اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ألمكتبة

بؤر الصراع التاريخي في المجتمع العربي عامة والعراقي خاصة// يوسف زرا - صفحة2

                                                     19 / 3 / 2012  

4- أطراف المحاصصة في لعبة جر الحبل

عندما تيأس فئة متنفذة في الساحة السياسية مدعومة من قبل البني التحتية الاجتماعية البسيطة والمنسوبة إلى ارتباطات جِهوية أو لمرجعيات مذهبية يصعب عليها فك ارتباطها اللاإرادي بتلك الجهة أو المرجعية، وذلك لعدم قدرتها بتحديد مصيرها في وسط سياسي منشغل بدون مقاييس في كيفية إدامة نفوذها وضمان استمراره قابضة على السلطات الثلاثة التشريعية والقضائية والتنفيذية، رغم عدم قناعة ديمومة وحدتها الأيدلوجية ضمن مجموعة أطراف تتنازع فيما بينها للحصول على المقعد الأمامي في القاطرة الكبيرة. وباقية تعمل في إزاحة أي طرف أو فرد يحاول المناورة لاستغلال الفرصة المناسبة لإسقاط الطرف المستأثر بالحكم والذي يعمل من خلف الكواليس عن طريق التشاور والتعاقد والتفاهم والاتفاق على كذا نقاط يمكن من خلالها اقتسام المناصب السيادية في السلطات الثلاث والانفراد بالتنفيذية الأكثر رواجا ً إعلاميا ً لشخصية الرجل الأول والذي يحاول في فرض وجوده على رأس المؤسسة الوزارية من خلال كسب الأصوات المتناثرة هنا وهناك، سواءً من هذا الطرف القريب أو من أطراف أخرى تتقاطع مع نهجه.

وصولا ً إلى الوعود المقطوعة لهم بكذا منصب وزاري، وبكذا صلاحيات استثنائية في إبرام عقود وعقود...الخ

وان لعبة تسييد الطائفية باستقطاب المذهب الشيعي وتسييسه على ارض الواقع (الحصة الكبرى) وما يعكس ذلك ايجابيا ً على بقاء كتلتها قابضة وبشكل محكم على زمام الأمور ومحاولة تهميش أو إقصاء الطرف المتصارع معها والمتمثل في الجبهتين الأولى منها، الكتلة المتبنية ظاهريا ً شعار قومي علماني، وباطنيا ً مذهبي سني (الحصة الصغرى) ممثلة بالبنية التحتية المتخبطة هي الأخرى وغير المؤتمنة على مستقبلها بسبب انسلاخ علاقة الفرد بصورة عامةعن المواطنة والوطنية، ولابد لكل تكتل مذهبي أو قومي في هذه المرحلة ان يعمل على التجمع حول محور وإيصال صوته عبر التهديد والوعيد إلى الأطراف المتصارعة معها والتي خلفها الاحتلال الأجنبي وأصبح الفعل الفاعل في ساحة العمل السياسي، وبدون معرفة ما هو الهدف وما منهجه، بل فقط لإثبات وجود التجمع كأكثرية تاريخية، تارة خلاياها الفاعلة عبر المرجعيات نائمة أو في سبات عميق نتيجة مخدر منعش للجمع وقتيا ً. غير القوى العاملة على ارض الواقع واستغلت الاضطراب الأمني والسياسي والهيجان الاجتماعي والتردي الاقتصادي. وكان تاريخيا ً بين مطرقة ذاك الطرف وسندان الطرف الآخر حينما كانت الوطنية مشبعة بالعنصرية السوداء والشوفينية القومية المتمثلة بأنظمة الحكم في العراق الحديث بصورة خاصة. فكان التيار القومي العربي وباسم العلمانية بعيدا ً عن المذهبية والطائفية التي إن اعتمدت لانقلبت الأمور على ذويها ويعم الخصام بدون فائدة، وان الصراع المذهبي لم يكن مستثمرا ً سياسيا ً، فأن الكتلة الكردستانية في البرلمان المركزي وحكومة الإقليم وعيا ً على اللعبة القائمة بين طرفي الكتلتين المتصارعتين على كراسي السلطات السيادية وغير السيادية متمثلة بكتلة دولة القانون الشيعية بزعامة نوري المالكي، والكتلة العراقية السنية بزعامة أياد علاوي.

فلا بد للقيادة السياسية الكردية من استغلال نفوذها الذي اخذ يفرض وجوده على جميع الأطراف ويتبنى صفة الجهة اللاعبة والقادرة على فض النزاع بين الكتلتين المتصارعتين وفي أية بقعة جغرافية تختارها وتفرضها على الكل. وبدا الكثير من أطراف الكتلتين تتحرك منذ مدة كالمكوك شمالا ً وجنوبا ً ووسطاً. علما ً إن الساحة السياسية المتفاعلة فيها الكثير من الأحزاب السياسية ومنها ذات جذور تاريخية وبأيديولوجية معلومة، وفئات اجتماعية (مكونات الأقليات) تنتمي لتاريخ هذا الوطن أيضا ً وهي مقصية أو مهمشة كليا ً. وأحيانا ً تجاملها بعض ٌ من هذه الأطراف بغية الاستفادة من أصواتها إذا دعيت للمشاركة في قرار ما دعما ً لها في مسرحية لعبة أطراف المحاصصة في عملية جر الحبل فقط. ولا حاجة لذكر الشعب المغلوب على أمره كباقي أطراف البني التحتية العريضة للشعب العراقي وعلى مضض من الواقع المؤلم ولا سامع ولا مجيب

                         ٨ / ٦ / ٢٠١٢

5- تقلبات البيئة وسلوك الانسان

اذا كانت الحياة بمفهومها البدائي قد ظهرت على سطح كوكبنا فلربما يشك بوجود كائنات اخرى على سطح عدة كواكب ايضاً0 ان مجرى الحياة وعبر التاريخ لم يكن ولا يمكن ان تكون قد بقيت على مستواها التشريحي للجسم والوعي النسبي للعقل كما ظهرت من عمق التاريخ وقبل ملايين من السنين0 ولابد عامل الحركة الديناميكية لاي كائن حي وباي شكل وفي اية بيئة كانت, ان تنقل ذلك الكائن من حالة قديمة ذات خصوصية وظيفية محدودة, ومحدودية فعل الحركة لفترة زمنية معينة الى حالة جديدة تختلف عن سابقتها بخواص حياتية0 ولما كان الانسان يعتبر ولا زال ارقى انواع الكائنات الحية, فان فعل التطور بتحرر الاطراف الامامية لفعل عملية الانتاج0 والخلفية للمشي بقامة منتصبة0 فلابد ان يصاحبها تطور في الناتج العملي المناط بها وحسب الضرورة القادمة, ومردودها الايجابي سرعة الحصول على مقومات الحياة الغذائية بالدرجة الاولى, ثم سرعة لانجاز العملية بحد ذاتها ومهما كانت, مع ما رافقها من تحول او طفرة نوعية بايولوجية في عمليات الدماغ, وارتفاع نسبة ادراك العقل لما حوله من المكوانت المادية ومنها (حيوانات, جبال, سهول, انهار, بحار, اشجار وغيرها) ثم بدأ تفكيره اللاإرادي وبفعل ناتج العمل العرضي يقوده (الانسان) الى تصور فكرة جديدة, او محاولة التعرف على ماهية المحسوسات المادية0 والتفكير لغرض بدء التعرف على الظواهر الطبيعية التي ترافق طوال ايام السنة وتقلبات البيئة المناخية والجغرافية, ومنها سقوط الامطار والثلوج وهبوب الرياح والعواصف وحدوث الزوابع والاعاصير وكذلك الزلازل والفيضانات واخيراً انفجار البراكين هنا وهناك الى جانب ظاهرة المد والجزر وعلاقتها بحركة القمر حول الارض وغيرها0 وان علاقة درجة حرارة كل منطقة من كوكبنا تزامناً مع عدة فترات زمنية محددة مسبقاً بارتفاعها وتعادلها ثم انخفاظها0 كان هناك عوامل تعمل وفق مزاجية معينة لكل فترة زمنية وعلى بقعة جغرافية معينةوتجعل كل الكائنات المتعايشة معها تحت فعل وتأثير هذه الظاهرة0 ولا وجود لقوانين موضعية ثابتة تحدد حركة الاحياء بصورة عامة والانسان بصورة خاصة, وفق ماتفرضه هذه القوانين عبر الفترات الزمنية (الفصول السنوية الاربعة) 0 وهل ان ادراك ووعي الانسان فرداً وجمعاً مقيد ام هو حر في التعامل مع هذه الظواهر ويتكيف وفق ما يلائمه فرداً او جمعاً0 فان نظرية المادية التاريخية لا تنظر الى الانسان كائن فطري كبقية الكائنات يولد وينمو ويموت دون ان يتحسس ما حوله وان وجوده جيلاً بعد جيل ليس الا ناتج عن عملية فعل الغريزة للاستنسال لنسله فقط0 ولايوجد في تكوينه الاجتماعي شرائح او طبقات تتقاطع مصالحها عن بعضها كما لدى الانسان, منذ ظهور (العقد الاجتماعي) من عمق التاريخ (الدولة) بدأ الصراع (عامل الدفع للتحول) بفعل تأثيره الدائم وينتقل من حالة الى اخرى قد تكون في غالبيتها الايجابية لصالح الجميع ومضرة سلبية في احيان اخرى.

ولكن بنمو ادراك وتقدم وعيه وتطور ناتج عمله , تحكمت به قوانين جديدة مجبرة للتفكير الى الاحتفاظ بنوعيته (ككائن ارقى) وسيد الكائنات على هذا الكوكب, وبدأ يفكر في استحداث ما هو افضل في خدمة الجميع مع الاحتفاظ بخصوصية كل شريحة وطبقة ومكون منه بحالة تنافس شرعي سلمي في مجرى الحياة0 فاذا كانت البيئة الجغرافية والمناخية ممكن ان تؤثر في بناء شخصية الفرد, وتحدد طبيعة سلوكه وتصرفاته في مراحل الحياة0 فلابد ان نؤكد ونقول ان كل المجتمعات الراقية والمتخلفة تحكمها ما يفرز من العلاقة الاجتماعية من قيم وعادات وتقاليد, لانها (في تكوينها الحياتي اجتماعية الطبع) 0 وان تلك العادات والتقاليد والقيم لدى الانسان فقط قد تتحول الى قوانين تسري محتوياتها الى عدة اجيال0 علماً ان لكل مجتمع قيمه وعاداته وتقاليده (قوانينه) ووفق ماتقتضيه المستجدات وسمة العصر مع التأثيرات الخاصة للبنية الجغرافية والمناخية لكل تجمع بشري, فان المستجدات ظاهرة دائمية وناتجة من فعل حركة المجتمع, ويجب ان تكون بافضل من سابقتها لمجمل البنى التحتية،ولكن نرى ان دور العقائد الدينية والمكون الفعال للقيم والاعراف المقدسة لكل تجمع بشري الى جانب القضية الاقتصادية, والتي تكون فعلا عنصراً جوهريا ً وحيوياً الى نشوء صراعات متفرقة ومتفاوتة في حدتها واعتدالها0 وكل شريحة او طبقة او مكون اجتماعي مستقل يحاول التشبث بالتمسك بزمام الامور والتحكم بغيره ولصالحه ولمدة اطول0 دون اعطاء قيمة لمفهوم ان لكل انسان الحق في حرية اختيار ما يؤمن به, لان مفهوم الايمان والعقيدة الدينية ملكية شخصية وارث مقدس, لايحق لغيره مسها او تغيرها بالعنف مع المكون التاريخي لكل فئة وبمستوى من القدسية ايضاً الانحدار الاثني والقومي0 واذا طالما اردنا الكتابة عنه ولما يعانيه مجتمعنا العراقي بكل مكوناته الاجتماعية والدينية والاثنية والقومية من بعد 9/4/2003 , واستفحال ظاهرة التعصب الديني والمذهبي والقومي عبر ظاهرة الإرهاب المنظم وبقيادة الأطراف المتصارعة على كراسي الحكم وبشكل علني, وماتعكسه على ارض الواقع من فقدان الامن الجماعي بصورة خاصة, ولم يعد لاية شريحة او جماعة وحتى طبقة اجتماعية تأتمن على سلامتها وعلى مصالحها0 وان انتشار الفساد المالي والاداري وبشكل مكشوف لايمكنلاية جهة قانونية رسمية محاسبة احد, لان الاطراف المتصارعة تحمي ذلك لغرض تعميم الفوضى في جميع مرافق الحياة0 ان الشعب العراقي اصبح عاجزاً عن الدفاع عن حقوقه الاساسية وعن حقه بالعيش الكريم0 وان الديمقراطية بمحتواها الفارغ تستغل من قبل الكتل الكبيرة المتصارعة غير مهتمة بما تؤول النتيجة من استمرار الوضع كما هو, ولا ينظرون لما حولهم في البلدان القريبة وشبه البعيدة, ما حل بحكامها حين داسوا على مقومات شعوبهم وكرامتها.

هذا هو واقع الشعب العراقي الجريح والمؤلم من بعد الاحتلال في 9/4/2003 فان جميع فصائله الوطنية والاجتماعية والثقافية والغالبية الكادحة في واد وزعماء تلك الكتل في واد اخر 0

فهل حقاً ان تقلبات البيئة الجغرافية والمناخية تخلق انسان غير متزن السلوك والتصرفات تجاه بعضه والا ماذا ؟ فان تلك الجروح القديمة اكثر الماً من طعنة جديدة بخنجر مسموم فان هذا الشعب مكلوم من زمان وللصبر حدود.

                                                               15/7/2008

6- أنزاعات إقليمية أم حروب مدفوعة الثمن؟

إذا كان الصراع في المجتمع الحيواني بصورة عامة، وفي المجتمع الإنساني بصورة خاصة، يعتبر ظاهرة بيولوجية طبيعية. فان الصراع بمفهومه السلبي يؤدي إلى عدم الاستقرار وضمان الأمن الجماعي لكل الأحياء. ولابد أن يقود الكائنات الحية إلى استمرار النزاع اوالخصام كل في بيئته. وله ما يبرره في عالم الحيوان بالدرجة الأساسية كنزعة للبقاء (والبقاء للأقوى) وكقانون ثابت لاصطفاء النوعي الطبيعي للكائن الحيواني كحالة فطرية لا إرادية.

أما نزعة البقاء في المجتمع الإنساني، فهي أيضا قانون للاصطفاء النوعي الطبيعي والاصطناعي له. لان النزعة بحد ذاتها هي حافز ومحرك لاستقطاب الناتج (للأصلح أو للأفضل) وضمن عملية إرادية وبادراك مسبق لسلبياتها وايجابياتها. وان ظهور المجتمع الإنساني ونموه واتساع رقعة تعايشه الجغرافي وبتعدد مكونات بشرية متباينة في العادات والقيم والمعتقدات، ومتقاطعة في المصالح الطبقية المادية والاجتماعية والثقافية، فلا بد من بروز هذه الظاهرة في مجتمعه، ولا بد أن تتوسع حدتها أو تخف بقدر ما تمليه ميزة البيئة وأفضلية الناتج للأكثرية ولفترة زمنية مهما طالت، لان لا ثوابت لما تقدم في المجتمع الإنساني و لأنها سنة حياتية (أي قانون ثابت).

وإذا كان المجتمع الإنساني وعبر مسيرته الحياتية الطويلة، وبسبب فرض عليه ظاهرة (نزعة البقاء) إلى جانب قانون توازن الأحياء في الطبيعة. قد ساقته إلى تحديد أهمية هاتين الظاهرتين وحتميتهما. فان التقدم المدني والحضاري اللتين انفرد بهما المجتمع وأدتا إلى قيام ونشوء النزاعات الداخلية ضمن مكوناته المذكورة وامتدادها إلى حروب خارجية مع غيره من المجتمعات، قد تتقدم عليه أو تتخلف عنه حضاريا ومدنيا لا خلاص منها.

وان تاريخ البشرية حافل بالشواهد بحدوث حروب ونزاعات طاحنة بين الكثير من الدول وأدت إلى انهيار مجموعة حضارات واختفاء مجموعة أجناسوأقوام واثنيات بكاملها. وان غالبية المتاحف العالمية والمحلية تنطق بذلك. وان معظم الحضارات القديمة والحديثة ومعلومة للمتتبع التاريخي ولا تحصى، فمنها اختفت كليا أو جزئيا، وبعضها لازالت قائمة وحققت تقدما واضحا في كافة مجالات الحياة. وان ما استخدم في عمق التاريخ في الحروب القديمة كانت أسلحة بدائية (بيضاء)، اعتمدت قياداتها السياسية والعسكرية على كتل بشرية لا تعد ولا تقدر كوقود لآتون تلك الحروب ولمدة عقود، لا بل قرون من الزمن. وثم السلاح الناري البدائي والذي كان عنصر النصر يعول عليه وبأقل عدد من الكتل البشرية لسابقاتها لاحقا.

وإذا كانت الدول والأقوام الكبيرة عبر التاريخ قد احتكرت لنفسها حق الدفاع عن منجزاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية وغيرها واستمرت بتطوير الكثير من الأسلحة الفتاكة، وامتلكت في العقود المنصرمة من القرن الماضي السلاح النووي والصواريخ العابرة للقارات، وأصبح لها ترسانات ضخمة منها، وانحصرت هذه التقنية العملاقة بيد عدد من الدول الغربية الأوربية، بريطانيا، فرنسا، (الاتحاد السوفياتي سابقا) وروسيا حاليا والولايات المتحدة الأمريكية وكأول دولة استخدمت السلاح النووي في الحرب العالمية الثانية ضد اليابان عام 1945. وبقيت هذه الدول مهيمنة عليه، خشية انتشاره إلى دول عديدة وحدوث نزاعات وحروب بين فصيلين منها أوأكثر وفي مقدمتهم الدول الكبرى المذكورة. فان نتائجها لا محال تكون بتوسع رقعة الحروب وتشمل معظم القارات المعنية وغير المعنية وذات المصلحة بها بدءا بأوربا وأمريكا واسيا، ثم أفريقيا واستراليا. ولا بد ولفترة قصيرة جدا أن تؤدي هذه الحروب إلى هلاك غالبية الجنس البشري إذا استخدم السلاح المذكور، والى اختفاء حضارات عديدة، علما إن ضحايا الحربين العالميتين للقرن الماضي تجاوزت السبعين مليون بين قتيل ومفقود ومعوق.

ولكن لو نظرنا إلى مجرى الأحداث وما جرى من التنافس والتسابق بين الدول الكبرى المذكورة وما وصلت إليه من القناعة التامة مجبرة على عدمأمكانية قيام أي نزاع أو حرب بين دولتين أو أكثر من التي تملك هذا السلاح المدمر وما تكون النتيجة منها على شعوبها بالدرجة الأولى.

فكان هناك الالتفاتة اللاأخلاقية واللاإنسانية من تلك الدول التي تملك التكنولوجيا المذكورة وقيامها بنقل هذه الحروب والنزاعات إلى ساحات عديدة وضمن أقاليم أو مناطق جغرافية بعيدة عنها نسبيا ً كظاهرة استمرار النزاع داخل المجتمع البشري، والسعي الحثيث لتحقيق توسعها العسكري والاقتصادي على حساب الشعوب المتخلفة أو الضعيفة. وفرض وصايتها عليها ضمن القارات الثلاث (أو ما يسمى العالم الثالث) أفريقيا، أميركا الجنوبية ودول الشرقيين الأدنى والأوسط، والتي تملك الكثير من الثروات الطبيعية كالنفط بالدرجة الأولى وغيرها والتي هي ذات أهمية قصوى لإدامة تطورها وتفوقها على غيرها. وفرض نظامها (الرأسمالي)، وبغية تشغيل البشرية بحروب ونزاعات متفرقة في العالم.

وإذا أردنا أن نحصي عدد النزاعات التي استفحلتها الدول الكبرى المذكورة والغربية منها وعلى وجه الحصر وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وخلال القرن الماضي والى هذا اليوم ومنها الحرب الكورية والفيتنامية وبعد الاتحاد السوفياتي في العقد الأخير من القرن الماضي، فسوف نرى أن في كل بقعة من المناطق المذكورة، حدث نزاع داخلي وتطور إلى تدخل خارجي من قبلها أي الدول الغربية. ومنها حرب البلقان في يوغسلافيا وانشطار هذه الدولة إلى عدة مقاطعات على أساس الدين أو العرق أو القومية ومنها. الصرب والكروات وكوسوفو ومقدونية، وقبلها الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات من القرن الماضي وغزوة العراق للكويت بإعطاء الضوء الأخضر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ثم الحرب في أفغانستان في عام 2001 والحرب على العراق في 9 / 4 / 2003 وبالتدخل المباشر لدول الحلف الأطلسي وبقيادة أمريكا مباشرة وما تركته هذه الحروب لشعوب الدول المنكوبة ومنها لا زال النزيفالدموي المباشر قائما ً كأفغانستان والعراق وما آل اليه الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني وتحت سمع وبصر المحفل الدولي.

وأخيرا ً لعبة ثورات الربيع التي بدأت في تونس قبل أكثر من عام وانتقالها إلى ليبيا وثم مصر وسقوط نظامها وتنحي حسني مبارك عن الحكم ومجيء التيار الديني الإسلامي عبر نفق الانتخابات الديمقراطية المزعومة والعاصفة الصفراء التي هبت على سوريا منذ ما يقارب (17 شهرا ً) ولا زالت مشتعلة داخلها وبشكل هستيري بين قوات الحكومة والمسلحين من المدنيين المنشقين من الجيش النظامي. ولم تكن اليمن ولا زالت بمنحى عن هذه اللعبة واشتعال الحرب الداخلية فيها بهذا الشكل أو ذلك وسقوط رأس النظام (علي عبد الله صالح) وفق سيناريو فرضته دول الخليج، عدا ما هو مستمر في الاقتتال ومنذ مدة ليست قصيرة في كل من الصومال والبحرين، وبين دولتي السودان الشمالية والجنوبية في مد وجزر وغيرها. وما هو في غير الحساب ما يؤل إليه النزاع مع إيران بحجة محاولة امتلاكها السلاح النووي. وما يعكس ذلك إذا اندلعت شرارة الحرب معها، لا أحد يقدر ما هي حصة دول المنطقة بصورة عامة من هول الدمار في البنية التحتية التاريخية لها والخسائر البشرية فيها.

حقا ً إن الاستعمار الغربي وبقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لا زال يفكر بعقلية القرون المظلمة في تعاملها من الشعوب الصغيرة والكبيرة الضعيفة وما حققته بنقل الكثير من الحروب والنزاعات إلى خارج دولها وبصورة مؤقتة وتمكنت في كثير من المناطق المضطربة من صب الزيت على النار وإذكاء لهيبها الذي يحرق الأخضر قبل اليابس، وتأجيج الاحتقان التاريخي الطائفي والمذهبي والقومي والعنصري داخل هذه الشعوب المتعطشة لأبسط مفاهيم الحرية والعدالة الاجتماعية. حقا ً إنها حروب مدفوعة الثمن ومحصلتها مئات الآلاف لا بل الملايين من أبناء هذه الشعوب وبقيادات أجيرة ولمدد غير محددة لحين تهيئة رموز أخرى وتبديلها وحسب حسابات جديدة لها.

وهكذا يدور الدولاب لصالح نظام الرأسمالي العالمي وتحت مظلة هيئة الأمم المتحدة ومجلس أمنها ووفق مفاهيم الديمقراطية اللبرالية الوجه الجديد لنظام الدول الغربية وعولمته.

ولكن المحصلة العلمية والعقلانية تقول (ليس أثمن من الإنسان على هذه الأرض) ولا بد من أن تسود العدالة الاجتماعية بين الشعوب ويدحر العدوان أينما كان ومهما كان، وبلا نزاعات إقليمية ولا حروب مدفوعة الثمن.

25/تموز/2012

 

7- لا تدعوا حناجر الضعفاء تبح …. وإلا

التاريخ زمن متراكم من فعل الإنسان كناتج مادي واجتماعي، والحضارة ليست إلا الصورة المرتشة لذلك الكم المتراكم لها. ولكن هل يعلم المستطرق في شوارع واشنطن ولندن وباريس وموسكو وبغداد والقاهرة … بامتداد ارض أي حضارة كان يمشي ؟.

هناك من عمق الماضي الزمني والمادي رنين لفؤوس ومعاول لأجيال وأجيال من الرجال قضوا نحبهم فيها , وأنين من أرتال وأرتال لأطفال يتامى, وصراخ مواكب ومواكب من النسوة كزوجات فقدن أزواجهن وأطفالهن, وأمهات فقدن فلذات أكبادهن وأخوات فقدن إخوتهن , كل ذلك بسبب المطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية كحد أدنى للحياة اليومية ومقوماتها

فإذا كان ارسطو طاليس قبل أكثر من ستة وعشرين قرنا ً قد قال :-

(في كل زمان ومكان … دولة ورجال … ولكل امة آحاد(.

فمن هم أولئك الرجال وفي أي زمان ومكان كانوا..؟

ومن هم أولئك الآحاد...؟

قليلا ًمن حكمة العقل والإنصاف ياحكام اليوم في عالمنا المضطرب.

أليس هم قادةً لحروب عبر التاريخ ولازالوا يذكون آتونها بأكداس وأكداس من الإنسان الأعزل ومسلوب الإرادة ؟ فلا جواب.

أليس هم المتجبرون من أمثالكم من الذين يفوضون أنفسهم بصلاحيات وبدون نص قانوني للتلاعب بواقع الملايين من الفقراء والمعدمين من ابسط حقوق الحياة وبالعيش ولو تحت شجرة مورقة في فصل الصيف اللاهب ؟… أو تحت سقف صريفة من القصب والطوف شتاءً وقاءً من برده القارس؟ طبعاً بلا جواب. يبدو واضحا ً ومن بعيد , إن المتناوبين على تولي زمام قيادة ارتال وطوابير من جنسهم ومن عمق ذلك الزمن المتراكم والى هذا اليوم ومن أمثالكم , أيضا ً لم ترن في آذانهم ضربات الفؤوس والمعاول لالئك الرجال, ولا لأنينأطفال يتامى , ولا لصراخ مواكب الأمهات والزوجات والأخوات , بحثا عن ذويهن ومعيلهن وحاميهن.أيها الراكبون خيولكم بلا سروج.؟

لم ولن يجف مداد الأقلام الحرة والتي حولت وتحول صراخ حناجر الضعفاء وان بحت … إلى مشاعل , زيتها دماء الشهداء من آلاف الضحايا اليومي في جميع انحاء العراق وقصباته من جراء الارهاب المنضم وتحت سمعكم وبصركم … تلك المشاعل التي لا بد أن تنير دربهم , ولا بد أن تصبح حتوف شهدائهم جسورا ً للمواكب العابرة إلى ضفة الأمان , مطالبة بحق الحياة والعدالة الاجتماعية.

وإلا , فالتاريخ ليس أبكم في ضنكم ولا يحتج معهم , ولا هو أصم لا يسمع الأنين والصراخ , ولا أعمى لا يرى ويبصر ما يغلي في بودقة الحياة ومرجلها , من المحاصصة الطائفية المقيتة , والفساد الإداري والمالي وتهميش وإقصاء كل الفصائل والشرائح الوطنية التقدمية وقادتها وعلى اختلاف مناهجهم السياسية والاجتماعية والاتنية وعدم مشاركتهم في عملية صنع القرارات التي تخدم الشعب ومسيرته الطويلة وبجميع مكوناته التاريخية من الأكثرية والأقلية كما تسمونها بلغة الحساب البسيط.

أيها السادة المحترمون … أحقا انتم غافلون لما يجري تحت أقدامكم ؟

انه زلزال من باطن الأرض , متى انفجر فلن تقوى صلابة وتماسك قشرتها مهما كانت صخرية أو من الصلب , فلن تؤجل تحطمها ونثر أجزائها في أعالي الفضاء , ثم رذاذاً على سطح الأرض كأشباه لرموس تحت الرماد ,

أيها السادة الكرام.

لا تدعوا سبارتكوس يولد من جديد خارج ايطاليا إن لم يكن قد ولد هنا في أرضنا فعلا.

لا تدعوا حمورابي يتحرك متململا فوق مسلته الكبيرة , إن لم يكن قد قفز منها فعلا ليبدأ عملية تجديد القوانين من جديد هنا.

لا تدعو – هوشامنا – يقسم بشعيرات لحيته الهشة بالعودة إلى فيتنام جديدة , دون رجوعه للعمل في سفن الاستعمار الفرنسي.

ولا تدعوا لوثرا جديدا بورقة إصلاح عقائدي أخر وحسب ميزة العصر واستحقاق الإنسان الضعيف المؤمن بالحياة الكريمة

فلا تدعوا – ماوتسيتونغ – يبدأ مسيرة جديدة من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب ,  ومعه شؤن لاي ولي شاوشي – وبيده نسخه جديدة من كتابه القديم (كيف تكون مناضل جيدا) لا بل وكيف تكون ثائرا معاصرا وأمينا على المبادئ الإنسانية.

فما يجري في داخل الوطن العتيد (العراق) نذير شؤم بقيام إعصار لا شبيه لـ (تسونامي في جزر اندونيسيا قبل سنتين). ولا للإعصار الحالي (اسحق) الذي لا يزال يضرب سواحل أمريكا الغربية ويزيل من الوجود مدنً عن بكرة أبيها دون أن يُقيمّا الإعصاريين المذكورين , مما يمكن أن يلحق بهما من الفواجع. وكلها تنكر حضارة الإنسان العراقي الذي بناها عبر التاريخ ونام تحتها , ولا قيمة لأنين أطفال يتامى أو صراخ النسوة وفي مواكب جديدة عبر أثير الكون.

فيا أصحاب النشوة المؤقتة المحترمون في عاصمة الرشيد. نعم ليست نبؤه أو محصلة قرأة فال بمولد ابن بار ثانٍ من صلب ورحم الشعب العنيد , ليعيد بناء جمهورية عراقية ثالثة – فدرالية – ديمقراطية – تعددية – مستقلة – لا محاصصة مذهبية في تركيب سلطاتها الثلاث – التشريعية والتنفيذية والقضائية. ومن غير فساد إداري ومالي ولا تزوير الشهادات ولا غصب ولا غزو لمقاعد مجالس المحافظات والأقضية والنواحي ومجلس النواب لأصوات شريفة.

فالشعب الذي أنجب رجالات 14/تموز/1958 ورمزهم الوطني عبد الكريم قاسم.فلا بد أن ينجب رموزا جديدة , لأنه شعب حي من عمق التاريخ شعب الانتفاضات والوثبات والثورات البيضاء. فلن يكون بحاجة إلىسبارتكوس من جديد ليحرر العبيد ولن يكلف قادة الثورات التاريخية العظيمة في الصين وفيتنام وكوبا وروسيا. بل سيبقون رموزا ً حية لكل البشرية.

أيها الحكام الوقتيون … ويا أصحاب النفوذ في عراق ما بعد الاحتلال الأجنبي …

هلا تفيقون لرشدكم وتتوبون من أعمالكم , وتطلبون المغفرة من هؤلاء الضعفاء قبل أن تبح حناجرهم في بغداد وغيرها. فكثيرون ممن سبقوكم عبر التاريخ القديم والحديث , قد ركبوا بغالهم ثم بلعهم إعصار ما عبر المحيط , أو طوتهم حفرة كبيرة

وعميقة لزلزال ما تحت رماده … وإلا.

      6/9/2012         

8- السياسة والثقة بالعقل

دأبت الأطراف السياسية ذات التوجه الديني والقومي المتنفذة والماسكة بزمام السلطة في كل من الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة اقليم كردستان في اربيل باطلاق التصريحات المتشنجة حول ما مختلف عليه بخصوص المادة (140) والخاصة بمنطقة كركوك وباقي المناطق المتنازع عليها ضمن محافظات كل من نينوى وصلاح الدين وديالى. مما ادى الى تسارع الطرفين الى تحريك القطعات العسكرية باتجاه تلك المناطق, وكأن الامر وصل بانقطاع السبل السلمية بينهما ولابد من اشعال فتيل الحرب وبدء الصراع الدموي بينهما، وانهما على استعداد لدخول هذا المعترك الخطير ولا رأي للشعبين العربي والكردي وباقي المكونات للمجتمع العراقي بذلك. في حين نرى وبمعرفة جميع المسؤولين في الموقعين، ان هناك في الداخل والخارج عدو تاريخي مشترك لهما ولكل الشعب العراقي، ويبذل في الخفاء والجهر كل الجهود لتصعيد الموقف حد الاصطدام المسلح بينهما، والكل يعلم ان عقلية النظام السابق والتطرف القومي الذي مارسه لعقود عديدة ماذا حل بكل الشعب والوطن ومن جراء الحروب التي شنها على الشعب الكردي وتضيق الخناق على مجمل القوى الوطنية التقدمية والديمقراطية حد إبادتها.

ولكن يجب على الكل التفكير بجد وتدارك الأمر من أن أوار الحرب الداخلية في سوريا كاد لا بل اوشك أن يمتد لهيبها الى داخل الوطن ليحرق الكل معاً.

فهل فقد مسؤولوا الطرفين التوازن ولا سيما الحكومة الاتحادية باعتبارها حكومة لكل الشعب العراقي وليس لجهة اكثرية او اقلية سواء كانت دينية او قومية ؟ ام اصبح الوضع على كف عفريت كما يقال وغاب العقل السديد في الاسراع لنبذ التصعيد والكف عن الاعلام الاستفزازي والمتشنج من قبل الطرفين.والشعور بالمسؤولية التاريخية والعودة الى الهدوء و ضبط النفس ولا بد من تحكم العقل بذلك.

واذا عدنا الى بعض اقوال عظماء التاريخ وفلاسفتها ومنهم اسبينوزا، والذي يقول ومن عدة قرون، ان الثقة بالعقل - تعدت كل الافاق والتصورات ليتجاوز هو نفسه الصراع على مبدأ الحق. وهو الذي اعطى الاستقلالية وحرر الانسان من الفكر الفلسفي الذي كان سائداً في اوربا في القرون الوسطى. ونحن الان على اعتاب الالف الثالث الميلادي.

بمعنى اصبح العقل هو المتحكم بالانسان في كافة مجالات حياته ومنظم سلوكه وتصرفاته الاجتماعية والعقائدية. واعتبر كل ما هو خاضع للعواطف يمثل خواص للطبيعة البشرية غير الموزونة وسلبية في نتائجها.

ولما كان العقل هو مصدر التفكير ونتاجه، بمعنى لا يجوز تهميشه او اقصائه مهما كان ولاي جماعة يكون، لأن كل فئة أو شريحة اجتماعية أو طبقية، أثنية وقومية أو دينية، لها خصائص ذاتية وأليات لتوزيعها وتعميمها حسب الحاجة الاساسية للحياة اليومية ومتطلباتها المستمرة وهي شرعية بحكم قانون الحياة على أن لا تتقاطع مع شرعية غيرها.

واذا كانت السياسة هي احدى الوسائل الشائعة وكمحور مهم يتبنى ايصال قضية معينة او مجموعة قضايا تخص واقع الحالة الاجتماعية والاقتصادية والادارية وغيرها الى اوسع قطاع من تلك الشرائع وفق اديولوجيا خاصة تصلح للتغير السلمي المستمر للواقع الاجتماعي المتلكئ أو المتعثر، أو بسبب الركود والجمود الذي اصاب مرافق الحياة العامة، ويطرح سبل المعالجة الدائمية لمجمل ما ورد في لوحة التغيير وغيرها من النزاعات الداخلية مهما كانت مستعصية.

ولما كان المجتمع التقدمي قد توصل عبر التراكم الكمي لتجاربه، فلا بد هنا من سؤال. عن كيفية معالجة ما يعيق سبل التقدم والتحكم بالمستعصيات، تجنباً للعواصف والاعاصير التي لا يمكن لأحد من صدها أو الوقوف بوجهها.

فإن الاضطراب الأمني والأرهاب اليومي المنظم الذي يعصف في كل بقعة من جغرافية العراق ولم تتمكن الاجهزة المختصة معالجتها أو الحد منها، إضافةً الى ما يفرزه هذا الإضطراب من رمي يومياً بمئات الالاف من الشبان في سوق البطالة المروعة وإنعدام ابسط المقومات المادية للعائلة.

فلا بد من حدوث الزوابع هنا وانفجار براكين هناك، وهبوب رياح عاتية كالتي في وسط المحيط بما لا تشتهي السفن.

ولا بد للربان أن يبذل المستحيل على التحكم عقليا بمقود أو سكان المركب وهو في وسط هذه الفوضى والهيجان. ويقوده الى شاطئ السلام. وكفى ابتكار الازمات وتصعيد الصراعات ولا طائل من ورائها، وإلا فالمصير المجهول للمركب وبمن فيه وربانه يصيب الكل. وهناك ما يبرر هذه الحالة من الاضطراب الشامل للمنطقة الشرق اوسطية عامةً والعربية خاصةً من المؤثراتالداخلية والخارجية، والنظر الى ما آل إليه لما يسمى بالربيع العربي، والذي كانت أولى نتائجه المدمرة في اولى انطلاقته من شمال افريقيا، بدأً بتونس وخلع الغطاء القديم واحتل محله اقبح منه. وثم ليبيا ويمن واخيرا مصر والكل يترقب وحذر لما يغلي بداخل مجتمعه، عدا حالة الحرب المهلكة ومنذ ما يقارب العامين في سوريا وما آل اليه شعبها حد الانهيار انتهاءً بالدولة الفاشلة مستقبلاً كما هو متوقع.

وليس العراق خارجاً وبعيداً من هذا الدوار، فمنذ سقوط النظام السابق في 9/4/2003 والى هذا اليوم يعيش شعبه في وسط هذا الربيع المتقدم زمناً والهائج بلا توقف.

فيا ترى هلا تعود قيادة قوافل هذا المجتمع ذات الاتجاهات السياسية والاجتماعية والدينية المتباينة.. نعم وتطلق العقل السليم من عقاله وتثق به كل الثقة كما قال اسبينوزا (ليقرر ما ينفع أو ما يضر المجتمع بكل مكوناته المتعددة) والذي ذاق الامرين طيلة العقود الخمسة المنصرمة من تقديم الضحايا بلا حساب وبلا تعداد. ناشداً الاستقرار الامني والازدهار الاقتصادي للكل، وفي ظلدستور وخيمة ديمقراطية ونظام يقر بالعدالة الاجتماعية وبتعدد المكونات السياسية والاجتماعية واحقيتها في تقرير المصير والحياة الكريمة والأمن الدائم.

وإلا فلا صراخ ونداء ألف اسبينوزا وغيره يفيد ما لم يتم العودة الى الثقة بالعقل لحسم الامور للصالح العام ولا غير ذلك.

                                                             20/12/2012

 

9- المحاصصة سياسة التهميش وإقصاء الغير

إذا كان المفهوم التاريخي للعقد الاجتماعي ذات أهمية وحتمية ولادته، فلا بد من اعتباره أول مبادرة إرادية للعقل الجماعي للإنسان بغية تنظيم حياة التجمع البشري ما بعد مرحلة الصيد وظهور القرية الزراعية البدائية وإقامة أسس أولية لآليات الدولة، ومنها الاجتماعية والاقتصادية والفكرية وغيرها.

فبعد ذلك كان لابد أيضا من بدء بروز فئة داخل التجمع ذات كفاءة نوعية لتولي مهام تنسيق الحياة اليومية وتصريف الأمور وفق متطلبات أنية وما يستجد عبر المسيرة التاريخية ولكل فترة زمنية لحركة المجتمع، كتجربة أولية عبر الاستقطاب الطبقي لكل جيل أو مجموعة أجيال وما تخللها من الأساليب القسرية التي كانت تظهر وتسود في المراحل المذكورة. فإنها بحد ذاتها تعتبر بدء تقديم خدمات عامة يقوم بها المتولون بتصريف شؤون المجتمع، وفي هذه الحالة لابد أن يتميز السلوك الشخصي والمستوى الفكري بدرجة من الرزانة والثقافة النوعية عن غيرهم لتكون هناك نتائج ايجابية نسبيا أكثر من المخلفات السلبية من تصرف تلك الفئة، باعتبارها النواة الأولى لظهور ما يسمى (الحكومة) والتي أصبحت بحكم الفرضية الاصطفافية لتحملها المسؤولية المباشرة عن كيفية حماية المجتمع والدفاع عنه وعن ممتلكاته وصيانة حقوقه الأساسية بالحياة. ووضع الأسس اللازمة لتشخيص الواجبات المترتبة عليه.

وإذا كانت غالبية حكومات الدول العربية سابقا ومنها لازالت قائمة تمثل مصالح أنظمة شبه الإقطاعية والمدعومة بمرجعيات عشائرية و (دينية – مذهبية). ومنها ملكيات أو جمهوريات شكلية غير دستورية، وقد استأثرت بالسلطة وبقت كقوة متنفذة ومستبدة في إدارة شؤون المجتمع. ومنها قد قفزت على كراسي السلطة التنفيذية عبر مسرحية الانتخابات الشكلية وبحماية فقرات ومواد من الدساتير القائمة ذات نصوص مبهمة كما حصل في العراق الجديد بعد سقوط النظام السابق في 9/4/2003 ودور المحتل في تعميم سياسة الفوضى الخلاقة وتأجيج الصراع الطائفي والمذهبي والقومي والديني بين مكوناته المتعايشة منذ قرون وقرون.

فان ما تشهده الساحة السياسية فيه من التناقضات والاختناقات وتراكم الأزمات والتي تحاول الحكومة القائمة بشخص رئيس الوزراء، اللعب بالورقة النافعة لصالح حزبه فقط. فانه قد التجأ منذ توليه رئاسة هذه الحكومة قبل أكثر من سنتين من الدورة الثانية، إلى المماطلة والمراوغة في حل كل أزمة بما يناسب ويؤدي إلى الاستقرار الأمني والسياسي والازدهار الاقتصادي. إلا انه يحاول بين فترة وأخرى خلق أزمة بعد أزمة وتعليق السوابق على الرفوف بحجج غير مقنعة لمعارضيه والاستئثار بالحكم لأطول مدة ممكنة، وفشل البرلمان بسحب الثقة منه وبعض الوزراء لاختلاف كتله على ذلك. وأخر الأزمات التي كادت أن تشعل حرب ضروس بين قوات الحكومة الاتحادية وقوات البيشمركة لإقليم كردستان. لعدم رغبته بحل المعضلة الرئيسية بين الحكومتين، وهي المناطق المتنازع عليها والمادة (140) حول كركوك، ومسألة قانون النفط والغاز وأحقية حكومة الإقليم من استثمار النفط والتعاقد مع الشركات العالمية وتصديره.

 إلى جانب ما هو متراكم من المطالب الشرعية للمتظاهرين في المحافظات صلاح الدين والرمادي والموصل وديالى وغيرها والتي مضى على بعضها عدة أسابيع وتخص إطلاق صراح الأعداد الغفيرة من المعتقلين والمعتقلات بدون توجيه أي تهمة جنائية ضدهم، ومسألة قانون العفو العام والمساءلة والعدالة والمادة (4) الخاصة بالإرهاب وعدم انجاز مجموعة قوانين والمصادقة عليها من قبل مجلس النواب لاختلال النصاب لعدة جلسات بصورة متعمدة، ومنها قانون الخدمة الموحد وإنصاف المتقاعدين، وقانون الاتحادية وغيرها.

والملح ايضا الفساد المالي والإداري المستشري في جميع مرافق وحماية كبار المسؤولين ومن زعماء القوائم المتصارعة على السلطة، وفي مقدمتها قائمة كتلة رئيس الوزراء (دولة القانون) وأخر الفضيحة الكبرى من الفساد المالي هي التي رافقت صفقت الأسلحة الروسية وما جرى خلف الكواليس المماطلة في التحقيق النزيه وكشف رموز المفسدين المتورطين فيها. عدا انتشار البطالة في صفوف الشريحة الواسعة من الشباب والعاطلين عن العمل ومنهم جمع كبير من الخرجين والخريجات من الكليات والمعاهد الخاصة. وان الحكومة ورئيسها منشغلة في عملية إعطاء المواعيد والوعود الفارغة لحلجميع الأزمات والمعضلات المطلوبة وبدون جدوى. مما أدى إلى نفاذ صبر الشعب واستغلال الوضع المتردي امنيا واقتصاديا من العناصر المنتمية إلى فصائل التطرف الديني والمذهبي والقومي وإشعال فتنة الحرب الأهلية ولا يمكن لأحد من احتوائها.

وان سياسة المماطلة والاستئثار بالحكم وتهميش أو إقصاء باقي القوة السياسية لا يمكن أن تؤدي إلى ثمار ونتائج تخدم أي طرف. ولا بد من التروي والتحكم العقلي والإسراع في تفويت الفرصة للمتربصين بالوطن من الداخل والخارج بالإسراع في تلبية مطاليب جميع القوى السياسية الوطنية المعارضة كمطلب ملح لا غير.

12/2/2013

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.