اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

رثائي الى مارينا// باسل شامايا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

باسل شامايا

 رثائي الى مارينا

باسل شامايا

 

هذا هو حال الدنيا تفاجئنا بفواجعها في غير اوانها وتخطف منا احبة ، لتترك باعماقنا الما وحسرة .. لا احد في هذه الدنيا يريد ان يموت لا ننا نولد  كي نعيش وناخذ نصيبنا من هذه الدنيا سعداء كنا ام تعساء حتى تحين ساعة الرحيل فنغادر مخلفين من سيكون امتدادنا ويحيي ذكرانا.

لقد مضى اربعون يوما وليلة على رحيل الفتاة الطموحة والشابة الجميلة التي توها تنفست نسمة الشباب مارينا عابد شاجا الى عالم الذكرى وهي بعمر 20 ربيعا دون ان تحقق ما كانت تحلم به من طموحات وآمال وأمنيات . اسمحوا لي ان اتناول في رثائي هذا بعضا من حياة مارينا القصيرة هذه السوسنة التي اشرقت شمس ميلادها في عام 1998 وما لبثت تتهيأ لمرحلة جديدة من حياتها الدراسية حتى تمكن منها الموت واطفأ شمعة حياتها في بداية عام 2019 بعد صراعها المرير مع المرض اللعين، ذلك الوحش المفترس الذي راح ينخر في جسدها الصغير ما يقارب السنتين، وبالرغم من تشبثها بالحياة لكنه كان اقوى وتمكن ان يفرش بساطه الحالك عليها..  مارينا اصغر اخوتها واخواتها واحيانا الاصغر يكون ذات مكانة خاصة عند الوالدين بل عند كافة افراد العائلة ، لذلك كانت مارينا مدللة البيت والاهل  تفرض نفسها بسلوكها واخلاقها وخفة دمها ناهيك عن علاقاتها الطيبة مع زميلاتها واقربائها واساتذتها وكل من كان يعرفها اما في المدرسة فقد كانت متميزة بمحبة الطالبات واحترام الاساتذة .. كان اهم شيء في حياتها ان تكون ناجحة ومجتهدة لكي تحقق بالدرجة الاولى ما كان يهفو اليه والدها ، لذلك اجتازت المراحل الدراسية (ابتدائية-متوسطة-اعدادية ) بتفوق كبير وفي هذا الجانب ساذكر لكم بعضا من التكريم الذي نالته من جهات وواجهات عديدة بالمناسبة:

1 // مديرية تربية تلكيف لحصولها على معدل 95 في المرحلة المتوسطة.

 2// تم تكريمها اربع مرات في نادي القوش العائلي لاعفائها بكافة المواد الدراسية للمرحلتين المتوسطة والاعدادية للصفوف الغير المنتهية.

3// تم تكريمها من اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي حين تخرجها من المرحلة الاعدادية  بمعدل 96 /5 .

4// وقد كرمت في كل عام من قبل ادارة ثانوية القوش للبنات لتفوقها واعفائها الدائم وتميزها عن قريناتها.

5// كما كرمت من نادي القوش الرياضي ومن فريق  متطوعي مار قرداغ ولعدة مرات.

وكانت امنيتها ان يؤهلها معدلها للقبول في كلية الطب لكي تحقق وعدها لابيها ولكن بسبب درجة واحدة في معدلها لم تحقق تلك الامنية فقبلت في كلية الصيدلة، وبالرغم من ذلك احبت الدراسة في هذه الكلية وكان جلّ اهتمامها ينصب في الدراسة والتفوق والنجاح لكي تدخل الفرحة والبهجة الى قلوب اهلها وخصوصا والديها  التي كانت تحبهما كثيرا . ولكن لم تكتمل تلك الفرحة ولم تتحقق تلك الامنية التي كانت تراودها دوما ، وقبل اكمالها سنتها الاولى في الجامعة  هاجمها المرض اللعين وما كان على والدها الا البحث عن بصيص الامل لكي ينقذ ابنته ملاكه الصغير من مخالب ذلك الوحش الذي لا يعرف الصغير ولا الكبير فقرر مغادرة بلدته الى حيث يجد داءا لابنته مارينا فرحل حاملا بين حدقات عيونه ابنته وسافر الى خارج الوطن لتلقي العلاج في افضل المستشفيات لعله ينقذ وردته الصغيرة من الموت الذي راح يخيم على حياتها..  لم يعر اي اهتمام لما سيكلفه انقاذها ماديا، فودعت مع عائلتها موطن ذكرياتها بلدتها الحبيبة القوش التي تنفست فيها شهيق الحياة  وودعت صديقاتها وزميلاتها وجيرانها وأقربائها وغادرت الى وطن آخر لعلها تجد الداء الذي سيعيدها مرة اخرى كي تكمل مشوارها مع الحياة  لقد ظهرت أعراض المرض في نهاية شباط 2017 وغادرت الوطن للعلاج في 21 /4/2017 وهناك في مستشفيات تركيا كان والدها يرافقها الى احد الاطباء الماهرين في هكذا انواع من الامراض، حيث كان امل العائلة كبير في شفائها وعلاجها وعودتها متعافية الى صخبها وضحكاتها ومداعباتها في البيت خصوصا مع شقيقتيها ميرفا ومورين، وبعد الفحوصات والتحاليل حدد الطبيب موعدا لاجراء العملية وبالفعل تمت العملية وبعد خمسة ايام من اجرائها اخذت عينة منها للفحص في المختبر، وذهب الاب متلهفا لاستلام نتيجة الفحص، لكن النتيجة كانت سلبية، كاد والدها يسقط ارضا من هول ما سمعه من الطبيب حيث صارحه بحقيقة مرّة حول مصير حياة ابنته التي لا يجدي لها العلاج نفعا لان المرض توغل الى بقعة من جسمها لا يمكن التخلص منه، فكتم الاب سر تلك الحقيقة ولم يفشيه حتى لأقرب الناس له خوفا من رد فعل ذلك على ابنته فتحمّل تلك الحقيقة القاتلة لوحده، ومن اجل ان تعيش مارينا فترة اطول تعرضت الى اشعاع في المستشفى بتوجيه من الطبيب، فتحسنت حالتها وتغير وضعها، وراحت تصطحب والدها الى اماكن بعيدة مشيا على الاقدام، كما شاركت مع عائلتها بسفرات الى اماكن عدة ومعها شقيقتيها اللتان كانت تغمرها الفرحة وهي قريبة منهما وهكذا شعرت بالسعادة وهي تعيش ذلك التحسن الذي طرأ عليها، ولكن لم يستمر ذلك الا فترة قصيرة حتى اخذت حالتها  تسوء اكثر فاكثر، حيث كان الخبيث قد نخر في جسدها النحيف، وحينما شعرت باقتراب شبح الموت منها طلبت من والديها وبالحاح العودة الى القوش لتغمض اغماضتها الاخيرة في موطن ذكرياتها لكن الموت اقبل سريعا وتمكن منها وخطفها من بين احضان اسرتها قبل تحقيق امنيتها الاخيرة. عاد والديها وشقيقها الى القوش حاملين معهما نعش مارينا، فتهافت الناس بسياراتهم عند مفرق القوش لاستقبال النعش، وبعد انتظار مصحوب بالاسى وصلت السيارة التي كانت تحمل نعش الراحلة فانضمت تلك الجموع الغفيرة الى الموكب ثم دخل رتل السيارات الذي لا يحصى الى القوش فتهافت الناس من جميع الاحياء وتجمهروا جميعا قرب منزل مارينا منتظرين رجال الدين للانتهاء من صلواتهم.. وتأهبت الجموع للمسير مع موكب مارينا، كانت لحظات طافحة بالحزن والجمع الجنائزي يسير بطيئا الى حيث الديار الابدية، مسكن مارينا الابدي، لا تجد في عيون المشاركين في التشييع من اهالي القوش والقادمين من بغداد والمناطق المجاورة من القوش الا الحزن والاسى على ما اصاب هذه العائلة من الفاجعة الاليمة، لم تكن الا دقائق قليلة حتى ووريت الثرى الى جانب الآباء والأجداد. وهكذا رحلت مارينا الوديعة الهادئة تلك الفتاة المحبوبة التي لا تجيد الا لغة المحبة والاحترام، لا توجد في اعماقها ولو ذرة من الحقد والكراهية تجاه الآخرين، احبت جميع الناس اقرباء واغراب زملائها ومحبيها وجعلت من طموحها واجتهادها رفيقا دائما لها.. انها الحياة يا صغيرتي كل شيء فيها ممكن، الموت والحياة، انهما يسيران في خط واحد لكننا لا نشعر بالحياة بقدر ما نشعر بالموت، فكم كان قاسيا وظالما ملك الموت حينما جاءك في ذلك اليوم وانتشلك من بين احضان اهلك وذهب بك الى ظلمة القبر.. لماذا آثرت الرحيل يا وردة الربيع المتفتحة قبل ان ينضب اريجك فقد كان وما يزال امامك طريق طويل وعليك الكثير.. رحلت دون عودة رغم الطموح الذي بين جوانحك فمن ذا الذي يطفأ لهيب ابيك المحترق الذي كان ينتظر غروب الشمس لكي يفرغ ما بصدره من الحزن فيطلق العنان لدموعه كي يريح نفسه بعض الشيء، ومن ذا الذي يكفكف دموع امك المفجوعة التي فارقتها الابتسامة منذ رحيلك ولم يعد مكانا للسعادة في حناياها ومن سيوقظ اخوتك وبالخصوص ميرفا ومورين من فاجعة رحيلك وفراقك الابدي.. لقد سابقت الزمن ايتها الزنبقة المتالقة بالوان الربيع فسبقك واوقفك حتى فوجع برحيلك من كان يعيش الامل وانت تترعرين ويكبر عودك.. غادرت باكرا يا عيون والديك وابتسامة اخوتك.. رحلت قبل اوانك وقد كنت كتلك الوردة الفائحة عطرا وسط عائلتك.. انطفأت شمعتك ايتها الفراشة البيضاء والمبتسمة للحياة وكنت كالصباح تملئين البيت بهجة وامل وعطاء.. وها هي الايام قد ارتدت بغيابك وشاح الاسى والحزن.. آه ايتها العروس الزاهية.. آه يا رونقا يغازل الطيبة والبراءة، شاء قدرك ان يزفك الموت على طريقته الى عالم آخر وبيت جديد فجعل سعادة اهلك دموعا تجري بفيض من المآقي مدرارا. ارقدي بسلام ايتها الزهرة الندية راسمة تلك الابتسامة الخجلة على محياك، تلك الابتسامة الممزوجة ببراءة الاطفال التي كنت تستقبلين بها اهلك ومعارفك ومحبيك. ولا يسعني في نهاية رثائي الا ان ابتهل الى الرب ان يشملك بوافر رحمته ويسكنك جوار القديسين والملائكة والابرار

وداعا      وداعا       وداعا .

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.