اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ألمكتبة

بؤر الصراع التاريخي في المجتمع العربي عامة والعراقي خاصة// يوسف زرا - صفحة5

 

24- الأقليات بين مخاض الازمات ووثائق المؤتمرات

اذا كان المحفل الدولي بصورة عامة والمنظمات الخاصة ذات الطابع الانساني والقانوني، والمدافعة عن حقوق الاقليات الاجتماعية والسياسة والدينية، قد تحسست منذ فترة ليست بالقصيرة, بان الاقليات الدينية بصورة خاصة في بعض الدول العربية وهي, العراق, سوريا, فلسطين, مصر, والاردن, وكانت نسبتها قد انخفضت الى اكثر من 50% خلال العقود الاخيرة من القرن الماضي, ومنها المسيحية واليزيدية والصابئة وغيرها, والتي تعتبر من الديانات القديمة في الدول المذكورة. وان الجهات الرسمية وغير الرسمية المتنفذة فيها قد حاولت وفق مخطط مهيء مسبقاً لتصفيتها عن طريق تضييق الخناق عليها ومحاربتها او تهميشها من قبل بعض الجهات السياسية والدينية والقومية المتطرفة, ومنها التيار القومي العروبي سابقاً والديني السلفي حالياً في كل من العراق وسورياتحديداً.

ومن منطلق ان هذه الاقليات الدينية والاثنية في المنطقة هي العائق الرئيسي لقيام الوحدة الادارية والسياسية للامة العربية, وفق ماكان يطرح في غالبية مؤتمراتها القومية والقطرية لاحزابها السياسية المعلومة. فان الديانة المسيحية ذات الجذور التاريخية في هذه المنطقة ككل لا يمكن ازاحتها او الحد من نشاطها التبشيري السلمي بالطرق القانونية وبشكل مكشوف. فقد التجات الى تشديد الخناق على انصارها ما لم يعلنوا انخراطهم في صفوف احزابها القومية. مما ادى الى بدء الهجرة الفردية والجماعية من الوطن الام. وان دول اوربا الغربية والولايات المتحدة الامريكية مهدت لستقبالهم وتسهيل اقامتهم في اراضيها واحتضانها لكوادرهم العلمية والثقافية والمهنية, مما جعل الهجرة اليها تنشط حتى اليوم. ودليل ذلك ان قبل اكثر من سنتين كانت بعض دول اوربا الشمالية قد رفضت منح الاقامة ولو بصفة الانسانية او سياسية لاكثر من (750)عراقيا وغالبيتهم من المسيحيين.

فحالا اعلنت الولايات المتحدة الامريكية قبولهم ومنحهم الاقامة فيها. ويعتبر هذا فعلا تشجيع مباشر لهجرة العراقيين بصورة عامة والمسيحيين منهم بصورة خاصة.لوطنهم الام. عدا ما خلفتهُ ومنذ عقود الحروب والنزاعات الداخلية التي حصلت في المنطقة خلال الاعوام, 1948 , 1956 , 1967 , 1973 ومع اسرائيل مباشرةً والمدعومة من الدول الغربية , وشاركت فيها جميع الدول المجاورة لفلسطين ومن ضمنها العراق. وكانت نتائجها قد انعكست على مجمل شعوب الدول العربية بصورة عامة, وفي مقدمتها مصر , سوريا, وفلسطين. وشعر المسيحيون ان هذه الحروب قامت بين العرب ظاهريا والاسلام باطنيا من جهة , وبين اليهود ودولة اسرائيل وبسبب الاراضي المقدسة في فلسطين من جهة ثانية.

ولا يخفي على احد ان الديانة المسيحية هي الاخرى وحسب القدم, كانت المستهدفة ايضا من قبل الحركة الصهيونية العالمية. وان تعداد المسيحيين في مدينة القدس حصراً قبل الحروب المذكروة كان بحدود مائة وخمسون الف نسمة, وحاليا لم يبقى منهم سوى خمسون الف نسمة فقط وباعتراف الجهات الرسمية الفلسطينية موخراً.

ومعلوم ايضا ان الشعب الفلسطيني بجميع مكوناته الاجتماعية والدينية قاس الامرين من تلك الحروب ولازال.

الا ان ما أصاب الاقلية المسيحية فيها , كانت كنكبة كبرى بسبب نسبة ما تلقته من دعم مادي ومعنوي من الدول العربية قياسا لغيرهم من العرب المسلمين الذين تلقوا بعض الدعم من الدول العربية المجاورة وان الدعم الغربي للمسيحيين ولازال هو تشجيعهم على الهجرة فقط. ولم يمض وقت طويل على محنتهم , وقبل ان تلتئم جروحهم القديمة في عموم الدول العربية ومن جراء الحروب المذكورة. حتى هبت العاصفة الصفراء والتي اجتاحت العراق مباشرةً, وكان تأثيرها ولا زال قائما على مجمل مكوناته الاجتماعية بصورة عامة وقاسية. حتى شملت شعوب جميع دول منطقة الخليج بدءاً بالحرب العراقية الايرانية منذ عام 1980 حتى عام 1988 , وثم غزوة دولة الكويت عام 1990.

واخيرا حرب عام 2003 واحتلال العراق من قبل قوات الدول الغربية وبمقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد 9/4/2003. ثم تلتها فترة حكم بول برايمر التي قضت على جميع مؤسسات الدولة العراقية التاريخية, الاقتصادية , الثقافية والأمنية وغيرها. حتى عام 2005 حين تولت السلطة فئات متصارعة على كراسي الحكم وبواجهات دينية طائفية ومذهبية مكشوفة , ثم المحاصصة المقيتة في توزيع كراسي الحكم , والتي من جرائها اصبح العراق بحكم الواقع ساحة حرب اهلية وغير معلنة بين الشيعة والسنة دون ارادة الشعب, واستشر الفساد المالي والاداري والسياسي وفقدان الامن على يد المنظمات الدينية والقومية المتطرفة , وبشكل منظم ومكشوف والموجه بصورة مباشرة  اولا  ضد جميع الاقليات الدينية المذكورة وفي مقدمتها المسيحية ولازال الاعتداء يمارس ضدها, وعن طريق الاغتيالات الفردية والجماعية لكثير من اصحاب الاعمال التجارية والكوادر العلمية والمهنية ورجال الدين. عدا تفجير الكنائس ودور العبادة وتحت بصر وانظار المسئولين دون ان تتمكن الاجهزة الامنية لوضع حد لها او حمايتها.

اما الحرب الاهلية في سورية والتي بداة قبل اكثر من سنتين وهجرة غالبية المسيحيين من المدن والقصبات الرئيسية فيها الى الدول المجاورة. وان كانت هذه الحرب كلفت وتكلف الشعب السوري الكثير من الكوارث والمصائب. الا انها بالنسبة لاي اقلية منها تعتبر محنة ونقمة كبيرة.

ولابد ان نعود الى ماكان سائدا في مصر من التطرف الديني من قبل التيار السلفي المتشدد فيها منذ ايام الرئيس المعزول حسني مبارك ولعدة عقود قبله , ولازال الاعتداء مستمرا على المسيحيين الاقباط بشكل مباشر وشرس.

وفي مخاض الازمات التي عاشتها وتعيشها الاقليات الدينية في دول المنطقة, فقد توالت في الاونةالاخيرى عقد عدة موتمرات بحجة الدفاع عنها ومنها المنعقد بتاريخ 2/11/2013 في بيروت تحت شعار(الموتمر المسيحي المشرقي) "اللقاء المسيحي ". والذي حضره الكثير من ممثلي دول المنطقة ومنها مصر , العراق , لبنان, سوريا, الاردن, وفلسطين, كما حضره الكثير من رجال الدين المسيحي ممثلة عن كنائسهم في الدول المذكورة الى جانب ممثلي بعص الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وشخصيات قانونية وغيرها. مطالبين فيه استحداث محافظة في سهل نينوى وبمشاركة جميع المكونات القومية والدينية المتعايشة في جغرافيته وغيرها من التوصيات.

كما عقد في اربيل بتاريخ 23/11/2013 موتمرا اخر تحت شعار (لا للتغيير الديمغرافي لمناطق المسيحيين الاصلية في العراق) وسمي (موتمر اصدقاء برطلة). وبحضور شخصيات من اقليم كردستان وعدد كبير من المسؤولين الحكوميين والسياسيين من الاقليم ورجال الدين المسيحي ايضا. والقيت الكثير من الكلمات وبشكل مسهب لما تعرض ويتعرض عليه المسيحيين في العراق و واصبحوا في كثير من قصباتهم وقراهم القديمة اقلية مهمشة والتي كانوا يمثلون فيها قبل عقود نسبة 100% من ابنائها , وحاليا لم تعد نسبتهم اكثر من 40 % بسبب التغيير الديموغرافي القصري الذي زحف على مناطقهم, ومنها سهل نينوى بالذات.

وناحية برطلة هي من اعمال قضاء الحمدانية احدى النماذج الحية وغيرها المنسية. وذلك بسبب هجرة نسبة كبيرة من عوائلهم خارج الوطن من جراء الاضطهاد المباشر لهم وفقدان الأمن بصورة عامة.

وان انتهاء انعقاد هذاالموتمر في مركز ناحية برطلة من بعد التاريخ اعلاه والذي كان برعاية حكومة اقليم كردستان وبتحريك بعض الشخصيات السياسية اليسارية منذ يوم الاول لانعقاده , له اهميته الامنية حاليا والادارية مستقبلا بالنسبة للاقليم حيث ان سهل نينوى بالذات يعتبر اوسع مساحة جغرافية استقطبت فيه الديانة المسيحية منذ مئات السنين وانهم يُعتبرون الامتداد التاريخي الحضاري  لكلدواشوريين سريان. وفي نفس الوقت ان سهل نينوى من المناطق الساخنة والمتنازع عليه بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة اقليم كردستان في اربيل.

علما ان نسبة المسيحيين قبل نصف قرن او اكثر كانت بحدود 11 % من سكان العراق, وحاليا وكما ورد على لسان بعض المسؤولين الرسميين بان تعدادهم لا يتجاوز ال (300000 نسمة) وتقدير اخر بحدود (500000نسمة) من اصل مليون ونصف مليون نسمة سابقا. اي بمعنى ان نسبتهم اقل من 1 او 2 % من سكان العراق, فقد فقدوا مكانتهم في وطنهم الاصلي واصبحوا كشتات متشظية في ارجاء القارات الثلاث اوربا , اميركا , استراليا وكلاجئين انسانيين لاغير فيها.

فان جميع الحكومات التي توالت في العراق والقائمة حاليا تتحمل القسط الاكبر من المسئولية الادبية والتاريخية لما حصل على هذا المكون المسالم من الشعب العراقي ومعه الاحزاب  السياسية على اختلاف اديولوجياتها سابقا ولاحقا تعتبر شريكة في العملية المذكورة. وذلك لالتزامها الصمت اتجاه هذا الغبن الذي لحق بهذه الاقلية, وبباقي الاقليات الدينية الاخرى كاليزيدية والشبك والصابئة وغيرهم.

واخيرا نقول فما زال مفهوم الاقلية والاكثرية وباي صفة كان متداولاً رسميا وشعبيا بين اروقة البرلمان العراقي وتحت اقبية جميع مباني الحكومة القضائية والتنفيذية. بمعنى انه يبقى الظلم والغبن هو السائد على ارض الواقع وان مفهوم حقوق الانسان المعترف بها عبر الكثير من الوثائق والعهود الدولية, ليس الا صخب اعلامي وتاكيدا لشريعة الغاب (القوي ياكل الضعيف) وسياسة التمضحك على الذقون.

ولابد من الكفاح الطويل لكل القوة الديمقراطية والقومية والدينية التي تحترم الانسان (كأثمن رأس مال) حتى يتحقق الحلم بالمساواة بين ابناء هذا الشعب امام القانون , بغض النظر عن لونه وجنسه ودينه وقوميته.

والا الكل في مركب متهرىْ وفي وسط محيط هائج

4/12/2013

 

25- دولة العراق على كرسي الاعتراف.. إما للافتراق او الانعتاق

إذا كان التجمع البشري من بعد المشاعية البدائية في بقاع المعمورة ومنها وادي الرافدين، قد خلف قسراً (العقد الاجتماعي) أول تشكيل للمفهوم الدولة البدائية، كفرضية حتمية لحركة المجتمع الإنساني، والذي ولده النظام الطبقي الإقطاعي. فكان كأول محاولة لتنظيم الحياة اليومية وفق ضوابط أدت إلى بدء استغلال الأرض بشكل شبه منسق، ولابد أن يؤدي إلى استقرار الإنسان بمواقع جغرافية كوطن له. كما ان المجتمع الإقطاعي سعى إلى ظهور الزراعة البدائية وروابط ذات طابع اجتماعي واقتصادي ومهني أساسها الأسرة. وان علاقة الفرد بغيره ضمن المشاعية المذكورة. كانت علاقة اجتماعية هامشية، أي كانت علاقة شبيهة بالعائلة الحيوانية وضمن محميات جغرافية ومفتوحة طيلة مرحلة الصيد.

وبظهور النظام الإقطاعي، ظهرت شريحة الاقنان والعبيد كطبقة مملوكة لأصحاب النفوذ، يباعون ويشترون كسلعة، منهم مرتبطون بالأرض يعملون فيها بدون اجر وبدون حق أي تملك ولو لقطعة صغيرة منها. ومنهم كخدم لدى النظام المذكور ولا يحق لاي فرد ترك موقعه الذي يعمل فيه دون إذن من مالكه، ألقن في الأرض والعبد في البيت، حتى تطورت القرية الزراعية واتسعت سكنياً، وظهرت الحرف والمهن البسيطة، وحسب فرضية حاجة المجتمع أيضا. كلما زاد نفوذ الإقطاع أدى إلى زيادة أعضائه كسلالة وراثية تتحكم بأمور المجتمع أطول مدة وبدون منافس. مما أدى إلى انبثاق دولة المدن وبدء انقسام مجتمعاتها الى فئات طبقية شبه متخصصة تقنياً مهنياً وخدمياً. وأكثر تماسكاً ببعضها مما زاد احتكاكها السلبي مع النظام القائم وبدأت الاحداث تتسارع وتتسارع بقيام دولة المدن الموحدة وبمركزية كعاصمة لها. وأننا لسنا بصدد كتابة بحث اجتماعي تاريخي مختصر، بل كنموذج قيام الدولة على ارض هذا الوادي وقبل أكثر من خمسة آلاف عام.

فكان ذلك نشوء الحضارة في وسطه وشماله وجنوبه. إلا أن حركة المجتمع الإنساني لا توقف لها، وحاجته على امتداد الزمن بالتغير والتجدد نحو الأفضل. إنها وثيقة من الماضي السحيق فكان لكرسي الاعتراف (تشبيها) كمكانة ضرورية ومفروضة، يمثل التاريخ ويحق له محاكمة الحكام جيلاً بعد جيل لتبيان وبشكل صريح ومكشوف وصدق الكلمة أمام الشعب، لينطق بكلمة الحق بهم ومدى صلاحيتهم في استمرار تولي المسؤولية وبصلاحيات جديدة وحسب متطلبات حاجة المجتمع بكل مفرداته اليومية. وإلا كان القرار للشعب العراقي ولا رجعة منه. وبين ليلة وضحاها يسقط النظام وحاشيته ويقوم نظام جديد ببزة جديدة وبعلاقات وضوابط وخدمات اجتماعية، اقتصادية وإدارية أفضل من سابقها. مع توسع مهمات النظام وزيادة ثقل وحجم المسؤولية عليه. وهذا ما عشناه منذ قيام الحكم الوطني في العراق عام 1921 وحتى هذا اليوم. فلازال التاريخ شاهد على كل من قدم عبر عقود وقرون من الخدمة الصادقة المطلوبة منه إلى هذا الإنسان الوفي لأرضه ودافع عنها وروى ترابها بدمائه الزكية. ولم يخل سجله من المآسي والويلات والمحن التي أصابته من جراء الاعتداءات والغزوات التي قامت بها الكثير من الأقوام المجاورة والقادمة من أصقاع بعيدة وقريبة. ومن حكام مستبدين من الداخل. ولابد أن ننقل إلى واقعنا المزري ونقول:- إلا أن هذا الشعب لم يستكن ولم يهدأ لحظة واحدة، بل ظل وظل يداوي جروحه العميقة، ويشحذ الهمم ليكون صاحب الكلمة والوطن. وصاحب الحق بالعيش الكريم في ضل أوسع مفاهيم القيم الإنسانية كاستحقاق  زمني لائق ومعاصر ولجميع مكوناته الاجتماعية وبدون استثناء. انها شهادة حية لها. انها دولة العراق التاريخية. فإلى أين يسير بها المتنفذون ؟.

وها هي الأحداث تؤكد على ما نقول، ومنذ سقوط النظام السابق تعقدت الأمور يوماً بعد يوم على هذا الشعب وعلى دولته التاريخية، وذلك بسبب الصراع المحتدم على كراسي الحكم، ظاهره سياسي وباطنه ديني ومذهبي. واستشراء الفساد المالي والإداري والمحسوبية والنظرة الحسبية الضيقة. مما أدى إلى فقدان الأمن بشكل خطير ونفاذ صبر المواطن، وامتداد ظاهرة الاغتيالات والإرهاب المنظم إلى غالبية أجزاء الوطن، حتى أصبح الفرد البسيط لا يأتمن على سلامته وسلامة عائلته ليوم واحد. وان ارتفاع الأبواق لما تسمى بالقبلية والعشائرية هنا وهناك ما هي إلا للإرهاب والتطرف القومي والديني، سواء علمت بذلك أم لا. والحكومة المركزية وأجهزتها الأمنية من غير قصد أو قصد أمام واقع صعب لأنها عاجزة عن وضع حد لها. سواء في المحافظات ومنها، كركوك، صلاح الدين، ديالى، بابل، وبغداد وأخيراً وبشكل تصعيد خطير في محافظة الانبار.

فنداء الوطن يصرخ بوجه جميع المسؤولين الحكوميين والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمرجعيات الدينية. بان تتحمل المهمة التاريخية، وتبادر وبأسرع وقت ممكن لمعالجة الأمر. وإلا فالحرب الأهلية قادمة وبشراسة أبشع مما في سوريا. فالكل وفي مقدمتهم الحكومة المركزية وحكومات المحافظات وإقليم كردستان مجبرون على الجلوس على كرسي الاعتراف. لقول الكلمة الأخيرة بحق وجوب بقاء الدولة العراقية. فأما الافتراق أو الانعتاق. وهي أمانة برقاب الجميع أمام التاريخ... ولابد من عراق ديمقراطي امن وفدرالي مزدهر انه نداء الضعفاء والفقراء... أيها الأقوياء.

31/12/2013

 

رأيت ان يكون بعد هذا المقال السياسي احدى القصائد الشعرية لي وما يلائم محتواها المأساوي ورديفها كقطعة أدبية ضمن هذه المخطوطة وبأسلوب رمزي ساخر مقارنة بين تقلبات فصول السنة الطبيعية وسلوك الانسان غير المنضبط والمنفلت عبر التاريخ وهي بعنوان :

26- يُقال...إنها سنة الحياة

    1- في فصل الخريف

        وفي كل مكان

        تسقطُ الأوراق الصفراء

        وتضحى الجدوع شخوصاً

        عريانة بلا حياء

        وخجولة بلا كبرياء

        فيقال... إنها سُنةُ الحياة

       وايعاز لكل الانسان أينما كان

       2- وفي الغاباتِ

       تموتُ الأشجارُ وحتى السامقة

       وهي واقفة

       ثم تسقط

       فترقص فوقَ حُطامِها

       البوَمُ والجُرذانُ

       فيهرُبَمنها

       الشموخُ والعصيان

       فيقال... إنها سُنةُ الحياة

      وايعازٌ لكل ذي سلطانٍ

       3- في فصلِ الشتاءِ

       حالما تسقطُ الثلوج

       تتسكعْ كل الضواري

      في ظلمةِ الكهوفِ

      وفي متاهةِ السهوبِ

      تَتَلصَصُ

      وتَتَربصُ

      بِواهِنِ الأحياءِ

      وحتى فرخُ طيرِ

      بلا زغبٍ

      كوَجبةِ غَذائيٍ

      شهيةٌ وقتية

      وترتعِدُ فَرائصها

      لعواءٍ... حتى لثعلبٍ

      ردَ صداهُ الغاب

      فيُقال... إنها سُنةُ الحياة

     وايعازٌ لمتجبر على حكم الزمان

     4- في فصلِ الربيع

      تتفتحُ البراعمُ في كلِ شجرٍ

      وتنبجسُ عيون المياه

      بين الصخور

      وفي قاع الوديان

      لتملأَ الغدران

      فتتبارى الطيور

      قبل الانسانِ

      بأشكالها... أسراباً

      تطير وتطير

      فوق الروابي

      فوق الجبال

      مغردة... بكل الألحان

      طرباً لولادةٍ من جديد

      فيقال... إنها سُنُ الحياة

      وعرسٌ لكل الشابات والشبان

      5- وفي فصل القيظِ

       تشحبُ الاعشاب

       في كل السهولِ

       في كل البراري

       وتوشك الينابيع

       أن تنضُبَ

      فيضطرب كل حيِّ ودبيب

      لجمع القوت

      لايامِ القحطِ

      من جديد

      ويعلو الى السماء صراخٍ

      هيَّا... هيَّا

      وهيَّا ايها الانسان العنيد

     ليومٍ متغير وعتيد

      فيقال ايضاً...

      نعم... إنها سُنةُ الحياة

      وايعازٌ لكل الفتيات والفتيان

      لنهضةِ البنيان

22\3\2014

27- الأقطاب العسكرية والخطوط الحمراء

منذ ظهور الاتحاد السوفياتي على الساحة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية المنتهية في عام 1945 حصراً كقوة عسكرية بالدرجة الأولى. فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية في دور النمو العسكري والاقتصادي أيضاً على الساحة الدولية كوريثة للدول الكبرى لأوربا الاستعمارية الكولنيانية، وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا واللتان أنهكتهما الحرب العالمية المذكورة اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً ونفسياً، عكس أمريكا لأنها كانت جغرافيا بعيدة عن الحرب.

      بمعنى ان نجم الولايات المتحدة، وبعد الحرب الكونية المذكورة. بدأ يتألق ويفرض وجوده العسكري في كثير من بقاع العالم وبشكل مبرمج إعلامياً وسياسياً وضد خطر ما سُميَ بزحف المد الشيوعي السوفياتي الى دول أوربا الغربية المنهارة كما جاء أعلاه. بعد ان تمكن الجيش الأحمر السوفياتي المساهمة الفعالة في تحرير غالبية دول اوربا الشرقية من فلول الجيوش النازية لألمانيا الهتلرية والفاشية الإيطالية الموسولينية والتي سقطت حكوماتها تحت ضربات الجيوش المذكورة منذ الأيام الأولى للحرب أعلاه عام 1939 حتى عام 1945 وسقط الرايخ الألماني. وطرحت أمريكا مشروع المارشال لمساعدة الدول الغربية المذكورة في إعادة بناء هيكليتها الاقتصادية والعسكرية وباقي المؤسسات لها بغية صد الزحف السوفياتي نحوها.

      فبدأ التدخل الأمريكي في كل من آسيا واحتلت مكانتها في فيتنام الجنوبية بعد انهيار القوة العسكرية الفرنسية فيها اثر سقوط قلعة (بيان بيان فو) على أيدي قوات الثوار والجيش الشعبي لفيتنام الشمالية. وكذلك باسم قوات هيئة الأمم المتحدة تدخلها في كوريا الجنوبية في حرب الخمسينيات من القرن الماضي وبكل ثقلها العسكري في الدولتين المذكورتين.

      ثم جاءت هزيمتها في فيتنام وخروجها مهانة عسكرياً. وفي كوريا استمر الدعم العسكري المباشر واللوجستي لحلفائها في القسم الجنوبي حتى توقفت الحرب في عام 1955 وإعلان كوريا دولتين وحتى هذا اليوم الشمالي بقيادة الحزب الشيوعي الكوري والجنوبي تحت وصاية أمريكا.

       فكان اول الاحتدام المباشر بين القطبين السوفياتي والأمريكي عسكريا خارج جغرافية الدولتين تحديداً عام 1961. في أزمة الصواريخ السوفياتية في عهد زعيمها – نيكيتا – س – خروشوف. وشعور أمريكا بقرب خطر القطب العسكري المرهب والمرعب من أراضيها في حالة تم نصب تلك الصواريخ في دولة كوبا الصغيرة والتي لا تبعد عن سواحلها إلا بضع كيلو مترات، فكان ذلك وللمرة الأولى الإنذار الأمريكي للاتحاد السوفياتي (كخط احمر) إذا لم تتوقف السفن السوفياتية في عرض المحيط الأطلسي وتعود إلى قواعدها.

      ولم يتوان الاتحاد السوفياتي أن يعلن إنذاره لأمريكا (كخط احمر) إذا غزت كوبا وإلا الحرب لا محال. فتراجع الطرفان وتعهدا ان يلتزمان بالشرطين التاريخيين وبدون أي تأخير وتخلصت البشرية من كارثة حرب كونية مدمرة وتنفست شعوبها الصعداء.

      إلا إن أمريكا لم تهدأ تفكر وتعمل مع غيرها لخلق الظروف المناسبة لغرض سيطرتها العسكرية على الساحة الدولية كقطب واحد، ومنها منابع الثروات الطبيعية في كل من الشرق الأوسط والدول العربية وشمال أفريقيا وفي مقدمتها ليبيا وغيرها.

      وفعلا تحقق ذلك واختل ميزان القوى المؤثرة في الساحة الدولية بعد انهيار دولة الاتحاد السوفياتي وحلفاءها في دول أوربا الشرقية عام 1991 فغاب قطب التحدي، واختل التوازن لصالح أمريكا كقطب واحد فقط. فبدأت مرحلة احتلال المواقع ذات النفوذ السوفياتي بانتهاء عصر ما سمي (الحرب الباردة) ولم يكن بوسع أي منهما شنحرب فعلية (ساخنة) على الأخر لما يملكان من أسلحة الدمار الشامل لبعضهما ولجزء كبير من القارة الأوربية من الأسلحة النووية والصواريخ البالستية حاملة القنابل الذرية وبعيدة المدى. وكانت الهدنة الجبرية واللاإرادية بين الطرفين ولصالح البشرية، ولكن الكل ظل متربصاً بالآخر للنيل منه ومحاولة إنهائه نفسياً أولاً واقتصادياً واجتماعياً ثانياً.

      مرت ثلاثة عقود على انهيار الاتحاد السوفياتي وبدأت روسيا بلم أوصالها وتطبيب جروحها الداخلية مع احتفاظها بمستوى خزينها الاستراتيجي المقتدر عسكرياً للدفاع عن الذات حتى انتعشت اقتصادياً ورأت إنها قادرة على العودة إلى الساحة الدولية والوقوف بوجه القطب الأمريكي المنفلت وتمكنت أمريكا خلال عقد من السنين إسقاط عدة أنظمة وفعلاً فاسدة ومستبدة، ولكن تعلم انها هي التي صنعت حكامها ومنها إسقاط نظام صدام في 9/4/2003 واحتلال العراق عسكرياً. وثم نظام معمر القذافي في ليبيا ونظام علي عبد الله صالح في اليمن. وكل ذلك لم ترضَ أمريكا من بسط نفوذها العسكري بل أججت القوى المعارضة في سوريا (النظام العروبي الوحيد) الباقي في المنطقة العربية ومجاور لإسرائيل والمساند لكل حركة قومية او دينية مناهضة لإسرائيل في كل من فلسطين – غزا -  وحزب الله في لبنان.

      فتحركت روسيا فعلاً وأنذرت أمريكا وحلفاؤها الأوربيين بان سقوط النظام في سوريا يعتبر (الخط الأحمر) بينهما. وان أوربا خذلت أمريكا بامتناعها مشاركتها بالتدخل المباشر في سوريا كما فعلت في العراق وليبيا.

      في الأيام الأخيرة ومن دون سابق إنذار وبعد تنحية رئيس جمهورية أوكرانيا من منصبه وتولي الأطراف السياسية اليمينية المتطرفة المدعومة من الغرب (الاتحاد الأوربي) وأمريكا مباشرة. فجاء الإنذار الروسي الثاني لأمريكا وحلفاءها بعد سيطرتها على شبه جزيرة القرم عسكريا ذات الغالبية الروسية وبطلب من حكامها مباشرة. بانأي تدخل عسكري في أي جزء من أوكرانية يعتبر (خط احمر) بين الطرفين. وفعلا تحركت روسيا عسكرياً وجوياً وبحرياً، استعراضاً للقوى وإنذارا للطرف الثاني.

      وكان فشل أمريكا وحلفائها من محاصرة روسيا في حالة نجاحها في السيطرة غير المباشرة، بواسطة قوى متطرفة يمينية على عموم أوكرانية وان (القرم) أصلاً كانت هبة خروشوف للدولة الأوكرانية التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي. وهكذا يلعب (الخط الأحمر) الفاصل الذي يحد من جبروت كل قطب يسعى فقط لتحقيق مصالحه على حساب الشعوب المغلوبة على أمرها وحتى الكبيرة عندما تكون في غفلة من التاريخ.

      وما حل بالشعب العراقي من نظام حكم المحاصصة الطائفية والمذهبية والقومية وفقدان الأمن واستفحال الفساد المالي والإداري وتهميش الدستور من قبل الجهازين التنفيذي والتشريعي وسيطرة القوى الإرهابية على الكثير من مواقع العراق ومحافظاته واستفحال خطر الحرب الأهلية، وكذلك في ليبيا واليمن وسوريا بالذات منذ ما يقارب أكثر من ثلاث سنوات، فكانت الساحة الدولية يصول بها ويجول القطب الواحد أمريكا وغرب أوربا فقط.

      فلابد ان تتوازن الساحة الدولية وان لا يبقى مصير الشعوب الضعيفة تحت رحمة القوي المتغطرس كما هو الحال القائم، ولا حول ولا قوة لشعوبها وطليعتها النخبة التقدمية المتقصية في الدول المذكورة أعلاه.

 

 

17/3/2014

28- شرعية عضو البرلمان... مصداقيته

      إن أهم العناصر التي تؤثر في تكوين شخصية الفرد، هي البيئة الاجتماعية والدينية والمناخية وأخيرا الجغرافية. إضافة مدى تمكن الفرد التمتع بالاستقلالية الشخصية نسبيا سلوكيا، مقارنة لما هو سائد في الوسط المعايش فيه. والتي نادراً ما قد ينفرد من الطفولة شخص بهذه الصفة وتنمو معه حتى مرحلة الوعي النسبي أيضا التي تهيئه لولوج معترك الحياة وتحديد مسارها وحسب ما يمكن تحقيقه وكسبه من القيم والأعراف ذات المفاهيم الفكرية والاجتماعية. تؤهله لبناء شخصيته المستقلة ويحدد بموجبها علاقاته مع جميع مكونات المجتمع وترافقها بتوازي معها أحيانا وبتقاطع أخرى. وهذه المواقف قد تكون ضرورية، لا بل إحدى مقومات شخصيته ونموها وفق أفق واسع يسهل عليه استيعاب مِحنِها وعبورها. ثم تخزين الإيجابي منها كمكاسب أنية لما يصادفه في مسيرته من العوارض  والأقدار غير محسوبة الوقوع. وهو قادر على تجاوزها بأقل خسارة، إن لم تكن بدون أية صعوبة وعناء وتكون كنموذج لعلاقة الفرد بالوطن وخدمته له.

      إن غالبية شعوب العالم المتقدم والتي أثبتت وجودها من خلال كفاءتها بدرجة كبيرة عن غيرها. ومنها معظم الدول الأوربية وثم بعض شعوب أمريكا وشرق أسيا وغيرها. ولم يتم تحقيق هذه الصفة الإيجابية كهبة ومعرفة شاملة للحياة من احد، بل تمكنها من شق طريقها بصعوبة بالغة وأسبابها الرئيسية الأدبية والأخلاقية وثم مصداقيتها. ترافقها ثقتها بنفسها في علاقاتها العامة والخاصة ضمن محيطها ومع غيرها عبر المفردات اليومية الضرورية سواء كانت ذات مسؤولية قانونية او شعوراً اجتماعياً تجاه غيرها.

      تأبى نفسها الانحراف عن خط النزاهة والحرص الشديد على السمعة الشخصية للفرد ضمن المجتمع وكمسؤولية باعتبارها خدمة يقدمها لمجتمعه وفق ضوابط إنسانية قبل القانونية ومطلوبة منه تجاه غيره. وبهذه الحالة يكون الشخص المعني في حلٍ من أية مسؤولية أدبية وأخلاقية ثم القانونية لما يقوم به ضمن الوسط الذي يشغله. ولا بد إن يكون في موضع تقدير واحترام المسؤولية عنه ويتمتع بشخصية موزونة في علاقاته مع الجميع بدون استثناء من المسؤولين وعامة الناس.

      إن ما ذهبنا إليه في الأسطر أعلاه، ليس إلا صورة حية لشخصية الفرد والعوامل التي تؤدي في بنائها، وكيف يمكن لها من تواصل المسيرة في حالة انتقال من وسط وظيفي واجتماعي دون اختياره الشخصي ولا قرار له به. وتفرض هذه الحالة عليه إن يرتفع إلى مستوى من الكفاءة في تحمل وأداء المسؤولية ومدى مصداقيته في حالة قيامه بتولي مهام ذات صفات قانونية ودستورية وذات مسؤولية أوسع من السابق وضمن مؤسسة كبيرة من مؤسسات الدولة كعضو في المجلس الوطني أو كوزير في الحكومة القادمة وكقاضي ضمن السلطة القضائية. وهذا لم يكن بغير حساب بل جاء بسبب اختياره ومشاركته في عملية ترشيحه ضمن القوائم السياسية المتنافسة أو بشكل مستقل. وكيف يجب إن يعمل في حالة تم انتخابه ويبقى موضع الثقة والكلمة الصادقة والتي بموجبها تعهد لمن انتخبوه ومنحوه أصواتهم بدون مقابل وأصبحوا أمانة في عنقه وعليه العمل بكل نزاهة وشفافية ضمن أمثاله في هذا المجلس ليقدموا الخدمات المطلوبة له والمستحقة وفق القوانين المرعية. وما الحالة التي يشكو منها الشعب العراقي خلال العشر السنوات من الفوضى العارمة وفقدان الأمن والصراع على كراسي الحكم والتطاحن بين الكتل السياسية التي تبنت قيام حكومة المحاصصة الطائفية والمذهبية وقد تتحول إلى عشائرية أو عنصرية قومية وغيرها. وأصبح التناحر على المناصب الوزارية والدرجات الخاصة وغيرها لا لتقديم الخدمات المطلوبة للشعب بأبسط مستحقاتها، بل للمنافع الشخصية وان ما يشهده الوطن من الاغتيالات الفردية والجماعية وضحايا الانفجارات والعبوات الناسفة يوميا، غير الحالة المستعصية على الحكومة في المحافظات التي دخل عليها الإرهاب المكشوف في كل من الانبار وصلاح الدين وديالى ونينوى وبابل وغيرها. عدا ما يحدث يوميا من الأعمال الإجرامية في بغداد العاصمة. كل هذا يحدث بسبب فقدان شرعية أجهزة الدولة من المؤسسات الرئيسية التشريعية والتنفيذية وانهيار ثقة الشعب بها لعدم مصداقيتها ولا أمل في وضع حد لها قريبا. وان موعد انتخابات أعضاء المجلس الوطني الثالث قريبا ولم يبق سوى أيام معدودة والاضطراب الأمني لا بل الحرب الأهلية المكشوفة في تلك المحافظات تتصاعد وتيرتها يوميا وبشكل شرس. فهل سيتمكن الشعب العراقي وقواه السياسية الوطنية والديمقراطية من خوض المعركة وانتخاب العناصر النزيهة وذات السمعة الوطنية كأعضاء للبرلمان القادم وثم تنبثق منه حكومة قادرة على إعادة هيبة القانون والدولة، ووضع حد للحالة الأمنية المنفلتة وإقامة حكومة وطنية بعيدة عن المحاصصات المذكورة انطلاقا من المبدأ القائل ((الرجل المناسب في المكان المناسب)) بغض النظر عن انتمائه الديني والقومي والمذهبي والسياسي وغيرها، ليتمكن هذا الشعب إعادة ثقته بقيادة جديدة وتبنيها سياسة رشيدة ومعالجة ما هو معلق من القوانين التي لم يتم إقرارها في الدورة المنتهية مدتها، وراب الصدأ الحاصل بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان لما له من التأثير المباشر على العلاقات غير الطبيعية بين جميع مكونات وكيانات المجتمع العراقي التاريخية من العرب والأكراد وباقي الأقليات الاجتماعية وبدون استثناء.

      أن التاريخ لا يمكن إن يمهل ولا يهمل ولابد إن يقول كلمته بلسان الشعب العراقي صاحب الحق الشرعي والقانوني في العيش الكريم وضمن نظام ديمقراطي فدرالي مزدهر لتتمتع جميع فصائله بالحقوق والواجبات التي اقرها الدستور العراقي، ولا يمكن لهذا الشعب ان ينسى فترة الحكم المظلمة للنظام الدكتاتوري الشوفيني السابق. ولا فترة حكم المحتل الأمريكي من بعد 9/4/2003 واستغلال الاحتقان التاريخي الديني والمذهبي والقومي، وتأثير تأجيجها من قبله لتعم الفوضى بين كيانات هذا الشعب بصورة أبشع من السابق وفق استراتيجيه عدوانية مدروسة في أقبية البنتاكون والى أمد غير معلوم.

15/4/2014

29- الانهيار الثالث... ودولة الإقليم

      على اثر سقوط بغداد عاصمة العراق الأولى في 9/4/2003، واحتلال الوطن من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وما ترتب على اثرها بعد عدة ساعات. الانهيار الكامل في جميع صفوف القوات المسلحة العراقية - الجوية والبرية – (الجيش التاريخي) الذي كان موضع حساب لدى أقوى الأنظمة  العسكرية، وما لحق بالدولة العراقية الفتية من الانهيار التدريجي وحسب الخطة المقررة مسبقاً من قبل قوات التحالف المذكورة (كإستراتيجية تشمل كل دول الشرق الأوسطية عامة والعربية خاصة).

      فكنا قد كتبنا مقالا بتاريخ 30/6/2003 بعنوان (أسقوط النظام بالعراق... أم سقوط دولة العراق ؟) ونشر في جريدة – (طريق كردستان) لسان حال الحزب الشيوعي الكردستاني – العدد 234 / 2003.

       وبعد انتهاء مرحلة حكم – بول برايمر – قامت عدة حكومات غير متجانسة في هويتها السياسية والوطنية. لا بل غير مؤهلة إداريا وبكفاءات مهنية ضعيفة، وذات آفاق سياسية قصيرة. الغاية منها ملئ الفراغ الحاصل في هيكلية الدولة وعلى شكل (ملاك وقتي) كحكومة تصريف أعمال – او واجهة لجمهورية العراق الثالثة. وتحت إمرة المحتل وتوجيهاته المباشرة وغير المباشرة لعدة دول مجاورة. ولازالت تلعب الدور الرئيسي في كثير من الأحداث الداخلية للدولة العراقية واستقرار الأمن فيها. وعبر أفراد وجماعات سياسية مرشحة مسبقاً. وبدأت تطفو مباشرة على سطح الأحداث ظاهرة الصراع الدفين بين المكونات الاجتماعية التاريخية ذات النفوذ الواسع عبر البنى التحتية – البسيطة للشعب العراقي – ومنها بالدرجة الأولى – المذهبية – ممثلة في المكون العربي الأكبر. وفي طياته الاحتقان التاريخي بين – السنة والشيعة – واستقطابه بعد قيام جمهورية إيران الإسلامية عام 1979 بقيادة الطائفة الشيعية ذات الأغلبية. وثم التناحر القومي التاريخي في شمال العراق (كردستان الحالية) بين الفصائل الكردية المسلحة ذات التوجه السياسي القومي وبين الحكومة المركزية في بغداد، وما آل ذلك حتى عام 1990 وبعد احتلال الكويت من قبل القوات العراقية. وثم خروجها على يد قوات متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أيضا. وحصل شبه انهيار في الجيش العراقي وللمرة الأولى في تاريخيه. وثم فرض حذر جوي وبري على القوات المذكورة خلف خط عرض 36،ْ فتمكنت القيادة السياسية للفصائل الكردية في الشروع بإقامة إدارة ذاتية لها، وبناء المؤسسات المهمة للدولة المستقبلية الاقتصادية والأمنية والثقافية وغيرها.

      إلا أن الطائفة الشيعية لم تركن على الحالة الجديدة بعد تسلم الدكتور إياد علاوي زمام أول وزارة مطعمة بعناصر تمثل عددياً المكونات الثلاثة الرئيسية المذكورة – الشيعية – السنية – الكردية – باعتبارها (الطائفة الشيعية) تمثل قرابة ثلثي المجتمع العراقي. فيجب إن تكون القيادة للجهاز التنفيذي بإمرتها. وان للمخابرات الغربية قاطبة الخبرة الكبيرة بما هو دفين تاريخيا من الاحتلال المذهبي بين السنة والشيعة منذ عهد الحكم العثماني لمئات السنين. وثم الدولة العراقية الحديثة عام 1921، والى جانب الصراع القومي بين المكونين العراقيين – العربي – الكردي – وما تمخض من الحروب والنزاعات المسلحة الداخلية. والتضحيات الجسام التي تكبدها الشعب العراقي بجميع مكوناته الاجتماعية والسياسية والقومية وبدون تمييز واستثناء، فكانت الفرصة الذهبية للمخابرات الغربية لتأجيج هذا الاحتقان التاريخي وبدء الصراع على كراسي السلطة، وكلٌ يحاول السيطرة عليها واستلام زمام الحكم. وفعلا نجح الائتلاف الوطني الشيعي واحد أطرافه (دولة القانون) لدورتي البرلمان وبقيادة نوري المالكي باحتكار السلطة إلى جانب محاولته الأخيرة فرض نوع من الوصاية الشخصية لمرحلة ثالثة وباستحقاق قانوني وما آل من حكمة خلال الدورتين السابقتين من تأجيج الصراع على كراسي الحكم عبر الفترة القصيرة للدكتور إبراهيم الجعفري لتوليه رئاسة الوزراء من بعد د. إياد علاوي وتنحيه وتولي نوري المالكي الحكم من بعده. وكان الحاصل لفترة حكمه حتى هذا اليوم، الانفلات الأمني والفساد الإداري في جميع أجهزة الحكم واستفحال البطالة وضعف الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء وغيرها. وشعور الطائفة السنية بأنها مهمشة لا بل مقصية عمداً وليس لها أي موقع في السلطة التنفيذية وغيرها. وتضييق الخناق على مكونها الثاني في المحافظات الشمالية عدى إقليم كردستان وهي – نينوى – الانبار – ديالى – صلاح الدين – وغيرها. والاعتقالات العشوائية لكل تحرك او تظاهر في المحافظات المذكورة. وان عجز البرلمان العراقي وفي دورته الأخيرة من استجواب أية شخصية من أتباع الطائفة المذكورة من الوزراء والدرجات الخاصة أو من قادة الأمن. وعدم قدرته على مساءلة شخصية رئيس الوزراء عن أسباب استفحال فقدان الأمن والاغتيالات المنظمة وعن الفساد المالي، وفي أية دائرة أو مؤسسة حكومية كانت مما أدى إلى فقدان الثقة بين جميع هذه المكونات المؤتلفة شكلياً في الحكومة الحالية والسابقة.

      وأخيرا إصرار شخصية رئيس الوزراء على تولي الحكم للدورة الثالثة وذلك بعد حصوله على عدد من المقاعد في البرلمان الجديد الذي جرى انتخابه في 30/4/2014 وتمكنه من إقناع الكثير من أنصار الكتل الأخرى للانضمام إلى قائمته وتشكيل الحكومة المقبلة. إلى جانب استفحال الوضع الأمني في محافظة الانبار وظهور فصائل مسلحة واقتحامها الكثير من المواقع المهمة في المدن، الرمادي والفلوجة والعامرية والكرمة وغيرها، وعدم تمكن القائد العام من تحقيق أي نصر عسكري عليها رغم استخدامه كافة الأسلحة من المدافع الميدانية والصواريخ والطائرات العمودية وغيرها. مما أدى الى هجرة مئات الآلاف من العوائل من تلك المدن وحصول الدمار الشامل في مساكنها ومشاريعها الصناعية والزراعية وغيرها. وعدم تجاوبه مع الفئات السياسية وتلبية مطاليبها بغية حل الأزمة سلميا ودون استخدام القوات المسلحة. وإراقة الدماء للأبرياء من النساء والشيوخ والأطفال.

      وإذا بمدينة الموصل كبرى مدن العراق بعد العاصمة بغداد، بين ليلة وضحاها تسقط فجأة بيد (داعش) صباح يوم الثلاثاء المصادف 10/6/2014 دون أية مقاومة من القطعات العسكرية – الجيش والشرطة – المتواجدة فيها وتسليمها كهدية لفصيل داعش المسلح – مما أدى الى توسع دائرة التعاطف للقاعدة العراقية للطائفة السنية في المحافظات المذكورة ودون إعلان مسبق منها. قدمت ولائها للفصيل المذكور وكأنها فرصة ضرورية وتاريخية لتحقيق ما تصبو إليه الطائفة المذكورة لإقامة إقليم خاص بها أسوة بإقليم كردستان العراق. وهناك دعوات قديمة لإقامة إقليم البصرة وإقليم الفرات الأوسط وغيرها.

      وها هو القائد العام يستنجد بالمحفل الدولي والى دول عربية للتدخل لصد الإرهاب بعد إن أصبح عاجزا عن تحقيق أي نصر عسكري للمساحة الجغرافية الواسعة التي شملتها واحتلتها الحركة المسلحة المسماة باسم (داعش). ولابد من التفكير الجدي من قبل الحكومة الاتحادية. وجميع الأطراف السياسية والكيانات الاجتماعية المعنية وغير المعنية، بالمبادرة لحل الأزمة سلمياً. ولا يمكن لأي قوى عسكرية التدخل ما لم تكن النتائج سيلٌ من الدماء للأبرياء ودمار شامل لكثير من المدن والقرى الكبيرة والصغيرة، وليس هناك رابح غير العدو التاريخي والحالي للشعب العراقي الطموح للحرية والديمقراطية والاستقرار الأمني والازدهار الاقتصادي.

      فأية جريمة ارتكبها هذا الشعب وبحق من ؟ لتنهار قواته المسلحة وتتشتت مكوناته الاجتماعية لعدة مرات وهي في عام 1990 (أزمة الكويت) وفي 9/4/2003. وسقوط النظام السابق، وفي صبيحة 10/6/2014 ودون سابقة إنذار.

 اشهد يا تاريخ اشهد.

11/6/2014

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.