اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ألمكتبة

• وصول غودو/ رواية للدكتور أفنان القاسم - صفحة 2

تركناهما، أنا والفتاة السوداء، وذهبنا إلى قطار آخر محطم قرب شجرة عارية، ما لبث أن خرج من تحت قاطرته توأمان سياميان برأسين وذراعين وساقين وبطن واحد، اضطربت على مرآهما الفتاة السوداء. كانا يعرفانها، فسألاها إذا ما أحضرت لهما الحبل ليشنقا نفسيهما. أجابت بالنفي، فقالا إنهما كانا يعرفان أنها لن تحضر لهما الحبل ليشنقا نفسيهما، لكنهما سيشنقان نفسيهما ذات يوم. كيف؟ هما لا يعلمان كيف. دون الحبل لن يتمكنا من شنق نفسيهما. لكنهما يتدربان على ذلك كل يوم بالتعلق على أغصان الشجرة، واختيار أقواها. أشارا إلى بعض الأغصان المكسرة، هذه الأغصان لم تكن لتحتمل جثتنا المزدوجة، ونحن لهذا سعيدين، قال التوأمان السياميان. ليس لأنهما ما كانا ليموتا لو تعلقا على هذه الأغصان الطرية بل لأنهما عرفا ذلك، وسيعرفان بالتالي أي الأغصان التي ستقوى على حملهما، فيكون موتهما أكيدًا. كانا كمن يحلمان، وكانا يبتسمان لي بوجهيهما المزدوجين دون أن يرياني. كانا لا يحسان بوجودي، ولولا الحبل الذي كانا يريدانه من الفتاة السوداء لما أحسا بوجودها هي الأخرى. كانت الفتاة السوداء تستمع إليهما على كره منها. وقبل أن يتركانا للعودة إلى القاطرة والاختفاء تحتها من جديد، أوصيا الفتاة السوداء على عدم نسيان الحبل في المرة القادمة، على أن يكون حبلاً طويلاً ومتينًا.

قطعنا، أنا والفتاة السوداء، خطوط السكة الحديدية إلى عربة معلقة، عربة زهرية اللون، وكأنها معلقة في لوحة. لم يكن للعربة سلم للصعود، ولم يكن بالإمكان الدخول فيها من الأعلى. من الأعلى كيف؟ لم أطرح السؤال على الفتاة السوداء، كانت تنظر إلى العربة المعلقة، ويبدو عليها التردد. وبينما أنا حائر أفكر في كيفية الدخول إلى العربة، فتح أحدهم نافذة، وأطل برأس رماديّ الشعر ووجه تملأه الغضون، وراح يحدثنا، دون أن يحدثنا، وكأنه على خشبة مسرح. قال إنه لا يعرف عن المسرح شيئًا، لكنه معلق في مسرح، مسرح بدوره معلق في الفراغ. وضع يده فوق عينيه، وهو ينظر في كل اتجاه من مقبرة القطارات، وسأل الفتاة السوداء إذا ما صادفت بعض الممثلين، وهي في طريقها إليه، فنفت الفتاة السوداء، لم أصادف في طريقي سوى قرصان يربط خادمه بحبل، قالت الفتاة السوداء، ويضربه بسوط ظنًا منه أنه خدعه، فهذه ليست الطريق إلى البحر. قهقه الرجل الرماديّ الشعر ذو الوجه المليء بالغضون، وقال بل هي الطريق إلى البحر أيها المجداف! الطريق إلى البحر لا بد أن تمضي بمحطة الشمال. إن البحر للقرصان هو بحر مارسيليا وليس بحر المانش، أوضحت الفتاة السوداء بصوت مضطرب، فقهقه الرجل الرماديّ الشعر ذو الوجه المليء بالغضون ثانية، وقال هذا المجداف لا يعرف أن الطريق إلى المانش الطريق إلى الموت، الطريق إلى العبث، الطريق إلى اللامعقول وسخرية الوجود والفاجعة الإنسانية، الطريق إلى الحرية. وهل صادفتِ غير هذين من الممثلين الهاذيين؟ سأل الرجل الرماديّ الشعر ذو الوجه المليء بالغضون الفتاة السوداء. إنهما الشخصان السياميان اللذان تعرفهما، اللذان يسعيان إلى الانتحار شنقًا دون أن يصلا إلى ذلك أبدًا، أجابت الفتاة السوداء بصوت مضطرب دومًا. غضب الرجل الرماديّ الشعر ذو الوجه المليء بالغضون، هذان ليسا ممثلين، قال، هذان شخصان في جسد واحد من رواد مقهى التجارة. انتبه فجأة إلى وجودي، فأشار إليّ، وهذا الذي معك من هو؟ لا يبدو عليه أنه ممثل. ترددت الفتاة السوداء قبل أن تقول لا أعرف. لم يبن على الرجل الرماديّ الشعر ذو الوجه المليء بالغضون الانزعاج، وبشيء من الرضى قال إنه من غير المهم أن نعرف من هو الذي معنا، وأراد الذهاب، فعجلتُ القول: أنا شخص غير موجود! فحصني بعينيه الجاحظتين مليًا، وابتسم، ثم غادر نافذة العربة المعلقة في الهواء.

ابتسمت بدوري، كان كل منا، أنا والرجل الرماديّ الشعر ذو الوجه المليء بالغضون، يفهم الآخر دونما حاجة لنا إلى معرفة كيف كان كل منا يفهم الآخر. لم يكن مهمًا، حتى فهم الواحد منا للآخر لم يكن مهمًا، حتى هذا المكان المعلق بجثث قطاراته وخطوط سكته الحديدية في الفراغ لم يكن مهمًا، هذا المكان المقبرة الذي يتنفس بأمواته، كان هذا المكان محيرًا، ولم يكن مهمًا. أفقت على الفتاة السوداء، وهي تمد إصبعًا خَضِلَة إلى اللامكان، وتقول هناك أسكن. لم أقف على ما تقول، نظرت إلى حيث أشارت ثم نظرت إليها، فأوضحت أنها تسكن بعد نهاية خطوط السكة الحديدية، بعد ذلك الضوء الأحمر المعلق بين الأرض والسماء. لم تكن لخطوط السكة الحديدية نهاية، لكني قلت لنفسي، هذا المكان سيظل مقبرة قطارات بعد كل شيء، وللمقبرة نهاية. لم يكن لمقبرة القطارات سور يحيط بها، فهي مقبرة قطارات. انتظرت أن يظهر بيتها بعد الضوء الأحمر المعلق بين الأرض والسماء، فلم يظهر شيء. وعلى العكس بدأت أسمع نحيب رضيع، فقفزت الفتاة السوداء إليه، وحملت ما لم أره بين ذراعيها، وألقمته ثديها، ثم ذهبت به مدللة، وقد ذهب عنها قلقها. قدمت الفتاة السوداء الرضيع لي دون أن أراه، وهي تقول إنه ابنها، وهي تتركه كل يوم هنا في اللامكان، وتذهب طلبًا للرزق. هذه الفتاة لا بد أنها مختلة العقل، قلت لنفسي. لم أفهم أنها عاهرة محطة الشمال إلا عندما تفاجأتُ بها، بعد أن وضعت الرضيع في سرير وهمي، وهي تعانقني، وتقول إنها على استعداد لفعل أي شيء في سبيل إطعام ولدها. أبعدتها عني بلطف، وأردت العودة من حيث جئت، إلى محطة الشمال حيث العالم عالم والناس كمثرى. وقفت الفتاة السوداء في طريقي، وهي تقول إننا لم ننه بعد الاطلاع على كل خبابا محطة الشمال. ستنيم ابنها، وبعد ذلك سترافقني إلى عالم المحطة السفلي، فللمحطة عالم سفلي مليء بالغرائب.

عدنا أدراجنا، أنا والفتاة السوداء، دون أن نقع على العربة المعلقة ولا الشجرة ولا القرصان، لم تكن هناك سوى تلك الطيور الغريبة التي تنعق من ورائنا، وتتبعنا، وتحفر القلق ببراثنها في جبين الفتاة السوداء. قطعنا آخر رصيف، ومررنا بالحقائب الأربع المتروكة إلى قلب محطة الشمال. استقبلنا الصخب والناس والقطارات الذاهبة والآيبة، وكأنه يوم الحشر. دفعتني الفتاة السوداء إلى درج يهبط تحت الأرض، فرأيت عند نهايته على اليمين المستودع، وهناك صف من المسافرين الحاملين لأقفاص فيها شتى أنواع الطيور الإفريقية الملونة، يودعونها، ويعطيهم المسئول وصلاً بها بعد أن يدفعوا. لم ألاحظ إلا شخصًا واحدًا يريد أن يودع صندوقًا حديديًا ضخمًا، وهناك فتاة يبدو عليها الحياء تريد أن تودع مكنسة كهرباء. قلت للفتاة السوداء ليس في كل هذا ما هو غريب بالفعل، لكن المحير وجود كل هذه الأقفاص ذات الطيور الإفريقية بينما ليس واحد هناك من أصحابها إفريقيًا. على اليسار، كانت هناك عدة شبابيك للصرف، لم يكن عليها الإقبال على المستودع نفسه، لكن فضة الأضواء الوهاجة شدت انتباهي، وشد انتباهي أيضًا الصرافون، كانوا يرتدون ثيابًا براقة كثياب الملاحين الكونيين، ولم تكن بينهم امرأة واحدة. واصلنا السير، أنا والفتاة السوداء، فإذا بنا عند نهاية الممر تحت ساعة ضخمة فيها جياد أخذت أشكال الأرقام. هل هذا هو كل العالم السفلي لمحطة الشمال؟ أبديت للفتاة السوداء عدم دهشتي، مستودع للأمانات ومكاتب للصرافة؟ ابتسمت الفتاة السوداء، كانت تبتسم لعدم صبري، كانت راضية تمام الرضى عن رد فعلي، هذا يعني أنني أريد معرفة العالم السفلي لمحطة الشمال، وأنني وقعت أسير فكرتي عنه. تقدمت الفتاة السوداء من خزانة حديدية مهملة، وفتحتها بمفتاح بدا لي أنها كانت تمسكه طول الوقت بيدها، وإذا بباب في داخلها اجتزناه إلى عالم هو بالفعل سحري، عالم من الأضواء والأشياء المذهلة اللامحدودة: الجياد الرقمية والسيارات الرقمية والأراجيح الرقمية والمهرجون الرقميون والموسيقيون الرقميون والراقصون الرقميون وكافة الألعاب الرقمية، لم يكن هناك من الناس العاديين مثلنا سوى بعضهم. أخذنا ننتقل من مكان إلى مكان انتقال الأطفال، ونحن أسعد أناس في الدنيا، وما أن اعتدنا على الأجواء حتى أخذنا نكتشف مستوى آخر من هذا العالم السفلي لمحطة الشمال. ثلاثة أماكن شدت انتباهي، المكان الأول للمافيا، حيث كان يدخل رجال أنيقون جدًا، يبتسمون كثيرًا، ظلالهم تبتسم لكثرة ما كانوا يبتسمون، لم يكونوا مسلحين، وكانوا يتحادثون بأدب واحترام كبيرين، يبادلون أكداس النقود في المحفظات بأكعاب المخدرات أو أنواع المجوهرات بعد أن يقوم خبير بفحصها. المكان الثاني للتجميل، حيث كانت تدخل نساء بوجوه تختلف عنها عندما تخرج، وكأن الوجوه أقنعة تخلعها النساء بكل بساطة. رأيت السوداء تدخل بوجه أسود وتخرج بوجه أبيض، الوجه أبيض والجسد أسود، والبيضاء تدخل بوجه أبيض وتخرج بوجه أصفر، الوجه أصفر والجسد أبيض، والحمراء تدخل بوجه أحمر وتخرج بوجه أسمر، الوجه أسمر والجسد أحمر... وهكذا. ترددت من كانت برفقتي بين الدخول وعدم الدخول. أنا أحلم بوجه منمش وشعر أحمر، قالت الفتاة السوداء، لكنها أجلت ذلك إلى يوم آخر، فلم أر بعد كل شيء من العالم السفلي لمحطة الشمال. المكان الثالث كان للعبادة، للعبادة؟ كيف هذا للعبادة، وهذا المكان الغوليّ الذي لا يعرف أحد فيه الله؟ سألت متهكمًا. للعبادة، أكدت الفتاة السوداء. حاولت دفعي إلى الدخول، فرفضت، قلت أمكنة العبادة ليست أمكنتي، لكنني تفاجأت بالراهبة الحبلى، وهي ترفع ثوبها لزبون، وتكشف عن ساقيها المزينتين بمطاط الجوارب. راح الزبون يجسها من بطنها الضخم، ثم ذهب معها. عندئذ وافقت على الدخول لأرى، وفي قاعة شبه معتمة، رأيت عشرات الراهبات في أوضاع مختلفة، كن يضاجعن، ويرتلن. لم يثرني المشهد جنسيًا بينما الفتاة السوداء نعم لما التصقت بي، ورفعت أصابعي إلى ثديها، ففمها، فلسانها. اعتذرت، وأنا أقول لم أر بعد كل شيء. دفعتها، أنا هذه المرة، من أمامي، وخرجنا.

أشارت الفتاة السوداء إلى صف من كبار رجال الأعمال والوزراء، لا أحد يتصرف بورع مثلك، قالت الفتاة السوداء غاضبة، وأرادت تركي، فرجوتها البقاء. قالت إنني الوحيد بين بني البشر دون أن أنتظر شيئًا، دون أن أنتظر أحدًا، فابتسمتُ مرتبكًا. لم أجبها، كنا قد دخلنا في ميدان سباق للجياد الرقمية، امتطيت واحدًا، وامتطت الفتاة السوداء واحدًا، وذهبنا مع عشرات غيرنا نعدو، ومكبر الصوت يشجع هذا أو ذاك، وبالطبع لم نكن لا أنا ولا الفتاة السوداء من الفائزين. جربنا بعد ذلك حظنا مع السيارات الرقمية، فجاءت الفتاة السوداء الثانية وأنا العاشر. لا حظ لي، قلت لها، فنظرت الفتاة السوداء في عينيّ، وسألتني فجأة من أكون، أنا لا وجود لي، قلت لها، وأنا أرسم ابتسامتي الساخرة على ثغري. أغضبها مرة أخرى جوابي، وبعد لمسة بيدي على خدها، ابتسمت لي. لم يعد الأمر يهمني كثيرًا، قالت، وأبدت ارتياحها لصحبة واحد غريب الأطوار مثلي. سألتُ إذا ما كان هذا كل شيء بخصوص عالم محطة الشمال السفلي، ليس هذا كل شيء، قالت الفتاة السوداء، وسحبتني من يدي كما تسحب حقيبتها أو كلبها.

كان هناك مصعد، فنزلتُ مع الفتاة السوداء طابقين آخرين تحت الأرض. عندما خرجنا إذا بنا وجهًا لوجه مع عشرات بل مئات وربما آلاف الوجوه الغريبة، كانوا كلهم ممن لا إقامة لهم، لا أوراق رسمية، لا علاقة لهم بالشمس، بالعالم، حتى ولا بالموت، بمقابر القطارات أو بمقابر البشر، لا علاقة لهم إلا بعمل عابر يساعدهم على العيش تحت أقدام المسافرين وعجلات الحياة وخطوط السكة الحديدية. ابتسمت لهم، فظلت وجوههم عابسة. حاولت التحدث مع بعضهم، فلم يجيبوا. تجنبوني، واختفوا في جحورهم، جحور قذرة للجرذان. ومع ذلك، كانت القناعة تزيد وجوههم عبوسًا، قناعة نهلستية ليست مفسرة، ليست منطقية، لا تدرك بالعقل، وتدرك بثغور الأخطبوط. رأيت بعضهم يأكل، وبعضهم يمارس العناق، وبعضهم يرى التلفزيون، وبعضهم يستمع إلى الموسيقى، وبعضهم يدخن أو يحشش، وبعضهم يرقد، وبعضهم يقامر، وبعضهم يراهن، وبعضهم يداعب قطًا أو كلبًا أو قردًا أو ثعبانًا أو... لم تكن هذه الحيوانات رقمية. كان عالمهم الأرضي هذا البعيد عن براثن الشرطة عالم حرية لهم بشكل من الأشكال. هؤلاء على عكسك موجودون، همست الفتاة السوداء في أذني، وسحبتني من يدي كما تسحب حقيبتها إلى المصعد، لننزل في الطابق الوسط، طابق لم يكن الجحيم، ولم يكن الجنة، طابق بين بين. رأيت أغرب ما حلق من طير، وأعزز ما اتقد من جمر، وكأنني، وأنا أطل من نافذة في الجنة، أطل على بركان في الجحيم. لم يسعدني التناقض، من طبيعتي أن يسرني التناقض بين الأشياء والألوان والحالات، لكنني هنا، في هذا المكان الغريب، لم أكن مبتهجًا، والحق أنني لم أكن مغتمًا، فمن طبيعتي أيضًا الحيادية. زَلّت بمرافقتي السوداء القدم، وكادت تسقط في جمر جهنم، انتظرت عوني، وأنا أحدق في وضعها الصعب الطارئ وضعها غير المتوقع، ولم أتقدم لعونها، كان عليها أن تعين نفسها بنفسها، وتثبت جدارتها على العيش. تركتها، وذهبت، وهي من ورائي تطلب نجدتي، ترجو، وترجو.

القسم الثاني

في محطة الشمال، كانت الدنيا تقوم ولا تقعد كالعادة، القطارات في حركة ذهاب وإياب لا تهدأ، والركاب يقومون بطقوس من جهنم، كما لو كانوا شياطين على عجل دائم من أمرهم، كانوا يسحبون حقائبهم أو يحملونها وكأنهم يسحبون أقدارهم ويحملون عبء ذنوبهم، وهم دائمًا لا ينظرون إلى ما يفعله غيرهم، ويبحثون عمن ينتظرهم على باب الجحيم، فينقذهم من عذابات الوجود. كنت الوحيد ما بينهم دون أن أكون ما بينهم دون حقيبة أحملها أو أسحبها ودون أن يكون أحد بانتظاري، فينقذني من عذابات لم تكن لي. لهذا كان يمكنني الابتسام في عالم كل ما فيه يبعث على التجهم، فابتسمت على مرأى امرأة في حوزتها عدد من الحقائب والأشياء الأخرى، وكأنها تنقل معها كل ما تمتلك. كانت في وضع من لا ينتظر عونًا من أحد، وكانت تبدو جهنمية قادرة على حمل أشيائها وحقائبها، ودون أن تأتي بعربة، فلم أقدم لها أقل عون، لكن عازف الغيتار الجالس هناك توقف عن العزف، وجاءها يعرض عليها خدماته، فانتهرته، وطردته، وأنا أواصل الابتسام، وأنظر إلى الشاب الموسيقيّ بطرب. حملت المرأة أشياءها وحقائبها، وتحركت، أشبه بالتنين في عالم الجحيم، وأخذت تقهقه كمن تقول لنفسها ها أنا أنهض بأعبائي، وأتحمل كل مسئولياتي. تركتها من ورائي، وهي واثقة بقدراتها، ووجدتني أسير إلى جانب أم تحمل بين ذراعيها طفلة لم تتجاوز العامين شبه غائبة عن الوعي، ظننت في البداية أن ذلك بسبب عدم تحملها السفر في القطار، لكنني كنت على خطأ، فالأم صفعت ابنتها ما أن رفعت الصغيرة رأسها تريد السير على قدميها، فعرفت حينذاك أن البنت كثيرة الحركة تسبب الإزعاج للأم، وبدافع الخوف على ابنتها من الضياع في محطة الشمال كانت الأم تضربها، وتُفقدها حيويتها. على الرغم من وحشية المرأة داومت على الابتسام، فلنقل، والحال هذه، داومت على الابتسام دون أن يكون ابتسامي في محله، خاصة وأن الصغيرة كانت تتألم لتصرف بلا عِوَض، وتُرْغَم على وضعٍ غير وضعها، وضع تنطلق فيه بحرية ككل الأطفال. لم تنقطع ابتسامتي، لكن رجلاً وامرأةً يصطليان في نار الكره شدا انتباهي، وجعلاني أتبعهما. كان كل منهما يسحب حقيبتين ضخمتين كحوتين، ويشقان طريقًا تنفصل إلى اثنتين في وادي الجحيم. لم يكن الواحد يلقي على الآخر أية نظرة، بينما قرأت في عينيهما كل صفحات الضغن والسُّم، سُمٌّ وضغنٌ جعلا من محياهما عشًا للأفاعي. تجاوزتهما، وأدرت رأسي إليهما، وأنا أبتسم. وإذا بالمرأة تفلت حقيبتيها من يديها، وتأخذ بتمزيق وجه الرجل بأظافرها، وهي تهمر، وتبدي عن نواجذها، بينما الرجل يحاول تدارك ذلك دون أن ينجح. كان الناس ينظرون إليهما بشيء من التلذذ، كانوا ينظرون إلى الرجل والمرأة، وإلى بعضهم البعض، ويرتعشون حبورًا، كانوا يرتعشون حبورًا، وبعضهم ينتظر أكثر، أن يدافع الرجل عن نفسه كمجرم كسفاح كتمساح أمريكيّ، فيغرق الكل في مستنقع من الدم. لم يكن المشهد عاديًا يتكرر كل يوم، لهذا كانوا يرتعشون حبورًا، وهم يصبون إلى المزيد، حتى أن شابين، أسود وأبيض، كانا هناك غير بعيد قد توقفا عن خلع ملوك الشطرنج، وأتيا بأظافرهما ليشاركا المرأة في تمزيق وجه الرجل. بعد ذلك، سحبت المرأة حقيبتيها بارتياح لا يصدق، وعادت من حيث جاءت، باتجاه القطار، بينما لم تمنع مجموعة صاخبة من الشبان والشابات الحاملة على ظهرها أو الساحبة بيدها حقائبها الرجل من اللحاق بالمرأة، والرجل كل أمارات الرغبة في الانتقام تَشُلُّ وجهه لتغطي كل كيانه. لم يجعل الرجل مجموعة الشبان والشابات التمكن من جرفه في الاتجاه المضاد، وهو يضرب بقبضته هذا أو ذاك، هذه أو تلك، أينما كان، في الوجه، في الصدر، في البطن، وهو يضرب بقبضته، وهو يضرب بقدمه، دون أن يترك نفسه طوع إرادة أخرى، وبدوره مزق وجه المرأة، وعند ذلك بدا عالم الجحيم عالم استرداد الشرف للجميع. للجميع؟ ليس تمامًا، فتلك الراهبة الحبلى كانت تمشي مثقلة ليس مما في بطنها، كانت مثقلة بشيء آخر غير الشرف، شيء اسمه العار، العار من الذات، العار من الوجود، العار من الظل، كانت مثقلة بظلها، بالعار من ظلها، وكانت تتحاشى النظر في عيون الناس، ليس مثلي، كانت تسعى إلى الاختباء منها، ولكن كيف؟ ثوبها الفضفاض ممتلئ ببطنها، وبطنها هو العار، عار اسمه الانتكاح، لامرأة دين الانتكاح هذا اسمه العار، وشيء آخر ربما كان الزنابق، فالزنابق هي الوجه الآخر للعار، للزنابق والعار نفس المعنى، لكنهما شيئان مختلفان.

كانت إحدى نجيمات السينما تشكل صدرها بزنبقة كبيرة، وتصبغ وجهها بماكياج هائل، ترفع إلى الأعلى شعرها كناطحة سحاب، وتمضغ علكًا، وهي تفتح فتحًا كبيرًا شفتيها الملوثتين بأحمر الشفاه تلويثًا عابثًا، وتبتسم لجمهور خفي من الشياطين ورواد البورصة، كانت تحرك بإصبعها حقيبتها البلاستيك، بغنج، بإثارة، بإغراء، وهي تنظر إلى كل من يتجاوزها بتحد بيغاليّ. تعال، كي أرميك تحتي، كأنما كانت تقول لكل من يضرب كتفها بكتفه، فجاء من جاء. حمل لها ثلاثة شبان حقائبها، كانت تعتقد أنهم عرفوها، في فيلمها الأخير كان لها دور لا يذكر، ربما شاهدوا الفيلم أكثر من مرة، قالت لنفسها. ضاعفت من غنجها، ودلعها، وقرفها، والشبان الثلاثة أحاطوا بها، والتصقوا بها، وجذبوها، وأحدهم قد مد براثنه، ومزق رافعة نهديها، مما أفزعها، فصرخت، ودفعتهم بقوة، وعنف، وشراسة، وأخذت تركض، وهي تضرب بالمسافرين في محطة الشمال.

تعال هناك، يا حبيبي. كان الصبي في التاسعة أو العاشرة، وهو يزن تسعة وتسعين كيلوغرامًا. هناك، تعال هناك، سترتاح قليلاً، ثم سنواصل المشي، قالت الأم. أنا تعب، يا ماما، قال الصبي. أعرف، لهذا، اجلس، يا حبيبي، قالت الأم. لماذا لا تحملينني، يا ماما؟ قال الصبي. سأحملك، اجلس أولاً، أرح قدميك، يا حبيبي، قالت الأم. جلس الصبي قليلاً ثم نهض. أرحت قدميّ، يا ماما، قال الصبي. أنت متأكد؟ سألت الأم. أنا متأكد، أجاب الصبي. أرحت قدميك؟ أرحت قدميّ. أرحت قدميك تمامًا؟ أرحت قدميّ تمامًا. أرحت قدميك تمامًا تمامًا؟ أرحت قدميّ تمامًا تمامًا. أرحت قدميك تمامًا تمامًا تمامًا؟ أرحت قدميّ تمامًا تمامًا تمامًا. أرحت قدميك تمامًا تمامًا تمامًا تمامًا؟ أرحت قدميّ تمامًا تمامًا تمامًا تمامًا. أرحت قدميك تمامًا تمامًا تمامًا تمامًا تمامًا؟ أرحت قدميّ تمامًا تمامًا تمامًا تمامًا تمامًا. إذا أرحت قدميك تمامًا تمامًا تمامًا تمامًا تمامًا، دعني أحملك، يا حبيبي. كان ثقيلاً كالمرساة، فوقعت به، وراح الصبي يقهقه.

لم يكن أحد بانتظاري، ويا للحظ! فالمنتظرون لغيري لم يكونوا لإنقاذ الناس مما هم فيه. كان الصديق أو القريب أو وكيل أحد الفنادق أو... كانوا يتقابلون كالغرباء، الرجل غير سعيد بلقاء المرأة أو المرأة بلقاء المرأة أو الرجل بلقاء الرجل. رجل في الستين لم يكن سعيدًا بلقاء زوجه الصبية، زوجة صبية في العشرين، ليس لأنها دميمة، وهي حسب شهادتي ليست دميمة، ولكن لأنه لم يكن سعيد بلقائها. كانت زوجته، كان يعرفها، والآن لم يعد يعرفها، هل كان حقًا يعرفها؟ لهذا لم يكن سعيدًا بلقائها. وكان ابن غير سعيد بلقاء أبيه، كان يتمنى لو يكون أي واحد من الموجودين في محطة الشمال أباه ما عدا أبيه، ليس لأنه يكرهه، ولكن لأنه لا يحبه. وكانت راهبة أم عجوز تقف هناك مكعبلة قصيرة متذمرة تميل برأسها يمنة ويسرة بحثًا عن الراهبة الحبلى بين القادمين للمرة الثانية على هذا الرصيف الثاني، وتهمهم شاتمة، وعندما رأتها في الأخير ببطنها المنتفخ الدافعة له كبطن الأسقف من أمامها، قبضت على الصليب، وأخذت تضرع إلى الله، وتدعو عليها بالدمار، وعلى الكون، تدعو، وتدعو، وتهمهم، والقادمون لم يكونوا ليهتموا بما تدعو. كان القادمون يتباطأون، ولم يكن يبدو عليهم أن رحيلهم قد انتهى مع وصولهم إلى محطة الشمال. كانوا في رحيل أزلي، وكانوا يجرجرون حقائبهم، وهم يخبطونها بحقائب غيرهم، وكأنهم مكرهون على ذلك، يخبطونها بكل من يعترضهم، فلا تسمع في الآفاق سوى صيحات الألم وصرخات الاحتجاج: يلعن دين... أخت الشرموطة... أخو الشرموطة... بدي أنيك... كانوا لا يترددون عن رمي حقائبهم من أعلى الدرج المؤدي إلى المترو. رفع وكيل أحد الفنادق لوحته المكتوب عليها اسم النزيل المجهول في وجهي، وكأنه يرمي إلى ضربي بها، وهو يعبس سائلاً إذا ما كنت هذا النزيل، وأمام ابتسامتي الساخرة المرسومة على ثغري تركني إلى قادمٍ ثانٍ ثم إلى قادمٍ ثالثٍ، وهكذا دواليك، دون أن يتوقف عن العبوس كالوغد، عبوس وبشاعة لا مثيل لهما، بينما كان وكلاء آخرون أكثر إجرامًا يجذبون القادمين من خناقهم مهددين، فيذهب هذا أو ذاك معهم. وقفت أراقب وكيل الفندق ذاك، وقد غلبت على صوته خشونة الكاره لجهنم، لموزارت، لميتشيغان، ينادي، وينادي، وينادي، وهو لا يتوقف عن العبوس كالوغد إلى أن وجد نفسه وحيدًا بعد مغادرة كل الركاب. أخذ بلوحته يضرب الحاجز حتى حطمها، ورأيته، وهو يشد بأصابعه شعره، يريد تقطيعه، ويبدو أكثر بشاعة من ابنة هيغو. عندما لاحظ أنني أراقبه كالملاك الخارج على القانون جاءني، وعاد يسألني، ويهددني، يريدني أن أكون السيد المنتظر، فكانت ابتسامتي الساخرة المرسومة على ثغري جوابي دومًا. رماني بعدة شتائم مغلظة، وهو يعبس، وارتدى وجهه قناع كل الفجائع الدموية في المسرحيات الإغريقية، ثم ذهب بطيئًا متثاقلاً، دون أن يلقي نظرة أخيرة على رصيف المحنة، كغيره، ليس كل غيره. كان رجل في بدلته السوداء المخططة وقبعته السوداء الحريرية يُحْدِقُ النظر في اتجاه الرصيف، والدمع يسيل من عينيه. رأيته يبكي كالثاكل، ولا يمسح دمعه السائل على خده. كان يبكي، ولم أكن أدري إذا ما كان يبكي على حبيب لم يصل. كان يذرف الدمع، ويداوم على النظر في اتجاه واحد حتى غاب كل شيء في عينيه، لم يعد يرى شيئًا، غدا العالم جحيمًا أسود منطفئًا، أطفأ جحيم العالم بدمعه، وأبقى على جحيمه مشتعلاً.

في محطة الشمال، كان الكلام شيئًا أقرب إلى السُّخرة، شيئًا مرهقًا ومفقدًا للأعصاب، فمكبر الصوت لا يتوقف لحظة واحدة عن إرهاب المسافرين، وذلك بإعلان وصول هذا القطار أو ذاك، مغادرة هذا القطار أو ذاك، تأخر أو إلغاء هذا القطار أو ذاك، باللغات الفرنسية والإنجليزية والألمانية والإسبانية، لغات بناءة لكنها في هذا السياق هدامة، أضف إلى ذلك الرقص الجهنميّ الذي تمارسه اللوحة العملاقة بأزرارها المضيئة صعودًا وهبوطاً على إيقاع هو أيضًا هدام مدمر. في الواقع كان المسافر يخضع لكل هذا الصخب، وكنت أتساءل إذا ما كان ذلك من طبيعته، أضف إلى ذلك التواطؤ إلى حد الاشتراك في الجرم من طرف المضيفة عندما تصر على الاعتذار إذا ما تأخر قطار عن الوصول بنبرة فوقية تدغدغ عدم الصبر الأزلي لدى الفرد أو عندما تصر على التهلل عند وصوله في الوقت المحدد بنفس النبرة الفوقية دومًا، نبرة تعيد إلى الفرد الضائع في الجحيم بعض التوازن. كانت نبرتها المخضعة نبرتها الجسيمة بمثابة ترويض للذات قبل الأذن، لهذا كان الواحد يصرخ عندما يحادث الآخر دون حرج، لا شيء غير الصراخ في الجحيم، وفي الجحيم يعتاد المعذبون صراخهم. والحال هذه، كان فتى وفتاة جالسين حول طاولة أحد الأكشاك المقامة في وسط المحطة يصرخان عند الحديث ولا أحد ينتبه إليهما، وأولئك الذين لم يكونوا يصرخون لحديث كانوا يصرخون لوجع كأولئك المنتظرين دورهم من أجل خلع أضراسهم لدى طبيب أسنان المحطة، أو أولئك الذين يتصفحون كتب الكاتب الموجعة صوره وكلماته، أو... أو أولئك الذين يرتعدون فزعًا على رؤية سمك القرش في حوض غير بعيد من أصابعهم. كان الفتى والفتاة يصرخان، وكأنهما يتشاجران، فقلت لا بد أن أحدهما على وشك السفر بعد أن قررا الافتراق إلى الأبد. كان الشرر ينبثق من عينيهما، وهما يبتعدان برأسيهما من فوق فنجان قهوة وزجاجة كوكاكولا، وهما يبتعدان بجسديهما، وهما يبتعدان بكيانيهما، وهما يداومان على الصراخ بطريقة حاقدة ولئيمة. لم يكن بإمكاني متابعة حركة شفتي كل منهما، كانا لا يتوقفان عن الكلام بسرعة صارخين، والكل يسمع ما يقولان دون أن يميز بالفعل ما يقولان، فالكل بدوره يصرخ. خيل إليّ أنني أسمع قرعات طبول، وأصوات أبواق، وخيل إليّ أن وفودًا من شياطين جهنم بدأت تتقاطر. كانا لا يتوقفان عن الكلام بسرعة صارخين، ومعًا في آن واحد انفجرا ضاحكين، ضربا كفيهما كفًا بكف، وهما يهزان رأسيهما لجزل مفاجئ، فقلت لا بد أنهما وجدا حلاً لمسألتهما، وهما لهذا السبب يقهقهان كأبناء العفاريت. توقعت أن يأخذا القطار معًا لكنهما نهضا فجأة، تأبط كل منهما ذراع الآخر، وسارا في الطريق المؤدية إلى باب المحطة. ابتسمت هذه المرة لانخداعي: عاشقان يعود أحدهما إلى الآخر في محطة للقطارات دون أن يأخذا أيًا منها إلى جهة من الجهات! كان موعد كهذا أشبه بالموعد مع الأنا، الأنا السفلى، فأي قطار سنأخذ إلى الذات المنحطة، لنفهم ذاتنا الوضيعة، ومع من؟ لم أفكر في الجواب طويلاً. جاءت فتاتان، وكل منهما تسحب حقيبة من الناحية التي ذهب منها العاشقان، وبعد أن قبلت إحداهما الأخرى من فمها قبلة طويلة لاعبة انفصلتا، وذهبت كل منهما إلى رصيف. مضى أحد لاعبي الرُّغبي من أمامي، وهو يركض بكرته كالسهم المتلولب بين الموجودين في محطة الشمال دون أن يقدر على تفادي الكل، فيصطدم بهذا، ويصطدم بذاك. كانت محطة الشمال تمتلئ بالمسافرين القادمين بقدر المغادرين، تضغط على نفسها ضغط الماء في حوض سمك القرش، تصنع من نفسها جِرمًا واحدًا، جسدًا واحدًا لا يتجزأ، نوعًا من أكواريوم البشر، وكأن الكل إليها يجيء، محطة ممتلئة بالبشر وبالوقت، فلا نهاية للبشر، ولا نهاية للوقت. وكان لاعب الرُّغبي يركض بكرته من طرف إلى طرف ظنًا منه أنه يركض في ملعب، وهو يصطدم بهذا، ويصطدم بذاك، وأنا أتابعه بعينيّ دون أن يحتجب عن ناظري، فيلقي بالكرة وبجسده بين أكمة من الحقائب، ثم لا يلبث أن ينقل الكرة وجسده، ويقوم بما قام به، ولكن في الاتجاه المعارض. كان يلهث، ويعرق، ويبدو عليه التعب، كان يدفع ثمن اللعب. كان كل واحد من الركاب يدفع ثمن اللعب بشكل من الأشكال، فأَخْذُ القطار كان لعبة، لعبة تسليهم، كانوا يتلهون بالسفر والرحيل، الرحيل إلى أماكن عديدة بعيدة دون أن يهمهم أمر الوصول، المهم أن يقلع القطار، وتبقى أعينهم ثابتة على أمر الإقلاع إذا كانوا من المسافرين في محطة الشمال أو أمر الإقلاع في المحطات الأخرى إذا كانوا من المنتظرين. جاء رجال المطافئ يركضون، دون أن أدرك السبب إلا عندما رأيتهم يحملون على نقالتهم لاعب الرُّغبي، ذهبوا به في الوقت الذي سقط فيه أحدهم تحت عجلات ناقلة الحقائب، والمسافرون يهبون إلى امتطاء أحد القطارات. وصلني الصفير المؤذن بالرحيل، ورأيت شيخًا عجوزًا يهرول مع حقيبته ليلحق بالعربة الأخيرة. وهو يضع قدمه على عتبتها، أغلقت الأبواب، فوقع على ظهره. نهض بقوة شاب في التاسعة عشرة، وتعلق بالقطار الذي أخذت عجلاته تدور. لم يكن خائفًا من السفر مع الموت، بل كان يسعى إلى ذلك، وكان يبتسم.

لمتابعة الرواية اذهب الى الصفحة الثالثة / انقر التالي ادناه

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.