اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ألمكتبة

• الإسلام وحقوق المرأة - الصفحة 5

  

حقوق المرأة في الدين والشريعة والفقه

 

في مناسبة عام المرأة العالمي، أصدرت حركة "الإخوان الجمهوريون" في السودان ستة عشر كراسا حول قضية المرأة تتناول المشكلات الأساسية للمرأة في المجتمعات الإسلامية عامة والمجتمع السوداني بشكل خاص. وقد أصدرت الأخوات هذه الدراسات بإشراف مفكر الحركة ومؤسسها الشيخ محمود محمد طه الذي منذ تأسيسه لحركته في 1945 عانى من حملات التكفير عدة مرات في الخمسينات والستينات والسبعينات وانتهت بإعدامه في 1985 على يد الماريشال جعفر النميري الذي تحول للمناسبة إلى "أمير للمؤمنين"؟ وقد ارتأينا إعادة نشر مقتطف هام من إحدى هذه الكراسات يتناول مباشرة موضوع الكتاب وهو يعطي فكرة عن نظرة الأستاذ طه وتلامذته لحقوق المرأة في الإسلام :

 

مدخل

 

هذا هو منشورنا الحادي عشر بمناسبة عام المرأة العالمي-عام 1975.. وقد تناولنا في منشوراتنا السابقة، عددا من الجوانب المختلفة لقضية المرأة.. ووضعنا لها الحلول التي تناسبها من داخل الدين.. والآن فإننا في منشورنا هذا سنتناول موضوعا من أهم الموضوعات التي تتعلق بالمرأة –موضوع الأحوال الشخصية- فإنه لكي تتم الحرية للمرأة، والمساواة التامة بينها وبين الرجل، لا بد من تطوير قانون الأحوال الشخصية ليتناسب مع وضع المرأة المعاصرة.. ومن أجل المطالبة بهذا التطوير، والعمل من أجله، لا بد لقيادات النساء من دراسة عميقة، ومستأنية، للقوانين التي تحكم علاقة المرأة بالرجل – القوانين المطبقة في المحاكم الشرعية الآن- ودراسة وضع المرأة في الشريعة الإسلامية، ثم الإلمام بالحلول التي نقدمها نحن الجمهوريون كبديل للقوانين المعمول بها، وهي بالطبع قوتانين متخلفة وجائرة.. ولتوضيح ذلك، فسيتناول منشورنا هذا، في شئ من التفصيل، وضع المرأة في الإسلام، وفي الشريعة الإسلامية، ثم وضعها في الفقه,, وسيكتشف المفارقات الفقهية التي لحقت، في العهود المتأخرة، بالشريعة الإسلامية، فأبعدتها عن سماحة الدين وبساطته.. كما سيبين الحل الذي ننادي به نحن من أصول القرآن.

 

 

 

وضع المرأة في الإسلام:

 

مما لاشك فيه، أن الإسلام، في أصوله، قد كرّم المرأة، وأعطاها حقوقا متساوية مع حقوق الرجل.. ولكنه، في فروعه، يعني في شريعته، قد فرق بين النساء، والرجال، وميز الرجال عليهن.. ولذلك فإننا نجد في آيات الأصول، المساواة في الحقوق كلما ساوت النساء الرجال في أداء الواجبات.. قال تعالى "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة"، حين نجد في آيات الفروع، أن الرجال أوصياء على النساء.. قال تعالى "الرجال قوامون على النساء، بما فضل الله، بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم".

 

يظهر من هذه الآيات، أن للقرآن مستويين من الخطاب.. مستوى فيه التكريم والمساواة والحرية.. ذلك لأنه يقوم على التفريق بين النساء، والرجال، لأنه إنما يقوم على الوصاية-وصاية الرجال على النساء.

 

أما المستوى الأول، فإننا نجده في الآيات المكية، وهي الآيات التي تنزلت على نبينا صلى الله عليه وسلم أول نزول القرآن في مكة، واستمر نزولها إلى فترة ثلاث عشرة سنة.. ولكن مجتمع مكة، لتأخره، وبدائيته، ولأنه مجتمع خارج من الغابة لتوه، لم يستطع تطبيق هذه الآيات الإنسانية الرفيعة  -الآيات المكية- فلم يستجب للدعوة.. ولذلك جاء الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم، بالهجرة للمدينة.. وهناك نزل القرآن المدني، مراعيا لحالة ضعف الناس، وناسخا للقرآن المكي.. فقام المجتمع الإسلامي في المدينة على قوانين استمدت من آيات أقل، في مستواها، من القوانين التي كان يمكن أن تستمد من الآيات المكية.. وإنما كان ذلك لأنه لا بد لكل قانون أن يراعي طاقة، وحاجة، المجتمع الذي وضع لينظمه… ولذلك فقد تنزلت الآيات المدنية، في مستوى مجتمع القرن السابع، لتدرجه حتى يجئ المجتمع الذي يستأهل الآيات المكية.. ومن هنا جاءت الشريعة الإسلامية، تنظم حياة المجتمع المديني والمجتمعات الإسلامية التي على شاكلته، وجاءت شريعة الأحوال الشخصية، تنظم وضع المرأة في تلك المجتمعات.

 

وضع المرأة في الشريعة الإسلامية

 

أول ما يجب أن نقرره في الحديث عن وضع المرأة في الشريعة الإسلامية، أن هذه الشريعة لم تساو بين النساء، والرجال.. ويتضح ذلك من أن الشريعة قامت على آية تقرر أن أي رجل، مهما كان مستوى تفكيره، وثقافته يكون قيّما، على أي امرأة، مهما كان مستوى ثقافتها، وخلقها.. هذه الآية، هي التي أشرنا إليها من قبل، وهي قوله تعالى "الرجال قوامون على النساء، بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم".. "الرجال قوامون على النساء"، يعني أوصياء عليهن.. "بما فضل الله بعضهم على بعض، تعني أن الله فضل الرجال على النساء.. ومن أبرز ما فضل الله به الرجال على النساء، قوة الساعد، مما مكنهم من مواجهة الحياة الصعبة في ذلك الوقت.. فقد كانت قوة العضلات، هي مدار الفضيلة في مجتمع القرن السابع.. "وبما أنفقوا من أموالهم"، وذلك لأن الرجال إنما كانوا يقومون بالعمل خارج المنزل، فيكسبون المال، وينفقونه على النساء.. هذا في حين أن النساء، كن حبيسات في البيوت، ولا يخرجن إلا لدى الضرورة.. والضرورة هي : ألا يكون لديها من يعولها من الرجال.. في هذه الحالة فقط يمكنها الخروج لتكسب قوتها، ومن تعول من أبنائها..

 

ومن مستوى هذه الآية –آية القوامة- جاءت التشريعات الأخرى.. فكان وضع المرأة، أقل من وضع الرجل فيها.. ففي الميراث مثلا، نجد أن للرجل نصيب امرأتين، ونص ذلك من كتاب الله "وللذكر مثل حظ الأنثيين".. وذلك لأن الرجل كما ذكرت سابقا، مسئول عن الإنفاق على نساء بيته، في حين أن المرأة غير مسئولة، ولا حتى عن الإنفاق على نفسها.. وفي الشهادة أيضا، فإن شهادة الرجل الواحد تساوي شهادة اثنتين من النساء.. وآية ذلك من كتاب الله "واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين، فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء، إن تضل إحداهما، فتذكر إحداهما الأخرى".. والسبب في أن شهادة الرجل تساوي شهادة امرأتين، لأن المرأة كانت ضعيفة الشخصية، ضعيفة الذاكرة، نسبة لقلة تجاربها، وخبرتها.. فقد كانت، كما ذكرت من قبل، حبيسة المنزل، ومن هنا لم تجد الفرصة لتقوية شخصيتها، وفكرها.. ولذلك فقد قالت الآية "إن تضل إحداهما، فتذكر إحداهما الأخرى".. وهذه هي الحكمة في أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل..

 

الرجل في الشريعة، عنده حق الطلاق أيضا.. يمكنه أن يطلق زوجته في أي لحظة شاء من دون شرط أو قيد، هذا في حين أن المرأة، ليس لها الحق في تطليق زوجها، فعليها أن تعيش معه، مهما كان مستواه، ولو كانت كارهة، طالما هو قائم بكل واجباته نحوها –السكن،والغذاء، والكساء الشرعي..

 

هناك حق أخير، أعطته الشريعة للرجل، على المرأة، وهو حق التأديب.. وهذا يعني أن للرجل الحق، في ضرب زوجته الناشز.. وهي التي تخرج عن طاعة زوجها.. قال تعالى "واللاتي تخافون نشوزهن، فعظوهن، واهجروهن في المضاجع، واضربوهن، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا". ومن هنا يظهر أن على المرأة طاعة زوجها مهما كان، مادام قائما بواجباته التي ذكرنا طرفا منها آنفا.

 

هذا الوضع، حكيم كل الحكمة، عندما جاء في وقته، في القرن السابع، وذلك لأنه حل مشكلة المرأة في ذلك المجتمع .. فقد شرع لها حسب حاجتها وعلى قدر طاقتها، وطاقة مجتمعها أيضا.. ولكن هل هذا الوضع هو مراد الدين الأخير للمرأة؟؟ هل هو كلمته الأخيرة، في أمرها؟ أم أن هناك وضعا آخر، في الدين، يمكن أن يقوم عليه تشريع جديد، يحل مشكلة المرأة المعاصرة، ويكون على قدر طاقتها، وطاقة مجتمعها؟؟

 

أما فقهاء المسلمين فقد أخطئوا خطأ  كبيرا، عندما ظنوا أن الشريعة الإسلامية، هي كلمة الإسلام الأخيرة، عن المرأة.. ولذلك فقد وقعوا في تناقض شديد، عندما لم يستطيعوا التوفيق بين الشريعة، وبين تطور الحياة عامة، وتطور المرأة خاصة.. فنراهم يتحدثون عن الشريعة، ويعيشون خارجها، وكلما تطورت المرأة وتقدمت، يذكرونها بأن نصيبها، في الشريعة، واف لحاجات حياتها، وأن الله أعطاها فيها كل الحقوق التي تصبوا إليها.. ولما بدؤوا الاجتهاد في استنباط الأحكام ليواكبوا تطور الحياة العامة، واشتطوا في استعمال الرأي، نراهم رجعوا بحقوق المرأة، حتى عما أعطتها إياه الشريعة، على الرغم من أن الشريعة، لم تعطها كل ما أراده لها الدين.. فهم من ثم انحطوا بحقها إلى المستوى الذي أخرجهم عن روح الدين تماما، فجاء الفقهجافا ومهينا للمرأة، حتى في ذلك العصر المتخلف، دع عنك العصر الحاضر..

 

وضع المرأة في الفقه الإسلامي

 

يجب أن يكون واضحا أن الفقه غير الشريعة.. الفقه هو القول بالرأي.. وقد كان في بداية أمره الاجتهاد فيما ليس فيه نص صريح من القرآن أو السنة، ثم تداعى حتى أصبح، في آخر أيامه، الاجتهاد حتى فيما فيه نص، با الاجتهاد المخالف للنص أيضا، فخرج بذلك عن الدين.. (أنظر كتابنا : "خروج الفقه عن الدين" ).

 

ولكي ندلل هنا على ما قلناه، من تخلف الفقه، وإهانته للمرأة، فإننا سنذكر بعض آراء الفقهاء عن وضع المرأة، في قانون الأحوال الشخصية.. وأول ما نبدأ به هو تصوير الفقهاء للعلاقة الزوجية نفسها.. فإنه تصور عقيم، ومتخلف، غاية التخلف، فقد جاء في "الفقه على المذاهب الأربعة" الجزء الرابع- جاء تعريفهم للزواج "إنه عقد على مجرد التلذذ بآدمية".. ومن هذا الفهم السقيم، القاصر، لطبيعة العلاقة السامية، التي قال عنها جل من قال "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا، لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة، ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون".

 

ومن هذا الفهم القاصر، لهذه العلاقة، جاءت تشريعاتهم التي تنظم لهذه العلاقة، جافة، وبعيدة كل البعد عن سماحة الدين، ومهينة لكرامة المرأة، وعزتها.. فمثلا أجمعت المذاهب على أن المرأة إذا مرضت، ليس على زوجها أن يعالجها، بل أن بعض الفقهاء يرى أن مرضها يسقط حقها في النفقة وذلك لأن زوجها إنما تزوجها بغرض الاستمتاع بها، وهي بمرضها هذا، قد فقدت هذه الصلاحية.. أصبحت غير صالحة للقيام بهذا الغرض. ومن هنا يسقط حقها في العلاج.. جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة" الجزء الرابع ما يلي: " بل أن بعض المذاهب يرى أن النفقة لا تجب إلا في نظير الاستمتاع. والزوجة المريضة لا تصلح للاستمتاع فلا تجب لها نفقة". كما جاء في نفس المصدر ما يأتي: "وفقهاء الحنفية أجمعوا على ما ذكرنا طردا للأحكام لأن حق الزوجة على الزوج من حيث هي زوجة يوجب عليه أن ينفق ما به قوام الحياة العامة وهي حياة الصحيحة لا المريضة، فلا يجب عليه الدواء على أي حال".أما بشأن نفقة الزوج على زوجته فإنهم يقولون "وإذا كان الدواء وأجرة الطبيب لا يجبان عليه، فكذلك لا يجب عليه ثمن الدخان والقهوة والشاي ونحوهما. ولو تضررت من تركها. وقد اختلف في أجرة القابلة –الداية- فقيل عليها وقيل عليه وقيل على من استدعاها منهما". أما الشافعية فإنهم يقولون "يفرض على الزوج المعسر لزوجته فجر كل يوم مد من طعام".. "ويجب عليه الماء اللازم للشرب والنظافة والاغتسال منه. أما الاغتسال بسبب غيره كالحيض والاحتلام فلا يجب عليه".. "أما الخضاب والزينة "التواليت" فإنها لا تجب عليه لأن ذلك تابع له مما يراه زينة لها فإنها تلزم به، ولا يلزمه دواء مرض ولا أجرة طبيب وحاجم وفاصد ونحو ذلك".

 

كما جاء في رأي الحنابلة في هذا الشأن " ولا تجب عليه أدوات الزينة كالحناء والخضاب وشراء الحلى "التواليت" ونحو ذلك وكذا لا يجب عليه ثمن الدواء وأجرة الطبيب وإذا أراد منها الزينة وجب عليه أن يحضر لها ماتتزين به".. ومن الأمثلة التي ترينا فهمهم القاصر أيضا رأي المالكية في أنه ليس على الزوج إشباع زوجته إن كانت أكولة!! وعند بعض الفقهاء ليس على الزوج تكفين زوجته بعد موتها!! هذه أمثلة قليلة من كثير غيرها توضح بجلاء شديد آراء الفقهاء، وتخلفها، وإذلالها للمرأة، وتحقيرها لهذه العلاقة المقدسة..

 

من هذه الأمثلة، يظهر لنا أن آراء الفقهاء عن المرأة متخلفة عن روح العصر، أكثر من هذا، فهي مخالفة لسماحة الشريعة.. ومن هنا وجب علينا أن نرفضها بشدة، ونحاربها، وأن نسعى لتغييرها بقوانين من الدين، تحفظ لنا كرامتنا، وحريتنا.. وحين نرفض هذه الصور من خروج الفقه عن الدين، فإنه يجب أن يكون واضحا، إننا نحن مع الدين، لأن الفقه قد خرج عن الدين كما بينا في الأمثلة التي سقناها، ولأن الشريعة ليست هي كلمة الدين الأخيرة في حق المرأة.

 

تطوير شريعة الأحوال الشخصية هو الحل

 

إن الحل الوحيد، الذي ليس دونه حل لقضية المرأة، والذي تجد فيه المرأة كل عزتها، وكرامتها، يكون في تطوير التشريع الإسلامي.. والتطوير يعني أن ننتقل من نص إلى نص، في القرآن، كان معمولا به في القرن السابع، لأنه كان مناسبا لحالة ذلك المجتمع فنظمه على قدر طاقته، وعلى قدر حاجته.. ننتقل إلى نص في القرآن، لم يقم عليه التشريع، لأنه كان أكبر من حاجة المجتمع، وأكبر من طاقته أيضا.. ولكنه قدر على حاجة، وطاقة، مجتمع القرن العشرين.

 

والسبب في هذه المطالبة لتطوير التشريع، هو أن هذا المجتمع –مجتمع القرن العشرين- قد تطور تطورا هائلا، في فترة الأربعة عشر قرنا، منذ نزول القرآن، وإلى يومنا هذا.. هناك تطور كبير في المجتمع كله، وفي وضع المرأة بصورة خاصة.. فالمرأة التي كانت حبيسة المنزل، لا تخرج إلا لدى الضرورة، والتي كانت قليلة التجربة، والخبرة بالحياة من حولها، والتي ينفق الرجل عليها ويحميها، أصبحت اليوم، مساوية للرجل، من حيث أداء الواجبات.. هي قد خرجت، وشاركت المجتمع في كل نشاطاته، فصارت قاضية ومهندسة وطبيبة ووزيرة.. ومن هنا، فإن إدراكها للحياة من حولها قد أصبح كإدراك الرجل له.. باختصار شديد، المرأة عندنا الآن تقوم بنفس الواجبات التي يقوم بها الرجل نحو المجتمع، ولذلك فمن الظلم الذي يأباه الله أن نطبق على هذه المرأة، نفس القوانين التي طبقت على المرأة في القرن السابع.. فإننا بهذا الصنيع كأنما نقول أن المجتمع، وبعد مرور أربعة عشر قرنا، لم يحدث فيه أي تطور.. وهذا ما يأباه الدين، ويرفضه الواقع المعاش.

 

وتطوير التشريع هذا، هو ما جاء به الأستاذ محمود محمد طه، وما ظللنا ندعو له نحن الجمهوريين باستمرار.. وتطوير وضع المرأة، هو شغلنا الشاغل.. نحن ندعو المجتمع كله، والمرأة بصورة خاصة، أن تطالب بالرجوع للأخذ من أصول القرآن، من الآيات المكية، التي كانت منسوخة بالآيات المدنية.. لأن الآيات المكية، هي التي يرضاها الله لنا الآن ولا يرضى سواها.. لأن مرضاته إنما هي في تكريم الإنسان وإعزازه وتحريره.. وفي هذه الآيات نجد كل الكرامة والعزة والحرية للرجال والنساء على السواء.. لكن مجتمع القرن السابع لم يستطعها، ولذلك نسخت في حقه.. والغرض من هذا النسخ تأخير العمل بها إلى أن يجئ المجتمع الذي يحتاج إليها، ويطيقها، فيطبقها، وقد جاء الآن، في تقديرنا، وهذا ما من أجله ندعو لما ندعو إليه.. فالسبب في الدعوة إلى هذا التطوير، إذن، إن وضع المرأة عندنا قد تغير من مستوى القصور الذي كان عليه، إلى مستوى هي فيه رشيدة.. ومن هنا، وجب أن يقوم القانون على تقرير مبدأ المسؤولية.. فالمرأة مسؤولة أمام القانون، كما الرجل مسؤول.. وعندنا، في الدين، أن المرأة مسؤولة مسؤولية تامة أمام الله.. فلا يقوم بتحمل هذه المسؤولية عنها أبوها، أو أخوها، أو زوجها.. ولكنها، في الشريعة ناقصة المسؤولية، لقيام وصاية الرجل عليها..

 

ولذلك فإننا ندعو أن يتطور القانون من مستوى الوصاية، إلى مستوى المسؤولية.. فتكون في هذا القانون، المرأة مسؤولة أمام المجتمع، كالرجل تماما.. وتقوم الآية "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة" وهذه الآية تعني أنه كلما تطورت المرأة في المجتمع، وأصبحت تقوم بواجبات كثيرة، وجب على المجتمع أن يعطيها حقوقا مساوية لواجباتها هذه.. الحقوق مساوية للواجبات.. "وللرجال عليهن درجة" ينبغي ألا تفهم أن لكل رجل درجة على أية امرأة.. فهذا الفهم يرفضه العقل، ويكذبه الواقع المعاش.. فإن كثيرا من النساء، أفضل من كثير من الرجال. ويجب أن لا تفهم هذه الدرجة على أنها تمييز أمام القانون وإنما هي تعني أن في قمة تطور هرم الكمال البشري رجلا، تليه زوجته، يليها بعد ذلك عدد من النساء والرجال يتفاوتون في درجات القرب من الله.

 

وعلى هذه الآية يجب أن تبنى جميع القوانين الأخرى.. فالمرأة في هذا المستوى، تكون حرة في اختيار زوجها،، ولها حق الطلاق بالأصالة، كما لزوجها، متى ما رأت أن الحياة بينهما قد استحالت .. وفي هذا القانون، كما أن المرأة كلها تكون لزوجها، فإنه يكون كله لها، بلا تعدد زوجات عليها.. قال تعالى "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة" وقال في آية ثانية "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم".. ومن هنا يتضح لنا أن مراد الله في أصل الدين، هو المرأة الواحدة للرجل الواحد.. لأنه قد قرر أن الرجل لا يمكنه العدل بين النساء ولو حرص على ذلك.. هذا بالإضافة إلى أن العدل المادي الذي، إلى جانب أسباب أخرى، قد أباح التعدد في الماضي قد تغيرت صورته للعدل المعنوي.. فالعدل في القرن السابع فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالعدل المادي- المادي في الكساء والسكن والغذاء وما إلى ذلك.. وفي ذلك قال المعصوم " اللهم هذا عدلي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك" هذا العدل المادي قد تغير في مجتمعنا الحاضر إلى العدل المعنوي، لأن المرأة في هذا المجتمع، أصبحت، وهي تصبح، كل صبح جديد، قادرة على الإنفاق على نفسها؛ ولذلك فإنها تطالب بالعدل في ميل القلوب.. وهذا ما لا يستطيعه أحد بين اثنتين "فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك". ومن هنا وجب أن يكون الزوج كله لزوجته كلها، من غير أن تشاركها فيه زوجة أخرى.

 

فالمرأة في هذا القانون، تكون مكافئة لزوجها تماما.. ولذلك فهو لا يدفع مهرا عليها، لأن المهر إنما يمثل عهد هوان المرأة وقصورها، عندما كان الرجل قيما عليها.. فهو يمثل طرفا من إنفاق الرجل عليها، والإنفاق سبب من أسباب القوامة.. والمهر زيادة على هذا، إنما يمثل ثمن شراء المرأة، عندما كانت تزوج عن طريق السبي، أو الخطف أو الشراء.. ولذلك فالمرأة، في هذا التشريع كريمة، وليس لها ثمن مادي يمكن أن يدفع عليها، لأنها لا تقيّم بثمن، فهي مساوية للرجل، ومهرها رجلها، كما سلفت الإشارة فإنه قد قيل أن زوجها كله لها كما هي كلها له.

 

وبإلغائنا للمهر المادي هذا، فإننا نكون قد دخلنا في الدين أكثر، وتخلقنا بأخلاق النبي الكريم لأنه قد رغب في المهر القليل، وفي بعض عقوداته جعل المهر مهرا معنويا، فزوّج لبعض أصحابه بآيات من القرآن.. وتزوج هو من دون مهر، السيدة صفية، وجعل مهرها عتقها.. ومن هنا يظهر لنا أن الحرية يمكن أن تكون مهرا للمرأة.. وهي على التحقيق أغلى مهر لها.. وهذا ما ندعو له نحن – حرية المرأة وكرامتها هي المهر الوحيد للمرأة.

 

(عن الطبعة الثانية أبريل 1977 ربيع ثاني 97)

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.