اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ألمكتبة

• كتاب / مدخل الى الاشتراكية العلمية .. الجزء الاول - الصفحة 1

  كتاب / مدخل الى الاشتراكية العلمية .. الجزء الاول

توطئة

 هذا المدخل إلى الماركسية هو نتاج تجارب دروس عديدة ألقيت في مناضلين شباب، في لحظات مختلفة من السنوات الخمس عشرة الأخيرة. وهو مرتبط بالاحتياجات التربوية التي لمسناها والتي قد تختلف من بلد إلى آخر ومن وسط إلى آخر. لذا لا ندّعي البتة أنه مدخل «نموذجي».

وهو، فضلا عن كونه يتضمن العناصر الأساسية في نظرية المادية التاريخية والنظرية الاقتصادية الماركسية وتاريخ الحركة العمالية وقضايا استراتيجية الحركة العمالية المعاصرة وتكتيكها، يحتوي على «ابتكار» يبدو محيّرا للوهلة الأولى: فإن الفصل المتعلق بالديالكتيك المادي والفصل الذي يعرض عرضا منهجيا نظرية المادية التاريخية يردان في نهاية الكتاب وليس في بدايته.

طبعا، ليس هذا الابتكار «مراجعة منهجية»، بل هو عبرة مستمدة من ملاحظة اختبارية: أن عرضا حول الدياليكتيك يصلح فاتحة لمدرسة تكوين كوادر أكثر مما لمدرسة مناضلين مبتدئين. فهؤلاء يستوعبون النظرية بصورة أفضل إذا شُرحت لهم بشكل ملموس إلى أبعد حد ممكن. وانه لأفضل بالتالي الانطلاق مما يستطيع المرء التأكد منه مباشرة -التفاوت الاجتماعي، النضال الطبقي، الاستغلال الرأسمالي- وصولا إلى مفاهيم الديالكتيك الأكثر تجريدا وأساسية، بوصفها المنطق العام للحركة والتناقض، وذلك بعد توضيح حركة المجتمع والتناقضات التي تمزقه.

ليس في الأمر سوى اختيار مبني على خبرة تربوية شخصية. ومن البديهي أن تجارب أخرى قد تؤدي إلى استنتاجات مختلفة. هذا ونبقى على استعداد للعودة إلى بنية أكثر تقليدية لهذا المدخل، إذا أثبت لنا، على ضوء تجارب، أن طريقة العرض التقليدية تسمح لمناضلي القاعدة أن يستوعبوا جوهر الماركسية بصورة أفضل. بيد أننا نجيز لنفسنا أن نشك في هذا الأمر في الوقت الراهن.

 إرنست ماندل

 1/ التفاوت الاجتماعي والنضالات الاجتماعية عبر التاريخ

 1- التفاوت الاجتماعي في المجتمع الرأسمالي المعاصر

 

في بلجيكا، يوجد توزيع هرمي للثروة وللسلطة الاجتماعية. ففي قاعدة هذا الهرم، نجد ثلث المواطنين لا يملكون شيئا سوى ما يكسبونه ويصرفونه، سنة بعد سنة. إنهم غير قادرين على الادّخار ولا على التملك. وفي قمة الهرم، نجد 4% من المواطنين يملكون نصف الثروة القومية الخاصة. إن ما يقل عن 1% من البلجيكيين يملكون أكثر من نصف ثروة البلاد المنقولة. وبينهم 200 عائلة تتحكم بالشركات الكبرى (holdings) التي تسيطر على مجمل الحياة الاقتصادية القومية.

إن دراسة نشرها حديثا معهد الإحصاءات والدراسات الاقتصادية القومي أشارت إلى أن 50% من الأمة الفرنسية لم يكونوا يملكون أكثر من 5% من الثروة القومية عام 1975، بينما نصف هذه الثروة بين أيدي أقل من 10% من الأسر، وذلك مع حسبان المساكن وودائع صناديق التوفير في فئة «الثروات». أمّا ثروة 1% من الأسر الأكثر ثراء فقد ازدادت بين عامي 1949 و1975 بوثيرة مقدارها ضعفا ثروة الأسر ذات المداخيل المتواضعة.

أما في الولايات المتحدة، فقد جاء في تقدير إحدى لجان مجلس الشيوخ أن ما يقل عن 1% من العائلات الأمريكية تملك 10% من جميع أسهم الشركات المساهمة، وأن 0,2% من العائلات تملك أكثر من ثلثي هذه الأسهم. وفي سويسرا، يملك 2% من السكان أكثر من 67% من الثروة الخاصة.

ولما كان مجمل الصناعة والقطاع المالي الأمريكيين (عدا بعض الاستثناءات) منظما على أساس «الشركة المغفلة»، نستطيع القول أن لدى 99% من المواطنين الأمريكيين سلطة اقتصادية أدنى مما لدى 0,1% من السكان.

ليس تفاوت المداخيل والثروات واقعا اقتصاديا وحسب، بل يستتبع تفاوتا في احتمالات البقاء، تفاوتا أمام الموت. هكذا نجد أن معدل وفيات الأطفال كان في عائلات العمال غير المتخصصين، في بريطانيا، قبل الحرب، أكثر من ضعفي ما كان في العائلات البورجوازية. وتشير إحصائية رسمية إلى أن معدل وفيات الأطفال ارتفع في فرنسا، سنة 1951، إلى 19,1 وفات لكل ألف ولادة في المهن الحرة، و23,9 وفاة في البورجوازية الرأسمالية، و28,2 وفاة عند موظفي التجارة، و34,5 وفاة عند التجار، و36,4 وفاة عند الحرفيين، و42,5 وفاة عند العمال المتخصصين، و 44,9 وفاة الفلاحين والعمال الزراعيين، و51,9 وفاة عند العمال نصف المتخصصين و61,7 وفاة عند العمال غير المتخصصين! هذه النسب لم تتغير عمليا حتى اليوم، بالرغم من أن معدل وفيات الأطفال قد انخفض في جميع الفئات.

وقد نشرت مؤخرا الصحيفة البلجيكية المحافظة «لاليبر بلجيك» دراسة مكربة تتعلق بتكوّن اللغة عند الطفل. تؤكد هذه الدراسة أن العبء الإضافي الذي غالبا ما يعاني منه طفل عائلة فقيرة خلال السنتين الأوليين من حياته، من جراء التخلف الثقافي الذي يفرضه المجتمع الطبقي، هذا العبء يجرّ عواقب دائمة من حيث إمكانية استيعاب مواضيع علمية، وهي عواقب لا يستطيع تعليم «متساو»، لا يقصد التعويض قصدا، أن يبطلها. فإن عبارة الروائي التي تقول أن التفاوت الاجتماعي يخنق تطور ألوف من أمثال موزار وشيكسبير وأينشتاين بين أولاد الشعب، هذه العبارة ما زالت صحيحة للأسف حتى في عصر دولة الخدمات الاجتماعية (Welfare state)!

وفي عصرنا هذا، لا يتوجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار الفروقات الاجتماعية القائمة داخل كل بلد وحسب. بل يهم أن نأخذ أيضا بعين الاعتبار التفاوت القائم بين عدد قليل من البلدان المتقدمة صناعيا والقسم الأعظم من البشرية الذي يعيش في البلدان المسماة بالمتخلفة (البلدان المستعمَرة والشبه المستعمَرة).

فالولايات المتحدة تنتج أكثر من نصف الإنتاج الصناعي وتستهلك أكثر من نصف العديد من المواد الأولية الصناعية في العالم الرأسمالي. ويتصرف 550 مليونا من الهنود بكميات من الفولاذ والطاقة تقل عما يتصرف به 9 ملايين من البلجيكيين. أمّا الدخل الفردي الواقعي في أفقر بلدان العالم فلا يتعدى 8% من الدخل الفردي في البلدان الأخرى. ولا يحصل 67% من سكان الكرة الأرضية سوى على 15% من الدخل العالمي. وفي الهند، يبلغ عدد الأمهات اللواتي يمتن من جراء العواقب المباشرة للأمومة، في مقابل كل 100 ألف ولادة، ثلاثين ضعف عددهن في الولايات المتحدة.

نتائج: يأكل المواطن الهندي كل يوم ما لا يزيد عن نصف الحراريات التي يتناولها مواطن البلدان المتقدمة في الغرب. والعمر المتوسط الذي يتعدى 65 عاما في الغرب، ليصل إلى 70 عاما في بعض البلدان، يكاد لا يبلغ 30 عاما في الهند.

 

2- التفاوت الاجتماعي في المجتمعات السابقة

 

نجد تفاوتا اجتماعيا مماثلا للذي هو قائم في العالم الرأسمالي، في جميع المجتمعات السابقة التي تعاقبت خلال التاريخ (أي خلال تلك المرحلة من وجود البشرية على الأرض، التي نملك عنها شهادات خطية).

هاكم وصفا لبؤس الفلاحين الفرنسيين في نهاية القرن 17نقلناه عن «أطباع» لا برويير [20]:

«نرى بعض الحيوانات المتوحشة، ذكورا وإناثا، منتشرة في الريف، سوداء، دكناء، حرقتها الشمس، مرتبطة بالأرض التي تنبشها وتحركها بمثابرة لا تقهر. لها ما يشبه الصوت الناطق، وعندما تقف على أرجلها، تظهر وجها إنسانيا وهي بالفعل من البشر. ينسحبون عند المساء إلى أوكار، حيث يعيشون من الخبز الأسود والماء والجذور…».

قارنوا هذه الصورة عن فلاحي ذلك العصر بصورة الحفلات الباهرة التي أقامها لويس الرابع عشر [21] في حديقة قصر فرساي، قارنوها بتخمة النبلاء وإسراف الملك، تكونون قد رسمتم صورة أخّاذة عن التفاوت الاجتماعي.

في مجتمع بداية العصر الوسيط [22] الذي شهد هيمنة القنانة، كان السيد النبيل يستأثر في معظم الأحيان بنصف عمل الفلاحين الأقنان أو بنصف محصولهم. وكان ثمة أسياد عديدون يعمل على أرضهم مئات بل ألوف الأقنان. فكان كل سيد يحصل سنويا على ما يساوي محصول مئات بل ألوف الفلاحين.

وكان الأمر على هذه الصورة في شتى مجتمعات الشرق الكلاسيكي (مصر، سومر، بابل، فارس، الهند، الصين، الخ) حيث كان المجتمع قائما على الزراعة وكان الملاك العقاريون أمّا أسيادا أو ملوكا (يمثلهم كتبة وكلاء لمصلحة الضرائب الملكية).

لقد ترك لنا كتاب «هجاء المهن» الذي كُتب في مصر الفرعونية، قبل 3500 عام، صورة عن الفلاحين الذين استغلهم هؤلاء الكتبة الملكيون وقد قارنهم المزارعون الناقمون بالحيوانات الضارة والحشرات الطفيلية.

أمّا العصور القديمة اليونانية والرومانية، فقد كان قائما على العبودية. وإذا استطاع ذلك المجتمع أن يبلغ مستوى عاليا من الثقافة، فسبب الأمر يعود جزئيا إلى أن سكان المدن القديمة تمكنوا من تخصيص قسم هام من وقتهم لنشاطات سياسية وثقافية وفنية ورياضية، حيث تُرك العمل اليدوي أكثر فأكثر للعبيد وحدهم.

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.