اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

هل الماركسية لا زالت حاضرة في عصرنا؟ (9)// محمد الحنفي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد الحنفي

 

عرض صفحة الكاتب 

هل الماركسية لا زالت حاضرة في عصرنا؟ (9)

محمد الحنفي

المغرب

 

تطور الماركسية بفعل تطور الواقع:

إن الماركسية ليست جامدة أبدا، فهي متطورة باستمرار، وهي عندما وجدت، وجدت لتتطور، بتفاعلها المستمر مع الواقع المادي، والمعنوي، ومع الآداب، والفلسفة، والعلوم، والمناهج العلمية.

 

والذين يفرضون جمود الماركسية، وعدم تطورها، إنما يفرضون ذلك، باسم الماركسية، بعد وصولهم إلى الحكم، وبعد انتشار العديد من الأديان المحرفة، التي تفرض ذلك الجمود العقائدي، الذي يفرض وقوف الماركسية، عند نمط معين من المقولات، التي تجعل الماركسية متخلفة عن العصر، الذي تعيش فيه، لتصير الآداب، والفلسفة، والعلوم، والمناهج، التي تتفاعل معها الماركسية، في خدمة التطور الرأسمالي، الذي لا يتوقف أبدا، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وكأن الرأسمالية هي نهاية التاريخ، كما نظر لذلك فوكو ياما، الذي استغل النظام الرأسمالي العالمي، بصدور كتابه مع نهاية القرن العشرين، والذي يحمل عنوان: (نهاية التاريخ)، الذي جاء بعد كتاب: (الغلانزوست)، الذي أصدره غورباتشوف، الذي وقف وراء تفكيك الاتحاد السوفياتي السابق، والذي نال عن ذلك جائزة نوبل للسلام. وتفكيك الاتحاد السوفياتي السابق إلى دويلات، وجدت نفسها مباشرة وراء اعتماد النظام الرأسمالي، بما في ذلك روسيا، ولكنه النظام الرأسمالي الذي لم ينخرط في عملية استغلال العالم، عن طريق إغراق دوله بالديون الخارجية، عن طريق صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والمؤسسات المالية الدولية الأخرى، لتقع تحت طائلة خدمة الدين الخارجي، الذي لا تستطيع التخلص منه بسهولة؛ لأن الدين الخارجي، هو الكماشة التي يمسك بها النظام الرأسمالي العالمي، كل الدول التابعة، والغارقة في الديون الخارجية.

 

فالجمود العقائدي، إذن، هو المقدمة التي تؤدي بالضرورة إلى فقدان البوصلة الماركسية، لتصبح الماركسية، بذلك، مطية لممارسة بيروقراطية الحزب الماركسي، الذي لا يستطيع فهم الواقع، ولا يستطيع التفاعل معه؛ لأن الماركسية بمعناها الصحيح، لم تعد قائمة في روسيا، حتى وإن استمرت في الصين، أو في كوريا الشمالية، أو في كوبا، أو في منغوليا؛ لأن هذه الدول الاشتراكية، هي دول لا تختلف خصوصياتها، كما تختلف طرق الوصول إلى الاشتراكية فيه، على أساس القول، والفعل البيروقراطيين، ومن منطلق تحويل الماركسية إلى مجموعة من المقولات، التي يرددها الماركسيون في الاتحاد السوفياتي السابق، وكل من رأى الماركسية خارج تلك المقولات الجاهزة، والتي أصبحت بمثابة كتاب مقدس، يردده الماركسيون، كما يردده المنتمون إلى مختلف المعتقدات السماوية، مع فارق واحد، وهو أن ماركسيي الاتحاد السوفياتي السابق، يرددون تلك المقولات الجاهزة، من أجل الالتزام بتطبيقها. وإلا، فإن الممتنع عن تطبيقها، يصبح تحريفيا، يجب التخلص منه، مما جعل العديد من الماركسيين، الذين لهم رأي مخالف، يلجأون إلى الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، التي تغدق العطاء على مثل هؤلاء، وتحتضنهم، وتدفعهم إلى ممارسة الصراع السياسي، ضد الدولة التي يتم التشهير بها، على أنها دولة مستبدة، وغير ديمقراطية، وغير اشتراكية، وإنما هي دولة رأسمالية، ورأسماليته تتجسد في الدولة القائمة في الاتحاد السوفياتي السابق، مما جعل تكريس القول: بأن الاشتراكية غير قائمة أصلا، في العالم، مع أن دولة الاتحاد السوفياتي السابق، دولة اشتراكية، تحولت فيها الماركسية إلى مقولات جاهزة، فرضت القول بما يسمى بالجمود العقائدي، الذي أدى إلى مركزة كل شيء في يد الدولة البيروقراطية، التي لا تسمح، أبدا، بالأخذ بالديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تحرص على التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية.

 

والماركسية، ومنذ ظهورها، وهي تواجه التحريف، والتحريفيين، الذين تتعدد مشاربهم، وتوجهاتهم، التي لا حدود لها، وغايتهم الواحدة، والوحيدة، هي جعل الماركسية عاجزة عن القيام بأي دور لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في الوقت الذي تواجه فيه الدولة الاشتراكية العظمى، المتمثلة في الاتحاد السوفياتي السابق، كل الدول الرأسمالية، وخاصة الدولة الرأسمالية العظمى: الولايات المتحدة الأمريكية.

 

فالتحريفية ليست واحدة، فقد واجهها ماركس، وأنجلز في حياتهما، وواجهها لينين، وواجهها ماوتسي تونك، وواجهها كل من تمكن من استيعاب الفهم الصحيح للماركسية، في تطوره، وفي استيعابه لكل المستجدات الطارئة، والتي تقتضيها شروط معينة، في الزمان، والمكان.

 

وكل من يدعي أنه ماركسي، ولا يستوعب من الماركسية إلا مقولات معينة، يرددها، ولا يدرك أبدا أهمية الماركسية كفلسفة، وكعلم، وكمنهج، وأن الماركسية، في مجملها، تتطور باستمرار. والذي لا يدرك ذلك، كجوهر للماركسية، ليس ماركسيا أبدا. ومن ليس ماركسيا لا يمكنه أن يمارس إلا التحريف. والتحريف لا يخدم إلا مصالح المحرفين، والرجعيي،ن والرأسماليين، والدولة الرأسمالية، والبورجوازية الصغرى، التي لم تنتحر طبقيا.

 

وانطلاقا من هذا المعطى، فإن الماركسية المتطورة، باستمرار، برز منها ثلاثة أوجه: الوجه الفلسفي، والوجه العلمي، والوجه المنهجي، وهذه الأوجه الثلاثة، يصعب الفصل بينها، في عملية التطور، التي لا تكون إلا شمولية.

 

ومع ذلك، ومن أجل العمل على استيعاب عملية التطور، فإننا نعمل على إعمال التدقيق الذي عملنا عليه، منذ بداية معالجتنا لهذا الموضوع، حتى نتمكن من الوقوف على أن عملية التطور، محصنة في الماركسية كفلسفة، وفي الماركسية كعلم، وفي الماركسية كمنهج علمي.

 

فالماركسية كفلسفة، بمنطلق مادي تتفاعل مع الواقع في شموليته، وفي كونيته، وفي تحوله باستمرار، من أجل الاستفادة مما حصل فيه من تطور، حتى تعده للقراءة الفلسفية، ومن أجل أن تتمكن من طرح الأسئلة، التي يقتضيها التطور الحاصل في الواقع، في شموليته، وفي كونيته. وتلك القراءة الفلسفية، هي التي تمكن من امتلاك الرؤيا الفلسفية المتطورة عن الواقع، والتي تصير منطلقا لطرح الأسئلة الفلسفية، المنسجمة مع الرؤيا المتطورة، التي تصير محفزة على البحث الفلسفي المعمق، الهادف إلى إنتاج خلاصات مهمة، تنضاف إلى ما تحقق حتى الآن، من معارف علمية، تمكن من العودة إلى الفلسفة الماركسية، التي تتعمق في البحث، من أجل الوصول إلى خلاصات جديدة، تضاف إلى الخلاصات السابقة، من أجل إيجاد علم ماركسي معين، وهكذا...

 

والفلسفة الماركسية، عندما تتطور انطلاقا من شمولية الواقع، فإنها تتفاعل أولا، مع تحولات الواقع، ومع الكيان البشري في تطوره، ومع ما يحصل في المعارف الفلسفية المختلفة من تطور، ومع التطور الملازم لمختلف العلوم، سواء كانت إنسانية، أو كيميائية، أو فيزيائية، أو طبيعية، أو رياضية، أو تقنية، أو تقنية حديثة، أو دقيقة.

 

وإذا كان الإنسان، في جوهره، فلسفيا بالطبع، فإن الماركسية، تعبر عن هذه الفلسفة، بجعل المنطلق المادي في التفكير، هو الأساس. وإذا كان التطور ملازما للإنسان، في مسيرته التاريخية، فإن هذا التطور ملازم كذلك للماركسية، في مسيرتها التاريخية. وإذا كانت جميع الفلسفات التي تنتمي إلى مدارس مختلفة تتطور، تبعا لتطور رؤاها المثالية، التي تسبح في الخيال الواقعي، وغير الواقعي، فإن الفلسفة الماركسية تتطور، ولكن من منطلق ما يعرفه الواقع، في شموليته، وفي كونيته من تطور، وصولا إلى طرح أسئلة يفرضها الواقع المتطور، والتي لا تكون هي أيضا إلا متطورة، تفضي إلى إغناء مختلف العلوم القائمة في الماركسية كعلم.

 

وتبعا للتطور الذي تعرفه الماركسية كفلسفة، فإن الماركسية كعلم، تستفيد كثيرا، في تطورها، على تطور الماركسية كفلسفة، في الوقت الذي تتفاعل فيه الماركسية كعلم، مع الواقع، لتحقيق هدفين أساسيين:

 

الهدف الأول: إثبات صحة العلم الماركسي، المفعل في واقع معين، وفي أي مجال من مجالات الحياة الطبيعية، والبشرية المتعطشة لتفعيل العلم الصحيح، الذي يمكنها من إشباع حاجياتها المختلفة، حتى يتأتى لها الإحالة على الفلسفة، التي تعتبر وحدها، وبعد البحث الفلسفي المعمق، قادرة على طرح السؤال الفلسفي النوعي، الهادف إلى إيجاد جواب علمي دقيق، عن قدرة العلم على فهم ما يجري، أو عن عجزه عن التفعيل، انطلاقا من الاستفادة من تطور الماركسية كفلسفة، ومن تطور تحولات الواقع، في نفس الوقت.

 

الهدف الثاني: التفاعل مع الواقع، الذي يغني العلم الماركسي، ومع كل ما يجري فيه، سعيا إلى جعل العلم الماركسي مفيدا، ومستفيدا من الماركسية كفلسفة متطورة، ومتجددة باستمرار، ومن كل العلوم القائمة في الواقع، فيزيائية كانت، أو كيميائية، أو رياضية، ومن التقنيات المتطورة في جميع قطاعات الحياة، ومن التقنيات الحديثة، أو الدقيقة.

 

فالماركسية كعلم، إذن، هي المدخل لمعرفة الواقع، وهي الوسيلة لفهم الواقع فهما معينا دقيقا، وهي المحفزة على العمل على إيجاد وسيلة للتغيير، المتمثلة في بناء نظرية عن الواقع، انطلاقا من خصوصيته، وهي المستوجبة لقيام حزب ثوري، يقود عملية التغيير في الاتجاه الصحيح، حتى وإن كان ذلك الاتجاه، يقتضي الحرص على النضال الديمقراطي، بمعناه الصحيح، وهي التي تجعل أي ماركسي مخلص في النضال، من أجل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وحريصا على جعل الواقع في خدمتهم، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.

 

وبالإضافة إلى ما ذكرنا، فالماركسية كعلم، تساهم بشكل كبير، في تطور، وفي تطوير العلوم، والتقنيات، والتقنيات الحديثة، أو الدقيقة، حتى تجعل من كل ذلك، وسيلة مثلى، لجعل الواقع متطورا، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في أفق الوصول إلى قيام الدولة الاشتراكية، التي تعرف فيها الماركسية كعلم، تطورا من نوع جديد، في أفق تحقيق المجتمع الشيوعي، الذي لا يعني إلا تحقيق العدالة المطلقة، كآخر ما تنشده البشرية على وجه الأرض، والتي تعرف الالتزام بالشعار الشيوعي: (على كل حسب قدرته، ولكل حسب حاجته).

 

ونظرا لأن العلم الماركسي، لا بد فيه من منهج علمي، ومن قوانين علمية، تحول دون السقوط في مهوى التحريف، فإن الماركسية كمنهج، هي التي تقوم بهذا الدور، من خلال توظيف قوانين المادية الجدلية: (الدياليكتيكية)، والمادية التاريخية؛ لأن ذلك التوظيف، في حد ذاته، هو الذي يطور الماركسية، وهو الذي، في نفس الوقت، يجعل الماركسية كفلسفة تتطور ،والماركسية كعلم تتطور أيضا؛ لأن تلك القوانين، وحدها، تمكننا من التحليل الملموس، للواقع الملموس، الذي يمكننا من المعرفة العلمية للواقع، الذي نتحرك فيه، كما يمكننا من إدراك القوانين التي تتحكم فيه، وما يجب عمله من أجل تغييره، ولكن لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، انطلاقا من خصوصية المكان، والزمان، وسعيا إلى جعل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يمتلكون وعيهم بالذات، وبالواقع، في تجلياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ومدركين لموقعهم في علاقات الإنتاج، حتى يقوموا بدورهم كاملا، من خلال حزبهم الثوري، الذي لا يمكن أن يكون إلا حزب الطبقة العاملة، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وليس حزب البورجوازية الصغرى، الذي لا يتجاوز أن يكون حزبا، يجعل أفقه قيام القيادات الحزبية، بتحقيق تطلعاتها الطبقية، من أجل أن تتخلص من قواعدها، وتلتحق بالبورجوازية الكبرى.

 

والمنهج الماركسي، الذي يتطور، بتطور الماركسية كفلسفة، والماركسية كعلم، يتطور، أيضا، تبعا لما يحصل من تطور، في مختلف المناهج الأدبية، والفلسفية، والعلمية، سواء كانت ماركسية، أو غير ماركسية؛ لأن المنهج الماركسي، لا يستفيد من تلك المناهج، إلا ما يجعله يتطور في الاتجاه الصحيح، دون التخلي عن منطلقه المادي، في بناء المنهج العلمي المتطور، الذي لا يتوقف تطوره، في فكر، وفي ممارسة أي حركة ماركسية، في أي بلد، وفي أية قارة، انطلاقا ن خصوصية الزمان، والمكان، وسعيا إلى تحقيق التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، كما ذهب إلى ذلك الشهيد عمر بنجلون، في تقديمه للتقرير الأيديولوجي، في المؤتمر الاستثنائي، المنعقد في يناير 1975.

 

فالذي يتطور من الماركسية، إذن، هو الماركسية كفلسفة، والماركسية كعلم، والماركسية كمنهج علمي. وهذا التطور، لا يتوقف عند حدود معينة. فهو مستمر، مادامت الحياة مستمرة، وما دام التفاعل قائما في الواقع، بين الماركسية كفلسفة، وكعلم، وكمنهج علمي، وبين كل ما يجري في الواقع الطبيعي، والمجتمعي، وفي الواقع الأدبي، والعلمي، والمعرفي، والإنساني، ليضمن التطور المستمر للماركسية بصفة شمولية، وأملا في أن تصير الماركسية، كأيديولوجية للكادحين، حاضرة في اهتمام جميع أفراد المجتمع، الذين يجعلون من الماركسية وسيلة لتغيير الواقع، في أفق جعله في خدمة الكادحين، مهما كانت طبيعة الكدح الذي يمارسونه في واقعهم، الذي يعيشون فيه.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.