اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• من ذاكرة التاريخ:وفاة الملك فيصل الأول في ظروف غامضة وتولي الأمير غازي الملك

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حامد الحمداني

مقالات اخرى للكاتب

من ذاكرة التاريخ:

وفاة الملك فيصل الأول في ظروف غامضة

 وتولي الأمير غازي الملك

 

16/8/2011

 

 في الأول من أيلول 1933، وصل الملك فيصل إلى العاصمة السويسرية [ برن ] طلباً للاستشفاء، وكان الإعياء بادياً عليه، حيث نزل في فندق[bellevue]

 المطل على نهر[ الآر]،وهناك بدأ الملك رغم وضعه الصحي المتعب يستقبل مراسلي الصحف، والعديد من الأصدقاء، ويدلي بتصريحاته محاولاً الرد على الدعايات المضللة الموجه ضده، وضد العراق وحكومته على أثر الأحداث التي رافقت قمع ثورة الآشوريين على يد بكر صدقي.

 

كان القلق والانفعال باديين على وجهه، وتميزت تصريحاته بشدة اللهجة وكان يضرب بيده على الطاولة بقوة، وهو يتحدث مع الصحفيين، فقد كان قد تلقى سيلاً من التهديدات من الحكومة البريطانية بسبب قمع الحكومة العراقية، ونائب الملك [الأمير غازي] للثورة الآشورية، وقد طالبته الحكومة البريطانية بالعودة فوراً إلى بغداد، وأخذ زمام الأمر بيده، و إلا فسوف يتعرض لنتائج وخيمة!!، فقد جاء في آخر إنذار وجهته وزارة الخارجية البريطانية إليه ما يلي:

 

{ إن استمرار الحركات العسكرية ضد الآشوريين، وإصرار الحكومة على موقفها، وعدم إصغائها لأوامر جلالتكم، قد أحدث تأثيراً سيئاً لدى الرأي العام البريطاني وغيره، ولذلك فإن لم تعودوا فوراً إلى العراق، وتقبضوا بنفسكم على زمام الأمور، فان الحكومة البريطانية ستضطر إلى إعادة النظر في علاقاتها العهدية مع العراق}.

قضى الملك فيصل 3 أيام على تلك الحال، وهو يزداد تعباً، وتزداد صحته تردياً.

 وفي 7 أيلول أُصيب الملك بالآم حادة في بطنه، وحضر طبيبه الخاص على عجل، وتم حقنه بحقنة تحت الجلد، حيث أحس بنوع من الراحة.

 

غير أن صحته تدهورت عند منتصف الليل، وقد حضر إلى غرفته كل من [نوري السعيد] و[رستم حيدر] و[تحسين قدري]، حيث وجدوه وهو في حالة خطيرة يلفظ أنفاسه الأخيرة، وكان آخر ما قاله:

{ أنا مرتاح، لقد قمت بواجبي، وخدمت الأمة بكل قواي، ليسر الشعب بعدي بقوة واتحاد}. ثم شهق شهقة الموت.  وعلى الفور طّير[نوري السعيد] و[رستم حيدر] برقية إلى الحكومة في بغداد وجاء فيها:

 { فجعت الأمة العراقية،عند منتصف الليل بوفاة سيدها وحبيبها جلالة الملك فيصل، وذلك نتيجة نوبة قلبية}!.

الشكوك تدور حول بريطانيا ونوري السعيد

 ثارت الشكوك حول السبب الحقيقي للوفاة، حيث ذكر التقرير الطبي إن سبب الوفاة ناجم عن انسداد الشرايين، وانسداد الشرايين كما هو معروف يسبب آلاماً شديدة في الصدر، في حين أن الملك كان قد شعر في تلك الليلة بالآم حادة في البطن، وليس في الصدر، وعليه فقد كان هناك شك كبير في أن السبب الحقيقي للوفاة هو التسمم، وقيل أن الإنكليز، ونوري السعيد، هم الذين كانوا وراء العملية.

 

ومما زاد في تلك الشكوك ما جاء في الوثائق البريطانية مؤخراً عن تصريح للسفير البريطاني [هيمفريز]الذي جاء فيه:

{ إن جعفر العسكري ونوري السعيد اتفقا على أن لا يتحملا أية مسؤولية في المستقبل إذا لم يطرأ تغيير كامل على نفسية الملك فيصل، وأن نوري السعيد مصر على أن لا يتقلد الحكم ما دام فيصل على العرش، وأنه لا يمكن للعراق أن يتقدم على عهد ولي العهد [الأمير غازي]، فلا بد إذا من تغيير نظام الوراثة ليكون [الأمير زيد] ملكاً بعد وفاة أخيه الملك فيصل}.

 

تم نقل جثمان الملك إلى بغداد في 14 أيلول حيث تم تشيعه في موكب رسمي، ودفن في المقبرة الملكية في الاعظمية. وبوفاة الملك فيصل، اختفت فوراً مذكراته الخطيرة، ولم يعد أحد يعرف عنها شيئاً، وكل الشكوك كانت تشير إلى أن وراء عملية الاختفاء تلك كان نوري السعيد.

 

 نوري السعيد يحاول إبعاد الأمير غازي عن المُلك:

وعلى أثر وفاة الملك فيصل، حاول نوري السعيد إقناع رئيس الوزراء [رشيد عالي الكيلاني] و[رستم حيدر] وزير الاقتصاد والمواصلات، والمقرب جداً من العائلة المالكة استبعاد الأمير غازي عن تولي الملك بصفته ولياً للعهد، ودعوة [الأمير زيد] لتولي الملك، بدعوى أن الأمير غازي متخلف عقلياً، ولا يصلح لتولي الملك.

 

 لكن الكيلاني رفض رفضاً قاطعاً محاولات نوري السعيد، وأجرى على عجل مراسيم تحليف الأمير غازي اليمين القانونية أمام مجلسي النواب والأعيان، و جرى تتويجه رسمياً مساء يوم 8 أيلول 1933 ملكاً على العراق، وبذلك اسقط في يد نوري السعيد. وبمناسبة تسلم الملك غازي سلطاته الدستورية، وحسبما ينص الدستور، قدم السيد رشيد عالي الكيلاني استقالة حكومته إلى الملك الذي قبل بدوره الاستقالة

 وكلفه من جديد بتأليف الوزارة الجديدة.

اضطراب الأوضاع في عهد الملك غازي

أحدثت وفاة الملك فيصل الأول اختلالاً خطيراً في التوازن السياسي القائم في البلاد، وقد أدت تلك الظروف إلى تفاقم التنافس السياسي بين أولئك الضباط الشريفيين المخضرمين، ومحاولة كل واحد منهم الوصول إلى سدة الحكم مستخدمين البرلمان تارة، وتحريك العشائر تارة أخرى، ووصل بهم الأمر إلى حد استخدام الجيش من أجل تحقيق مآربهم.

وقد وجد[نوري السعيد] الفرصة السانحة لتوسيع نفوذه  في إدارة شؤون البلاد، وسعى بكل جهوده للهيمنة على المسرح السياسي. فقد حاول السعيد بدعم من صهره وحليفه[جعفر العسكري] بعد فشله في منع الملك غازي من تسلم سلطاته الدستورية إلى احتوائه، والتأثير عليه لدرجة وصلت إلى حد التدخل في أموره الشخصية.

 

 وكان من بين تلك المسائل الشخصية تدخله في منع زواجه من ابنة السيد[يسين الهاشمي وفرض زواجه من[الأميرة عالية] شقيقة عبد الإله، وذلك عن طريق تحريض عمه [الملك عبد الله]الذي تدخل لدى الملك، وحمله على الزواج منها، وكانت تلك الزيجة التي تمت في كانون الثاني 1934غير ناجحة، وانتهت بهجر الملك غازي لها حتى مقتله.

 

 حاول رشيد عالي الكيلاني حل البرلمان، وإجراء انتخابات جديدة تضمن له الأكثرية في المجلس، وتقدم بطلب إلى الملك غازي بهذه الرغبة، وتدخل نوري السعيد لدى السفارة البريطانية لمنع حل البرلمان، وسارع السفير البريطاني إلى توجيه تحذير إلى الملك غازي من مغبة الأقدام على حل البرلمان خوفاً من أن يأتي الكيلاني ببرلمان يضم أكثرية من الاخائيين.

 

 كما حذر الملك[عبد الله] ابن أخيه الملك غازي من الأقدام على هذه الخطوة، وجاء ذلك في رسالة بعث بها إليه وجاء فيها:

{ إن عليك أن لا تحل المجلس تحت أي ظرف كان، وإلا ستظهر الحاجة إلى إعادة الانتخاب من جديد، وعندها ستواجه مخاطرالصراعات الحزبية}. (8)

 بعد رفض الملك غازي حل مجلس النواب، لم يكن أمام حكومة رشيد عالي الكيلاني سوى تقديم استقالتها في 28 تشرين الأول 1933، وتم قبول الاستقالة في نفس اليوم.

 لكن الملك آثر أن يبقي العلاقة مع الإخائيين، الذين عملوا معه جنباً إلى جنب خلال توليه المُلك نيابة عن والده الملك فيصل الأول حين غيابه، وعليه فقد كلف زعيم الإخائيين [ياسين الهاشمي] بتشكيل الوزارة الجديدة، لكنه اشترط عليه الإبقاء على المجلس النيابي الحالي. لكن ياسين الهاشمي رفض هذا الشرط، وبالتالي رفض قبول المنصب.

 

الملك غازي يكلف جميل المدفعي بتشكيل الوزارة

على أثر اعتذار ياسين الهاشمي عن تشكيل الوزارة الجديدة، كلف الملك غازي السيد جميل المدفعي بتشكيلها في 9 تشرين الثاني 1933، وتم تشكيل الوزارة على الوجه التالي:

1 ـ جميل المدفعي ـ رئيساً للوزراء.

2 ـ نوري السعيد ـ وزيراً للخارجية، ووكيلاً لوزير الدفاع.

3 ـ ناجي شوكت ـ وزيراً للداخلية.

4 ـ نصرت الفارسي ـ وزيراً للمالية.

5 ـ جمال بابان ـ وزيراً للعدلية.

6 ـ رستم حيدر ـ وزيراً للاقتصاد والمواصلات.

7 ـ صالح جبر ـ وزيراً للمعارف.

 

 وعلى اثر تشكيل الوزارة الجديدة تقدم جميل المدفعي إلى مجلس النواب بمنهاج حكومته الذي جاء خالياً من أي إشارة إلى تعديل معاهدة 1930 العراقية البريطانية، وكل ما تضمنه المنهاج لا يعدو عن كونه قضايا عامة وثانوية لا تمس قضايا الشعب الرئيسية، وبعد انتهاء الجلسة صدرت الإرادة الملكية بتعطيل المجلس لمدة 30 يوماً، بحجة إتاحة الفرصة للحكومة لتهيئة أعمالها.

إضراب عام ضد شركة الكهرباء البريطانية:

لم يكد جميل المدفعي يشكل وزارته حتى جابهت حكومته أخطر الأزمات عندما أعلن العمال الإضراب العام ضد شركة الكهرباء البريطانية  بسبب استغلالها الجشع لأبناء الشعب.

كانت شركة الكهرباء التي يمتلكها البريطانيون قد فرضت على المواطنين دفع 28 فلساً عن كل كيلوواط، مما أثقل كاهل الطبقات الفقيرة التي كانت بالأساس تعاني من الظروف الاقتصادية الصعبة في ظل الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلدان الرأسمالية، وانعكست أثار تلك الأزمة على حياة الشعب المعيشية.

 

حاولت نقابات العمال حث شركة الكهرباء على تخفيض أسعار الوحدات الكهربائية، وبذلت جهوداً كبيرة لحمل الشركة على تنفيذ مطالبها.

غير أن الشركة رفضت الاستجابة لتلك الطلبات المتكررة، متذرعة بالتكاليف العالية لتوليد الكهرباء.

فلما وجدت نقابات العمال أن الشركة مصرة على موقفها دعت إلى الإضراب عن استخدام الكهرباء، والاستعاضة عنه بالفوانيس الزيتية، واللوكسات، لحين استجابة الشركة لمطالبهم.

 

لقيت دعوة نقابات العمال الاستجابة الواسعة من الطبقة العاملة، وتوقف العمال عن استخدام الكهرباء، وتوسع الإضراب ليشمل قطاعات واسعة من الشعب، مما أقلق الحكومة، وجعلها تخشى من تطور الإضراب، ودفعها ذلك الموقف إلى إجراء مفاوضات مع شركة الكهرباء في محاولة منها للضغط على الشركة لتخفيض أجور الكهرباء، لكنها لم تتوصل إلى نتائج إيجابية حاسمة في مسعاها مع الشركة حيث وافقت الشركة على تخفيض فلسين فقط من سعر الكيلوواط الواحد، وهذا ما لم يرضِ نقابات العمال، وجعلها تقرر الاستمرار في الإضراب.

 

غير أن الحكومة بدلاً من أن تقف إلى جانب الشعب أقدمت على اعتقال العديد من القادة النقابيين النشطين، وإحالتهم إلى المحاكم التي أصدرت بدورها الأحكام ضدهم بالسجن لمدد مختلفة، كما وجهت إنذاراً إلى الصحف التي وقفت إلى جانب الإضراب، وهددت بغلقها، ولما لم تلتزم تلك الصحف بإنذار الحكومة سارعت الحكومة إلى تعطيلها عن الصدور، كما قامت بإبعاد العديد من العمال النشطين إلى مدينة السليمانية.

 

أما الإنكليز فقد سارعوا إلى جلب قوات عسكرية لحماية الشركة، وحماية رعاياهم في بغداد وكركوك والموصل والبصرة.

لم تعمر حكومة المدفعي طويلاً، فقد دبت الخلافات بين أعضائها حول مشروع [نهر الغراف]، وضرورة بناء سد عليه، فيما ادعى وزير المالية أن المشروع ليس أهم من تسليح الجيش، وقد أدى اختلاف مواقف الوزراء إلى وقوع انقسام في مجلس الوزراء، وهدد بعض الوزراء بالاستقالة، فما كان من المدفعي إلا أن يقدم استقالته إلى الملك في 13 شباط 1934، وقد تم قبول الاستقالة في 19 شباط، وكلف الملك جميل المدفعي من جديد بتشكيل الوزارة في نفس اليوم، وجاءت الوزارة على الوجه التالي:

1 ـ جميل المدفعي ـ رئيساً للوزراء، ووزيراً للداخلية.

2 ـ ناجي السويدي ـ وزيراً للمالية.

3 ـ جمال بابان ـ وزيراً للعدلية.

4 ـ رشيد الخوجه ـ وزيراً للدفاع.

 5 ـ جلال بابان ـ وزيراً للمعارف.

6 ـ عباس مهدي ـ وزيراً للاقتصاد والمواصلات.

7 ـ عبد الله الدملوجي ـ وزيراً للخارجية.

 

لم تقدم هذه الوزارة أي شيء للشعب، بل على العكس من ذلك عمدت إلى إلغاء قانون المطبوعات الذي أصدرته حكومة الكيلاني عام 1933، وأعادت القانون الذي شرعه نوري السعيد عام 1930، والذي اعتبرته المعارضة أشد وطأة من قانون المطبوعات العثماني لما احتوته مواده من اضطهاد لحرية الصحافة، وقد أثار عمل الحكومة هذا غضباً واستنكاراً شديدين من قبل الصحافة والأحزاب الوطنية، ومن أبناء الشعب.

 

كما أقدمت هذه الحكومة على منع لفيف من المحامين والمثقفين الوطنيين من إحياء ذكرى ثورة العشرين التي كان من المقرر إقامتها يوم 30 حزيران 1934، ولجأت الحكومة إلى اعتقال العديد منهم يوم 28 حزيران في بغداد والحلة والنجف وكربلاء والديوانية بغية منع الاحتفال.

 

 إلا أن الشعب تحدى السلطة، وأقام الاحتفالات في بغداد، و كربلاء، والنجف وألقيت خلال الاحتفالات الخطب الحماسية عن ثورة العشرين، ودعا الخطباء إلى تعديل معاهدة 1930 الجائرة، وتحقيق الاستقلال الناجز للعراق.

استقالة المدفعي وتكليف علي جودت الأيوبي بتشكيل الوزارة:

ضج الشعب العراقي بالشكوى من سياسة الحكومة المدفعية، وشيوع ظاهرة المحسوبية والفساد، مما دفع الملك غازي إلى أن يلمح للمدفعي عن تلك الشكاوى، وفهم المدفعي قصد الملك غازي، حيث سارع إلى تقديم استقالة حكومته في 25 آب 1934، وتم قبول الاستقالة في اليوم التالي، وعهد الملك على الفور إلى السيد علي جودت الأيوبي بتشكيل الوزارة الجديدة، وتم تشكيلها في 27 آب 1934 على الوجه التالي:

1 ـ علي جودت الأيوبي ـ رئيساً للوزراء، ووزيراً للداخلية.

2 ـ جميل المدفعي ـ وزيراً للدفاع.

3 ـ يوسف غنيمة ـ وزيراً للمالية.

4 ـ جمال بابان ـ وزيراً للإقتصاد.

5 ـ نوري السعيد ـ وزيراً للخارجية.

6ـ ارشد العمري ـ وزيراً للأشغال والمواصلات.

7 ـ عبد الحسين الجلبي ـ وزيراً للمعارف.

وبتولي الأيوبي منصب رئاسة الوزارة أصبح منصب رئيس الديوان الملكي شاغراً وقد حاول نوري السعيد ترشيح نسيبه [ جعفر العسكري ] لهذا المنصب، إلا أن الملك غازي رفض هذا الترشيح، وعيّن رستم حيدر رئيساً للديوان الملكي.

 

أعتبر الشعب العراقي هذه الوزارة امتداداً للوزارة السابقة، وهاجمتها المعارضة بشدة، وقد وزعت في ذكرى تتويج الملك غازي في 8 أيلول 1934 منشورات تندد بالحكومة والملك الذي حملته مسؤولية سوء الأوضاع الاقتصادية، مما أثار جزع الحكومة التي حاولت من دون جدوى معرفة مصدر تلك المنشورات، وقد لجأت إلى إغلاق صحيفة الأهالي لمدة سنة، والمعتقد أن الحزب الشيوعي الذي كان قد جرى تأسيسه في ذلك العام كان وراء تلك المنشورات، فقد شهدت البلاد نشاطاً واسعاً للشيوعيين في تلك الأيام، مما جعل الحكومة تشن حملة واسعة ضد العناصر المشتبه بهم، وإحالتهم إلى المحاكم بتهمة الانتماء لحزب غير مجاز.

 

وضعت الحكومة في مقدمة مهامها حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، وقد استحصل الأيوبي الإرادة الملكية القاضية بحل المجلس، ومعلوم أن الأيوبي الذي كان يشغل منصب رئيس الديوان الملكي في عهد وزارة الكيلاني السابقة كان قد عارض حل المجلس، ونصح الملك بعدم الاستجابة لطلب الكيلاني، مما دفعه إلى تقديم استقالة حكومته.

 

قامت الحكومة الأيوبية بأجراء الانتخابات على مقاسها، مستخدمة كل أساليب التزوير والترهيب، والرشوة بشكل علني، وبلغ الأمر بالحكومة أنها لم تسمح للمنتخبين الثانويين بوضع أوراق الانتخاب في الصناديق إلا بعد إطلاع ممثلي الحكومة عليها، لكي تتأكد من مطابقة الأسماء مع القوائم التي أعدتها الحكومة سلفاً.

 

 وهكذا جاء البرلمان الجديد في واقع الأمر بالتعيين وليس بالانتخاب، مما أثار غضب واستياء أبناء الشعب والقوى السياسية الوطنية المعارضة.

لقد كان إصدار قانون الانتخاب على درجتين ـ كما أراد المحتلون البريطانيون ـ لكي يضمنوا دائماً وصول مناصريهم إلى عضوية مجلس النواب دون الإلتفات إلى إرادة الشعب، فقد كان الشعب في وادٍ، والحكومات المتوالية على سدة الحكم  في وادٍ آخر.

 

وتعرضت الحكومة عند افتتاح المجلس الجديد في 29 كانون الأول 1934 إلى انتقادات شديدة انهالت عليها من كل جانب، وشدد عدد من النواب على مهزلة حل المجالس النيابية باستمرار، ومن دون أن تنهي تلك المجالس دورتها المقررة بأربع سنوات، مما جعل دور تلك المجالس ضعيفاً جداً، وجعل معظم النواب منقادون للحكومات المتوالية على سدة الحكم  لكي يضمنوا فوزهم بالانتخابات الجديدة على قائمة الحكومة التي تُجري الانتخابات، مما سبب في إفساد الحياة السياسية للبلاد، وإفراغ السلطة التشريعية من جوهر واجباتها.

 

جوبه إجراء الحكومة بحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة بنقد شديد وجهه مجلس الأعيان في رده على خطاب العرش، واعتبر الحل مخالفاً للدستور، وفنّد ادعاء الحكومة بأنها إنما أرادت من حل المجلس وإجراء انتخابات جديدة لكي يكون استفتاءً للشعب، وقالت إن هذا الادعاء عارٍ عن الصحة، إذ ليس في برنامج الحكومة من جديد يستوجب الاستفتاء، ولكن الحكومة أرادت المجيء بمجلس يضمن لها الأكثرية فيه.

 

وعندما بلغ أسماع الشعب ما جاء في رد مجلس الأعيان على خطاب العرش، انهالت برقيات التأييد لهذا الرد، ومستنكرة إجراءات الحكومة غير القانونية. كما دعا عدد من الشخصيات السياسية المعارضة إلى إقامة حفل تكريمي للأعيان الذين وقفوا ضد إجراء الحكومة.

 

 ورغم محاولات الأجهزة القمعية للحكومة منع إقامة الحفل إلا أن القائمين به تحدوا الحكومة وأقاموه، وقامت الحكومة على أثر ذلك باعتقال عدد من المحامين والشخصيات السياسية المشاركة في إقامة الحفل، وقد دفع إجراء الحكومة هذا إلى إرسال برقيات الاحتجاج على تصرفات الحكومة إلى الملك غازي. كما أحتج لدى الملك عدد من الوزراء السابقين الذين منعتهم الشرطة من دخول قاعة الحفل على تصرفات الحكومة.

وجرياً على عادة كل الحكومات السابقة في تأليف أحزاب موسمية لها عند استيزارها لجأت حكومة الأيوبي إلى تأليف حزب لها دعته [حزب الوحدة الوطنية] بدعوى توحيد الأمة، ووحدة الصفوف!!، وما إلى ذلك من المبررات البعيدة عن الحقيقة والواقع.

 

لم يلقَ ذلك الحزب أي تجاوب شعبي، بل أقتصر على عدد من النواب الحكوميين والوزراء دون الاستناد إلى أي قاعدة شعبية، ولذلك فقد جرى تسميته بالحزب الموسمي الذي لا يلبث أن يضمحل ويزول حال مغادرة الوزارة الحكم.

اشتدت المعارضة ضد الحكومة من قبل عدد من الشخصيات السياسية، وبعض رؤساء العشائر الذين استبعدتهم الحكومة من مجلس النواب، وتداعوا إلى عقد اجتماع لقادة المعارضة في دار السيد حكمت سليمان، وقد حضر الاجتماع كل من [رشيد عالي الكيلاني] و[ياسين الهاشمي] والعديد من رؤساء العشائر الذين كونوا حلفاً معارضاً للحكومة، والعمل على إسقاطها، وقد جرى انتخاب ياسين الهاشمي زعيماً لهم، ووضعوا لهم ميثاقاً تضمن الإخلاص للملك، والمحافظة على الدستور، وحل المنازعات بين العشائر دون الرجوع إلى الحكومة، وعدم جواز الاشتراك في الحكم دون موافقة القائمين بهذا الحلف.

 

ملاحظة: للإطلاع على المزيد من الإحداث التاريخية بالإمكان الرجوع إلى موقعي على الانترنيت التالي:

www.Hamid-Alhamdany.blogspot.com

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.