،الى تيه مؤلم للجماهير الشعبية ،  يعد بمثابة عرس من المغانم لسماسرة بازار من شتى الاصناف ، شيوخ وادعياء ورجال دين وخطباء جوامع وسياسيو مصادفة وعصابات  متطرفين، يبذلون جهودا مستحيلة من اجل تحويل الوجهة والتطلع ، من افق الوطنية الرحب ومدى القومية الاوسع ، السابق ،الى ثقب التمذهب الطائفي الاكثر ضيقا، والابعد ، بحق ، عن كل مصلحة شعبية ووطنية .

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.