اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ألمكتبة

• الإسلام وحقوق المرأة - الصفحة 4

 يؤكد الطاهر حداد إذن على الاجتهاد كباب للتجديد وعلى المجتمع كمرجع لهذا التجديد لقد بنى الطاهر حداد القسم التشريعي من كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع"  على نظرية التدرج في تشريع الأحكام المتصلة بالأحوال الشخصية واعتبر تلك الأحكام عرضية، دنيوية لا تمس جوهر العقيدة وتقبل التغيير والتطوير. أما الأحكام الجوهرية كعقيدة التوحيد ومكارم الأخلاق وإقامة العدل والمساواة بين الناس .. فإنها خالدة بخلود الإسلام. أما القسم الاجتماعي فينقل لنا مشاهد حية من حياة الأسر التونسية داخل البيوت في عرض دقيق ونقدي غايته تشريح وضع الأسرة التونسية والبحث عن نقاط الضعف في بنيانها وثقافتها وعاداتها.

 

وفي الكتاب يبدو جليا المشروع الإصلاحي للطاهر حداد في دعوته إلى تمكين المرأة من حقوقها المدنية كالمساواة في حق الشهادة وتولي مهام القضاء وحرية التصرف في مالها واعتبار نزول ميراثها عن الرجل قابلا للتغيير في اتجاه المساواة، بكلمة، حق المرأة في المشاركة في التعبيرات الأساسية للحياة العامة.

 

وقد تناول في الكتاب تفصيلات قانونية حينا وطبية أحيانا أخرى حرصا على إقامة العدل وحفظ الصحة العامة فنجده يقيّد عقد الزواج بالفحص الطبي للخاطبين توقيا من آفات الوراثة والأمراض المزمنة والمعدية ويشدد على منع الزواج دون سن الرشد ويفتي بإباحة موانع الحمل، بل تعدى ذلك إلى إباحة عملية الإجهاض إذا وقع الخوف على حياة الأم وسلامة الأسرة. وقد جهر بمنع تعدد الزوجات حفاظا على وحدة الأسرة واستقرارها وتضامن أفرادها كما نادى بتحكيم القضاء في كل ما يقع من حوادث الطلاق وحق المتضرر من الزوجين بالتمتع بالتعويض المالي تضييقا على المطلق بنزوة تضر بقرينته. وانتقد المؤسسة الزجرية  "دار جواد" المعدة لردع الزوجة المستعصية النافرة من زوجها، كما اعتبر نفاقا وممارسة بغيضة ملعونة اللجوء إلى "التّياس أو التجحيشة" أي المحلل الصوري للمطلقة بالثلاث. ويمكن القول أنه حتى اليوم لا يوجد بلد عربي يحترم حقوق المرأة بقدر ما يفعل الطاهر حداد(34).

 

في رسالة وجهها في الرابع من ديسمبر 1930 إلى المقيم العام الفرنسي بعد أن انتزعت السلطات الفرنسية منه حقوقه المدنية يقول موضحا أطروحته التي تنسجم مع نظرية الحكم عند علي عبد الرازق:

 

" إن الوظائف في الإسلام ليست دينية كما يظن الجاهلون بالأمر فإن الدين روح لا وظيفة وإنما هي تشريعية لتوفية مصالح الدولة في الإسلام وهي تتطور حسب تطور تلك المصالح نفيا وإثباتا. ونظرة إلى التاريخ الإسلامي ترينا كيف حدثت وظائف في حياة الرسول وأخرى في حياة الخلفاء الأربعة، وأخرى في الدول الإسلامية بعدهم بحسب ما اقتضته الحاجة المتجددة ولو كانت دينية لجاءت كاملة من أول يوم ولما أمكن للمسلمين حذف وظائف وإقامة أخرى مكانها. ونحن المسلمون نعرف كيف نميز الصلاة عن عقد الزواج مثلا فالأولى روح والثانية وظيفة لضمان الحقوق وليست إلا عملا مدنيا لا واجب في انعقاده غير الرضى والقبول من دون غبن ومع قطع النظر عن أي زمن وأي مكان وأي هيئة.

 

أما شيوخنا فلا أقدر أن أحدد مواقفهم المختلفة وكم هم بعداء في سلوكهم معي عن فهم الإسلام وروح الشريعة. ولا أدري كيف ساغ لهم أن يضعوا إمضاءاتهم في تكفير مسلم لأنه أثبت لنفسه حق النظر في الشريعة وفهمها بما تقتضيه حاجة المسلمين وروح العصر مهما كان مخطئا في اجتهاده ولا شك أنهم مجبورون بحكمهم هذا على بناء النتائج اللازمة عليه فيحكمون أيضا بمنع هذا الكافر من ميراث أهله، وفصله أو منعه من الزواج وإخراجه من جامعة الإسلام حيا أو ميتا وبذلك قتله اجتماعيا كما يشتهون(…).

 

إنني مهما اجتهد أن احترم وأجل غيري فلا يمكن أن أعتقد أن عائلات ورثت مقاعدها إدخال وإخراج من تشاء من الإسلام بل ولا اعتقد لأحد كائنا من كان حقا مثل هذا وإنما يخرج المسلم من دينه متى شاء هو أن يخرج فيعلن ذلك للناس.(35)

 

كسر الشيخ عبد الله العلايلي عدة مسلمات في قضية المرأة والزواج وعقوبة ممارسة الجنس للمتزوج (ة) مستنكرا لعقوبة الرجم  ومؤكدا على ضرورة العودة إلى الأصل المدني للزواج في الإسلام. وله يعود مفهوم "الشريعة العملية" الذي دافع عنه في وجه المفهوم المتزمت والضيق للإسلام. وهذه الشريعة كما يقول، هي "بمنطق النبي محمد ومنطق العلم في معرض تكيف وتجدد دائمين"(36). ويقول في شرح مراده: "هذه الشريعة العملية التي لا يخالجني ريب، في أنها القمينة برمّ ما يفري عالم اليوم، من سقم عياء ويستبد به من حمى برخاء… ينعكس فعلها في الفكر والمجتمع ومناهج السلوك، إذا ظلت أسيرة قوالب جامدة. وهذا ما حاذره المبعوث بها في قوله الشريف: إن الله يبعث لهذه الأمة، على رأس كل مائة سنة، من يجدد دينها. والحديث الكريم هذا، هو في نظري دستور كامل لحركية الشريعة و "ديناميتها" في مجال صيرورة الزمن، فهي تجدد دائم يدوس أصنام الصيغ في مسار طويل"(37).

 

من بين المدافعات أولى عن حقوق المرأة، تميزت نظيرة زين الدين (1908-1976) بدراستها المعمقة للإسلام وانطلاقها في جملة مواقفها من مفهومها الإصلاحي للدين. فهي في الوقت نفسه مصلحة في قراءة الإسلام ومناضلة من أجل المساواة بين الجنسين والمشاركة المرأة في الحياة العامة ونزع الحجاب.

 

أصدرت أول كتاب لها "السفور والحجاب" قبل أن تبلغ العشرين من عمرها في حقبة تعددت فيها أصوات التجديد، وقد سبقت بإصداره في لبنان الطاهر حداد في تونس.  وفي هذا الكتاب يكتشف المرء قراءة متقدمة لمفهوم المرأة في الإسلام أساسها ضرورة إعمال العقل في الدين والتركيز على مصادره وامتلاك نظرة نقدية لقراءات المسلمين المختلفة له. وقد قرأت الطبري والبيضاوي والخازن والنسفي والطبرسي وابن عربي من القدماء والأفغاني وعبده والغلاييني والرصافي والزهاوي من المعاصرين.

 

تركز الكاتبة الشابة على دور التربية ودور الرجل في توضيح معالم العلاقة بين الجنسين وتعطي مثل والدها تقول : "أرجو من سادتي الرجال أن لا يتهموني بخرق النظام والفرار من سجن الحجاب، فإني لم أفعل ذلك يا سادتي، إنما أخوكم أبي الذي خلقه الله حرا مطلقا – وهو لا يخشى في سبيل الحق لومة اللائمين- هو الذي عد سجني منافيا عدل الله، ومصلحة العيلة والمجتمع ووثق بشرف نفسي وأدبها، فأرسلني سافرة إلى الحياة والنور. ولدى تحكيمي العقل رجحت ما رآى ففعلت". وتقول : "الدين حلل ما حلل وحرم ماحرم، أما الرجل فحرم الحلال وحلل الحرام". وتؤكد على مرجعيتها الدينية بالقول: "من الكتاب والسنة قرأت أنوار هدى في الحرية وحرية المرأة وحقوقها تستحي منها الشمس إذا طلعت". وتقول في آية الحجاب: "قرأت نحوا من عشر تفسيرات لا تنطبق رواية على رواية كأني بكل واحد من الرواة يريد بما يروي أن يؤيد مايرى ولم أر رواية مستندة إلى دليل ما".  وتوجه في نهاية كتابها نداء تقول فيه

 

"أما أنا، فبعد تلك النعمة، نعمة الحرية التي منحنيها أبي من تلقاء نفسه والتي عددتها نعمته الثانية عليّ، بعد نعمة الحياة، أتيت بأشد ما منحني الله وحرية التفكير من قوة، أثبت أن المرأة ما خلقها الله عيا ولا ناقصة عقلا ولا دينا، وإن الحرية الصحيحة هي بعكس ما يظن الجهلة والسفهاء، هي ولا ريب الأس المتين، والركن الركين للأدب، وعزة النفس والصلاح، والكمال، والدين، وأثبت أيضا أن الحرية قد لا تؤخذ أخذا بل تعطى، وألتمس منكم يا سادتي الرجال، أن تحرروا أفكاركم، من البدع والأباطيل وتأثير العادات، وتمنحوا من أنفسكم كل اللواتي تثقون بشرف نفوسهن من أخواتي العزيزات المحترمات، أمهاتكم وبناتكم وزوجاتكم وأخواتكم، تلك النعمة نعمة الحرية، أما اللواتي، لم يستحققن الثقة فلا رأي لي في أمرهن، على أني أود أن لا أرى تحت لواء الحرية، إلا نفوسا من الجنسين شريفة أبية"(38).

 

يلخص كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" فكر الأستاذ محمود محمد طه (1909-1985)  الذي يعتبر أن رسالة الأصول تقوم على القيم الإيمانية الكبرى والبعد العالمي الإنساني للرسالة المكية الأولى. أما رسالة الفروع فما هي إلا أنموذج من نماذج تطبيقها في زمان ومكان محددين (المدينة). ويقول في هذا الكتاب:  "من الخطأ الشنيع أن يظن إنسان أن الشريعة الإسلامية في القرن السابع تصلح بكل تفاصيلها، للتطبيق في القرن العشرين، ذلك بأن اختلاف مستوى مجتمع القرن السابع، عن مستوى مجتمع القرن العشرين، أمر لا يقبل المقارنة، ولا يحتاج العارف ليفصل فيه تفصيلا، وإنما هو يتحدث عن نفسه فيصبح الأمر عندنا أمام إحدى خصلتين: إما أن يكون الإسلام، كما جاء به المعصوم بين دفتي المصحف، قادرا على استيعاب طاقات مجتمع القرن العشرين فيتولى توجيهه في مضمار التشريع وفي مضمار الأخلاق، وإما أن تكون قدرته قد نفذت وتوقفت عند حد تنظيم المجتمع السابع، والمجتمعات التي تليه مما هي مثله، فيكون على بشرية القرن العشرين أن تخرج عنه، وأن تلتمس حل مشاكلها في فلسفات أخريات، وهذا مالا يقول به مسلم.. ومع ذلك فإن المسلمين غير واعين بضرورة تطوير الشريعة".(39)

 

وفي الرسالة الثانية تلخيص لأهم الأفكار الثورية لمحمود محمد طه حيث لا يعتبر الرق أصلا في الإسلام، ولا الرأسمالية ويقول في قضية المرأة : "عدم المساواة بين الرجال والنساء ليس أصلا في الإسلام والأصل المساواة التامة بين الرجال والنساء"(40) و"المجتمع المنعزل رجاله عن نسائه ليس أصلا في الإسلام" و"تعدد الزوجات ليس أصلا في الإسلام" والحجاب ليس أصلا في الإسلام والأصل في الإسلام السفور"(41). ويعتبر الأستاذ طه النصير الأول لاتفاقية إلغاء أشكال التمييز بحق المرأة بين المصلحين الإسلاميين، ولهذا استنفرت النساء في حزبه لإصدار دراسات جد هامة في 1975 وجدنا من المهم إعادة نشر إحداها كملحق لهذا الكتاب.

 

إن كان التاريخ قد أعطى حسن البنا لقب المؤسس لأكبر حركة أصولية في العالم العربي، فمن الصعب التنبؤ بالمكان الذي سيأخذه شقيقه جمال البنا، الباحث غير النمطي الذي يجاهد من أجل فقه جديد. وينال  موضوع حقوق المرأة وقوانين الأحوال الشخصية مركزا هاما في أطروحات جمال البنا وقد خصص لذلك كتابا يلخص وجهة نظره (42) يقول فيه: "المبرر الأصيل لتحمل المسؤوليات (في الإسلام) هو القدرة والكفاية وليس الجنس أو الحسب أو النسب أو اللون أو القربى" (43). وهو يدافع عن رأي قاسم أمين معتبرا إياه من صلب الدين الإسلامي. ويتبنى استنادا إلى الاقتداء بالمجتمع الإسلامي الأول والطبيعة الإنسانية مبدأ الاختلاط حيث يقول: " المجتمع المختلط الذي يتلاقى فيه الرجال والنساء في الدراسة والعمل والنشاط العام هو المجتمع الذي يتفق مع الفطرة وأن أي محاولة للفصل بين الرجال والنساء هي تعسف ومخالفة لطبيعة الأشياء"(44). ويهاجم البنا المبالغة في قضية الحجاب والنقاب والعزل باعتبارها دخيلة على المبادئ الإسلامية : "يمكن القول بدون مخالفة للوقائع أن المجتمع النسوي في عهد الرسول كان مجتمعا محتشما، ولكنه لم يكن منقبا، وإن لم يخل من منقبات اعتبرن شذوذا عن الوضع العام"(45). ويقول: "الحجاب في مضمون القرآن ليس نقابا أو حجابا، ولكنه باب أو ستر يحجب من في الداخل ويفرض على الداخل الاستئذان، وهذا هو المعنى الذي جاء في القرآن لكلمة "حجاب" وأنها اقترنت بآيات الاستئذان كما أنها لم ترد إلا بصدد الحديث عن زوجات الرسول" (46).

 

في كل مرة نستعرض فيها المشكلات التي تواجه تحرر المرأة في العالمين العربي والإسلامي، نتوقف عند النتائج الكارثة لهيمنة الفقه التقليدي على الحركة الإسلامية السياسية وانعكاس ذلك على مسائل اهترأت الشفاه من تكرارها.  فبين مواجه لتيار التراجع مثل ابن عربي، يقول في فترة تحولت فيها المرأة عند أهل الفقه إلى شيطان الفتنة، "العورة في المرأة ليست إلا السؤاتين كما قال تعالى: "وطفقا يخصفان عليهما ورق الجنة (الأعراف 22 وطه 121) فسوى بين آدم وحواء في ستر العورتين وهما السؤاتان"، بين نص كهذا في "الفتوحات المكية" وقراءات ابن عثيمين الوهابي في نقاب المرأة، ندرك مدى تجني القراءة الأصولية للإسلام، وندرك الأهمية الحيوية للإصلاح الإسلامي، الذي يقف في جبهة واحدة مع أنصار الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم الإسلامي.

 

الزواج : بين الفقه التقليدي واتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة

 

منذ البدء، نود الإشارة إلى أن تناولنا لاتفاقية مناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة ينطلق بالأساس من التعامل مع هذه الاتفاقية كنص بشري، وبالتالي فهو أبعد ما يكون عن التقديس، وأبعد ما يكون عن التنزيه. وإنما تأتي قوته الاعتبارية، من كونه يشكل المحصلة الجماعية الأرقى، التي توصلت لها الأمم المتحدة في لحظة من تاريخ البشرية. وما دفاعنا عنه، إلا ضمن هذه النظرة النسبية التي تنطلق من كون حقوق الإنسان مشروع بشري النزعة والمصدر، وبالتالي غير مقدس وغير منجز. لكنه بصيغته الراهنة يشكل أفضل ما جرى الاتفاق عليه بين مختلف الدول لحماية الكائن الإنساني. كوننا ممن يعتقد بأنه لم تثكل النساء بعد عن إنجاب ما هو أفضل وأنسب للبشر بالانطلاق من التغيرات التي تعيشها الإنسانية والتي تستدعي باستمرار امتلاك القدرة على استنباط المنظِمات الأفضل والأكثر تناسبا مع الإنسان وشروط معيشته ووجوده.

 

لتناول نقاط التقاطع والخلاف بين اتفاقية مناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة والمفهوم الفقهي التقليدي للزواج  سنعتمد مقاربة فيوليت داغر المتعددة الميادين approche pluridisciplinaire  والتي تأخذ بعين الاعتبار:

 

1-    المعطيات الثقافية التقليدية ومدى تأثيرها على منظومة القيم السائدة في زمان ومكان محددين؛

 

2-     طبيعة تركيب الأسرة الأبوية وصلابتها في وجه بناء علاقات أسرية متكافئة بين الرجل والمرأة؛

 

- التوظيف السياسي لهذين العاملين سواء كان ذلك من قبل السلطات الحاكمة أو الحركة الإسلامية السياسية.( 47)

 

تنص المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما يلي: " للرجل والمرأة، متى أدركا سن البلوغ، حق التزويج و تأسيس أسرة ، دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين. وهما يتساويان في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج و لدى انحلاله" وقد أكدت المادة 16 من اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة على هذا مع إعطاء تحديدات أدق وأوضح حيث نصت على:

 

1- تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية وبوجه خاص تضمن، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة:

 

(I)          نفس الحق في عقد الزواج؛

 

(II)       نفس الحق في حرية اختيار الزوج، وفي عدم عقد الزواج ألا برضاها الحر الكامل؛

 

(III)     نفس الحقوق والمسئوليات أثناء الزواج وعند فسخه؛

 

(IV)  نفس الحقوق والمسئوليات بوصفهما أبوين، بغض النظر عن حالتهما الزوجية، في الأمور المتعلقة وفي جميع الأحوال ، بكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول؛

 

(V)   نفس الحقوق في أن تقرر، بحرية وبإدراك للنتائج، عدد أطفالها والفاصل بين الطفل والذي يليه، وفي الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق؛

 

(VI)  نفس الحقوق والمسئوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم، أو ما شابه ذلك من الأعراف حين توجد هذه المفاهيم في التشريع الوطني، وفي جميع الأحوال يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول ؛

 

(VII)  نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة، بما في ذلك الحق في اختيار أسم الأسرة والمهنة ونوع العمل ؛

 

(VIII)   نفس الحقوق لكلا الزوجين فيما يتعلق بملكية وحيازة الممتلكات والإشراف عليها إدارتها والتمتع بها والتصرف فيها سواء مقابل أو مقابل عرض.

 

2-لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني، وتتخذ الإجراءات الضرورة، بما في ذلك التشريعي منها لتحديد سن أدنى للزواج  ولجعل الزواج رسمي في سجل رسمي أمراً إلزامياً".

 

كيف يمكن القول بالتزام أية دولة لاتفاقية مناهضة أشكال التمييز بين الجنسين إن وضعت حكومتها تحفظا يبقي العمل بمواد قانون الأسرة أو الأحوال الشخصية فيها سارية المفعول حتى في حال وجود تعارض جوهري بينها وبين مبدأ المساواة بين الجنسين؟ هذا هو السؤال المطروح في معظم الدول الإسلامية اليوم. وتتطلب الإجابة، فيما تتطلب، فهما أفضل لقضية تشريعات الزواج على الأقل منذ العقود الأخيرة لآخر خلافة اعترفت بها المدارس الفقهية السنية على الأقل، وتحليلا أعمق للعلاقة بين الجنسين يتعدى جمود النصوص.

 

كانت قوانين الأسرة المعقل الأكثر صلابة في التشريعات التقليدية. فهي تمس المقدس والممنوع والجنس والعلاقات العضوية، وبهذا المعنى يتلبسها مفهوم الحرام بكل أبعاده.. ولكن المقدس في هذا الجزء من العالم، وأية مفارقة، ينزع هالة التقديس عن نفسه نتيجة حضوره الثقيل هذا؛ بحيث تظهر قراءة التاريخ الاجتماعي العربي الإسلامي نسبية كل مؤسسة وفكرة تدّعي الاستمرارية وعملية البناء المباشرة أو غير المباشرة للتغيير والانقطاع في كل مرة شعر أصحاب القرار القانوني بأن المنظومة القضائية لم تعد قادرة على العمل  بسبب تجاوز معطيات الحياة الفعلية للنصوص. فرغم اعتبار رجال الدين والحركة الإسلامية السياسية بتياراتها المختلفة مسألة الزواج مقدسة لا يجوز المساس بها،  لم تكن الوقائع في يوم من الأيام كما يدّعي حراس الإيديولوجية. ومنذ القرن الماضي نشهد تغييرات في التكوين كما في الإجراءات القضائية. ولا شك بأن خطوات هامة قد تمت منذ قانون الأحوال الشخصية العثماني عام 1917 وحتى مجلة الأحوال الشخصية في تونس 1956.

 

لكن من الصعب الحديث عن تطور مخطط وعقلاني، ففي أغلب الأحوال يلاحظ وجود قرارات حادة أو ديماغوجية أكثر منه عملية تراكم و بناء في ظل روح انفتاح. و هكذا مثلا تبنت المؤسسة العسكرية في تركيا  قانون الأحوال الشخصية السويسري بقرار من فوق في 1927، في حين فرملت المؤسسة نفسها في سورية والجزائر إمكانية إقرار قانون متقدم للأحوال الشخصية في عامي 1975 و 1984 على التوالي. ورغم أن مصر قد باشرت عملية بناء لقضاء مصري مستقل عن العثمانيين منذ محمد علي، فقد بقي القانون العثماني معمول به بعد نهاية العمل به في استنبول وأنقرة عام 1927؟  الأمر الذي جعل وزير العدل المصري علي ماهر يقول في 25 فبراير 1932: "القضاء الملي هو الناحية الوحيدة من القضاء المصري التي لم تمسها يد الإصلاح إلى الآن. وقد بقيت هذه الناحية مدة خمسة قرون بحالة مضطربة، ونظام غير متناسب مع أنظمة القضاء في مصر، ولا مثيل له في الدول المستنيرة. ومع ذلك فقد بقي على ما نشأ عليه إلى الآن بالرغم من أن تاريخ إنشائه يرجع إلى أسلوب سياسة الحكم العثماني القديم، وإلى النظريات الشائعة في العصور الوسطى أكثر مما يرجع إلى قواعد التشريع وإلى حاجات الرعية"(48)

 

 من الجدير بالذكر أن أحكام النكاح قامت في القرون الوسطى (العربية والغربية) على نظرية شخصية القوانين   SYSTEME DE LA PERSONNALITE DES  LOIS التي بمقتضاها يحاكم كل شخص مدنيا وجنائيا حسب شريعة معتقده الديني. وعند المسلمين، كانت ضمن المدارس التقليدية أحادية القاضي والإجراء: فهي محاكم مكونة من قاض واحد. ولم يكن ثمة مراتبية في المحاكم أو نظام استئناف. وقد كانت التدخلات بعد الأحكام عبر جهاز سياسي الطابع أكثر منه حقوقي: ديوان المظالم.

 

إن هذا الشكل البدائي لم يعد قائما في أي مكان من العالم. وحتى في المملكة العربية السعودية وإيران والسودان، دخل مبدأ الاستئناف وتعدد القضاة في محاكمة كل قضية مهمة.

 

لقد ألغت مصر في 1955 وتونس في 1956 بشكل كامل المحاكم الشرعية المستقلة وأصبحت قوانين الأسرة والقانون المدني  والجنائي تخضع لمحاكم وطنية موحدة، ولو أن الأحوال الشخصية بقيت تطبق قواعد إسلامية معروفة. أما في الجزائر، فإن محاكم القضاة تعمل بوصفها محاكم بدائية ويتولى حالات الطعن قضاة في المحاكم المدنية العادية. أما في قضايا الزواج، فقد بقيت المحاكم الفرنسية تعمل في نطاق قراءة ليبرالية للمدارس الفقهية السنية حيث نجد تناوبات بين الحنفية والشافعية والمالكية بما ينسجم والأقرب إلى روح العصر، الأمر الذي بقي ساري المفعول إلى عام 1984 حيث استفادت النساء الجزائريات في تلك الفترة الفراغ القانوني في هذا الموضوع! ومع قانون الأسرة الجزائري عادت المرأة إلى "بيت الطاعة"، وعادت صيحة طالق بالثلاثة تقرر مصير المرأة والأسرة(49).

 

وفي العديد من الحالات، يتجاوز العسف حدود الفقه التقليدي، سواء كان ذلك في العقوبة الجنائية لممارسة المرأة الجنس والتي تفوق عقوبة الرجل في عدة بلدان إسلامية(رغم تساويها فقهيا!) وفي استمرار عرف "جريمة الشرف" أو في حرمان المرأة المتزوجة من إعطاء جنسيتها لأبنائها في العديد من البلدان العربية كمصر ولبنان في خلاف صارخ مع المادة التاسعة من اتفاقية مناهضة أشكال التمييز والتي تنص على:

 

"تمنح الدول الأطراف المرأة حقوقاً مساوية لحقوق الرجل في اكتساب جنسيتها أو تغييرها أو الاحتفاظ بها. وتضمن بوجه خاص ألا يترتب على الزواج من أجنبي، أو على تغيير الزوج لجنسيته أثناء الزواج، أن تتغير تلقائياً جنسية الزوجة، أو أن تصبح بلا جنسية، أو أن تفرض عليها جنسية الزوج.

 

تمنح الدول الأطراف المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما".

 

والمسألة هنا هي ابنة تقليد بطريركي وعقلية رجالية تقوم على مبدأ التمييز بين الجنسين في الحقوق وليس لها أي أساس في أي فقه؟

 

لننتقل إلى مترتبات مفهوم الطاعة في قوانين الأحوال الشخصية:

 

فيما يتعلق بالمحتوى، هناك معطيات تقع في نطاق "التابو" والمحرم في معظم الدول العربية كزواج المسلمة من غير المسلم أو مسألة توزيع الإرث أو تعدد الزوجات. وهي مازالت ضمن الأحكام الإسلامية في التقاليد الفقهية القديمة. إلا أنه وباستثناء العربية السعودية ومن اختار مثلها من الدويلات المجاورة، يصعب الحديث عن زواج ديني أو عن زواج مدني بمعنى الكلمة. والأصح الحديث عن حالة "تجميع" أحيانا معقولة وغالبا تعسفية بين القديم والجديد، بين الانتماء العضوي والانتماء المواطني،  بين "الحق الإلهي" وحقوق الإنسان.

 

لم يكن نقد التصور الفقهي الكلاسيكي للزواج ابن الاتجاهات العلمانية وحسب، ويذّكر نصر حامد أبو زيد بمقطع هام للإمام محمد عبده يقول فيه: "رأيت في كتب الفقهاء أنهم يعّرفون الزواج بأنه (عقد يملك به الرجل بضع المرأة). وما وجدت فيها كلمة واحدة تشير إلى أن بين الزوج والزوجة شيئا آخر غير التمتع بقضاء الشهوة الجسدانية، وكلها خالية من الإشارة إلى الواجبات الأدبية التي هي أعظم ما يطلبه شخصان مهذبان كل منهما من الآخر. وقد رأيت في القرآن الشريف كلاما ينطبق على الزواج ويصح أن يكون تعريفا له، ولا أعلم أن شريعة من شرائع الأمم التي وصلت إلى أقصى درجات التمدن جاءت بأحسن منه، قال الله تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" (الروم 21)، والذي يقارن بين التعريف الأول الذي فاض عن علم الفقهاء علينا وبين التعريف الثاني الذي نزل من عند الله يرى بنفسه إلى أي درجة وصل انحطاط المرأة في رأي فقهائنا وسرى منهم إلى عامة المسلمين، ولا يستغرب بعد ذلك أن يرى المنزلة الوضيعة التي سقط إليها الزواج حيث صار عقدا غايته أن يتمتع الرجل بجسم المرأة ليتلذذ به، وتبع ذلك ما تبعه من الأحكام الفرعية التي رتبوها على هذا الأصل الشنيع" (50). وفي نطاق الزواج أكد الإمام عبده على أن تعدد الزوجات يشكل احتقارا شديدا للمرأة وقال بجواز إبطال هذه العادة مبررا ذلك بأسباب ثلاثة:

 

-         لأن شرط التعدد هو التحقق من العدل وهذا الشرط مفقود حتما، فإن وجد واحد في المليون فلا يصح أن يتخذ قاعدة.

 

-          لغلبة سوء معاملة الرجال لزوجاتهم عند التعدد وحرمانهن من حقوقهن

 

-          لما ظهر من أن منشأ الفساد والعداوة بين الأولاد هو اختلاف أمهاتهم (51) وقد أضاف الإمام لنهجه المساواة بين الجنسين في الحق بالطلاق.

 

ينضم المصري جمال البنا في موضوع الأحوال الشخصية  للمصلح المغاربي  الطاهر حداد ومحمود محمد طه مطالبا بإصلاحها: "يمكننا القول إن قوانين الأحوال الشخصية في مصر المستمدة من أحكام فقهاء وضعت من ألف عام تعد سبة في معايير العدالة ويتعين تغييرها بما يتفق مع القرآن الكريم ومبادئ الفقه الجديد"(52).

 

إن الاستشراس بحق الاتجاهات الإصلاحية في الإسلام يترك دون شك أثاره على التحديث الديمقراطي للتشريعات في البلدان العربية. ولعل هذا الأمر هو الذي يعطي للأمثلة الإسلامية في مجتمعات علمانية (المسلمون في بعض البلدان الأوربية) أو المجتمعات متعددة الأديان والطوائف (الأنموذج اللبناني مثلا) أهمية خاصة، باعتبار أن هذه المجتمعات أكثر مجابهة لنقاط الضعف والخلل في الزواج التقليدي وبالتالي، فهي تشكل، بشكل أو بآخر، مخبر إبداع الأشكال المحتملة لأسرة تحترم في قواعدها حقوق المرأة والطفل وفقا لما توصل إليه البشر اليوم. ومن هنا أهمية النضال من أجل زواج مدني اختياري في لبنان مثلا.

 

وإن تلخّص الموقف بالنسبة للديمقراطيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بأن هذا الزواج حق لا يناقش، ففي الواقع اللبناني  تأتي قوة هذا الاقتراح من الطريق المسدود الذي وصلت إليه مؤسسة الزواج المذهبي المنغلقة والطائفية في هذا البلد. إنها الضرورة وحاجة المجتمع التي تفرض نفسها على المشرع  أكثر منها مجرد وزن التيار العلماني والديمقراطي في لبنان. الأمر الذي يفسر اقتراح القوى المتنورة لمشروع قانون للأحوال الشخصية يجمع بين مبدأ العدل وحاجة الواقع، ويفسر بنفس الوقت، الهجمة الديماغوجية لجميع القوى الطائفية ضد مشروع القانون رغم كونه غير ملزم، خوفا من جنوح البشر نحو الشكل الأكثر انسجاما مع روح حقبتهم وطبيعتهم البشرية(53). وهنا تبرز أيضا أهمية قراءة التاريخ العربي الإسلامي وقراءة المصلحين المعاصرين للقضايا الزواج والمرأة. فكما يذّكر الشيخ عبد الله العلايلي، العقد الزواجي في الإسلام، عقد مدني بكل معناه، إلا في بعض نواشئ، أكثرها مالي، لا يعتد بها اعتدادا يخرج العقد عن هذا النعت" (ص117)، وقد تركت المدرسة الشيعية الجعفرية هامشا واسعا للعلاقات الجنسية المشروعة عبر إقرارها لزواج المتعة الذي كان معروفا في عهد النبي محمد. وإقرار هذا الزواج والقبول به في أوساط سنية في الخليج وشبه الجزيرة الهندية، يعطي

 

فكرة عن الحاجة الاجتماعية لتخفيف القيود الواقعة على الجنسين، ولو أن الزواج المؤقت قد حمل السمات الأبوية للزواج الدائم.

 

لم يعد الاحتجاج على العفش المناهض للمرأة المتراكم في العصور الوسطى محصور بالتقدميين ورواد الإصلاح، فالشيخ المحافظ محمد الغزالي يقول: "اعرف أن هناك آثارا واهية نبذها أصحاب الدقة العلمية في تمحيص المرويات، ولم يذكرها عالم يروى الصحاح ولا احترفها فقيه ينقل حقائق الإسلام مثل ما روي عن فاطمة أن المرأة لا ترى رجلا ولا يراها رجل ومثل حديث منع الرسول بعض نسائه أن يرين عبد الله بن أم مكتوم وتلك كلها أخبار لا تساوي الحبر الذي كتبت به، وهي ظاهرة تتناقض مع مقررات الكتاب والسنة المقطوع بثبوتها ودلالتها"(54). ويبقى أن أنصار التجديد  يشاطرون الأستاذ جمال البنا إلى حد كبير في موقفه القائل: " إن الفقه الجديد يجعل قضية المرأة من الشريعة ويجعل المصدر الأول للشريعة هو العقل. لأن الشريعة ليس فيها ما يتعلق بذات الله تعالى، ولا عالم السمعيات التي تختص بها العقيدة، من هنا فإن الفقه يحدد موقفه من المرأة في ضوء ما يحكم به العقل، فهو يتدبر كل السياسات والاتجاهات والتصرفات سواء بالنسبة لتاريخ تطور حركة المرأة في العالم أجمع، أو بالنسبة للتاريخ الإسلامي"(55).

 

أليس من المهازل التي لا اسم يستحق وصفها أن تحرم المرأة من السفر بدوم محرم في بعض البلدان أو من أخذ جواز سفرها في بلدان أخرى دون تصريح من زوجها وقد هاجر عدد من النساء المسلمات إلى المدينة وحدهن للالتحاق بالمسلمين؟ أليس من المضحك مناقشة حقوق المرأة السياسية وسودة والزرقاء وسنان ودارمية وعكرشة كن أهم خطباء معركة صفين؟ أليس من المتأخر على "علمائنا" موضوع الإمامة وقد قال بها وبالكمال للمرأة ابن عربي في أحلك لحظات تاريخنا؟ (56)

 

كما تشير فيوليت داغر في دراستنها المشار لها أعلاه، "فإن التقدم النسبي الذي شهدته المنطقة العربية كان غالبا لصالح الرجل الذي فُتحت أمامه إمكانات جديدة وحصل على حريات لم يُسمح بها للنساء. مما كرّس سيطرته على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والسياسية. أما المرأة فلم تحظ بقدر كاف من التعليم والعمل المهني الذي يسمح لها بتغيير موازين القوى لصالحها بشكل أكثر تكافئا. ولم يسمح لها العمل المأجور إن وجد بتحقيق نفسها بقدر ما كان لمساعدة أسرتها على تحسين مستوى معيشتها. مما زاد من التفرقة بالمستوى بين الزوجين وبين أفراد العائلة ومن التوتر في العلاقات التي يحكمها منطق القوة والسيطرة والاستغلال والتي يكرسها الدين والثقافة والقانون.

 

رغم أن فرص التعليم والعمل بالنسبة للفتيات قد أصبحت اليوم أكثر شيوعا، فهي للأسف لا تهدف في غالب الأحيان لأكثر من تحسين فرصها في الزواج ورعاية الزوج وتربية الأبناء. فالمرأة التي تعد منذ طفولتها لهذا الدور وتشجع على إبراز أنوثتها تعيش في الوقت نفسه حالة قمع واستلاب نفسي وجسدي في ظل أسرة الأب ومن ثم أسرة الزوج. يتم ذلك ضمن قوانين صارمة في ظل التحريم الديني والقانوني وجو من القهر الاجتماعي. ويكون للرجل أبا أو أخا أو زوجا أو ابنا الحق بالتحكم بحريتها وحركتها وكيانها حفاظا على شرف العائلة، كونه يُنظر لها كأداة للجنس والمتعة والإنجاب"(57). 

 

والمشكلة الرئيسية برأينا

 

هي في كون المجتمعات الإسلامية قد راكمت خلال قرون قيودا أعطت مجتمع الحريم الشبه أسطوري- الشبه قبلي، الأمر الذي انعكس على كل تفاصيل وجود المرأة ككائن بشري من المهد إلى اللحد، فحرمت من العلم والشأن العام وعوالم الإبداع بل وصل الأمر لحرمانها من مساجد الله باسم الله؟ ومن المفيد التذكير بأن شخصا متسامحا مثل عبد القادر الجزائري كان يخشى على المرأة من التعليم وأن الشاعر الجواهري قد خاض معركة كبيرة في النجف من أجل فتح مدرسة للبنات عام 1927 وخاض رجال الدين المحافظين ضده لذلك حربا مفتوحة. ولم تقبل المملكة العربية السعودية بمبدأ تعليم الفتيات حتى منتصف الخمسينات ؟ وتنسى السيدة ناديا ياسين ابنة الشيخ عبد السلام في المغرب أن تعليمها ومشاركتها في الشأن العام وخوضها معركة والدها إنما هي محصلة نضالات خاضها المتنورون وخاضتها النساء من أجل الحرية والمساواة وأن بإمكانها فعل ما تفعله اليوم، لأن نساء مثل نبوية موسى وهدى الشعراوي وحبيبه المنشاري ونظيرة زين الدين قد واجهن من قبلها التخلف الاجتماعي ورجال الدين المتزمتين وكل المتطوعين للدفاع عن الفحولة الأبوية.

 

إن معركة النساء من أجل حقوقهن تعد من أصعب معارك التغيير في العالم العربي، ونظن أن ما يجري اليوم في المغرب ولبنان وإيران يعطي المثل على قدرة تحريك المجتمع التقليدي كلما طرحت قضية تحرر المرأة، أو الانعتاق من النظرة الجمودية للدين.  فبقدرة قادر يتحالف الأكثر تحجرا في المجتمع مع الأكثر نشاطية في الجامعات لمنع أي تغيير باتجاه المساواة بين الجنسين. هذه المعركة  لا تعني فقط الانتقال من أسرة بطريركية إلى أسرة يسودها المساواة وتقاسم اللقمة والقرار، وهذا بحد ذاته إنجازا تاريخيا عظيما،  وإنما تعني أيضا زرع الأرضية الموضوعية للانتقال من مجتمع عضوي عصبوي إلى مجتمع مدني جدير بالتسمية.

 

لقد أعطى نبي الإسلام أرقى الأحكام في عصره لأقل الناس استعدادا لها، واليوم يقترح علينا المحافظون باسم الإسلام نفسه أكثر الأحكام تأخرا في عصرنا لأكثر الشعوب حاجة بل واستعدادا لحقوق المرأة المتفق عليها كقاسم مشترك بين الشعوب في مواثيق حقوق الإنسان المختلفة.

 

في مواجهة العولمة التي تنزع عن الإنسان ما تبقى من روح التضامن والتعاون واحترام الآخر وللنضال من أجل الكرامة الإنسانية، نحن بحاجة أكثر من أي وقت مضى، لكل امرأة وفي كل مكان، بحاجة لكرامتنا عبرها ومعها، بحاجة لكرامتها وحقوقها كجزء لا يتجزأ من حقوق الرجال، بحاجة لها من أجل كل رضيع تعطيه التوازن النفسي في سنيه الأولى وتمنحه قوة العطاء والمحبة الضروريتين، من أجل كل نظام سياسي ومنظومة اجتماعية يحتاجان الحقنة الضرورية من اقتصاد العنف والعدوانية، من أجل المحافظة على حصتنا الضرورية في حلم التغيير وطموحنا لدور أساسي في محاربة البربرية في أعماقنا ومن حولنا. 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.