اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ألمكتبة

بؤر الصراع التاريخي في المجتمع العربي عامة والعراقي خاصة// يوسف زرا

بؤر الصراع التاريخي في المجتمع العربي عامة والعراقي خاصة

يوسف زرا

 

المقدمة

      إذا كان الاختلاف العقائدي والتنوع المذهبي والتضارب والتباين الاجتماعي في القيم والعادات. هي من المبررات الأساسية والتاريخية لظهور مجموعة حضارات. ثم احتدام الصراع والتنافس فيما بينها، ويؤدي إلى زوال بعضها كلياً أو جزئيا، أو اندثارها. فان نظرية النشوء والتحول والارتقاء ضمن زمان ومكان للحياة (بايولوجيا واجتماعيا) حتمية الظهور. فلابد لحركة المجتمع إن تفعل فعلها في ظاهرة التغيير والتجدد. أي التفاعل المستمر وعدم الاستقرار. وإلا قد يؤدي بأي مجتمع صاحب حضارة إلى الخمول والسبات، نتيجة التقوقع والانزواء. ويؤدي قانون التردي فيها فعله كبداية لنهاية. وما يتخللها من استخدام العنف والتطرف دفاعا عن الثوابت الاجتماعية والدينية والمذهبية والقومية الراكدة. والتي لا تقبل بالتغيير والتجدد. أي الانتقال من حالة فكرية واجتماعية واقتصادية إلى ما يلائم الإنسان وميزة عصره وفق نظرية النشوء أعلاه والتي تشمل في مفهومها العلمي جميع الكائنات الحية، وفي مقدمتها الإنسان المميز عن غيره بسرعة تقبله تلك الظواهر والتكييف المستمر معها.

      وان ما حدث من التطورات خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي وفي منطقة الشرق الأوسط وتشخيصا العالم العربي الذي يمثل الوسط الجغرافي الأوسع فيه، والعراق في لجة تفاعله. واحتدام الصراع على ارض الواقع بين التيارات الدينية والمذهبية بعد9/4/2003 ظاهريا ضمن المذهبيين – الشيعي والسني. داخل العراق والمنطقة العربية وغالبية الدول الإسلامية. وتأثرها بهذه النسبة او بتلك بهذا الصراع بين المذهبيين، وتصعيده في كل من سوريا – عراق – يمن – ليبيا – مصر – بحرين وغيرها.

      مما أدى إلى استئثار النفوذ  الديني للأكثرية للمذهب الشيعي من جانب، يقابله فرض التوازن في المجتمع العراقي بتصعيد الصراع للمذهب السني المشبع بالنفوذ القبلي الاجتماعي والقومي العروبي. 

      فكان الحاصل. البدء بتصفية الساحة الداخلية لصراعها وإزاحة من ليس معنيا حاليا، وقد يكون عائقا في عملية النزاع.

      فكان التوجه إلى الأقليات الدينية والقومية ذات الأصول الاجتماعية والجذور التاريخية في هذا الوطن. وهي الفئات الضعيفة وسهلة إزاحتها دون خسارة لها. فكان للمسيحيين دينيا وكلدواشورين قوميا وثم اليزيدين دينيا وقوميا أيضا، ويليهما الأقليات الأخرى الشبك والتركمان والصابئة وغيرهم.

      وان ظهور التيارات المذهبية الإسلامية ومنذ عقود ذات جذور سلفية متشددة ومدعومة من أصحاب النفوذ داخل العالم الإسلامي والعربي خاصة، وثم دور المخابرات الغربية – الأمريكية حصرا ومنها- القاعدة ورديفها مذهبيا وأكثر تطرفا – داعش (الدولة الإسلامية العراق والشام) واكتساحها بعض محافظات الشمال غير إقليم كردستان، وخاصة بدءا باحتلالها مدينة الموصل وإطرافها وثم محافظات صلاح الدين وديالى والانبار. وما حصل بعد 10/7/2014 بالاقليتيين المسيحية واليزيدية في سهل نينوى بالدرجة الأولى، من الهجرة الجماعية وكأنه إعصار مدمر فاجأهم ليلا ولم يمهلهم سوى ساعات. حتى اكتسحت عشرات الآلاف من العوائل الإقليم المذكور، مذعورة تائهة في الوديان والجبال والقرى والأرياف دون رادع. ولازال مصيرهم مجهول.

      إن ما ورد في هذا الكتاب. هو استعراض متواصل لهذه الإحداث وبشكل ترافق زمني ضمن مجموعة مقالات، وحسب حدة الصراع بين الأقطاب المذكورة. وما آل بجموع الشعب العراقي ولا زال يعيش وكأنه في وسط محيط هائج. ان ما جاء في المقدمة هو سرد مختصر كما في متن الكتاب من المقالات السياسية حول الصراع في المجتمع العربي عامة والعراقي خاصة.

                                               يوسف زرا

             30/11/2014

1- أطوق النجاة...أم ماذا

      الاسم دلالة حتمية لكل شيء في الحياة العامة والخاصة، ولا يمكن الاستغناء عنه ولا جعله في موقع لغير التعريف والتشخيص الموضعي. كاسم لشخص ما... جبل ما... قبيلة... عائلة وهكذا.

لم يذكر التاريخ ان كان في يوم ما قد تنازع اثنان على تسمية خاصة او عامة. ولا على بقعة ارض بتسميتين. ولابد من هذه المقدمة البسيطة ومن بعد الولوج الى صلب الموضوع الذي نحن بصدده ونقول.

ابتلت شعوب العالم الثالث بشتى الأمور التي كثيرا ما تجرها الى المهاترات والنزاعات، لا بل الى حروب ضمن مجتمع واحد والأسباب لا تخص مجرى الحياة الأساسية بقدر ما للإرث الاجتماعي القبلي والعائلي تأثير على اصغر وحدة اجتماعية ناسية ومنسية نفسها، وشعوب غيرها تواص تقدمها في كافة مجالات الحياة، تاركة الأمور التي أصبحت في خبر كان لا نفع لها. لا بل ضررا فادحا في بقائها متداولة. وها هو التركيب الاجتماعي الذي يتكون منه الشعب العراقي قد ابتلى بالكثير من هذه المخلفات وزاد تمسكه بها من حيث لا يدري بأية مرحلة هو من السباق مع المجتمعات المتقدمة في المجالات السياسية والاقتصادية والفكر المتحرر، واي نظام حكم يصلح له في هذه المرحلة التي لم يعد ممكنا إهمال مدى تحكم التكنولوجيا المتطورة في مفردات الحياة اليومية وإقرار الدساتير الإنسانية التي تجاوزت الكثير من المصالح الضيقة لكافة مكونات مجتمعنا بعربة وأكراده وتركمانه وكلدواشورييه واليزيدية وباقي أطيافه وشرائحه.

الكل يدور في فلك لا مخرج منه دون ان يرفع احد بصيرته ليرى ما آل اليه الوضع في العراق وفي عهد المحتل الإرهاب الشرس قد استغل الفرصة الذهبية لينكل بالجميع بدون رحمة ولا شفقة (أعداء الشعب العراقي لا يحصون ولا يعدون).

من الداخل بقايا أزلام النظام السابق وما خلفته المسيرة الطويلة من الفئات الرجعية المترسبة ذات الأفكار الشوفينية والتعصب الأعمى، سواء كانت بحجج طائفية، مذهبية، قومية، او عنصرية. فأنها كانت وستبقى كالسموم القاتلة بالجملة لا بل كإعصار مستمر ليدمر ما بقي من الترابط الهش في البني التحتية لمجمل مؤسسات الشعب المغلوب على أمره منذ تولي زمرة العهد السابق الحكم والى اليوم.

وما الغاية  من هذه الأسطر الا انه تكون كمرآة تعكس الواقع المؤلم لكل جوانب الحياة لهذا الإنسان وفي وطنه عراق التاريخ.

ثم لا بد من الانفراد بإحدى مكونات هذا الشعب أيضا ذات ارتباط تاريخي وحضاري في ارض العراق، فتتباهى به حد القدسية ولكن الألم يحز في نفس كل واع ومثقف ومخلص منها لتراب هذا الوادي حين يرى ان هذه الشريحة الممثلة بالكلدواشوريين سريان. هي التي منذ سنين قبل وبعد سقوط النظام السابق، لا زالت تخوض المعارك المتعبة فيما بينها لتثبت لبعضها شرعية وأحقية تداوله والاعتراف به قانونيا جنبا الى جنب أسماء باقي مكونات مجتمعنا، والتي هي الأخرى مبتلية بغير الاسم، وهذه الشريحة هي التي كل جزء منها يعمل المستحيل الا ان يعقد عدة مؤتمرات ويدعو هذا وذاك مستميلا بعضا لمشروعه لاسم أحادي او مركب لكيانه وكأنه (الاسم) غير موجود على مسرح الحياة منذ ألاف السنين...

فمن لا اسم له لا وجود له، وهي الولادة المجهضة عبر التاريخ. فلماذا المطالبة بباقي الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والجغرافية وتثبيت ذلك في الدستور الدائم. وهل الأرض قد لفظتهم فلا حاجة أذن لاسم بأية صيغة كان.

هاهي مكونات الأمة العريقة كما في التسمية المتداولة المكونة من – الكلدان – واشوريين والسريان، يريدون الانتصار على ذاتهم بأسرع وقت ممكن على حساب الاسم الموحد او المركب (اهو طوق النجاة... والا ماذا؟)

دون ان يعلموا ان عددهم في الداخل والخارج هو نفسه لمجمل التركيب الاجتماعي للشعب العراقي. لذا عليهم ان يكونوا مع الصفوف الأولى للقوى الوطنية المؤمنة بالديمقراطية – ومنها الطبقية – القومية – والدينية المعتدلة) وان التضحيات في سبيل ذلك مع الموكب التقدمي واجب، وألا فان الضحايا اليومية التي تسقط في مجمل مدن وقصباتالوطن على يد الإرهاب المستقطب عمدا ولحسابات المحتل، تكون هدرا وسدى والعاقبة الوخيمة ان لم تصح كل فئة وشريحة من هذه المكونات، فالعدو الداخلي والخارجي متربص في كل لحظة للانقضاض وتوجيه الضربة القاضية للكل والتاريخ لا يرحم أحدا.

فعلى سادة الكتل السياسية والدينية والاجتماعية للكلدواشوريين سريان ان يعملوا على توحيد الجسم، فالاسم موجود لا محال في وثيقة الولادة القديمة والجديدة، ولابد من المساهمة مع القوى الديمقراطية في بناء عراق موحد تقدمي آمن.

 

                                                      5/2/2005

نشر في جريدة (زهرة الجبل) الصادرة في بلدة القوش العدد /19 /نوفمبر/ 2005.

2- اليسار السياسي والشرائح الاجتماعية المعتمدة

تمر حركة اليسار السياسي في العالم بصورة عامة والغربي الصناعي بصورة خاصة. منذ انهيار المنظومة السوفياتية للدول الاشتراكية، بأزمة فكرية عميقة في كيفية وما يمكن الاعتماد عليه في العمل السياسي الجماهيري وفي الوسط الاجتماعي والمهني للطبقة العامة وحلفائها. وبين ما يمكن توسيعه الى ميدان تواجد وتعايش شرائح اجتماعية متعددة التركيب والأقرب الى فئات غير مستقرة او منتمية الى طبقة   معينة وغير متذبذبة مهنيا وفكريا وسياسيا، ودورها في تقويه او ضعف حركة اليسار السياسي والاجتماعي لأنها تمثل الفروع شبه الرسمية للشجرة الأم. او هي شبيه بالأضلع العظمية التي تشكل القفص الصدري الذي يرتبط مع العمود الفقري ويكون وحدة الهيكل العظمي الذي يحتضن ويحمي القلب والرئتين وغيرها. ولا يمكن الاستغناء عنها لترابطها العضوي والتشابه الاجتماعي النوعي مع المكون الرئيسي التاريخي بعد قيام الثورة الصناعية في أوربا في القرن الثامن عشر وهي الطبقة العمالية المميزة بتكوينها الاجتماعي والاقتصادي والفكري والسياسي ولابد من التشريح الضروري لهيكليتها الفعالة والمتفاعلة مع الإحداث اليومية ضمن البيئة والوسط الاجتماعي الذي يجب ان يوفر وينمو بشكل طبيعي فيه اليسار السياسي المقصود. وان ينهض بالبناء التاريخي لمجتمع تتحقق فيه الحالة المطلوبة في توزيع مقومات الحياة المادية للاستهلاك اليومي والدائمي بين مكونات كل مجتمع دون ان يلحق الضرر او الغبن الفاحش ببعض شرائحه والتي لابد وكان لها الدور الطبيعي في تطوير العملية الإنتاجية والقوى المنتجة وابتكار وسائل  الإنتاج وآلياته التي أدت الى ولادة المجتمع السوقي بما يمكن ان يسد مستوى معين لحاجة الناس المادية دون النظر الى مصير فائض القيمة الحاصل من الفرق بين كلفة الإنتاج وسعر بيع المنتوج  والذي بدوره كان في مرحلة تكوين الطبقة البرجوازية الوطنية واقتصادها (الخاص) والانتقال الى نظام السوق الرأسمالي. ورصده المبالغ اللازمة من الفائض المذكور لتطوير وإدامة وسائل الإنتاج المملوكة للأفراد او شركات وتطويرها الناتج الاقتصادي نوعا وكما بكل مكوناته الصناعية والزراعية والتجارية والخدمية وغيرها.

      واذا نظرنا الى الخارطة الاجتماعية والاقتصادية لغالبية الدول الرأسمالية، ومنها الغربية الأوربية والأسيوية وأمريكا. والى الدول المرتبطة بفلكها الاقتصادي السوقي. فان القوى المنتجة هي عبارة عن مجموعة فصائل غير متجانسة الهوية الاجتماعية والسياسية لغالبيتها، وغير مستقرة في بيئة العمل التي تعمل بها. كالورش الخاصة والمصانع العملاقة والمزارع والمتاجر وفي ميادين البناء وغيرها. وبسبب ذلك يعزى الى انحدار غالبيتها من شرائح اجتماعية واقتصادية غير مؤهلة عمليا، وتفتقر الى الكفاءة الفنية والمهنية لتكون لها شخصية طبقية ذات مواصفات اجتماعية واقتصادية خاصة بها ومشخصة. فتراها تتحرك في خضم تلك العمل المتنوع لتكيف نفسها بصورة مؤقتة هدفها اما تامين الحد الأدنى من المستوى ألمعاشي آنيا ضمن الوسط الجغرافي الذي تعمل فيه وقياسا لما وصل إليه لمن هم من الشريحة الاجتماعية التي تعمل فيه قبلها. وتحقق لها مستوى معاشي أفضل، وشريحة أخرى تكتفي بأقل اجر لديمومة الحياة لأنها ضمن القوى الإنسانية الشبابية المهاجرة او المهجرة من أوطانها الأصلية بسبب الاضطهاد السياسي او العرفي او القومي ثم الاثني والديني. لان قيمة الإنسان في النظام الرأسمالي يتأثر بالعرض والطلب لعدده ومهارته. وكما هو حاصل على ارض الواقع في غالبية شعوب دول منطقة الشرق الأوسط عامة والدول العربية خاصة. وشعوب أفريقيا وبعض دول جنوب شرق أسيا وغيرها. فتظهر المنافسة والمضاربة في الحصول على العمل على حساب الأجر المتدني ومزاحمة القوى الاجتماعية والمهنية الشغالة المنتجة والمستقرة في الدول الصناعية ذات الاقتصاد السوقي. أي الدول الرأسمالية المستقلة في أوربا وأمريكا واليابان وغيرها. وفي هذه الحالة لابد من النظرة الإنسانية الى هذه الشرائح المتدنية حالتهم المعايشة وغيرها مستقرة اجتماعيا واحتوائهم لغرض تطوير قابلياتهم المهنية والإنتاجية وتثقيفهم بما يتطلب بانهم من صلب العملية الاستغلالية البشعة من قبل هذا النظام (الرأسمالي). ولابد من ضمهم الى جمهرة القوى الفاعلة والمؤثرة في مسيرة تطير نفسها نحو الأفضل. وأحقيتهم بالعيش الكريم ولكونهم يمثلون شريحة كبيرة وواسعة ضمن دور النقابات العمالية في الدول الرأسمالية والدول النامية في الدفاع عنهم واحتضانهم، وتحقيق لهم رابطة بهذا الشكل او بأخر مع مجمل القوى المؤتلفة تحت لواء اليسار السياسي سواء كان ذلك ضمن الحركات والأحزاب السياسية الماركسية او اللبرالية او دعاة البيئة.

      ان ما يخصنا نحن في عراقنا الحالي. فان استثمار هذه الطاقة البشرية المهدورة ونوعيتها وكميتها هو من إستراتيجية المرحلة الحالية لتكون خير حافز فعال ومتفاعل على ارض الواقع وفي العملية السياسية الجارية ولاسيما للقوى الديمقراطية العاملة في كافة المجالات الممكنة وخلق توازن في تطوير العمل الجماهيري مستقبلا بغية العمل على تكريس الديمقراطية وانتشال الشعب والوطن من الوضع المزري المهمش فيه كل أمين ومخلص لوطنه وإقامة دولة ذات دستور معاصر وحكم فدرالي تعددي ديمقراطي تكون الأسبقية لجميع مكونات الشعب وبدون استثناء بعيدا عن المحاصصة المذهبية والتعصب الديني والتطرف القومي وبناء عراق امن ومستقر واقتصاد مزدهر.

30/8/2010 

 

3- التيار الديمقراطي.... حراك وليس جبهة

 لو اطلعنا مليا على الوثيقة التاريخية التي صدرت عن المؤتمر التأسيسي للتيار الديمقراطي لمجموعة أحزاب وشخصيات وطنية وديمقراطية وذلك في 22/10/2011 والتي احتوت على ستة محاور مختلفة، ومنها السياسية والتشريعية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية ثم محور التعليم والثقافة والإعلام.

بهذه النظرة الاستعراضية السريعة، تبين لنا أهمية وقيمة المؤسسات الأساسية والدستورية لكل شعب، والتي لا يمكن إهمال جزء منها على حساب جزء آخر، لأنها مؤسسات مترابطة ومتداخلة تاريخيا، تمثل وحدة عضوية متفاعلة لمجموعة كيانات وركائز ضرورية للمجتمع المتحضر وفق قوانين وأنظمة متقدمة ذات علاقة موضعية لكل محور من محاوره المتضامنة والمتشابكة ولا يمكن الفصل بينها أو الاستغناء عن بعضها.

فمن هذه اللوحة الحية التي تمثل الهيكل الجامع والشامل لمقومات الحياة الضرورية والمستحقة لكل شعب والتي أقرتها الدساتير الحديثة ومنها الدستور العراقي ورغم بعض شوائبه، فهو يقر في مادته الأولى بأنه دولة جمهورية اتحادية واحدة مستقلة وذات سيادة كاملة. وان جميع مكوناته الاجتماعية متساوية في الحقوق والواجبات أمام القانون، ولا فرق بينها في التنوع القومي والديني والاثني، ولا في اللون والجنس.

وعلى هذا الأساس كان ظهور التيار الديمقراطي للقوى والشخصيات الوطنية والمستقلة، يعتبر مكونا تاريخيا لا بد منه، وكحراك فاعل في ميدان العمل السياسي والاجتماعي والثقافي وبرؤية شاملة للمحاور المذكورة أعلاه، ومتابعة تطبيقها بعيدا عن المساومة فيما بين الكتل القابضة والمسيطرة على زمام الحكم وصاحبة النفوذ الديني والقومي، والتي عملت وتعمل على تهميش لا بل إقصاء القوى الديمقراطية بأحزابها وشخصياتها الوطنية من المشاركة في صنع القرارات المصيرية وبناء دولة ديمقراطية فدرالية تعددية تساهم فيها جميعمكونات المجتمع وفقاً لمبدأ العدالة الاجتماعية وبدون تمييز بين الأكثرية أو الأقلية الاجتماعية، قومية كانت أو دينية، لأن ذلك يعتبر خرق للدستور العراقي واعتداءً صارخاً على حقوق الشعب.

فأن التيار الديمقراطي قام ليصبح المسار القانوني لأجهزة الدولة ومؤسساته الرئيسية التشريعية والتنفيذية والقضائية واستقلاليتها عن بعضها. وعدم فرض الوصاية غير القانونية على إحداها وذات طابع ديني أو مذهبي أو قومي يخل بميزان مهامها وواجباتها الدستورية، وبعلاقة الفرد بالمجتمع والوطن. وان انتشار الفساد الإداري والمالي واستفحال الإرهاب المنظم وفقدان الأمن الجماعي والفردي، والذي أوصل الشعب العراقي إلى حالة الاستنفار وعدم الثقة بهذه المؤسسات، مطالبا الجهات المعنية والتنفيذية منها بالدرجة الأولى احترام تاريخ هذا الشعب وقواه وأحزابه الوطنية والديمقراطية العتيدة وتضحياته الجسيمة منذ قيام الحكم الوطني الملكي في عام 1921. وما أصابه من الدمار الكبير طيلة العقود الأربعة الماضية من الحكم الدكتاتوري، وغياب  قيادات الأحزاب المذكورة عن الساحة السياسية، وثم سقوط النظام على يد قوات الاحتلال وفي فترة زمنية مختلة في 9/4/2003.

 وما أفرزته الأحداث خلال التسع سنوات الماضية من تفشي المحسوبية والمنسوبية والبطالة بين اكبر شريحة من الشباب على اختلاف أعمارهم وتخصصاتهم المهنية والدراسية، واحتدام الصراع على كراسي الحكم بين الكتلتين الكبيرتين، دولة القانون ذات الصفة المذهبية (الشيعية) والعراقية ذات الصفة القومية والمذهبية (السنية) والإصرار على إقصاء الأخر والتحكم بالسلطة التنفيذية بشكل منفرد، والانسياق السريع وتسارع الأحداث لقيام حكم فردي ودكتاتوري جديد وبدعم خارجي من بعض دول الجيران، ودون النظر إلى المصير المجهول من جراء هذا الصراع والانزلاق في هاوية، لا مصلحة لأحد من نتائجه إذا وصلت الحالة وتعنت الطرفين إلى قيام حرب أهلية بينهما.

لذا فان التيار الديمقراطي ولد كقوى متابعة وبمسؤولية عالية وضاغطة على جميع الأطراف المتصارعة حاليا ومستقبلاً، كي تعي على المصير المجهول ببقاء الحالة على ما هي ومن المستفيد؟.

وان التيار الديمقراطي وحسب اعتقادنا ليس بمفهوم جبهة سياسية بين مجموعة أحزاب وطنية تحاول عبر احتجاجات ولعدة أيام ولغرض إسقاط حكومة وإقامة أخرى من صلب المخاض، كما كان قائما في العهد الملكي والجمهوري الثاني حينما كان الشعب العراقي وعبر وثبات وطنية تاريخية منذ عام 1948 مرورا بعام 1952 و1956، كيف تمكن من إسقاط عدة حكومات ثم كانت تنطفئ الجذوة الثورية لهذه الانتفاضات بسبب قيام النظام الملكي باستبدال واجهة الحكومة من أشخاص معلومة هوياتهم الرجعية بأخرى إما عسكرية قمعية أو بأشخاص حديثي الاستئزار. بمعنى إمكانيات القوى الوطنية وأحزابها التقدمية كانت تلجأ للالتئام في منهاج جبهوي ذات أهداف سياسية آنية ينتهي مفعولها بسقوط وزارة وقيام أخرى من نفس النمط لخدمة النظام الملكي وحاشيته وبقائه لا غير. حتى تكلل النصر التاريخي في 14/تموز/1958 وان كان على يد مجموعة من الضباط الأحرار للجيش العراقي، ولكن كانت القوى الوطنية المهيء الرئيسي لنجاح تلك الحركة وتحويلها إلى ثورة حقيقية بإزالة النظام الملكي وقيام نظام جمهوري وبأفكار سياسية واجتماعية وطنية وديمقراطية وأسباب فشلها وسقوطها هو بتوجيه ضربة موجعة إلى أجنحتها التقدمية وبسبب التأمر عليها من عدة جهات داخلية وخارجية.

إلا أن التيار الديمقراطي الحالي وحسب أسباب ظهوره هو ليس جبهة اتحادية وطنية كالتي قامت في أواسط الخمسينيات كما ذكر أعلاه. ولا الجبهة المسماة القومية التقدمية والتي قامت في أواسط السبعينيات من القرن الماضي وأسباب فشلها أيضا انفراد التيار القومي الشوفيني في السلطة كما هو معلوم لمن عاشها وتابعها وفرض حالة من الاضطهاد لكوادر الحزب الشيوعي وتصفية قادته وقواعده الفاعلة. فان التيار الديمقراطي هو حراك شعبي متفاعل ليس في أهدافه إسقاط حكومة ما، أي تبديل غطاء فوقي بأخر.

فأنه حراك مستديم وليس آني بأهدافه. فغرضه دعم كل تشريع وقانون تقدمي وإسناد نظام الحكم وتطويره. وهو حراك أيضا لنقد كل عمل لمؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية لا يخدم قيام دولة جمهورية ذات سيادة ونظام حكم ديمقراطي فدرالي تعددي يشارك فيه جميع مكونات المجتمع السياسية والاجتماعية والعلمية والثقافية، ويعمل متعاونا مع السلطة التنفيذية للقضاء على الفساد الإداري والمالي والبطالة المستشرية بين الشباب ويعمل على استدباب الأمن وتقديم كافة الخدمات الأساسية للمجتمع.

 

هذا هو التيار الديمقراطي.... حراك وليس جبهة

  


                                                     19 / 3 / 2012  

4- أطراف المحاصصة في لعبة جر الحبل

عندما تيأس فئة متنفذة في الساحة السياسية مدعومة من قبل البني التحتية الاجتماعية البسيطة والمنسوبة إلى ارتباطات جِهوية أو لمرجعيات مذهبية يصعب عليها فك ارتباطها اللاإرادي بتلك الجهة أو المرجعية، وذلك لعدم قدرتها بتحديد مصيرها في وسط سياسي منشغل بدون مقاييس في كيفية إدامة نفوذها وضمان استمراره قابضة على السلطات الثلاثة التشريعية والقضائية والتنفيذية، رغم عدم قناعة ديمومة وحدتها الأيدلوجية ضمن مجموعة أطراف تتنازع فيما بينها للحصول على المقعد الأمامي في القاطرة الكبيرة. وباقية تعمل في إزاحة أي طرف أو فرد يحاول المناورة لاستغلال الفرصة المناسبة لإسقاط الطرف المستأثر بالحكم والذي يعمل من خلف الكواليس عن طريق التشاور والتعاقد والتفاهم والاتفاق على كذا نقاط يمكن من خلالها اقتسام المناصب السيادية في السلطات الثلاث والانفراد بالتنفيذية الأكثر رواجا ً إعلاميا ً لشخصية الرجل الأول والذي يحاول في فرض وجوده على رأس المؤسسة الوزارية من خلال كسب الأصوات المتناثرة هنا وهناك، سواءً من هذا الطرف القريب أو من أطراف أخرى تتقاطع مع نهجه.

وصولا ً إلى الوعود المقطوعة لهم بكذا منصب وزاري، وبكذا صلاحيات استثنائية في إبرام عقود وعقود...الخ

وان لعبة تسييد الطائفية باستقطاب المذهب الشيعي وتسييسه على ارض الواقع (الحصة الكبرى) وما يعكس ذلك ايجابيا ً على بقاء كتلتها قابضة وبشكل محكم على زمام الأمور ومحاولة تهميش أو إقصاء الطرف المتصارع معها والمتمثل في الجبهتين الأولى منها، الكتلة المتبنية ظاهريا ً شعار قومي علماني، وباطنيا ً مذهبي سني (الحصة الصغرى) ممثلة بالبنية التحتية المتخبطة هي الأخرى وغير المؤتمنة على مستقبلها بسبب انسلاخ علاقة الفرد بصورة عامةعن المواطنة والوطنية، ولابد لكل تكتل مذهبي أو قومي في هذه المرحلة ان يعمل على التجمع حول محور وإيصال صوته عبر التهديد والوعيد إلى الأطراف المتصارعة معها والتي خلفها الاحتلال الأجنبي وأصبح الفعل الفاعل في ساحة العمل السياسي، وبدون معرفة ما هو الهدف وما منهجه، بل فقط لإثبات وجود التجمع كأكثرية تاريخية، تارة خلاياها الفاعلة عبر المرجعيات نائمة أو في سبات عميق نتيجة مخدر منعش للجمع وقتيا ً. غير القوى العاملة على ارض الواقع واستغلت الاضطراب الأمني والسياسي والهيجان الاجتماعي والتردي الاقتصادي. وكان تاريخيا ً بين مطرقة ذاك الطرف وسندان الطرف الآخر حينما كانت الوطنية مشبعة بالعنصرية السوداء والشوفينية القومية المتمثلة بأنظمة الحكم في العراق الحديث بصورة خاصة. فكان التيار القومي العربي وباسم العلمانية بعيدا ً عن المذهبية والطائفية التي إن اعتمدت لانقلبت الأمور على ذويها ويعم الخصام بدون فائدة، وان الصراع المذهبي لم يكن مستثمرا ً سياسيا ً، فأن الكتلة الكردستانية في البرلمان المركزي وحكومة الإقليم وعيا ً على اللعبة القائمة بين طرفي الكتلتين المتصارعتين على كراسي السلطات السيادية وغير السيادية متمثلة بكتلة دولة القانون الشيعية بزعامة نوري المالكي، والكتلة العراقية السنية بزعامة أياد علاوي.

فلا بد للقيادة السياسية الكردية من استغلال نفوذها الذي اخذ يفرض وجوده على جميع الأطراف ويتبنى صفة الجهة اللاعبة والقادرة على فض النزاع بين الكتلتين المتصارعتين وفي أية بقعة جغرافية تختارها وتفرضها على الكل. وبدا الكثير من أطراف الكتلتين تتحرك منذ مدة كالمكوك شمالا ً وجنوبا ً ووسطاً. علما ً إن الساحة السياسية المتفاعلة فيها الكثير من الأحزاب السياسية ومنها ذات جذور تاريخية وبأيديولوجية معلومة، وفئات اجتماعية (مكونات الأقليات) تنتمي لتاريخ هذا الوطن أيضا ً وهي مقصية أو مهمشة كليا ً. وأحيانا ً تجاملها بعض ٌ من هذه الأطراف بغية الاستفادة من أصواتها إذا دعيت للمشاركة في قرار ما دعما ً لها في مسرحية لعبة أطراف المحاصصة في عملية جر الحبل فقط. ولا حاجة لذكر الشعب المغلوب على أمره كباقي أطراف البني التحتية العريضة للشعب العراقي وعلى مضض من الواقع المؤلم ولا سامع ولا مجيب

                         ٨ / ٦ / ٢٠١٢

5- تقلبات البيئة وسلوك الانسان

اذا كانت الحياة بمفهومها البدائي قد ظهرت على سطح كوكبنا فلربما يشك بوجود كائنات اخرى على سطح عدة كواكب ايضاً0 ان مجرى الحياة وعبر التاريخ لم يكن ولا يمكن ان تكون قد بقيت على مستواها التشريحي للجسم والوعي النسبي للعقل كما ظهرت من عمق التاريخ وقبل ملايين من السنين0 ولابد عامل الحركة الديناميكية لاي كائن حي وباي شكل وفي اية بيئة كانت, ان تنقل ذلك الكائن من حالة قديمة ذات خصوصية وظيفية محدودة, ومحدودية فعل الحركة لفترة زمنية معينة الى حالة جديدة تختلف عن سابقتها بخواص حياتية0 ولما كان الانسان يعتبر ولا زال ارقى انواع الكائنات الحية, فان فعل التطور بتحرر الاطراف الامامية لفعل عملية الانتاج0 والخلفية للمشي بقامة منتصبة0 فلابد ان يصاحبها تطور في الناتج العملي المناط بها وحسب الضرورة القادمة, ومردودها الايجابي سرعة الحصول على مقومات الحياة الغذائية بالدرجة الاولى, ثم سرعة لانجاز العملية بحد ذاتها ومهما كانت, مع ما رافقها من تحول او طفرة نوعية بايولوجية في عمليات الدماغ, وارتفاع نسبة ادراك العقل لما حوله من المكوانت المادية ومنها (حيوانات, جبال, سهول, انهار, بحار, اشجار وغيرها) ثم بدأ تفكيره اللاإرادي وبفعل ناتج العمل العرضي يقوده (الانسان) الى تصور فكرة جديدة, او محاولة التعرف على ماهية المحسوسات المادية0 والتفكير لغرض بدء التعرف على الظواهر الطبيعية التي ترافق طوال ايام السنة وتقلبات البيئة المناخية والجغرافية, ومنها سقوط الامطار والثلوج وهبوب الرياح والعواصف وحدوث الزوابع والاعاصير وكذلك الزلازل والفيضانات واخيراً انفجار البراكين هنا وهناك الى جانب ظاهرة المد والجزر وعلاقتها بحركة القمر حول الارض وغيرها0 وان علاقة درجة حرارة كل منطقة من كوكبنا تزامناً مع عدة فترات زمنية محددة مسبقاً بارتفاعها وتعادلها ثم انخفاظها0 كان هناك عوامل تعمل وفق مزاجية معينة لكل فترة زمنية وعلى بقعة جغرافية معينةوتجعل كل الكائنات المتعايشة معها تحت فعل وتأثير هذه الظاهرة0 ولا وجود لقوانين موضعية ثابتة تحدد حركة الاحياء بصورة عامة والانسان بصورة خاصة, وفق ماتفرضه هذه القوانين عبر الفترات الزمنية (الفصول السنوية الاربعة) 0 وهل ان ادراك ووعي الانسان فرداً وجمعاً مقيد ام هو حر في التعامل مع هذه الظواهر ويتكيف وفق ما يلائمه فرداً او جمعاً0 فان نظرية المادية التاريخية لا تنظر الى الانسان كائن فطري كبقية الكائنات يولد وينمو ويموت دون ان يتحسس ما حوله وان وجوده جيلاً بعد جيل ليس الا ناتج عن عملية فعل الغريزة للاستنسال لنسله فقط0 ولايوجد في تكوينه الاجتماعي شرائح او طبقات تتقاطع مصالحها عن بعضها كما لدى الانسان, منذ ظهور (العقد الاجتماعي) من عمق التاريخ (الدولة) بدأ الصراع (عامل الدفع للتحول) بفعل تأثيره الدائم وينتقل من حالة الى اخرى قد تكون في غالبيتها الايجابية لصالح الجميع ومضرة سلبية في احيان اخرى.

ولكن بنمو ادراك وتقدم وعيه وتطور ناتج عمله , تحكمت به قوانين جديدة مجبرة للتفكير الى الاحتفاظ بنوعيته (ككائن ارقى) وسيد الكائنات على هذا الكوكب, وبدأ يفكر في استحداث ما هو افضل في خدمة الجميع مع الاحتفاظ بخصوصية كل شريحة وطبقة ومكون منه بحالة تنافس شرعي سلمي في مجرى الحياة0 فاذا كانت البيئة الجغرافية والمناخية ممكن ان تؤثر في بناء شخصية الفرد, وتحدد طبيعة سلوكه وتصرفاته في مراحل الحياة0 فلابد ان نؤكد ونقول ان كل المجتمعات الراقية والمتخلفة تحكمها ما يفرز من العلاقة الاجتماعية من قيم وعادات وتقاليد, لانها (في تكوينها الحياتي اجتماعية الطبع) 0 وان تلك العادات والتقاليد والقيم لدى الانسان فقط قد تتحول الى قوانين تسري محتوياتها الى عدة اجيال0 علماً ان لكل مجتمع قيمه وعاداته وتقاليده (قوانينه) ووفق ماتقتضيه المستجدات وسمة العصر مع التأثيرات الخاصة للبنية الجغرافية والمناخية لكل تجمع بشري, فان المستجدات ظاهرة دائمية وناتجة من فعل حركة المجتمع, ويجب ان تكون بافضل من سابقتها لمجمل البنى التحتية،ولكن نرى ان دور العقائد الدينية والمكون الفعال للقيم والاعراف المقدسة لكل تجمع بشري الى جانب القضية الاقتصادية, والتي تكون فعلا عنصراً جوهريا ً وحيوياً الى نشوء صراعات متفرقة ومتفاوتة في حدتها واعتدالها0 وكل شريحة او طبقة او مكون اجتماعي مستقل يحاول التشبث بالتمسك بزمام الامور والتحكم بغيره ولصالحه ولمدة اطول0 دون اعطاء قيمة لمفهوم ان لكل انسان الحق في حرية اختيار ما يؤمن به, لان مفهوم الايمان والعقيدة الدينية ملكية شخصية وارث مقدس, لايحق لغيره مسها او تغيرها بالعنف مع المكون التاريخي لكل فئة وبمستوى من القدسية ايضاً الانحدار الاثني والقومي0 واذا طالما اردنا الكتابة عنه ولما يعانيه مجتمعنا العراقي بكل مكوناته الاجتماعية والدينية والاثنية والقومية من بعد 9/4/2003 , واستفحال ظاهرة التعصب الديني والمذهبي والقومي عبر ظاهرة الإرهاب المنظم وبقيادة الأطراف المتصارعة على كراسي الحكم وبشكل علني, وماتعكسه على ارض الواقع من فقدان الامن الجماعي بصورة خاصة, ولم يعد لاية شريحة او جماعة وحتى طبقة اجتماعية تأتمن على سلامتها وعلى مصالحها0 وان انتشار الفساد المالي والاداري وبشكل مكشوف لايمكنلاية جهة قانونية رسمية محاسبة احد, لان الاطراف المتصارعة تحمي ذلك لغرض تعميم الفوضى في جميع مرافق الحياة0 ان الشعب العراقي اصبح عاجزاً عن الدفاع عن حقوقه الاساسية وعن حقه بالعيش الكريم0 وان الديمقراطية بمحتواها الفارغ تستغل من قبل الكتل الكبيرة المتصارعة غير مهتمة بما تؤول النتيجة من استمرار الوضع كما هو, ولا ينظرون لما حولهم في البلدان القريبة وشبه البعيدة, ما حل بحكامها حين داسوا على مقومات شعوبهم وكرامتها.

هذا هو واقع الشعب العراقي الجريح والمؤلم من بعد الاحتلال في 9/4/2003 فان جميع فصائله الوطنية والاجتماعية والثقافية والغالبية الكادحة في واد وزعماء تلك الكتل في واد اخر 0

فهل حقاً ان تقلبات البيئة الجغرافية والمناخية تخلق انسان غير متزن السلوك والتصرفات تجاه بعضه والا ماذا ؟ فان تلك الجروح القديمة اكثر الماً من طعنة جديدة بخنجر مسموم فان هذا الشعب مكلوم من زمان وللصبر حدود.

                                                               15/7/2008

6- أنزاعات إقليمية أم حروب مدفوعة الثمن؟

إذا كان الصراع في المجتمع الحيواني بصورة عامة، وفي المجتمع الإنساني بصورة خاصة، يعتبر ظاهرة بيولوجية طبيعية. فان الصراع بمفهومه السلبي يؤدي إلى عدم الاستقرار وضمان الأمن الجماعي لكل الأحياء. ولابد أن يقود الكائنات الحية إلى استمرار النزاع اوالخصام كل في بيئته. وله ما يبرره في عالم الحيوان بالدرجة الأساسية كنزعة للبقاء (والبقاء للأقوى) وكقانون ثابت لاصطفاء النوعي الطبيعي للكائن الحيواني كحالة فطرية لا إرادية.

أما نزعة البقاء في المجتمع الإنساني، فهي أيضا قانون للاصطفاء النوعي الطبيعي والاصطناعي له. لان النزعة بحد ذاتها هي حافز ومحرك لاستقطاب الناتج (للأصلح أو للأفضل) وضمن عملية إرادية وبادراك مسبق لسلبياتها وايجابياتها. وان ظهور المجتمع الإنساني ونموه واتساع رقعة تعايشه الجغرافي وبتعدد مكونات بشرية متباينة في العادات والقيم والمعتقدات، ومتقاطعة في المصالح الطبقية المادية والاجتماعية والثقافية، فلا بد من بروز هذه الظاهرة في مجتمعه، ولا بد أن تتوسع حدتها أو تخف بقدر ما تمليه ميزة البيئة وأفضلية الناتج للأكثرية ولفترة زمنية مهما طالت، لان لا ثوابت لما تقدم في المجتمع الإنساني و لأنها سنة حياتية (أي قانون ثابت).

وإذا كان المجتمع الإنساني وعبر مسيرته الحياتية الطويلة، وبسبب فرض عليه ظاهرة (نزعة البقاء) إلى جانب قانون توازن الأحياء في الطبيعة. قد ساقته إلى تحديد أهمية هاتين الظاهرتين وحتميتهما. فان التقدم المدني والحضاري اللتين انفرد بهما المجتمع وأدتا إلى قيام ونشوء النزاعات الداخلية ضمن مكوناته المذكورة وامتدادها إلى حروب خارجية مع غيره من المجتمعات، قد تتقدم عليه أو تتخلف عنه حضاريا ومدنيا لا خلاص منها.

وان تاريخ البشرية حافل بالشواهد بحدوث حروب ونزاعات طاحنة بين الكثير من الدول وأدت إلى انهيار مجموعة حضارات واختفاء مجموعة أجناسوأقوام واثنيات بكاملها. وان غالبية المتاحف العالمية والمحلية تنطق بذلك. وان معظم الحضارات القديمة والحديثة ومعلومة للمتتبع التاريخي ولا تحصى، فمنها اختفت كليا أو جزئيا، وبعضها لازالت قائمة وحققت تقدما واضحا في كافة مجالات الحياة. وان ما استخدم في عمق التاريخ في الحروب القديمة كانت أسلحة بدائية (بيضاء)، اعتمدت قياداتها السياسية والعسكرية على كتل بشرية لا تعد ولا تقدر كوقود لآتون تلك الحروب ولمدة عقود، لا بل قرون من الزمن. وثم السلاح الناري البدائي والذي كان عنصر النصر يعول عليه وبأقل عدد من الكتل البشرية لسابقاتها لاحقا.

وإذا كانت الدول والأقوام الكبيرة عبر التاريخ قد احتكرت لنفسها حق الدفاع عن منجزاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية وغيرها واستمرت بتطوير الكثير من الأسلحة الفتاكة، وامتلكت في العقود المنصرمة من القرن الماضي السلاح النووي والصواريخ العابرة للقارات، وأصبح لها ترسانات ضخمة منها، وانحصرت هذه التقنية العملاقة بيد عدد من الدول الغربية الأوربية، بريطانيا، فرنسا، (الاتحاد السوفياتي سابقا) وروسيا حاليا والولايات المتحدة الأمريكية وكأول دولة استخدمت السلاح النووي في الحرب العالمية الثانية ضد اليابان عام 1945. وبقيت هذه الدول مهيمنة عليه، خشية انتشاره إلى دول عديدة وحدوث نزاعات وحروب بين فصيلين منها أوأكثر وفي مقدمتهم الدول الكبرى المذكورة. فان نتائجها لا محال تكون بتوسع رقعة الحروب وتشمل معظم القارات المعنية وغير المعنية وذات المصلحة بها بدءا بأوربا وأمريكا واسيا، ثم أفريقيا واستراليا. ولا بد ولفترة قصيرة جدا أن تؤدي هذه الحروب إلى هلاك غالبية الجنس البشري إذا استخدم السلاح المذكور، والى اختفاء حضارات عديدة، علما إن ضحايا الحربين العالميتين للقرن الماضي تجاوزت السبعين مليون بين قتيل ومفقود ومعوق.

ولكن لو نظرنا إلى مجرى الأحداث وما جرى من التنافس والتسابق بين الدول الكبرى المذكورة وما وصلت إليه من القناعة التامة مجبرة على عدمأمكانية قيام أي نزاع أو حرب بين دولتين أو أكثر من التي تملك هذا السلاح المدمر وما تكون النتيجة منها على شعوبها بالدرجة الأولى.

فكان هناك الالتفاتة اللاأخلاقية واللاإنسانية من تلك الدول التي تملك التكنولوجيا المذكورة وقيامها بنقل هذه الحروب والنزاعات إلى ساحات عديدة وضمن أقاليم أو مناطق جغرافية بعيدة عنها نسبيا ً كظاهرة استمرار النزاع داخل المجتمع البشري، والسعي الحثيث لتحقيق توسعها العسكري والاقتصادي على حساب الشعوب المتخلفة أو الضعيفة. وفرض وصايتها عليها ضمن القارات الثلاث (أو ما يسمى العالم الثالث) أفريقيا، أميركا الجنوبية ودول الشرقيين الأدنى والأوسط، والتي تملك الكثير من الثروات الطبيعية كالنفط بالدرجة الأولى وغيرها والتي هي ذات أهمية قصوى لإدامة تطورها وتفوقها على غيرها. وفرض نظامها (الرأسمالي)، وبغية تشغيل البشرية بحروب ونزاعات متفرقة في العالم.

وإذا أردنا أن نحصي عدد النزاعات التي استفحلتها الدول الكبرى المذكورة والغربية منها وعلى وجه الحصر وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وخلال القرن الماضي والى هذا اليوم ومنها الحرب الكورية والفيتنامية وبعد الاتحاد السوفياتي في العقد الأخير من القرن الماضي، فسوف نرى أن في كل بقعة من المناطق المذكورة، حدث نزاع داخلي وتطور إلى تدخل خارجي من قبلها أي الدول الغربية. ومنها حرب البلقان في يوغسلافيا وانشطار هذه الدولة إلى عدة مقاطعات على أساس الدين أو العرق أو القومية ومنها. الصرب والكروات وكوسوفو ومقدونية، وقبلها الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات من القرن الماضي وغزوة العراق للكويت بإعطاء الضوء الأخضر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ثم الحرب في أفغانستان في عام 2001 والحرب على العراق في 9 / 4 / 2003 وبالتدخل المباشر لدول الحلف الأطلسي وبقيادة أمريكا مباشرة وما تركته هذه الحروب لشعوب الدول المنكوبة ومنها لا زال النزيفالدموي المباشر قائما ً كأفغانستان والعراق وما آل اليه الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني وتحت سمع وبصر المحفل الدولي.

وأخيرا ً لعبة ثورات الربيع التي بدأت في تونس قبل أكثر من عام وانتقالها إلى ليبيا وثم مصر وسقوط نظامها وتنحي حسني مبارك عن الحكم ومجيء التيار الديني الإسلامي عبر نفق الانتخابات الديمقراطية المزعومة والعاصفة الصفراء التي هبت على سوريا منذ ما يقارب (17 شهرا ً) ولا زالت مشتعلة داخلها وبشكل هستيري بين قوات الحكومة والمسلحين من المدنيين المنشقين من الجيش النظامي. ولم تكن اليمن ولا زالت بمنحى عن هذه اللعبة واشتعال الحرب الداخلية فيها بهذا الشكل أو ذلك وسقوط رأس النظام (علي عبد الله صالح) وفق سيناريو فرضته دول الخليج، عدا ما هو مستمر في الاقتتال ومنذ مدة ليست قصيرة في كل من الصومال والبحرين، وبين دولتي السودان الشمالية والجنوبية في مد وجزر وغيرها. وما هو في غير الحساب ما يؤل إليه النزاع مع إيران بحجة محاولة امتلاكها السلاح النووي. وما يعكس ذلك إذا اندلعت شرارة الحرب معها، لا أحد يقدر ما هي حصة دول المنطقة بصورة عامة من هول الدمار في البنية التحتية التاريخية لها والخسائر البشرية فيها.

حقا ً إن الاستعمار الغربي وبقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لا زال يفكر بعقلية القرون المظلمة في تعاملها من الشعوب الصغيرة والكبيرة الضعيفة وما حققته بنقل الكثير من الحروب والنزاعات إلى خارج دولها وبصورة مؤقتة وتمكنت في كثير من المناطق المضطربة من صب الزيت على النار وإذكاء لهيبها الذي يحرق الأخضر قبل اليابس، وتأجيج الاحتقان التاريخي الطائفي والمذهبي والقومي والعنصري داخل هذه الشعوب المتعطشة لأبسط مفاهيم الحرية والعدالة الاجتماعية. حقا ً إنها حروب مدفوعة الثمن ومحصلتها مئات الآلاف لا بل الملايين من أبناء هذه الشعوب وبقيادات أجيرة ولمدد غير محددة لحين تهيئة رموز أخرى وتبديلها وحسب حسابات جديدة لها.

وهكذا يدور الدولاب لصالح نظام الرأسمالي العالمي وتحت مظلة هيئة الأمم المتحدة ومجلس أمنها ووفق مفاهيم الديمقراطية اللبرالية الوجه الجديد لنظام الدول الغربية وعولمته.

ولكن المحصلة العلمية والعقلانية تقول (ليس أثمن من الإنسان على هذه الأرض) ولا بد من أن تسود العدالة الاجتماعية بين الشعوب ويدحر العدوان أينما كان ومهما كان، وبلا نزاعات إقليمية ولا حروب مدفوعة الثمن.

25/تموز/2012

 

7- لا تدعوا حناجر الضعفاء تبح …. وإلا

التاريخ زمن متراكم من فعل الإنسان كناتج مادي واجتماعي، والحضارة ليست إلا الصورة المرتشة لذلك الكم المتراكم لها. ولكن هل يعلم المستطرق في شوارع واشنطن ولندن وباريس وموسكو وبغداد والقاهرة … بامتداد ارض أي حضارة كان يمشي ؟.

هناك من عمق الماضي الزمني والمادي رنين لفؤوس ومعاول لأجيال وأجيال من الرجال قضوا نحبهم فيها , وأنين من أرتال وأرتال لأطفال يتامى, وصراخ مواكب ومواكب من النسوة كزوجات فقدن أزواجهن وأطفالهن, وأمهات فقدن فلذات أكبادهن وأخوات فقدن إخوتهن , كل ذلك بسبب المطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية كحد أدنى للحياة اليومية ومقوماتها

فإذا كان ارسطو طاليس قبل أكثر من ستة وعشرين قرنا ً قد قال :-

(في كل زمان ومكان … دولة ورجال … ولكل امة آحاد(.

فمن هم أولئك الرجال وفي أي زمان ومكان كانوا..؟

ومن هم أولئك الآحاد...؟

قليلا ًمن حكمة العقل والإنصاف ياحكام اليوم في عالمنا المضطرب.

أليس هم قادةً لحروب عبر التاريخ ولازالوا يذكون آتونها بأكداس وأكداس من الإنسان الأعزل ومسلوب الإرادة ؟ فلا جواب.

أليس هم المتجبرون من أمثالكم من الذين يفوضون أنفسهم بصلاحيات وبدون نص قانوني للتلاعب بواقع الملايين من الفقراء والمعدمين من ابسط حقوق الحياة وبالعيش ولو تحت شجرة مورقة في فصل الصيف اللاهب ؟… أو تحت سقف صريفة من القصب والطوف شتاءً وقاءً من برده القارس؟ طبعاً بلا جواب. يبدو واضحا ً ومن بعيد , إن المتناوبين على تولي زمام قيادة ارتال وطوابير من جنسهم ومن عمق ذلك الزمن المتراكم والى هذا اليوم ومن أمثالكم , أيضا ً لم ترن في آذانهم ضربات الفؤوس والمعاول لالئك الرجال, ولا لأنينأطفال يتامى , ولا لصراخ مواكب الأمهات والزوجات والأخوات , بحثا عن ذويهن ومعيلهن وحاميهن.أيها الراكبون خيولكم بلا سروج.؟

لم ولن يجف مداد الأقلام الحرة والتي حولت وتحول صراخ حناجر الضعفاء وان بحت … إلى مشاعل , زيتها دماء الشهداء من آلاف الضحايا اليومي في جميع انحاء العراق وقصباته من جراء الارهاب المنضم وتحت سمعكم وبصركم … تلك المشاعل التي لا بد أن تنير دربهم , ولا بد أن تصبح حتوف شهدائهم جسورا ً للمواكب العابرة إلى ضفة الأمان , مطالبة بحق الحياة والعدالة الاجتماعية.

وإلا , فالتاريخ ليس أبكم في ضنكم ولا يحتج معهم , ولا هو أصم لا يسمع الأنين والصراخ , ولا أعمى لا يرى ويبصر ما يغلي في بودقة الحياة ومرجلها , من المحاصصة الطائفية المقيتة , والفساد الإداري والمالي وتهميش وإقصاء كل الفصائل والشرائح الوطنية التقدمية وقادتها وعلى اختلاف مناهجهم السياسية والاجتماعية والاتنية وعدم مشاركتهم في عملية صنع القرارات التي تخدم الشعب ومسيرته الطويلة وبجميع مكوناته التاريخية من الأكثرية والأقلية كما تسمونها بلغة الحساب البسيط.

أيها السادة المحترمون … أحقا انتم غافلون لما يجري تحت أقدامكم ؟

انه زلزال من باطن الأرض , متى انفجر فلن تقوى صلابة وتماسك قشرتها مهما كانت صخرية أو من الصلب , فلن تؤجل تحطمها ونثر أجزائها في أعالي الفضاء , ثم رذاذاً على سطح الأرض كأشباه لرموس تحت الرماد ,

أيها السادة الكرام.

لا تدعوا سبارتكوس يولد من جديد خارج ايطاليا إن لم يكن قد ولد هنا في أرضنا فعلا.

لا تدعوا حمورابي يتحرك متململا فوق مسلته الكبيرة , إن لم يكن قد قفز منها فعلا ليبدأ عملية تجديد القوانين من جديد هنا.

لا تدعو – هوشامنا – يقسم بشعيرات لحيته الهشة بالعودة إلى فيتنام جديدة , دون رجوعه للعمل في سفن الاستعمار الفرنسي.

ولا تدعوا لوثرا جديدا بورقة إصلاح عقائدي أخر وحسب ميزة العصر واستحقاق الإنسان الضعيف المؤمن بالحياة الكريمة

فلا تدعوا – ماوتسيتونغ – يبدأ مسيرة جديدة من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب ,  ومعه شؤن لاي ولي شاوشي – وبيده نسخه جديدة من كتابه القديم (كيف تكون مناضل جيدا) لا بل وكيف تكون ثائرا معاصرا وأمينا على المبادئ الإنسانية.

فما يجري في داخل الوطن العتيد (العراق) نذير شؤم بقيام إعصار لا شبيه لـ (تسونامي في جزر اندونيسيا قبل سنتين). ولا للإعصار الحالي (اسحق) الذي لا يزال يضرب سواحل أمريكا الغربية ويزيل من الوجود مدنً عن بكرة أبيها دون أن يُقيمّا الإعصاريين المذكورين , مما يمكن أن يلحق بهما من الفواجع. وكلها تنكر حضارة الإنسان العراقي الذي بناها عبر التاريخ ونام تحتها , ولا قيمة لأنين أطفال يتامى أو صراخ النسوة وفي مواكب جديدة عبر أثير الكون.

فيا أصحاب النشوة المؤقتة المحترمون في عاصمة الرشيد. نعم ليست نبؤه أو محصلة قرأة فال بمولد ابن بار ثانٍ من صلب ورحم الشعب العنيد , ليعيد بناء جمهورية عراقية ثالثة – فدرالية – ديمقراطية – تعددية – مستقلة – لا محاصصة مذهبية في تركيب سلطاتها الثلاث – التشريعية والتنفيذية والقضائية. ومن غير فساد إداري ومالي ولا تزوير الشهادات ولا غصب ولا غزو لمقاعد مجالس المحافظات والأقضية والنواحي ومجلس النواب لأصوات شريفة.

فالشعب الذي أنجب رجالات 14/تموز/1958 ورمزهم الوطني عبد الكريم قاسم.فلا بد أن ينجب رموزا جديدة , لأنه شعب حي من عمق التاريخ شعب الانتفاضات والوثبات والثورات البيضاء. فلن يكون بحاجة إلىسبارتكوس من جديد ليحرر العبيد ولن يكلف قادة الثورات التاريخية العظيمة في الصين وفيتنام وكوبا وروسيا. بل سيبقون رموزا ً حية لكل البشرية.

أيها الحكام الوقتيون … ويا أصحاب النفوذ في عراق ما بعد الاحتلال الأجنبي …

هلا تفيقون لرشدكم وتتوبون من أعمالكم , وتطلبون المغفرة من هؤلاء الضعفاء قبل أن تبح حناجرهم في بغداد وغيرها. فكثيرون ممن سبقوكم عبر التاريخ القديم والحديث , قد ركبوا بغالهم ثم بلعهم إعصار ما عبر المحيط , أو طوتهم حفرة كبيرة

وعميقة لزلزال ما تحت رماده … وإلا.

      6/9/2012         

8- السياسة والثقة بالعقل

دأبت الأطراف السياسية ذات التوجه الديني والقومي المتنفذة والماسكة بزمام السلطة في كل من الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة اقليم كردستان في اربيل باطلاق التصريحات المتشنجة حول ما مختلف عليه بخصوص المادة (140) والخاصة بمنطقة كركوك وباقي المناطق المتنازع عليها ضمن محافظات كل من نينوى وصلاح الدين وديالى. مما ادى الى تسارع الطرفين الى تحريك القطعات العسكرية باتجاه تلك المناطق, وكأن الامر وصل بانقطاع السبل السلمية بينهما ولابد من اشعال فتيل الحرب وبدء الصراع الدموي بينهما، وانهما على استعداد لدخول هذا المعترك الخطير ولا رأي للشعبين العربي والكردي وباقي المكونات للمجتمع العراقي بذلك. في حين نرى وبمعرفة جميع المسؤولين في الموقعين، ان هناك في الداخل والخارج عدو تاريخي مشترك لهما ولكل الشعب العراقي، ويبذل في الخفاء والجهر كل الجهود لتصعيد الموقف حد الاصطدام المسلح بينهما، والكل يعلم ان عقلية النظام السابق والتطرف القومي الذي مارسه لعقود عديدة ماذا حل بكل الشعب والوطن ومن جراء الحروب التي شنها على الشعب الكردي وتضيق الخناق على مجمل القوى الوطنية التقدمية والديمقراطية حد إبادتها.

ولكن يجب على الكل التفكير بجد وتدارك الأمر من أن أوار الحرب الداخلية في سوريا كاد لا بل اوشك أن يمتد لهيبها الى داخل الوطن ليحرق الكل معاً.

فهل فقد مسؤولوا الطرفين التوازن ولا سيما الحكومة الاتحادية باعتبارها حكومة لكل الشعب العراقي وليس لجهة اكثرية او اقلية سواء كانت دينية او قومية ؟ ام اصبح الوضع على كف عفريت كما يقال وغاب العقل السديد في الاسراع لنبذ التصعيد والكف عن الاعلام الاستفزازي والمتشنج من قبل الطرفين.والشعور بالمسؤولية التاريخية والعودة الى الهدوء و ضبط النفس ولا بد من تحكم العقل بذلك.

واذا عدنا الى بعض اقوال عظماء التاريخ وفلاسفتها ومنهم اسبينوزا، والذي يقول ومن عدة قرون، ان الثقة بالعقل - تعدت كل الافاق والتصورات ليتجاوز هو نفسه الصراع على مبدأ الحق. وهو الذي اعطى الاستقلالية وحرر الانسان من الفكر الفلسفي الذي كان سائداً في اوربا في القرون الوسطى. ونحن الان على اعتاب الالف الثالث الميلادي.

بمعنى اصبح العقل هو المتحكم بالانسان في كافة مجالات حياته ومنظم سلوكه وتصرفاته الاجتماعية والعقائدية. واعتبر كل ما هو خاضع للعواطف يمثل خواص للطبيعة البشرية غير الموزونة وسلبية في نتائجها.

ولما كان العقل هو مصدر التفكير ونتاجه، بمعنى لا يجوز تهميشه او اقصائه مهما كان ولاي جماعة يكون، لأن كل فئة أو شريحة اجتماعية أو طبقية، أثنية وقومية أو دينية، لها خصائص ذاتية وأليات لتوزيعها وتعميمها حسب الحاجة الاساسية للحياة اليومية ومتطلباتها المستمرة وهي شرعية بحكم قانون الحياة على أن لا تتقاطع مع شرعية غيرها.

واذا كانت السياسة هي احدى الوسائل الشائعة وكمحور مهم يتبنى ايصال قضية معينة او مجموعة قضايا تخص واقع الحالة الاجتماعية والاقتصادية والادارية وغيرها الى اوسع قطاع من تلك الشرائع وفق اديولوجيا خاصة تصلح للتغير السلمي المستمر للواقع الاجتماعي المتلكئ أو المتعثر، أو بسبب الركود والجمود الذي اصاب مرافق الحياة العامة، ويطرح سبل المعالجة الدائمية لمجمل ما ورد في لوحة التغيير وغيرها من النزاعات الداخلية مهما كانت مستعصية.

ولما كان المجتمع التقدمي قد توصل عبر التراكم الكمي لتجاربه، فلا بد هنا من سؤال. عن كيفية معالجة ما يعيق سبل التقدم والتحكم بالمستعصيات، تجنباً للعواصف والاعاصير التي لا يمكن لأحد من صدها أو الوقوف بوجهها.

فإن الاضطراب الأمني والأرهاب اليومي المنظم الذي يعصف في كل بقعة من جغرافية العراق ولم تتمكن الاجهزة المختصة معالجتها أو الحد منها، إضافةً الى ما يفرزه هذا الإضطراب من رمي يومياً بمئات الالاف من الشبان في سوق البطالة المروعة وإنعدام ابسط المقومات المادية للعائلة.

فلا بد من حدوث الزوابع هنا وانفجار براكين هناك، وهبوب رياح عاتية كالتي في وسط المحيط بما لا تشتهي السفن.

ولا بد للربان أن يبذل المستحيل على التحكم عقليا بمقود أو سكان المركب وهو في وسط هذه الفوضى والهيجان. ويقوده الى شاطئ السلام. وكفى ابتكار الازمات وتصعيد الصراعات ولا طائل من ورائها، وإلا فالمصير المجهول للمركب وبمن فيه وربانه يصيب الكل. وهناك ما يبرر هذه الحالة من الاضطراب الشامل للمنطقة الشرق اوسطية عامةً والعربية خاصةً من المؤثراتالداخلية والخارجية، والنظر الى ما آل إليه لما يسمى بالربيع العربي، والذي كانت أولى نتائجه المدمرة في اولى انطلاقته من شمال افريقيا، بدأً بتونس وخلع الغطاء القديم واحتل محله اقبح منه. وثم ليبيا ويمن واخيرا مصر والكل يترقب وحذر لما يغلي بداخل مجتمعه، عدا حالة الحرب المهلكة ومنذ ما يقارب العامين في سوريا وما آل اليه شعبها حد الانهيار انتهاءً بالدولة الفاشلة مستقبلاً كما هو متوقع.

وليس العراق خارجاً وبعيداً من هذا الدوار، فمنذ سقوط النظام السابق في 9/4/2003 والى هذا اليوم يعيش شعبه في وسط هذا الربيع المتقدم زمناً والهائج بلا توقف.

فيا ترى هلا تعود قيادة قوافل هذا المجتمع ذات الاتجاهات السياسية والاجتماعية والدينية المتباينة.. نعم وتطلق العقل السليم من عقاله وتثق به كل الثقة كما قال اسبينوزا (ليقرر ما ينفع أو ما يضر المجتمع بكل مكوناته المتعددة) والذي ذاق الامرين طيلة العقود الخمسة المنصرمة من تقديم الضحايا بلا حساب وبلا تعداد. ناشداً الاستقرار الامني والازدهار الاقتصادي للكل، وفي ظلدستور وخيمة ديمقراطية ونظام يقر بالعدالة الاجتماعية وبتعدد المكونات السياسية والاجتماعية واحقيتها في تقرير المصير والحياة الكريمة والأمن الدائم.

وإلا فلا صراخ ونداء ألف اسبينوزا وغيره يفيد ما لم يتم العودة الى الثقة بالعقل لحسم الامور للصالح العام ولا غير ذلك.

                                                             20/12/2012

 

9- المحاصصة سياسة التهميش وإقصاء الغير

إذا كان المفهوم التاريخي للعقد الاجتماعي ذات أهمية وحتمية ولادته، فلا بد من اعتباره أول مبادرة إرادية للعقل الجماعي للإنسان بغية تنظيم حياة التجمع البشري ما بعد مرحلة الصيد وظهور القرية الزراعية البدائية وإقامة أسس أولية لآليات الدولة، ومنها الاجتماعية والاقتصادية والفكرية وغيرها.

فبعد ذلك كان لابد أيضا من بدء بروز فئة داخل التجمع ذات كفاءة نوعية لتولي مهام تنسيق الحياة اليومية وتصريف الأمور وفق متطلبات أنية وما يستجد عبر المسيرة التاريخية ولكل فترة زمنية لحركة المجتمع، كتجربة أولية عبر الاستقطاب الطبقي لكل جيل أو مجموعة أجيال وما تخللها من الأساليب القسرية التي كانت تظهر وتسود في المراحل المذكورة. فإنها بحد ذاتها تعتبر بدء تقديم خدمات عامة يقوم بها المتولون بتصريف شؤون المجتمع، وفي هذه الحالة لابد أن يتميز السلوك الشخصي والمستوى الفكري بدرجة من الرزانة والثقافة النوعية عن غيرهم لتكون هناك نتائج ايجابية نسبيا أكثر من المخلفات السلبية من تصرف تلك الفئة، باعتبارها النواة الأولى لظهور ما يسمى (الحكومة) والتي أصبحت بحكم الفرضية الاصطفافية لتحملها المسؤولية المباشرة عن كيفية حماية المجتمع والدفاع عنه وعن ممتلكاته وصيانة حقوقه الأساسية بالحياة. ووضع الأسس اللازمة لتشخيص الواجبات المترتبة عليه.

وإذا كانت غالبية حكومات الدول العربية سابقا ومنها لازالت قائمة تمثل مصالح أنظمة شبه الإقطاعية والمدعومة بمرجعيات عشائرية و (دينية – مذهبية). ومنها ملكيات أو جمهوريات شكلية غير دستورية، وقد استأثرت بالسلطة وبقت كقوة متنفذة ومستبدة في إدارة شؤون المجتمع. ومنها قد قفزت على كراسي السلطة التنفيذية عبر مسرحية الانتخابات الشكلية وبحماية فقرات ومواد من الدساتير القائمة ذات نصوص مبهمة كما حصل في العراق الجديد بعد سقوط النظام السابق في 9/4/2003 ودور المحتل في تعميم سياسة الفوضى الخلاقة وتأجيج الصراع الطائفي والمذهبي والقومي والديني بين مكوناته المتعايشة منذ قرون وقرون.

فان ما تشهده الساحة السياسية فيه من التناقضات والاختناقات وتراكم الأزمات والتي تحاول الحكومة القائمة بشخص رئيس الوزراء، اللعب بالورقة النافعة لصالح حزبه فقط. فانه قد التجأ منذ توليه رئاسة هذه الحكومة قبل أكثر من سنتين من الدورة الثانية، إلى المماطلة والمراوغة في حل كل أزمة بما يناسب ويؤدي إلى الاستقرار الأمني والسياسي والازدهار الاقتصادي. إلا انه يحاول بين فترة وأخرى خلق أزمة بعد أزمة وتعليق السوابق على الرفوف بحجج غير مقنعة لمعارضيه والاستئثار بالحكم لأطول مدة ممكنة، وفشل البرلمان بسحب الثقة منه وبعض الوزراء لاختلاف كتله على ذلك. وأخر الأزمات التي كادت أن تشعل حرب ضروس بين قوات الحكومة الاتحادية وقوات البيشمركة لإقليم كردستان. لعدم رغبته بحل المعضلة الرئيسية بين الحكومتين، وهي المناطق المتنازع عليها والمادة (140) حول كركوك، ومسألة قانون النفط والغاز وأحقية حكومة الإقليم من استثمار النفط والتعاقد مع الشركات العالمية وتصديره.

 إلى جانب ما هو متراكم من المطالب الشرعية للمتظاهرين في المحافظات صلاح الدين والرمادي والموصل وديالى وغيرها والتي مضى على بعضها عدة أسابيع وتخص إطلاق صراح الأعداد الغفيرة من المعتقلين والمعتقلات بدون توجيه أي تهمة جنائية ضدهم، ومسألة قانون العفو العام والمساءلة والعدالة والمادة (4) الخاصة بالإرهاب وعدم انجاز مجموعة قوانين والمصادقة عليها من قبل مجلس النواب لاختلال النصاب لعدة جلسات بصورة متعمدة، ومنها قانون الخدمة الموحد وإنصاف المتقاعدين، وقانون الاتحادية وغيرها.

والملح ايضا الفساد المالي والإداري المستشري في جميع مرافق وحماية كبار المسؤولين ومن زعماء القوائم المتصارعة على السلطة، وفي مقدمتها قائمة كتلة رئيس الوزراء (دولة القانون) وأخر الفضيحة الكبرى من الفساد المالي هي التي رافقت صفقت الأسلحة الروسية وما جرى خلف الكواليس المماطلة في التحقيق النزيه وكشف رموز المفسدين المتورطين فيها. عدا انتشار البطالة في صفوف الشريحة الواسعة من الشباب والعاطلين عن العمل ومنهم جمع كبير من الخرجين والخريجات من الكليات والمعاهد الخاصة. وان الحكومة ورئيسها منشغلة في عملية إعطاء المواعيد والوعود الفارغة لحلجميع الأزمات والمعضلات المطلوبة وبدون جدوى. مما أدى إلى نفاذ صبر الشعب واستغلال الوضع المتردي امنيا واقتصاديا من العناصر المنتمية إلى فصائل التطرف الديني والمذهبي والقومي وإشعال فتنة الحرب الأهلية ولا يمكن لأحد من احتوائها.

وان سياسة المماطلة والاستئثار بالحكم وتهميش أو إقصاء باقي القوة السياسية لا يمكن أن تؤدي إلى ثمار ونتائج تخدم أي طرف. ولا بد من التروي والتحكم العقلي والإسراع في تفويت الفرصة للمتربصين بالوطن من الداخل والخارج بالإسراع في تلبية مطاليب جميع القوى السياسية الوطنية المعارضة كمطلب ملح لا غير.

12/2/2013


 

10- الوطنية والـ...  Expire

من المعلوم لدى شخص متعلم، وحتى إن كان تحصيله العلمي لا يتعدى المرحلة الابتدائية. بان جميع المواد العضوية والنباتية والكيماوية خاضعة للاستعمال والاستهلاك لمدة معلومة وفق فحص مختبري مسبق وتاريخه مثبت على كل بضاعة، سواء كانت غذائية أو أدوية طبية وغيرها. وإنها صالحة للتناول ضمن الفترة المحصورة ما بين تاريخ إنتاجها إلى تاريخ فقدان قيمتها الغذائية أو الدوائية المثبتة عليها.

وكثيرا ما نسمع ونشاهد ونقرأ عبر وسائل الإعلانات الفضائية والإذاعات والصحف المحلية، بان الوزارة المختصة بالمواد الغذائية أو الطبية، قد تمكنت من التأكد أن كذا أطنان من المواد المذكورة والمنتجة محليا أو المستوردة، بأنها كانت غير صالحة للاستعمال البشري وحتى الحيواني بسبب انتهاء الفترة الزمنية المحددة لها مختبري أي (الـ (Expire  انتهى.

ترى. هل يمكن المقارنة بين ما ورد من انتهاء قيمة المواد المذكورة في المقدمة أعلاه، وبين مفهوم الوطنية (كهوية مقدسة) وفقدان خصائصها عبر المسيرة الطويلة للتيارات السياسية العاملة في وطننا عراق الحضارة،  والمتحكمة بالواقع المعايش وصاحبة النفوذ الأكبر والأقوى، ومدى إمكانية تشخيص إن مناهجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية و. و. و. قد أصبحت غير صالحة لقيادة هذا الشعب منذ عقود من السنين. ولم يمض يوما واحدا من حياته الخاصة والعامة دون أن يصل صراخه ونحيبه إلى أذان جميع من في الحكم والى السياسيين المعنيين، من جراء هول الانفلات الأمني وفعل الإرهاب المنظم وبهوية جرميه معلومة لدى الجميع. إلى جانب الفساد المالي والإداري المستشري في جميع مرافق الدولة وبدون استثناء. وقد عجز المواطن وحتى البسيط منه من كثرة تبجح الأجهزة الأمنية الرسمية بوضع حد للأعمال التي تقوم بها تلك الزمر. والمدعومة من الداخل والخارج ومنسوبة بشكل مكشوف إلى هذا التكتل والفصيل السياسي والمذهبي والى ذاك وبدون رادع ملموس. غير ما يقال في كل يوم باعتقال كذا عصابات من التي قامت بتفجيرات في المدينة الفلانية أو في الحي الفلاني. لا بل طال العمل الإرهابي أخيرا حتى الوزارات السيادية مباشرة كالعدل وغيرها. وما يسقط من جرائها العشرات من الأبرياء من النساء والرجال والأطفال فيها بين قتيل وجريح، عبر الاغتيالات الفردية والجماعية منها لرجال السياسة والوطنية.

وثاني يوم يصبح كل شيء في خبر كان وطي النسيان وتسدل الستارة على أي تحقيق نزيه.

ألا يعني هذا إن الجهات الأمنية المعنية يجب أن تقر بأنها أصبحت غير قادرة على معالجة الوضع المتردي، وحماية أبناء الشعب البائس وأسبابه مكشوفة، ومنها الصراع بين الكتل المتنفذة على كراسيالحكم والاستئثار بالسلطة، والإصرار على تهميش وإقصاء الغير من الأطراف السياسية للحركات والأحزاب الوطنية الديمقراطية التقدمية والأقل نفوذا. دون أن تعترف هذه الأجهزة بفشلها لا بل بأنها أصبحت خارج الصلاحية الشرعية للمسؤولية الوطنية، كتلك المواد الغذائية والطبية التي فقدت قيمتها ومدة استعمالها. وأصبحت كالسم القاتل لا يمكن تناوله ابدا.

وبمعنى إن الـ Expire) الوطني) لها مع (الاعتذار) قد انتهى منذ مدة طويلة وأصبح مرفوضا وغير مقبول حتى من غالب الأنصار والمقربين لهم.

فأيها السادة داخل السلطة وخارجها. إن كفاءة وصلاحية المحاصصة الطائفية والمذهبية وحتى القومية المغلقة قد نفذت وأصبحت خارج الخدمة الوطنية إن لم تكن عدوة الوطن.

وإلا...!!! فالحرب الأهلية آتية فعلا إن لم تكن قد بدأت بشكل واقعي بعد سقوط النظام في 9/4/2003. وتتجاهلونها عمدا. فان المخاض الدموي الرهيب المتفجر في كل من سوريا المجاورة ومنذ سنتين حصرا ومصر وليبيا وتونس وغيرها من الدول العربية. وبالتسمية التهكمية للدول الغربية بـ (الربيع العربي). فانه تيار جارف وان وصل سيله إلى الوطن … وكاد أن يعبر الحدود عدة مرات ومشخص من قبل جميع الجهات المعنية وغير المعنية ومن قبلكم بالذات. وما سيحمله من الخراب والدمار الشامل على ارض العراق.

أيها السادة.. انه مخاض لا يفرق بين الإنسان والحيوانإن كان الشعب العراقي قد سلم أمره لكم انتم كقيادات سياسية وبدون استثناء. أليس المطلوب من الجميع إعادة النظر بكل جدية وصدق الوطنية ووفق ما تمليه عليكم الإرادة المخلصة والنزيهة. والجلوس معا واحترام حق ومصير هذا الشعب بالعيش الكريم في ضل نظام جمهوري وديمقراطي تعددي وبكل مكوناته الاجتماعية امن ومزدهر. هذا الشعب الذي امن بكم حين أوصلكم عبر صناديق الانتخابات إلى كراسي الحكم، وان كانت مرحلة غير ناضجة ولا مستوعبة المفهوم الديمقراطي ورضي بالواقع كتجربة ضرورية ومهمة في الحياة السياسية.

فان مد اليد لبعضكم تحت خيمة هذا الوطن لا بد منه قبل فوات الأوان وان التاريخ لا يرحم أي كان.

يا سادة الحكم والسياسة فلا خيار لكم إلا بتسليم الأمانة لغيركم ممن لازالت الوطنية الصادقة تسري في شرايينهم. وعليكم التنحي جانبا وبدون أية جعجعة وقرقعة السلاح يا كرام إن لم تمدوا أيديكم لبعضكم تحت خيمة هذا الوطن.

22/3/2013

11- من المحاصصة الطائفية الى المحاصصة العشائرية

تأكد من خلال مسيرة الكثير من الشعوب، انه في حالة تخلف القوى الاجتماعية ذات الوعي السياسي والثقافي النوعي عن قيادة المجتمع في عملية التغيير والتقدم في كافة مفردات الحياة اليومية المهمة والضرورية، فلابد ان تدور عجلة حركة المجتمع في اتجاه آخر بغية سد الفراغ وتولي المسؤولية التاريخية البديلة عن القوى السياسية المذكورة أعلاه. ويكون انطلاقا من موقع الضعف والوهن الذي أصاب تلك القوى، والحجة القاطعة للفئة الجديدة عدم استوفاء وتحقيق التغيير الضروري في البنية التحتية الاجتماعية المسحوقة. والتي تمثل في كل مكان وزمان أكثر من ثلاثة أرباع المجتمع وهي حجة دافعة ولا شك فيها.

وهنا يجب عدم التهرب من قول الحقيقة وما ينطبق على واقع الشعب العراقي المأساوي الذي يعيشه من جراء التخبط الحاصل في العملية السياسية منذ عقد مضى.

      فان اية عودة بخطوة ولو واحدة الى الوراء في المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والصحي. سيكون بمثابة الانتحار لمفهوم حركة المجتمع وفقدان جميع المكاسب والحقوق الأساسية لجميع المكونات الاجتماعية عبر قياداتها التي تمثلت في تحمل المسؤولية الوطنية خلال هذه الفترة غير المنضبطة لزعماء الكتل السياسية المتصارعة فيما بينها.

      وان ما آل إليه الشعب العراقي منذ سقوط النظام السابق في 9/4/2003 ومن جراء التصادم الحاد بين أهداف تلك الزعامات والتي انصبت أهدافها في جني الأرباح المادية والتنافس على كراسي الحكم السيادية وغير السيادية. والمتاجرة بالمبادئ السياسية ذات الصبغة المذهبية والقومية، واستغلال الفرصة المناسبة للزعامات المذكورة لتكريس التوجه الطائفي والمذهبي والقومي. وما أفرزته ظاهرة التطرف لبعض أجنحتها وأدى إلى تعميق الخلاف وزيادة التباعد فيما بينها. عدا عدم إعطائها أهمية الوضع الأمني المنفلت والطابع الإرهابي اليومي، غير التدهور الاقتصادي من جراء استفحال وطغيان ظاهرة الفساد المالي والإداري وبشكل مكشوف، لاختفاء الرادع الأخلاقي والاجتماعي وتلاشي سلطة القانون.

      ولم يعد بمقدور أية كتلة سياسية من المتحكمة بالأجهزة الرئيسية لمؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية بوقف تفكك تماسك نسيجها الاجتماعي والسياسي والوطني. إلى جانب استثمارها العشوائي للمفهوم الديمقراطي السياسي لصالحها الذاتي ككتل بأهداف سياسية وحزبية ضيقة ولمنفعة غالبية الشخصيات الرئيسية. وفي طليعتها الوزراء والنواب ووكلاء الوزارات والمدراء العامون وغيرهم وبرواتب خيالية.

واذا كانت الشريحة العشائرية قد تمكنت من صد عجلة التطور للحياة وإزاحتها من المجتمع العراقي المدني والريفي بهذه النسبة أو بتلك وخسر الشعب العراقي ما تبقى من المكاسب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فإنها كانت ولازالت متربصة بالوضع العام وتعمل كخلايا سياسية نائمة ضمن البنية التحتية الاجتماعية العريضة.

      وفعلا هذا ما خلفته المحاصصة الطائفية والتي سهلت لقوى الردة من الرجعية الداخلية وبإسناد مكشوف من الخارج، وديمومة الصراع المستميت والقاتل على كراسي الحكم وكأنها طوق النجاة لهم رغم علم الجميع بذلك.

      ان هذه السياسة أدت إلى الفوضى العامة في جميع مرافق الحياة، وجعلت الشعب العراقي بكل فصائله الاجتماعية والسياسية وحتى الدينية، يفقد القدرة على معالجة الوضع الصعب. وحتى إلى إيصال نداء العقل إلى كل الكتل والزعامات المعنية والمسؤولة عن ذلك وعن المصير المجهول من جراء المحاصصة الطائفية المقيتة.

      فها هو الميدان السياسي والاجتماعي في عموم الوطن قد نهض نسبيا بعقلية قبلية عشائرية وبشكل شبه متماسك وخاصة في محافظات المنطقة الغربية والوسطى، وسببه الخلل الذي حصل في التوازن بين المكونات الاجتماعية والسياسية لكل الشعب العراقي. والتي كانت ظاهرياً صاحبة النفوذ الأوسع خلال أكثر من جيلين على ارض الواقع وخاصة بعد ثورة 14 تموز 1958 وما طرأ من التغيير في القوانين التي كانت سائدة في العهد الملكي لصالح كبار الإقطاعيين، ولازالت وبقيت إلى هذا اليوم تحاول ان تثب وثبة الأسد على كل المكاسب الشرعية التي حققتها الثورة المذكورة ومنها قانون الإصلاح الزراعي رقم 30/1959 وقانون النفط رقم 80/1960 وغيرها، والخروج من المعاهدة المركزية (حلف بغداد) ومن منطقة الإسترليني المالية. فما بالكم أيها السادة في السلطة وخارجها. إذا حلت قوى الردة المنظمة والتي قد تستغل الخيمة العشائرية بدلاً من المحاصصة الطائفية. فماذا سيكون مصير كل القوى السياسية الوطنية والاجتماعية وانتم مقدمتها؟.

      فالعشائرية قادمة وطلائعها مطروحة في حملة الانتخابات الحالية لغالبية مجالس المحافظات. وهي مقتنعة بأنه لا مجال بوضع حد للفوضى الطليقة ما لم تتولى هذه الطبقة المبادرة لإزاحة كل ما يعترضها. وقيادة المجتمع حسب منهجها ورؤيتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ولا بديل لغيره أنياً ومستقبلاً.

      علما ان الاستعمار البريطاني بعد احتلال العراق في عام 1914. كان قد طرح مسودة قانون للنظام العشائري عام 1918 والذي ظل نافذا مفعوله لغاية ثورة 14/ تموز/ 1958. وثم الغي. والغاية منه كان لدعم النظام الملكي بتكريس النفوذ الاجتماعي القبلي حصراً باسم قانون العشائر. وحسب رؤية حكام الاستعمار البريطاني حينه. وأصبح ذلك القانون مدعوما رسميا بدستور الدولة العراقية الصادر عام 1925 وفق المادة 114 منه.

فما رأيكم أيها السادة ونحن نمر في الذكرى العاشرة لاحتلال العراق ؟...

9/4/2013

12- رفقاً بالحاضر أيها المتراشقون للبعض

قال احدهم – لو سُئل الأموات عن التاريخ لكفروا به...

لماذا... وما ذنب التاريخ ليُنبذ ويهان بهذا الشكل المريب... أليس من صنع الإنسان ؟ وهل التاريخ كائن حقيقي حي ؟ أم رمزٌ معنوي لا دخل له في أية حادثة او فعل وقع لسبب ما. وانه مخزون بلا أبعاد وميدان بلا مقاييس، تتراكم فيه كلما يجرف سيل الحياة لجميع الكائنات الحيَّة وفي مقدمتها الإنسان.

أيحق لأي كان أن يضع التاريخ على منصة التشريح ويبدأ يفكك مفاصل هيكله العظمي مفصلاً مفصلاً ويتصرف بها كما يشاء ؟

أم يحق لأي كان أن ينسب التاريخ لنفسه، ولا يعلم بأنه عبارة عن تواصل بناء حضارة في زمان ومكان ما. وتراكم كمي لفعل شعبٍ او عدة شعوب متداخلة متلاصقة كحضارة وادي الرافدين (كنموذج تاريخي حصراً) والتي تمتد لآلاف السنين. وشاركت فيها مجموعة مكونات بشرية بدافع التسابق الغريزي في البناء والدفاع عن وجودها كـ (موكب ماراثوني) فهناك من في مقدمته وثم من في وسطه وآخرون في المؤخرة. وكلها تمثل وحدة اجتماعية متجانسة لا يمكن الفصل بينها. والموكب بحد ذاته يمثل حركة المجتمع، وحضارته ملكُ الكل وبدون تفضيل بعضٍ على بعض. أو الادعاء بملكية جزئها او كلها والواقع الحالي للإنسان العراقي خاصة يئن من هول التشظي والتنازع فيما بين جميع مكوناته التاريخية دون ان تعرف أن العدو واحد وانه هو هو من الماضي السحيق تابع وراقب المسيرة الصعبة للأجداد ونكل بها. ويريد إعادة الماضي بأبشع من السابق ليمحو بقايا أقلياتنا ويربك الأكثرية وبقِناعٍ مغايرٍ للماضي ومبطن.

ولو استعرضنا تاريخ الشعوب وحسب انتمائها الإقليمي او القاري جغرافياً، فلابد لكل منها موقع محدد ومخلفات تاريخية لمئات لا بل لآلاف السنين. فمنها قد حفظ في صروح عمرانية عملاقة ووضب فيها وفقاً لقيمهم وتقاليدهم الاجتماعية والدينية آنئذٍ. وما يمكن الاستفادة منه كناتج حضاري إنساني سابقاً ولاحقاً للأجيال القادمة.

ولكن ومع مزيد الأسف ان ما يساق الى البورصة التجارية من المفاهيم والقيم الحضارية القديمة، والتي يجب احترامها، لأنها لأجدادنا السابقين ومنهم الكلدوآشوريين السريان، وليس مزايدة على احد ولا يمكن من ينكر انهم من بقايا تلك الحضارة ومن حقهم التمسك بذلك ولكن لا المباهات بها كما لا يحق لأي فصيل منهم وبأي تسمية كان، الانفراد بالانتساب لها وتهميش غيره كما هو حاصل ومتحول الى تراشق البعض لبعض ولأفراد داخل الوطن وخارجه ممن يعيش ضمن جاليات متشظية ومشتتة في المهجر وبدعوى ملكية الانتساب للتاريخ والحضارة والتسمية الخاصة له فقط. ويجهل ان بتراشقه لغيره واي كان في الداخل والخارج، يقدم اكبر خدمة للعدو التاريخي والحالي ويزيد الفراق والخصام بين مكوناته المسلوبة لأبسط الحقوق الاجتماعية والثقافية والسياسية أسوة بباقي الأكثرية من بناء الشعب العراقي من العرب والاكراد وباقي الأقليات الأخرى أيضاً.

فرفقاً بالتاريخ وبالباقين من أبنائنا في هذه الأرض الطيبة، وكفى تراشقاً ومزايدة في أحقية الانتساب لهذا الفصيل او ذلك. وعلى الجميع ان يعلم ان لا قيمة لأية أقلية أو أكثرية اجتماعية، سياسية أو طائفة دينية واثنية وغيرها. ما لم يكن هذا الوطن كالخيمة الكبيرة الحامية للكل. وكلٌ فيه محفوظ الكرامة والحقوق الأساسية في الحياة ولا بديل غير ذلك.

20/4/2013

 

13- سوريا بين المطرقة والسندان

منذ قيام دولة إسرائيل (ذات هيكلية دينية قومية) في فلسطين عام 1948 وتحسس جميع حكام الدول العربية والقوى السياسية الكلاسيكية العاملة ميدانياً. بأن هناك مؤامرة دولية ومنذ عهد بلفور وزير خارجية بريطانيا عام 1917.

فكانت المحصلة السياسية الأولية والقناعة التامة لحكام العرب، بان مخاضاً كبيرا ً وبعيد الأهداف سيتم على مراحل تدريجية وبشكل مبرمج في عموم منطقة الشرق الأوسط بصورة عامة والمنطقة العربية بصورة خاصة.

وأصبح أمام الجميع واقع معقد وصعب تحليله لان غالبيتهم كانوا يفتقرون إلى رؤية وافق سياسي بعيد. ولا خيار لأحد ٍ في رسم خطة سياسية قد تتقاطع مع مصالح إسرائيل في ارض فلسطين وطن الأجداد وقدسيته واحتلال العدو مدينة القدس. وأصبح الشعار العلني والمتفق عليه في جميع تلك الدول العربية والإسلامية إعلامياً. وكإستراتيجية آنية في تحركها محليا ً ودوليا ً وإقليميا ً هو تحرير فلسطين.

وكان الواقع مريرا ً بعد علمهم، إن نهاية حرب عام 1948 رغم كثافة القوى العسكرية العربية وتفوقها عدديا ً بشريا ً وحتى عدة. بأنه كان مقررا ً مسبقاً. وإن هناك الخط الأحمر الذي لا يسمح للجيوش العربية تجاوزه، وتوقف تقدم تلك الجيوش عنده، فولدت منطقة تحت شبه سيطرة العرب وبدون حدود ومساحة معلومة. وسميت فيما بعد الضفة الغربية. ثم توالت الحروب بين إسرائيل والدول العربية المجاورة لها مباشرة ً وحتى الأقرب، ومنها العراق خاصة وصاحب الثقل والكفاءة العسكرية الأكثر من غيره. فأن نشوب الحرب في عام 1956 وما سمي بحرب السويس (العدوان الثلاثي)وتمكن القوات المعتدية (إسرائيل - بريطانيا – فرنسا) من احتلال شبه جزيرة سيناء وبعض المدن الساحلية للبحر لمدة قصيرة. بعد صدور إنذار الاتحاد السوفيتي الشهير بالتدخل بثقله السياسي والعسكري ما لم تسحب الدول المعتدية جيوشها من مصر وبدون قيدٍ أو شرط.

 

فتنفس الشعب المصري بصورة خاصة والعربي بصورة عامة، وأصبح في معنوية عالية نسبيا ً.

ثم لم يمضِ أكثر من عقد من السنين حتى تهيأت الظروف لإسرائيل وبإسناد مباشر من الغرب بصورة عامة والولايات المتحدة الأمريكية بصورة خاصة. واندلعت الحرب الثالثة في عام 1967، وأصبحت كل فلسطين تقريباً بما فيها القدس وأجزاء أخرى من مصر في (سيناء) وهضبة الجولان في سوريا تحت الاحتلال الإسرائيلي.

وثم الحرب الرابعة في عام 1970 وانتكاسة أخرى للجيش المصري بشكل واضح، وما ترتب على ذلك من تحميل المسؤولية إلى بعض من قادة الجيش المصري وفي مقدمتهم المشير عبد الحكيم عامر. وثم وفاة عبد الناصر المفاجئ واستلام السادات زمام السلطة من بعده مباشرة وشروعه بإعادة تركيب الجيش المصري وتهيئته لمعركة حاسمة في عام 1973. وما حققته فعلا ً في اختراق (الخط الدفاعي الإستراتيجي العسكري – بارليف) الذي انشاته إسرائيل في الضفة الشرقية لقناة السويس وثم صدور قرار مجلسالأمن المرقم 242 في 22/أكتوبر/1973 والقاضي بإيقاف العدوان وسحب إسرائيل جميع قواتها إلى مواقعها الأصلية.

فبدأت مرحلة التفاوض المباشر بين القيادتين العسكريتين الإسرائيلية والمصرية في موقع (كيلو – 101) داخل الأراضي المصرية. ثم توالت اللقاءات خلف الكواليس وبإشراف الولايات المتحدة الأمريكية ودور رئيسها جيمي كارتر باللقاء التاريخي بين الرئيس المصري أنور السادات وقادة إسرائيل وما تمخض عنه من اتفاقية كمب ديفيد، وتعهد السادات بصنع سلام دائم بين مصر (كبرى الدول العربية) وبين إسرائيل وإعلانه صراحة بأن حرب أكتوبر عام 1973 ستكون آخر حرب مع إسرائيل. وفعلا ً كان ذلك وما تحقق على ارض الواقع خلال الأربعة عقود مضت منذ الحرب المذكورة وإلى هذا اليوم.

وكانت زيارة أنور السادات عام 1975 إلى القدس وتوقيع الاعتراف العلني لدولة إسرائيل وتبادل السفارات بين الدولتين ولا زالت قائمة إلى هذا التاريخ.

ومن هذه المقدمة والاستدراج التاريخي لأحداث مهمة في تاريخ المنطقة نرى، أن سوريا الحالية هي الوحيدة من بعد فلسطين حلت بها النكبة ولا زالت هضبة الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي. وإن مصر استعادت جميع أراضيها التي كانت إسرائيل قد احتلتها عام 1967، وثم قيام نظام ذات طابع قومي شبه متطرف وتشبثه إعلاميا ً بتحرير فلسطين كقضية مركزية لسياسة حزب البعث الحاكم فيها حاليا وسابقا في العراق بقيادة صدام حسين، ولم يحدث خلال العقود الأربعة من بعد 1973 أي احتكاك عسكري بين دولة إسرائيل وسوريا … ولكن إسرائيل تبقى قلقة من النظام القومي في سوريا ودعم روسيا وريثة الإتحاد السوفيتي لها عسكرياً واقتصادياً. فلا بد لهذه الدولة ومن يساندها من الغرب التحرك للتغيير السياسي والإداري في عموم المنطقة وفي مقدمتها سوريا. وهنا يبدأ مدخل ما يسمى بالربيع العربي وحصة سوريا ودعم المعارضة الداخلية من دول الخليج كوكيل عن أصدقاء إسرائيل (دول الغرب وأمريكا) في تمويل القوى الداخلية " ذات التوجه غير المتجانس في نسيجها الاجتماعي والسياسي وحتى العقائدي" (إسلامي – اثني – طائفي – مذهبي) مع الدعم المباشر من هذا التشكيل من الخارج بشريا ً وماديا ً، وجعل أرض سوريا في دوامة كبيرة من الحرب الداخلية - الخارجية الاستنزافية وإلى أمد طويل لتكون النهاية تحويلها إلى كانتونات عدوانية فيما بينها أيضا ومرتزقة اقتصاديا ً من الخارج (الخليج – الغرب) وان التركيز على مصير سوريا بحدودها ومساحتها ونظام حكمها الحالي، والذي أصبح النظام القومي العروبي الوحيد في الساحة السياسية العربية. وذو العلاقة التاريخية وبشكل وطيد مع إيران بعد سقوط نظام الشاه الملكي عام1979 وقيام حكم سياسي إسلامي شيعي.

وأصبح النظام الحاكم في سوريا الحليف المباشر لإيران والمساند الرئيسي للتيارين الدينيين المتشددين في لبنان ممثلا بحزب الله (شمال إسرائيل) وكذلك جماعة (حماس) في قطاع غزة (جنوب إسرائيل) وكلاهما رافعين راية المقاومة المسلحة الإسلامية ضد إسرائيل.

فان مصير هاتين المنطقتين المعاديتين لإسرائيل. مرتبط بمصير سوريا ونظامها المتعاون مع إيران مباشرة.

وان نظام الحكم في إيران هو الأخر وبحسابات الدول الغربية وإسرائيل يعتبر المحرك والممول والمساند الرئيسي لجميع التيارات الشيعية المتواجدة في المنطقة العربية بصورة خاصة ومنها (سوريا – عراق – بحرين – يمن – لبنان – قطاع غزة) وغيرها. فلا بد من خلط الأوراق على النظام السوري أولا، وجعل شعبها في دوامة ومخاض عنيف بفقدان توازنه بعد إدخاله في نفق مظلم ومصير مجهول. وجعل الحرب الداخلية – الأهلية – تطول حتى الاستنزاف الشامل في كل قدراته الاقتصادية والعسكرية والنفسية. ولاجئاً كشتات متنوعة في بلدان الدول العربية المجاورة والبعيدة، ومنهم قد يصل إلى دول المهجر – أوربا – أمريكا – استراليا - وتصبح إسرائيل ولمدة غير قصيرة مطمئنة من الأعداء التقليديين تاريخيا. وتبدأ تلعب لعبة أسد في محمية مغلقة الحدود جغرافيا. ومقطوعة عن العالم الخارجي نسبياً وان الشروع في الحرب كالدائرة في سوريا لا تنتهي بهذه الصورة. فلا بد من انتقاله إلى كل من دول الجيران القريبة والبعيدة من إسرائيل وفي مقدمتها العراق.  بالدرجة الأولى والذي يغلي في داخله منذ سقوط نظام صدام حسين، والعاصفة بين فترة وأخرى تهب في سمائه وحتى تحين فرصة هبوب إعصار عليه، وكتله المتصارعة على كراسي الحكم والممثلة بالطائفية والمذهبية هي الأخرى مرشحة لنفس مصير سوريا، ويلي العراق الأردن ولبنان ومصر وغيرها.

حقاً إن كل من سوريا والعراق خاصة تاريخاً كانتا الصمام الأمان الوقتي داخلياً وللضرورة الخاصة المقتضية مصلحة أمريكا وحلفائها، والأحداث اليومية خير شاهد على ذلك. وكفى بالعاقل الانتظار.

26/4/2013

 

ومن بعد هذا المقال ارتأيت ان أوثق قصيدة شعرية تنطلق من خلجات الأعماق لما أصاب شعب العراق من الاضطراب النفسي والسياسي والاجتماعي والأمني، وكيف يجب ان يكون ضمن مواكب الإنسانية بإرادة جمعية موحد وابي. وهي بعنوان:

14- الى متى ؟

إلـــى متى لا نــتحسس بــفقدِ ذاتنــــا ؟

إلـــى متى لا نــعلم بــتهميشِ ذاتنــــا ؟

إلـــى متى لا نــبصر ارتــباكِ ذاتنــا ؟

إلـــى متى لا نــظن بــسهدِ ذاتنــــــا ؟

إلـــى متى.. وإلى متى.. و إلى متى ؟

وصراخ الصدى من بعيد

ينادي.. هيَّا نوحِدَ السؤال

أبشكوى على الزمن العابر ؟

فرد التاريخُ وقال

وما جنحي أنا ؟

أبشكوى على وادِ الرافدين ؟

فردَ الفرانين وقالا

وما ذنب كلانا ؟

أبشكوى على قانون الحياة ؟

فردت دار العدالة وقالت

وما جرمي أنا ؟

أبشكوى على البشرية ؟

فرد صوت الشعوب وقال

وما علتي انا

أو بشكوى على الراقدين تحت الثرى ؟

فردت القبور وقالت

وما فعلنا بعد الممات ؟

إذن... وإذن... وإذن

لما لا نكشف عن حقيقتنا ؟

لما لا نبحث عن كنهنا ؟

وها نحن بلا خوف.. نقرُّ

إننا محط ومُجمَعِ الأسباب

في تنازع كياناتنا

وصوت ينادي

ألا بخطوةٍ واحدةٍ نخطو إلى الأمام ؟

فنحقِقَ حرية وحدتنا

فنحقِقَ قوة وحدتنا

فنحقِقَ إنسانية وجودنا

حينئذٍ نحقق وحدة شعبنا

               25/5/2013

 

15- أشرعية الصندوق أم شرعية النهضة؟

إن ظاهرة التغيير والتجدد، هي فرضية في مسار حياة الانسان. وذلك لتميزه عن باقي الكائنات الحية بخاصية الوعي والإدراك أولاً، وثانياً لأنها من المتطلبات الآنية والمستقبلية لتجدد مفردات حياته اليومية وفق منطوق (المادية التاريخية) (كحركة ديناميكية) ولا يمكن أن تتوقف هذه الحركة لأنها بمثابته انعكاسات واقعية لأي تجمع بشري، وهي ناتج خصائصه الاجتماعية والاقتصادية والفكرية. وان أي خمول أو كسل يصيب أي تجمع، قد يؤدي إلى مردودات سلبية في مجرى الحياة، ويؤدي إلى فقدان التوازن وخسارة لا تعوض لجميع المكتسبات للخصائص المذكورة، والتي تعتبر حاصل التراكم الزمني الكمي لأجيال وأجيال. وان تقدم أي شعب بمعنى حصول تجدد وتغيير في آليات الحياة. وتعتبر أيضاً إفرازات من عمق شعوره بنهضة شاملة لجميع تلك الآليات ومقوماتها الأساسية الحية وفق ما ورد أعلاه.

وإن أي شعور بأهمية النهضة يجب أن يصاحبها أدلة التنفيذ (انتفاضة جماعية) متواصلة بغية تحريك البنية الاجتماعية العريضة ذات الشأن المباشر والمصلحة العليا سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو فكرية. وأية أسباب قد تؤدي إلى التلكؤ أو التباطؤ في عملية التغيير والتجدد، يكون لصالح الشرائح الفوقية المتوارثة والمترسبة في أرضية المجتمع ومتحكمة به ولا تقبل أي مسٍّ في مركزيتها وامتيازاتها الخاصة، وتحاول استخدام شتى السبل لإيقاف عملية التغيير والتجدد.

وان ما جرى منذ عدة أعوام بعيدة وقريبة في كل من مصر وتونس وليبيا والعراق وسوريا واليمن وتركيا وغيرها من دول منطقة الشرق أوسطية بصورة خاصة، ليس وليد أيام وأسابيع، بل وليد التناقض المستفحل والصارخ بين القديم المستبد والجديد الطموح للانعتاق والتحرر منه، ونحو مستقبل أفضل.

وان ظهور بعض الدول ذات الأنظمة الجمهورية في عدد من الدول العربية من أكثر من نصف قرن مضى، فهذا لا يعني انه حصل تبدل جوهري في مواقع وعقلية تلك الشرائح الفوقية والمستبدة. وذات النفوذ الاجتماعي القبلي أو الديني -مذهبياً وطائفياً- ولها أسبابها المتراكمة أيضاً ومعلومة لدى كل متابع لمجرى الأحداث، السياسية والاجتماعية والفكرية. وهي فعلاً الوريث التاريخي للنظام الاقطاعي والمرجعيات الدينية المتطرفة بدون استثناء. رغم انها متعايشة تحت خيمة المجتمع المدني ظاهرياً. إلا أنها متمسكة بزمام الأمور، حجتها تقديس الموروث الاجتماعي والديني بصيغته المنغلقة والمتطرفة، تحيطها فئات منتفعة وموالية لها. رغم تظاهر الكثير منها بتأسيس أحزاب وحركات سياسية ذات أيديولوجية معاصرة اسمياً، تستخدمها كأداة لشرعية عملها، متبجلة الديمقراطية اللبرالية كأبسط ضمان لديمومة بقائها شرعياً. وغالبية البنية التحتية العريضة لمجتمعاتها مقهورة ومسلوبة الارادة، إما لكون جميع الحكام في الأنظمة المذكورة تلتقي مصالحها ومصيرها معها. وإلا لا مكان لها مستقبلاً، وإذا كان الشعب المصري منذ مدة قد أصابه الخمول والكسل بنتيجة الارهاق المتواصل لعقود من السنين ومن جرّاء دخوله عدّة حروب قاسية وفاشلة مع اسرائيل المدعومة مباشرة وبشكل مكشوف ولا زالت. إلا أن الحكام المتعاقبين خلال العقود الثلاثة الأخيرة، قد أصبحوا أكثر ضياعاً ونفوراً. لا بل فقد الشعب الثقة بهم ولم يعد لهم أية مصداقية، ولا الأحزاب السائرة في فلكها.

أما الكتل والحركات السياسية المعارضة فهي اما مهمشة أو منقسمة على نفسها ولا نفوذ لها. عدى التيارات الدينية التي استغلت هذه الفترة ونظمت نفسها وتمكنت من كسب ود البسطاء وتحريكهم في أجوائهم كما يشاؤون. وخير دليل على ذلك. فإن حركة الاخوان المسلمين المصرية بالذات، كانت قد نشطت منذ أيام مؤسسها حسن البنا في الخمسينيات من القرن الماضي وظلت تعمل في جميع الأوساط الاجتماعية المقهورة سواء اقتصادياً أو فكرياً. وحتى عملت في الوسط الأكادمي وكسبت الكثير منهم. علّهم ستحقق لهم ما لم تتمكن الأحزاب المدنية على اختلاف مناهجها الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى الموالية للسلطة التي لم تحقق لهم أي مكسب مادي ومعنوي. فكان ما كان في العملية الديمقراطية المشوهة في انتخابات أول مجلس برلمان غير شرعي قانونياً وتم الغائه من قبل المحكمة الاتحادية الدستورية. وثم انتخاب رئيس الجمهورية وحصوله نسبة ضئيلة أكثر من النصف في المئة. واستلامهم (الاخوان) السلطة، وبدؤا من الأيام الأولى الاستئثار والتحكم بها.

وهنا دق ناقوس الخطر ووصل رنينه إلى أبعد طبقات المجتمع، وتحسس الجميع بأنهم كانوا في غفوة زمنية لا بل في سبات عميق. فلابد أن ينهضوا ويقطعوا الطريق على هذه الكتلة التي باشرت بإصرار شديد بقلب كل الموازين لصالحها وتغيير هيكلية الدولة ومؤسساتها وما يناسب أفكارهم السياسية الدينية والمذهبية مستندين على شرعية الصندوق. وكائن الصندوق هو الحاسم الحقيقي لجميع مشاكل المجتمع. وهو القانون والدستور الأساسي لها. وزادت ثقتهم بنفسهم حد التقوقع وتهميش غيرهم حينما علموا أو تأكدوا أن مهما نهض المجتمع المصري، فانهم قد حسبوا له ألف حساب للمستقبل القريب والبعيد. حيث الكل يعلم أن الحدود المصرية الليبية بعد سقوط نظام القذافي فتحت لجميع المهربين وتجار الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وحتى الثقيلة. وتمكنت الأحزاب الاسلامية وفي مقدمتها (اخوان المسلمين) من خزن القسط الأكثر منها. وانهم شرعاً سيتمكنون من استخدامها باسم استحواذهم للسلطة التنفيذية مباشرة أو عن طريق تسليح انصارهم بها في حالات الطوارئ. وضرب أية معارضة مجردة من أي دعم رسمي أو شعبي حسب ظنهم.. وفعلاً تناقلت الكثير من القنوات بأنهم بدؤا يوزعون الأسلحة بعد اقالة رئيسهم على انصارهم.

وقد وعت القوى السياسية العلمانية، بأنها أصبحت قاب قوسين أو أدنى من محاصرة القوى السياسية الدينية لها، وبقيادة الإخوان مباشرة. وان هذه القوى مهما حاولت التظاهر ورص الصفوف سوف لن تتمكن من ازاحتها. وان شعار اسقاط رئيس الجمهورية سلمياً لا يمكن تحقيقه لأنها متمسكة بالشرعية الانتخابية وانها متربصة بها، وفي حالة أي احتكاك سلبي بها، قد تبيدها باسم الشرعية المذكورة والسلطة الرسمية. وان الحرب الأهلية لا مفر منها بين الطرفين إذا لم تخضع الأحزاب العلمانية لذلك وتعترف بالشرعية وتحترمها.

إلا أن المثل يقول... تهب الريح بما لا تشتهيه السفن... فما كان بالقوى الوطنية العلمانية إلا أن تصر على رحيل رئيس الجمهورية باعتباره رأس حربة لهم. واستنجدت بالقوات المسلحة في الوقت المناسب وطلبت تآزرها واسنادها في معركتها السلمية مع القوى الدينية وفي مقدمتهم الاخوان. فان التاريخ السياسي لكثير من الشعوب المسلوبة الإرادة، قد تضطر إلى اللجوء إما إلى حمل السلاح والدفاع عن نفسها، أو إلى القوات المسلحة، رغم علمها بأنها قد تقع في مأزق مستقبلاً، خشية تشبث العسكر بالسلطة واقامة دكتاتورية جديدة صعوبة ازاحتها أيضاً. ولكن هناك مثل شعبي ولو عند الحاجة القصوى وبنظرة ضعيفة (حمة شديدة ولا موت محقق).

 وإذا عدنا إلى تاريخ شعوب المنطقة، فنرى بأنه قد مرَّت بمثل هذه الظروف الصعبة وشهدت عدّة انقلابات عسكرية، وكان أبرزها والذي وقع في مصر في 23 يوليو 1952 وسقوط النظام الملكي فيها، وتأسست الجمهورية المصرية الحالية. وكان لهذه الحركة تأثيراً كبيراً على شعوب المنطقة برمتها وفي مقدمتها العراق وسقوط النظام الملكي في 14 تموز 1958 وقيام النظام الجمهوري الحالي. وغيرها من الدول العربية كالسودان واليمن وليبيا.

سنعود ونقول. هل ستتمكن قيادة الجيش المصري انجاز المرحلة المحددة لإجراء الانتخابات الجديدة لرئيس الجمهورية والبرلمان دون حدوث مواجهات دامية مع القوى الاسلامية المدججة بالسلاح داخلياً والمدعومة خارجياً من التيار الاسلامي المتشدد أيضاً. وثم يبدأ عصر الديمقراطية الحقيقية والاستقرار الأمني والازدهار الاقتصادي، ويعبر الشعب المصري هذه المحنة الكبيرة بسلام. أم تصر حركة الاخوان وأنصارها على التحدي لقرار العسكر بعزل الرئيس محمد مرسي، وتحاول استمالة بعض أجنحة أو وحدات عسكرية وتقوم بعصيان مسلّح قد تؤدي إلى الفوضى العارمة والاضطرابات الدامية بين الطرفين، ودون أن يعلم أحد بالمجهول المنتظر للشعب المصري ويفقد ثقته حتى بجميع الأطراف السياسية والعسكرية، إلى جانب التدخلات الأجنبية من جيران المنطقة والدول الكبرى. كما حدث ويحدث في سوريا حالياً.

أيصعب وضع النقاط على الحروف وما سيُقرأ بعد ذلك في اللوحة السياسية والعسكرية حالياً ومستقبلاً، وتخرج مصر من مخاضها العسير؟

                                                               7/7/2013

16- أتموت الأشجار وهي واقفةً … وثم تسقطُ ؟

تعتبر حركة المجتمع الإنساني كقانون طبيعي، وسنة من سنن الحياة، غير خاضع (القانون) للمجادلة ولا المزايدة عليه، كما لا يقبل أيضا التعطيل ولا المماطلة والتسويف بغية إبطال مفعوله، لأن آلياته وأجندته هي مكونات حية  غير مستقرة ولا ساكنة، بل تتحرك وفق ما تمليه المفردات اليومية زماناً ومكاناً، وخاضعة للتغيير والتجدد، وحسب حاجة كل جيل ومجتمع وتحت تأثير ظروف مناخية وجغرافية معينة، وعوامل اجتماعية واقتصادية وفكرية والتي تتماشى معها الأعراف والقيم المستنبطة من تلك الحركة الديناميكية، وعلى هذا الأساس إن ما يتفاعل ظاهريا في البنية التحتية العريضة للمجتمع. قد يتقاطع كليا أو جزئيا زمانا ومكانا مع ما هو مفروض عليها من قبل الشريحة المتحكمة وصاحبة النفوذ الناتج من جراء توظيفها في غفوة زمنية طويلة بحكم الموروث، دون الرجوع إلى القاعدة العريضة المسلوبة الإرادة والوعي والحق الشرعي في الحياة، لتكون صاحبة الكلمة والاستحقاق الناجز في العيش الكريم والاحترام المطلوب لجنس الإنسان، باعتباره أثمن كائن، وأغلى قيمة خارج المفهوم السوقي من المستغلين والمتضاربين به.

فإذا كان المجتمع الإنسان منذ القدم قد توصل لإقامة أنظمة اجتماعية واقتصادية وفكرية خاصة عبر مراحل زمنية معينة، فأن التفاعل في مكوناته وعبر الوسائل المتاحة قد تكون بنسب متفاوتة وغير متكافئة ومتقاطعة مع مصالح القلة المتربصة والمتحكمة بالمجتمع القائم عبر الشرعية الزمنية المفروضة كمرجعيات وراثية، سواء كانت دينية وتشعباتها المذهبية أو علمانية طبقية للنظام القبلي الإقطاعي، والتي تسهل ديمومة البقاء كصاحبة النفوذ الأوسع، والحاصل من الصراع المبطن بين تلك المرجعيات، مستغلة أتباعها كسور للدفاع عنها، والتي لا بد من الاعتراف بأهميتها زماناً ومكاناً كشريحة شرعية وفق المنظور الوراثي الديني والطبقي، وهذا ما كان سائداً لعدة قرون في أوربا بصورة عامة والغريبة منها بصورة خاصة كمرجعيات دينية متحالفة مع مرجعيات طبقة النبلاء والأشراف حتى عصر النهضة الفكرية كثورات اجتماعية واقتصادية والثورة الصناعية منذ أواسط القرن الثامن عشر، وادى كل ذلك إلى إنهاء الشرعيات الموروثة مهما كان نفوذها قائماً على أرض الواقع لأنه إجحاف بحق الإنسان في الحياة وتمثيل مبطن وغير شرعي ولم تتنازل عن امتيازاتها المذكورة إلا بعد فرض العزلة التامة عليها وإنهاء دورها من قيادة المجتمع كشرعية للنهضة بكل معانيها الحياتية ضمن قانون حركة المجتمع فإذا كان المجتمع الأوربي قد سبق جميع المجتمعات في نهضته الفكرية والصناعية وله الفضل في تحرير القاعدة العريضة المقهورة والمسلوبة الإرادة. وكان ذلك قبل عدة قرون، فأن انعكاسه كان بطيئاً على غالبية المجتمعات في القارات الأخرى وله أسباب ومبررات أدت إلى بعض الجمود وعدم النهوض الجماعي كثورات اجتماعية وفكرية. يرجع كل ذلك إلى قوة المرجعيات المذكورة. وكثرة الصراعات التي كانت ولا زالت قائمة بين مكونات هذه المجتمعات ومنها المذهبية والطائفية والقومية والعنصرية والاثنية وغيرها، وضلت تُنعش هذه الصراعات حتى إلى زمن قريب مما أدى إلى قيام حروب ونزاعات إقليمية وطنية بين مختلف هذه المكونات، إضافة إلى التدخل المباشر من قبل الاستعمار الغربي الذي  مازال قائما رغم تغيير نمط نفوذه من الكولونيالية الى الاقتصاد، إلا انه ظل يذكي نار الفتنة المتعددة بين هذه الشرائح العريضة والتي ضلت منساقة وبدون إرادة مع التيارات المتصارعة على أرض الواقع وبشكل متنوع ومختلف جغرافيا.

إننا نعيش مباشرة هذا الصراع الدامي داخل العراق منذ عدة عقود وقد استفحل هذا الصراع في العقد الأخير بسبب الإرهاب المنظم لما يسمى بالقاعدة وكأنها الزلزال المدوي تحت أرضيته وبدون توقف، وما تشهده سوريا منذ أكثر من عامين من الحرب الأهلية بين مجموعة فصائل غير متجانسة دينيا ولا مذهبيا ولا قوميا. وألان في مصر واستقطاب الصراع بين التيار الديني المتطرف صاحب الشرعية القانونية المألوفة في وصوله إلى سد الحكم وما آل إليه الوضع بعد النهضة الثورية لقاعدة المجتمع المصري ووعيه بضرورة المبادرة لإلغاء الشرعية المذكورة لأنها حاصل فترة السبات والغفوة الزمنية الطويلة للشعب المصري، وقد يمتد الصراع إلى حرب أهلية لإصرار التيار الديني المتطرف على شرعية الحكم له وبين الجموع الثورية الناهضة وعدم اعترافها بالشرعية الشكلية، وهذا فعلاً يعتبر عملاً غير مسبوق في العالم الثالث وبهذا الشكل الجامح لإضعاف الشرعية الحياتية للقاعدة التحتية العريضة للمجتمع المصري التي قد تمثل أكثر من ثلاثة أرباع المجتمع إن لم يكن أكثر.

أخيرا لا بد أن نقول إن موت الأشجار وهي واقفة هو حقيقة واقعية حية متفاعلة لا خمود لها وسقوطها حتمي مهما اشتد الإصرار، إنها مرحلة الانفصال التاريخي بين شرعية الماضي المتهالك على البقاء وأحقية الحاضر في قيادة المجتمع مهما كانت التضحيات.

انه الموت بعيون مفتوحة وهي واقفة والسقوط المحقق وبدون رجعة ولا سقوط لها وهي واقفة وثم الموت.

25/7/2013


 

17- هل الفساد المالي إرث تاريخي؟

قبل أكثر من نصف قرن مضى، كان قد عرض فلم في سينما السندباد في بغداد – منطقة الاورفلي – وأعتقد كان عنوان الفلم اما -سعيد أفندي أو أبو هيلة- وكان من أبطاله الفنان القدير يوسف العاني ونخبة من الفنانين والفنانات أيام زمان.

وسرت الإشاعة عنة بسرعة البرق، بأن المغزى لهذا الفلم يدور حول الفساد الإداري والمالي المستشري في جميع مرافق الدولة للنظام الملكي. ويظهر الفنان يوسف العاني في شارع أبي نواس يشتري سمكة كبيرة من أحد السماكين المتواجدين في الشارع المذكور. فبادر الفنان بفحص السمكة بشمها من ذيلها. فسأله أحدهم لماذا تشم الذيل. فأجاب يوسف العاني لأن الخيسة قد بدأت من الرأس فهل وصلت إلى الذيل؟... وفي اليوم الثاني أُغلقت دار السينما المذكورة ومنع عرض الفلم فيها، واختفى الممثل المذكور وبعض زملائه المشاركين معه. ولا حاجة لمواصلة ما حل بعد ذلك. وكنت أحد من اللذين شاهد الفلم.

إن ما ورد أعلاه هي وثيقة تاريخية حقيقية ولم تستنسخ من أرشيف مزور ولا من مخزون في جهاز الكومبيوتر الذي شاع استعماله حاليا والذي يمكن أن يزور أية وثيقة تاريخية وحتى لو كانت من العمق الحضاري ويطرحها في ميدان الإعلام المزيف ولا يمكن كشفها.

كان ذلك في عهد لنظام حكم ملكي رجعي في عرف كل القوى الوطنية والأفكار التقدمية آنذاك ولا زال. ولم يكن رائجاً في السوق السياسي مفاهيم ديمقراطية ولا عدالة اجتماعية، ولا حقوق إنسانية، أو حرية إبداء الرأي بشكل علني، وتسقط الحكومة بمجرد انتفاضة للقوى الوطنية لمدة عدة أيام وتقدم التضحيات. وثم تهدأ الحالة بمجرد تشكيل حكومة جديدة وكأن شيئاً لم يكن.

ولكن بعد أكثر من نصف قرن من السنين، ها هو التاريخ يعيد نفسه بصورة أبشع متقمصا ميزة عصرية –  نظام جمهوري –  دستور دائم - برلمان منتخب – محكمة اتحادية دستورية – أحزاب سياسية وصحافة ناطقة باسمها وأخرى مستقلة لا تعد ولا تحصى، إلى جانب عشرات وكالات الأنباء وقنوات خاصة وعامة تنقل ما يحدث في كل ساعة ودقيقة لما يقع على أرض الواقع في غالبية مراكز المحافظات من التفجيرات والأعمال الإرهابية التي تؤدي إلى استشهاد العشرات ومئات من الجرحى وخاصة في مدينة بغداد العاصمة وفي محافظات ديالى وصلاح الدين ونينوى وبابل والبصرة وغيرها. دون أن تتمكن الجهات الأمنية وضع حد لها أو تقليلها. أو إلقاء القبض على رؤوس الإرهاب المنظم عدى ما يكشف عنه عبر وسائل الإعلام عن استفحال الفساد المالي والإداري وبشكل مكشوف في جميع مرافق الدولة وخاصة وزارتي التجارة والدفاع وغيرها. وكأنه أصبح الأمر مستعصيا على المسؤولين ومستحيل تشخيص هذه الحالة المزرية إلى جانب تفشي البطالة في صفوف النسبة العالية من الشباب، والخريجين والخريجات منهم. ولم يعد أحد يسمع إلى مطاليب الجماهير من فقدان الامن والخدمات الأساسية أو تدينها ومنها الكهرباء والماء والبطاقة التموينية وغيرها.

وقد وصلت الحالة بأن مجلس النواب أصبح ميدان وساحة الصراع والمنازعة بين الكتل السياسية المتنفذة على كراسي الحكم والدرجات الخاصة. ولم يعد بإمكان دعوة أي شخصية رسمية من الحكومة – كرئيس الوزراء – أو وزير التجارة أو وزير الكهرباء أو من قادة الأمن والتحقيق معهم وتحديد المسؤولية القانونية بدون تأخير أو مماطلة بمعنى انه (مجلس النواب) فقد شرعيته كسلطة تشريعية منتخبة من قبل الشعب ومن حقها محاسبة أية شخصية سواء كانت في الجهاز التنفيذي أو القضائي والكل يدعي بسيادة القانون تبجحاً ورياءً.

فما أشبه اليوم بالبارحة وبعد مضي أكثر من ستة عقود والفساد قد طال جسم الدولة وفي ظل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحرية الرأي وحقوق الإنسان.

هل يحتاج أي كان أن يفحص سمكة ولو صغيرة ويشمها من رأسها لا من ذيلها ولا يعرف إلى أين وصلت خيستها حقاً ؟

وهل الفساد المالي إرث تاريخي ؟

أم الكل لا يرى ولا يسمع ولا يقرأ... وبريء من كل شيء.

30/7/2013

18- الإعلام ورواتب التقاعد للدرجات الخاصة

قبل أكثر من شهر انشغلت الكثير من القنوات الفضائية بتحريك الإعلام حول عدم شرعية الرواتب التقاعدية للدرجات الخاصة. ((الرئاسات السيادية الثلاث – الوزارات ووكلاء الوزارات – النواب – أعضاء المجالس المحلية للمحافظات والاقضية والنواحي)) وغيرها. بغية سن قانون بإلغاء هذه الرواتب الممنوحة بدون أي سند قانوني وشرعي للدرجات المذكورة للسابقين واللاحقين. باعتبارها رواتب غير شرعية ويجب إلغائها قانونيا. وان هذه الأموال الضخمة المصروفة لتلك الدرجات تعتبر هدر للمال العام. وان العاصفة الإعلامية التي تغطيها والتي تقوم بها كثير من القنوات هي بغية سن قانون لإلغائها. كأنها فقط هي الظاهرة الوحيدة للفساد المالي المستشري في جميع دوائر الدولة. والذي بدأ الكثير من المسؤولين يقرون بذلك. وأصبح الأمر مكشوفاً ومفضوحاً ومعلوماً لدى أبسط شخص من أبناء الشعب. وان هول الإعلام عن ضرورة إلغاء هذه الرواتب يجب تصعيده باعتباره من مقومات لا بل ركن من أركان النظام الديمقراطي للدولة العراقية. ومن حق الشعب إن يحتج على كل صغيرة وكبيرة غير شرعية ولا قانونية أو عقلانية. فهذا جيد. في حين نست هذه الشبكات الإعلامية والقنوات الفضائية المتعددة, إن رواتب هذه الشريحة الكبيرة الشهرية من الدرجات الخاصة رواتب غير شرعية ولا عقلانية أيضا, لا بل نوع من النهب للمال العام والفساد المالي بعينه. في حين مضى أكثر من  سنتين على أمل إصدار قانون التقاعد العام, والذي جعل في مسودته الحد الأدنى للراتب التقاعدي للعراقي مبلغ (٤٠0) ألف دينار. ولازال القانون يتراوح في أروقة مجلس الوزراء, ولم يصل إلى مجلس النواب لإقراره بحجة في حالة سنهِ, قد لا تكون ميزانية الدولة قادرة على تسديد رواتب المتقاعدين وفقا للقانون الجديد. وحاليا فان راتب الوزراء والنواب الشهري وغيرهم أكثر من عشرة ملاين دينار لكل واحد وهو راتب شرعي وقانوني, غير ما يلحق به من رواتب لاكثر من ثلاثين شخصا بحجة أفراد الحماية والحراسة الشخصية, وأكثرها أسماء وهمية وتصرف بدون حضورهم كما نوهت عنها بعض القنوات الفضائية عبر شخصيات مستقلة ورسمية.

فأي ظاهرة للفساد المالي والإداري أبشع من هذه الظاهرة المشرعنة قانونياً ولا يمكن لأحد الاحتجاج عليها عدا الفساد المالي والرشاوى المفضوحة في الكثير من الوزارات والحاصلة من جراء عقود وهمية أو المساومة على التلكؤ الحاصل من قبل الشركات المنفذة ويكتم عنها. ولا يمكن محاسبة أي كان لأنه من القائمة أو الكتلة السياسية في الدولة وصاحبة النفوذ الطائفي أو القومي على أرض الواقع.

فلماذا هذا الاستهلاك الإعلامي الكثير حول الرواتب التقاعدية لتلك الدرجات الخاصة والتي تكلف خزينة الدولة نسبة كبيرة، ولا يعتبر هدر للمال العام. بإضافة الرواتب الشهرية الخيالية المدفوعة من خزينة الدولة للمناصب السيادية وغيرها ولا مثيل لها في العالم.

فأي شرعية لهذه الرواتب الشهرية التي تتباهى بها الحكومة. والشعب يئن تحت وطأة الفقر المتقع والبطالة القاتلة والإرهاب اليومي المنظم؟… فهل من جواب؟

19/8/2013

19- نداء الإستغاثة

ضمن مجرى مسيرة الحياة، لابد أن نشير إلى ما يعترض أي تجمع بشري معوقات لا إرادية ومهمش كلياً، إما لقلة خبرته لتعايشه ضمن بيئة سياسية مضطربة وحالة إجتماعية تتقاطع فيها سبل الحياة به وتجبره في حالات عديدة لتأمل الفترة الزمنية التي مضت عليه وهو لازال محدود الكفاءة والمقدرة لإجتياز تلك المعوقات، ولكن تعتبر هذه الفترة غير واضحة المعالم والنظرة الجلية إلى المسيرة الطويلة والبعيدة عن أفقه على تحليلها. وقد يجابه صعوبات جديدة ومتنوعة وليس في خزينه إلا ما مضى عبر المرحلة الأولى، ويجب عليه الاستعداد لمجابهة ظروف أصعب وأشد ولا معين له غير الاستسلام، ولابد من التفكير والإصرار لمواصلة المسيرة والتحدي لها. أي بمعنى انه لابد أن يعي ويثق بنفسه ككائن إنساني عليه خوض المعركة وكسب الخبرة المطلوبة من خلال التجارب التي صادفته وجعلته في كثير من الأحيان بعيداً عن استرجاع الماضي الغابر لحياته، وكيف يجب أن لا يدب اليأس فيه ولا يتراجع عن الركب الحضاري. بل يمضي ويخوض في معترك الأقدار مهما كانت النتائج. ولكن إذا عدنا عدة سنين إلى الوراء واستعرضنا ما كان ولازال يطفو على سطح الأحداث من المفردات اليومية المصيرية لمجمل شعوب المنطقة العربية بصورة عامة والشعب العراقي بصورة خاصة، وإلى أي وضع إمتدت به الظروف وبسبب ما تعرض على أيدي مجموعة حكام من الذين أصابهم داء العظمة والغرور الشخصي والإنفراد بالسلطة المطلقة حد جعلوا من ذاتهم حكاماً معصومين وبمستوى القدسية، ولم يلتفتوا خطوة واحدة إلى الوراء، وما خلفته سياستهم الرعناء وركبوا رأسهم متشبثين غالبيتهم ولعقود عديدة بالفكر السياسي المتطرف، وابتعدوا حتى عن الإصغاء إلى نداء العقل المتزن والرجوع إلى جادة الصواب وإحترام أبسط حقوق الشعب العراقي بدلاً من إذلاله وزجه في آتون عدة حروب داخلية وخارجية مهلكة، رغم اضطرار مجمل الحركات الوطنية الطبقية والدينية المعتدلة وغيرها إلى طرح نداء الإستغاثة لمن سينقذهم من الحكم الدكتاتوري والقومي المتطرف. دون أن تقدر هذه القوى أن نداءها كان بعيداً عن سامعيه من أبناء الشعب العراقي المقهور والمسلوب الإرادة. مما اضطرهم إلى الرضوخ لشروط الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وهي لابد من احتلال العراق والتحكم بثرواته وبمصيره، وتحت خيمة ما تسمى بالديمقراطية اللبرالية والتي كان كل عراقي وبدون استثناء مستعد لسماع هذه الكلمة ومتلهف لتحقيقها وبأي نسبة كانت. وهذا ما حصل في 9/4/2003 من احتلال الوطن وفرض الوصايا عليه وبشروط مجحفة ولمدة غير محدودة. ولم يكن المحتل صادقاً بقوله من إقامة نظام ديمقراطي ناجز ما لم يضمن تحقيق مصالحه الآنية والبعيدة وتخدم دولة اسرائيل معاً أيضاً. فكان المخطط الاستراتيجي ومنذ مدة طويلة هو ضرب القوى الديمقراطية والوطنية على اختلاف مناهجها السياسية والاجتماعية. طبقية يسارية، وقومية أو دينية معتدلة في عموم الدول المجاورة لإسرائيل. والتي تملك أعظم ثروة نفطية وغيرها في العالم.

فكانت البداية مباشرة وبعد سقوط النظام السابق، إقامة نظام حكم متصارع داخلياً بسبب تمكنه (أي المحتل) من تحريك وإذكاء الاحتقان التاريخي في البنى التحتية للشعب العراقي وتأجيج النزاع المذهبي والطائفي بين أبنائه وتشغيله فترة طويلة بإنتخابات صورية ولعدة مرات، وإقامة حكومات متعاقبة من المحاصصة الطائفية المتكونة من الأكثرية الشيعية والسنية من العرب من جهة. وثم محاولة تحريك النزاع التاريخي الخامد بين العرب والأكراد من الجهة الثانية. رغم أن الشعب الكردي تمكن من إقامة الحكم الذاتي في اقليم كردستان وضمان الأمن والاستقرار النسبي فيه قياساً بباقي أجزاء الوطن الذي سادتها الأعمال الإرهابية والإغتيالات الفردية، وتوجيه الضربات وبدون توقف لكل مكوناته الإجتماعية والسياسية عن طريق المفخخات والعبوات الناسفة يومياً. وخاصة في المدن الرئيسية ومنها بغداد العاصمة والموصل وبصرة وكركوك وبعقوبة وتكريت وأخيراً أربيل عاصمة الإقليم وبدون أي رادع قانوني وأخلاقي، والذي لازال يسقط من جرائها يومياً مئات الشهداء والجرحة. وفشلت جميع الخطوات والتدابير المتخذة من قبل القيادات الأمنية المختصة. إلى جانب استشراء الفساد المالي والإداري وتزوير الشهادات في جميع مرافق الدولة. واتهام كبار رجال الحكم جهاراً من الوزراء وزعماء الكتل السياسية داخل البرلمان وخارجه دون أن تطالهم يد العدالة لأنهم محميون من قبل تلك الزعامات، وكما يرد في الكثير من القنوات الفضائية وعلى لسان العديد من الشخصيات الرسمية والمستقلة من داخل السلطتين التشريعية والتنفيذية، حتى وصل الأمر والاستياء بأنه لابد من ظهور شخصية عسكرية قوية ويستلم زمام الأمور، كما حدث في مصر. ولا أمل من رسو سفينة المجتمع إلى شاطئ السلام دون إزالة الأشخاص المتربعين على كراسي الحكم وإحالتهم إلى العدالة. وكنداء منهم لإستغاثة الشعب العراقي وكشكوى لابد منها لمنقذ لهم من مأساتهم. وإلا المصير المجهول يشمل الجميع ولا ينجو أحد منه سواءً كان من الأقلية أو الأكثرية الإجتماعية والدينية أو من السياسية، طبقية أو قومية، طائفية أو اثنية.

فهل من يلبي هذا النداء؟ ولا يوتيبيا من السماء!!!

1/9/2013

20- ضرب سوريا.. وشمولية الحرب الطائفية في المنطقة

لا شك ان الحرب الأهلية في سوريا والتي نشبت منذ أكثر من سنتين، لها أسبابها وجذورها ومبرراتها التاريخية داخل المجتمع السوري، ومنها الانقسام المذهبي الإسلامي بالدرجة الأساسية رغم عدم إذكاء ناره منذ عقود وله أسبابه أيضا وهي:-

إن بعد الحرب العالمية الأولى بين دول المحور الأوربية والإمبراطورية العثمانية (الخلافة الإسلامية بقيادة المذهب السني). وثم انتهاء الخلافة الإسلامية على يد الزعيم التركي القومي - كمال اتاترك - عام 1924. مما أدى إلى ظهور الدول العربية الحالية بقيادات قبلية، أي تحكمها مجموعة أمراء ومشايخ عربية كان لها نفوذاً اجتماعياً واسعاً في البنية التحتية، ولازالت تسميات لغالبية تلك الدول العربية تسمى بأسماء أشهر قبائلها وأقواها على ارض الواقع. ومنها آل سعود في الجزيرة وال هاشم : قبيلة من كبار قبائل الجزيرة أيضا في العراق سابقا والأردن حالياً، عدى الإمارات العديدة في منطقة الخليج التي لازالت تحكمها سلالات المشايخ والأمراء لتلك القبائل المتحكمة فيها بعد الحرب المذكورة. وجميع هذه القبائل تنتمي إلى المذهب السني، وبقي أنصار المذهب الشيعي بعيدين عن تولي أية سلطات رسمية في الدول العربية المذكورة ما عدا سوريا والتي كان يحكمها قبل حوالي أكثر من نصف قرن حزب سياسي علماني قومي وغالبية قادته من الطائفة العلوية (الشيعية)، ولم يكن الحكم فيها طائفيا ولا دينيا بل حكم قومي عروبي والوحيد في الدول العربية المجاورة لدولة إسرائيل مباشرة والداعمة للمقاومة المسلحة الفلسطينية كحماس في غزة وحزب الله في لبنان.علما ان سوريا ومن بعد الحرب العالمية المذكورة أصبحت مع لبنان تحت الانتداب الفرنسي والذي لم يشجع فيها التيار الديني ولا المذهبي.

وبعد قيام دولة إسرائيل في فلسطين عام 1948 وبدعم مباشر من الدول الغربية وفي مقدمتها بريطانيا، وعلى اثر احتدام الصراع على الأماكن المقدسة والمتنازع عليها بين المسلمين واليهود مما أدى إلى اشتعال عدة حروب طاحنة في المنطقة. وكانت مصر وسوريا وثم العراق المشاركين الفعلين فيها والأردن وسعودية وغيرها. وان ظهور التيار الديني إلى جانب التيار القومي في غالبية الدول العربية، كان العامل المساعد لنشوب النزاعات وحروب بين دولة إسرائيل والعرب والى مدة غير محدودة.

ولكون منطقة الشرق الأوسط ذات أهمية إستراتيجية سياسيا واقتصاديا، وهذا مما أدى إلى احتدام الصراع فيها أيضا بين الدول الغربية من جهة، والاتحاد السوفيتي في حينه وإلى هذا اليوم مع روسيا من الجانب الثاني لكونها الوريث الفعلي للاتحاد المذكور. وطيلة العقود الممتدة منذ الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918 عبوراً إلى الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945. وثم الحروب العربية الإسرائيلية للأعوام 1956 - 1967 - 1973 وبقيادة مصر. مما أدى إلى ازدياد النفوذ الغربي في المنطقة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية الراعي الرئيسي لدولة إسرائيل، والمتعاملة مع الدول العربية بسياسة الكيل بمكيالين، والغاية منها تحقيق أهدافها البعيدة، وهي السيطرة على ما كان يسمى سابقا المياه الدافئة أي منطقة الخليج والبحر العربي. وثم الاستحواذ على منابع النفط وبدون منازع باعتبارها الأغنى في العالم. مما أدى بالدول الغربية المذكورة ومنذ عقود السعي لإقامة حكومات فيها ذات ارتباط مباشر معها أو الموالية لها. بغية دعم أنظمتها الرجعية القبلية ومساندتها في حالة قيام شعوبها بثورات داخلية ذات اتجاهات سياسية واقتصادية متقاطعة مع مصالحها، وقد تؤدي إلى استمرارية الحرب بينها وبين إسرائيل. وفي هذه الحالة لا بد من خلق اضطرابات شاملة في المنطقة ككل، والغاية منها ضرب الحركات الوطنية ذات طابع ديمقراطي وتقدمي، ثم جعل حالة الاضطرابات كنزيف دائم يضعف قدراتها الاقتصادية والعسكرية ويزيد الاحتدام والصراع المذهبي على السلطة بين زعمائها السياسيين وبين بعضها البعض على كراسي الحكم. وفعلاً كما حصل ولمدة (8) سنوات من الحرب بين العراق وإيران (1980 – 1988) والحرب العراقية ضد الكويت عام 1990 – 1991 ولا يمكن تحقيق أي استقرار امني واقتصادي وسلام دائم بين حكام المنطقة ككل. والاحتقان التاريخي المذهبي والطائفي والقومي متوارث بين المكونين الإسلاميين الرئيسيين كثأر قائم بين السنة والشيعة من عهد الخلافة العثمانية ولمدة أكثر من ستة قرون. والذي فعلا لم تعد دولة عربية بصورة خاصة لا يوجد فيها بؤر وخلايا نائمة أو مشتعلة بهذه النسبة أو بتلك بين المذهبين المذكورين.

وهناك عدة عوامل فاعلة إلى تأجيج وإذكاء نارهذا النزاع، هو قيام الثورة الدينية في إيران عام 1979 وظهور الدولة الإسلامية فيها بقيادة الطائفة الشيعية وبمفاهيم فقهية لا تقبل المهادنة ولا المساومة عليها. وثم محاولة تعميمها على شعوب جميع الدول العربية والإسلامية في الشرق الأوسط وخاصة المحاذية لإسرائيل. إلى جانب الحرب الإعلامية المتصاعدة بين الحكومة الإيرانية والدول الغربية بسبب محاولتها لامتلاك السلاح النووي والذي سيؤدي إلى اختلال التوازن العسكري في المنطقة لصالح الدول العربية وضد إسرائيل بالدرجة الأساسية.

وان استغلال الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية استخدام سوريا السلاح الكيمياوي ضد المعارضة المسلحة أخيرا، وتهديدها بتوجيه ضربة عسكرية قوية للنظام السوري ومحاولة إسقاطه مما يؤدي بالدرجة الأولى ضرب المصالح الروسية في سوريا  والمنطقة ككل، وتضييق الخناق على النظام الديني القائم في إيران. ففي حالة ضرب سوريا فعلاً. فأنه سيؤدي إلى اشتعال سعير الحرب الطائفية في عموم الدول العربية ومنها – لبنان – عراق – ايران – أردن – مصر. ولا بد أن يؤدي إلى اختفاء عدة دول مهمة تاريخياً. وقيام غيرها بكيانات هزيلة ومسيرة ومسلوبة الإرادة ككانتونات لا استقرار فيها ولا سلام دائم بين شعوبها، وأخيرا لا بد أن نقول.

وهل تتراجع أمريكا من تهديدها بضرب سوريا بسبب عزلتها دولياً وعدم تجاوب أوربا معها. أو بتصلب موقف روسيا من الضربة المحتملة؟.

أم التهديد أصبح نوع (من الحرب النفسية) تطلقها أمريكا لفشل سياستها في المنطقة بعد تدخلها العسكري المباشر في العراق وليبيا ومساهمتها بإسقاط نظاميهما وقيام حكم طائفي تتصارع فيهما القوى المتنفذة للمذهبين وتنشط فيهما المنظمات الإرهابية الدينية المتطرفة مما أدى إلى عدم الاستقرار وشبه الحرب الأهلية بين الفصائل المتناحرة على السلطة والى امد غير محدود.

                                                                            9/9/2013

21- عندما يتنازل الكبار عن كبريائهم

هل يعيد التاريخ استنساخ ذاته؟

كان ذلك يوماً مشؤوماً في تاريخ البشرية من عام 1961، حين انذرت الولايات المتحدة الأمريكية الاتحاد السوفياتي بعدم السماح بوصول أسطوله البحري والحامل للصواريخ العبارة للقارات، والمتجه نحو كوبا الجزيرة التي لا تبعد عن سواحل ميامي سوى عدة عشر كيلومترات. وان تتوقف في عرض المحيط وإلا الحرب النووية لا محال ستندلع بين الطرفين.

هاجت وسائل الاعلام في العالم واضطربت غرف العمليات العسكرية في جميع القارات وفي مقدمتها أوربا. وخرجت الصحف النهارية والمسائية في كل مكان ومنها بغداد العراق بالذات لتنقل الخبر المشؤوم وتقول بالحرف الواحد: أيها الانسان أينما كنت. عش اللحظات الأخيرة من الزمن دون هدف ما. لأن الحرب الكونية الثالثة ستشتعل بين العملاقين. الأول الاتحاد السوفياتي الذي قرر نصب تلك الصواريخ على مقربة من العملاق الثاني - أمريكا- بغية حماية الدولة الصغيرة والحليفة له – كوبا - من العدوان عليها واسقاط نظامها السياسي الجديد وقيادته الثورية المتمثلة بشخصية كاسترو وغيفارا ورفاقهما.

في هذه اللحظات توقفت عقارب الساعة من الدوران. وشلت حركة الزمن، وزؤرت الشمس في عليائها، وترقبت الشعوب النبأ بقلوب خافقة.

نعم كان ذلك في يوم من عام 1961 والذي سمي فيما بعد (بأزمة الصواريخ السوفياتية إلى كوبا). حينما قررت القيادة السوفيتية عبر زعيمها نيكيتا سركفيفتشخروشوف التحدي لجبروت أمريكا ونظامها الرأسمالي. بعد أن أيقنت القيادة المذكورة أن الحلف الأطلسي في أوربا الغربية وبقيادة أمريكا، أصبح الخطر المباشر على الدولة السوفياتية والمنظومة الاشتراكية ككل، ولابد من التحرك لحمايته ومن ضمنه الدول الصغيرة ككوبا وغيرها. ودفاعاً عن السلم العالمي.

وكلا العملاقين يعلمان وبكل تأكيد أنهما الخاسران المباشر في هذه الحرب وثم البشرية إن اندلعت. ولا يمكن لأي كان أن يوقفها. ولا مبرر عقلي أو أخلاقي لهذا التصرف إن وقع.

فما كان من القيادة السوفياتية إلا أن تعجل بمبادرة إنسانية وتطالب أمريكا أن تتعهد بعدم غزو كوبا.

وان لا تتدخل في شؤونها الداخلية ولا تحاول اسقاط نظامها وقيادته مقابل أن يتوقف الأسطول السوفياتي، أو السفينة الحاملة للصواريخ في عرض البحر وثم الانسحاب إلى قواعدها في حالة موافقتها وبشكل صريح على ذلك. دفاعاً عن نظامها الاشتراكي وكوبا واحتراماً للبشرية.

وفعلاً أعلنت أمريكا الموافقة على الشروط المذكورة. فسكتت أبواق الحرب في أوربا. وتنفست البشرية الهواء الطلق وركن خفقان القلوب لجميع شعوب الأرض. وكان أول هبوط لهيبة أمريكا ومسٌ بكبريائها. ولا يمكن اهمال موافقة الاتحاد السوفياتي لوقف سفينة الصواريخ في عرض البحر وهو أيضاً تنازل لهيبته ولكن حفظاً للسلام العالمي بالدرجة الأولى. وثم نعود لنقول... ما أشبه اليوم بالبارحة؟.

فها هي أمريكا ثانية وبعد أن أصبحت القطب الواحد في هذا العالم، تصول وتجول عبر العقود الثلاثة من بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي. ولم تتوقف غطرستها ولا سكن جبروتها وبرم عظلاتها بوجه الشعوب الصغيرة والكبيرة ولأي سبب كان، وبحجة الدفاع عن حقوق الانسان المكفولة بلائحة دولية. ولابد من تعميم ديمقراطيتها اللبرالية الجديدة على الجميع.

وها هي سوريا النموذج لدولة صغيرة، كادت تصبح غير مرغوب بها من قبل أمريكا وحلفائها الأوربيين وبعض الدول العربية وتحاول بشتى السبل اسقاط نظامها العروبي القومي، والذي ليس ظاهرياً المتحدي لأمريكا بل لدولة اسرائيل والتي هي في حالة الحرب معها منذ عام 1948. وبحجة أن نظامها دكتاتوري فردي وممول لحركة حماس الفلسطينية في غزة وحزب الله في لبنان ضدها.

وواقعياً لا يمكن لأية دولة عربية في الوقت الراهن المحاذية لاسرائيل من مقارعتها.

فالقطب العملاق -أمريكا- الذي بدأ يفقد توازنه في الآونة الأخيرة في الساحة الدولية وسبب ذلك سمو كبريائه حد الجنون ولابد أن يبقى حسب حساباته الخاصة يسمو ويسمو ما زال لا يوجد من يقف في مواجهته كقطب آخر. فكانت روسيا الوريث الشرعي للاتحاد السوفياتي السابق. ولابد أن تأخذ بالثأر التاريخي. وتضع حداً لعقلية القطب الواحد وتقول له كفى وقف في موضعك كما وقفت السفن السوفياتية في عرض المحيط عام 1961 ولأجل السلام العالمي سابقاً ولاحقاً. وعلى أمريكا أن تتنازل عن كبريائها ولابد من حماية أمن البشرية وعدم الانجرار وراء العنجهية والعقلية العسكرية للدولة الكبرى وأي كانت.

وأخيراً ولابد أن نقول في بيتين من الشعر وهما:

ما شاخَ جبلٌ بعلوهِ وتكبّر                  حتى هوى بكبريائه وتكسّر

وما ضاق العاقلُ بفطنتهِ وتجبر           حتى فطن وركن عقلهُ وتحرر

13/9/2013

22- أحرب إقليمية شاملة... أم حرب إقليم كوني مصغر

      إذا فرضنا جدلا، ان ثورة حقيقية قد نشبت في ارض سوريا منذ أكثر من سنتين عبر فضاء الربيع العربي. في حين كانت سهولها ووديانها وصحاريها، كلها ومنذ عقود من السنين تغلي، والشعب السوري يئن بين كفتي رحى صخرية ضخمة نتيجة استمرار الاحتقان والكبت من جراء مغالاة الحكم القومي المتطرف فيها، ورائحة البارود السامة تشم من تحت الهشيم منتظرة من سيقدح زناد النار كي تبدأ ألسنة اللهب تتسلق عباب السماء وتحرق الأرض تحت أقدام الطغاة. وفعلا هذا ما حصل بعد ان نفذ صبر بعضهم.

      هل كانوا على عجلة من خوض المعركة الفاصلة وحسب تقديرات الموجهين لهم ؟

نعم ان ارض سوريا تحترق ومعها كل شعبها الأبي المسالم الصابر. وذلك بسبب الحرب الأهلية المندلعة فيها منذ أكثر من سنتين ولا مؤشر لنهايتها.

      ألا يعني هذا ان كل شيء كان قد هيئومنذ فترة غير قصيرة من قبل الامبريالية العالمية كي تبدأ عملية تغيير الخارطة السياسية والإدارية والاجتماعية والديمغرافية لجغرافية عموم دول المنطقة وفق ما يناسب زمانا ومكانا للإستراتيجية المنسوجة خيوطها في عواصم الغرب (لندن – باريس – برلين) بعد ان بصمتها واشنطن بدلا من تل أبيب صاحبة المصلحة العليا الآنية والبعيدة والتي عبرها تحقق كل من...

1- أمريكا : حلمها الأكبر – السيطرة على دول المنطقة وأبارها النفطية الفياضة والطافحة بالذهب الأسود. إلى جانب جعل أسواقها. البورصة الرئيسية لتصريف صناعاتها المدنية والعسكرية وبالأسعار التي تريدها.

2- وثم تل أبيب:- وأمنيتها التاريخية، قيام دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. وكانت الظروف الداخلية لدول الجيران مناسبة لان معظمها في مخاض عسير ومكوناتها الاجتماعية والسياسية متصارعة فيما بينها على كراسي الحكم والاستئثار بالسلطة واقتسام الثروات الهائلة فيما بين قادتها وذوي النفوذ المذهبي والقومي وغيره.

      ولهذا كان لابد لقادة الدول الغربية ان تستثمر الوضع المأساوي للبنية التحتية الاجتماعية العريضة لشعوب دول المنطقة وبدون استثناء، وفي مقدمتهم – عراق – أردن – لبنان – (فلسطين المسلوبة الإرادة). والمسحوقة اقتصاديا والمحرومة من ابسط الحقوق السياسية والإدارية والثقافية وتحت خيمة الديمقراطية اللبرالية. ولاحقا السعودية واليمن ومصر وغيرها وذات الصلة المباشرة بقضية فلسطين من عام 1948 والى هذا اليوم.

      رغم كون غالبية حكامها يدورون في فلك أمريكا وحلفائها من الدول الغربية لا بل الأمر بتمكينها من إذكاء نار الفتنة الطائفية والمذهبية بصورة خاصة. كل داخل حدودها الإدارية الجغرافية القائمة والكل يدعي بصاحب السيادة والاستقلال الوطني الناجز.

      وان ما آل بالشعب السوري بحيث يصعب، لا بل يستحيل على أي طرف من المساهمين في إشعال هذه الحرب ومعهم نظام الحكم، من إطفاء سعيرها قبل ان تزحف عاصفتها الصفراء عبر سوريا إلى جميع دول المنطقة وبدون استثناء قريبا.

      وتمكنت الدول الغربية والعربية المساهمة معها، في عزل سوريا كليا عن العالم العربي والإسلامي، وأصبحت الوحيدة الباقية ولو إعلاميا رافعة راية التحرير لفلسطين ومعادات إسرائيل. ملتقية مع بعض من غلاة التطرف الديني في جيوب عديدة من دول المنطقة وبأسماء مفبركة ومنها القاعدة وغيرها.

      وفعلا لاح رجسها مع خيط الأفق وبشكل جلي، عدا ما تناقلته القنوات الفضائية عن المؤتمرات الصحفية المعقودة وبشكل دوري في غالبية عواصم المنطقة والدول الغربية لوزراء خارجيتها. من الدعم المباشر للقوى المعارضة السياسية والمسلحة داخل سوريا وخارجها، والى جانب الاجهار العلني من دول الخليج بدعم جميع الفصائل المسلحة وغير المسلحة ماديا وعسكريا بغض النظر عن تطرفها او اعتدالها السياسي، وكذلك المتطوعين من الخارج كميليشيات ذات صبغة طائفية لصالحها ولصالح نظام الحكم القائم. مع الدعم المباشر من قبل روسيا لنظام بشار الأسد بالسلاح والعتاد المتطور وبشكل مكشوف وبعلم المؤسسات الدولية كمجلس الأمن وغيرها. مما أدى بالطرفين الغربي بقيادة أمريكا والشرقي بقيادة روسيا على التحدي وعدم الرغبة الصادقة في حل قضية سوريا حلا سلميا. والكل يعلم ان استمرار القتال بين الجيش الحر والفصائل الأخرى من جانب، مع جيش النظامي لسوريا قد يؤدي الى استفحال مأساة الشعب السوري البائس وبإمكان الدول الداعمة للجبهتين توسيع الرقعة الجغرافية لهذه الحرب الأهلية الضروس الى خارج سوريا وامتدادها الى جميع دول المنطقة كما جاء أعلاه. عدا ما صرح به بعض وزراء الخارجية للدول المعنية بان الحرب قد تطول بعض دول الشرق الأوسط، وتمتد الى غيرها كحرب إقليمية شاملة. ولا يستبعد ان تستثمر من قبل بعض غلاة الحرب وتوسيعها الى حرب (إقليم كوني مصغر). خشية ان تصدأ طائراتها العملاقة الناقلة والمقاتلة وصواريخها العابرة للقارات في اوكارها وتكون خسارة عظيمة لتجار الحروب وأعداء السلام.

وأخيرا قد لا يتكهن احد بالنتائج في حالة عدم توصل جميع الأطراف المساهمة في القتال والممول لها الى حل سلمي وإنقاذ شعوب المنطقة من كارثة مدمرة لا مصلحة لأحد فيها غير الكبار المتنافسين على هذه البقعة الغنية بالثروات والفقيرة الى الأمن والاستقرار. والى ابسط مفاهيم لحقوق الإنسان كما ورد في لائحتها الصادرة عام 1948 من هيئة الأمم المتحدة والكل موقع عليها. وأصبحت حبرا على ورق، تيمنا بسياسة التمضحك على الذقون للشعوب المقهورة وليس إلا.

18/6/2013  

23- غطرسة الكبار في أقاليم الصغار

بالأمس كانت سياسة أمريكا تحاول التهديد لا بل بالتدخل وتوجيه ضربة عسكرية لحكومة سوريا، وبالتعاون مع حلفائها التقليديين الأوربيين وبعض حكام المنطقة وفي مقدمتهم بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وحاولت الغطرسة الأمريكية تكرار ذلك في دمشق والتي هي مبتلة بحرب أهلية منذ أكثر من سنتين، بعد ان تمكنت هذه الدولة من إسقاط النظام (الطالباني في أفغانستان في عام 2001) و (نظام صدام حسين في العراق في 9/4/2003) وثم نظام (القذافي في ليبيا عام 2013) وأخيراً (القزم الصغير علي عبد الله صالح في اليمن). وكل ذلك تحت ستار إقامة أنظمة ديمقراطية في هذه الدول وإنقاذ شعوبها من الوضع المأساوي التي تعيشه طيلة عقود من جراء الحكام المستبدين والمتطرفين المصابين بداء العظمة.

وبعد ان سقطت جميع حججها المزيفة ولم تعد تنطلي هذه الأكاذيب على الساحة الدولية. والتي غايتها السيطرة التامة على منابع النفط في الشرق الأوسط وفتح أسواقها أمام إنتاجها العسكري الهائل وتصريفه بالأسعار التي تريدها وتَدرُ منها مليارات الدولارات، وإقامة حكومات هزيلة وتحت الوصايا المباشرة او غير المباشرة متكلفة بحمايتها من غضب شعوبها إذا ما نهضت وثارت ضدها.

وما يشهده العراق منذ سقوط النظام السابق وكذلك ليبيا واليمن من فقدان الأمن وحالة حرب شبه أهلية، وطغيان عصابات المافيا من القتلة والإرهابيين وسارقي ثروات شعوبها تحت مسميات قانونية ودستورية مشوهة، محققة قيام حكم من تشكيلات مختلفة من المحاصصة الدينية والطائفية والقبلية وغيرها.

فكانت أولى انتكاسة لسياسة الغرب بصورة عامة والأمريكية بصورة خاصة، حينما حذرت روسيا أمريكا وحلفائها من أي تدخل عسكري مباشرة في سوريا. وان اسقاط النظام فيها يعتبر الخط الأحمر بين الطرفين الشرقي والغربي. وبما ان إستراتيجية أمريكا السياسية والعسكرية، الغاية منها حماية أمنها واقتصادها. وإبعاد شبح أي حرب مقبلة عن ساحتها الجغرافية، كما فعلت في الحرب العالمية الأولى عام 1914 والحرب العالمية الثانية عام 1939، وأحرقت أوربا باجمعها وما تسبب لها من الدمار الاقتصادي والاجتماعي والعمراني وغيرها.

فها هي روسيا نهضت ثانية عسكرياً واقتصادياً ومعها الصين وغيرها تقف بوجه الغرب وأمريكا خاصة في أزمة أوكرانيا والتي تنذر بحرب في أوربا مجدداً ولعدم تمكنها من زج حلفائها عسكرياً في سوريا كما فعلت في الدول المذكورة أعلاه. فانزوت مجبرة وسبق وان نوهنا عن بدء أفول نجم هذه الإمبراطورية وتراجعها عسكرياً على نطاق الساحة الدولية بصورة عامة والإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وأوكرانيا لاحقاً. وفي مقال لنا بتاريخ 13/9/2013 ونشر عبر الكثير من المواقع للانترنت وتحت عنوان :- (عندما يتنازل الكبار عن كبريائهم). وكيف تمكنت روسيا رغم انها ليست كنظام قائم للدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، او حمايتها من الحكام المستبدين والدكتاتوريين أمثال الوارد ذكرهم في هذا المقال ومن ضمنهم حكام سوريا. بل أيضاً تنطلق روسيا من منطلق الدفاع عن مصالحها وأمنها وهيبتها التاريخية. الى جانب وحسب اعتقادها، انها الممثل الشرعي للدولة السوفياتية التي انهارت عام 1991 بفعل التأمر الجمعي للدول الغربية بقيادة أمريكا، وأسباب ذاتية للنظام المذكور. فلابد ان تكون صاحبة الثأر له. بمعنى ان القوى العسكرية في كل زمان ومكان ليست إلا الرديف التاريخي لقانون الغاب (القوي يأكل الضعيف). وان الحضارة والمدنية قد طرزتها بعدة اطر مزركشة وبراقة، فالضحية في الغابة الحيوان الضعيف. وفي المجتمع الإنساني الشعوب الضعيفة والصغيرة والمغلوبة الأمر من قبل حكامها وأنظمتها المتطرفة. وسهولة جعلها في دوامة مستمرة من التخبط في وسط الصراعات الداخلية الدينية والمذهبية والعنصرية والقبلية والقومية وغيرها. الى جانب إمكانية الدول الكبرى في الكثير من المواقف من تأليب دول المنطقة الكبيرة والصغيرة على بعضها، بعد ان تتكفل بحماية حكومات أكثرها ثراءً. وما ينعش اقتصادها من ثرواتها الطبيعية كما هو الحال في الدول العربية الواقعة ضمن قارتي آسيا وأفريقيا. ومنها بصورة خاصة منطقة الجزيرة العربية ودول الخليج وإيران معاً. فإلى متى تكون الشعوب الصغيرة والأقليات منها ورقة لعب بيد الكبار، والمحفل الدولي ومنظماته الإنسانية والقانونية يقف متفرجاً على هذه المسرحيات وكأنها حلبات صراع طبيعية يتلذذ حكامها بمشاهدة المناظر المأساوية ولحمامات الدم التي تغطي ساحات وساحات في الكثير من المناطق الجغرافية لدول في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

وهل يبقى مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة منبراً لنفوذ الكبار، وتذرف دموع التماسيح على هذه الحالة المزرية للإنسان ؟

وهل احترام لائحة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية مناط بالدول والشعوب الصغيرة ؟ وتصبح بالنسبة للكبار حبر على الورق عندما تتعرض مصالحهم وأنظمتهم الى ابسط خطر وتقوم القيامة مهما تكون النتائج ؟

30/10/2013


 

24- الأقليات بين مخاض الازمات ووثائق المؤتمرات

اذا كان المحفل الدولي بصورة عامة والمنظمات الخاصة ذات الطابع الانساني والقانوني، والمدافعة عن حقوق الاقليات الاجتماعية والسياسة والدينية، قد تحسست منذ فترة ليست بالقصيرة, بان الاقليات الدينية بصورة خاصة في بعض الدول العربية وهي, العراق, سوريا, فلسطين, مصر, والاردن, وكانت نسبتها قد انخفضت الى اكثر من 50% خلال العقود الاخيرة من القرن الماضي, ومنها المسيحية واليزيدية والصابئة وغيرها, والتي تعتبر من الديانات القديمة في الدول المذكورة. وان الجهات الرسمية وغير الرسمية المتنفذة فيها قد حاولت وفق مخطط مهيء مسبقاً لتصفيتها عن طريق تضييق الخناق عليها ومحاربتها او تهميشها من قبل بعض الجهات السياسية والدينية والقومية المتطرفة, ومنها التيار القومي العروبي سابقاً والديني السلفي حالياً في كل من العراق وسورياتحديداً.

ومن منطلق ان هذه الاقليات الدينية والاثنية في المنطقة هي العائق الرئيسي لقيام الوحدة الادارية والسياسية للامة العربية, وفق ماكان يطرح في غالبية مؤتمراتها القومية والقطرية لاحزابها السياسية المعلومة. فان الديانة المسيحية ذات الجذور التاريخية في هذه المنطقة ككل لا يمكن ازاحتها او الحد من نشاطها التبشيري السلمي بالطرق القانونية وبشكل مكشوف. فقد التجات الى تشديد الخناق على انصارها ما لم يعلنوا انخراطهم في صفوف احزابها القومية. مما ادى الى بدء الهجرة الفردية والجماعية من الوطن الام. وان دول اوربا الغربية والولايات المتحدة الامريكية مهدت لستقبالهم وتسهيل اقامتهم في اراضيها واحتضانها لكوادرهم العلمية والثقافية والمهنية, مما جعل الهجرة اليها تنشط حتى اليوم. ودليل ذلك ان قبل اكثر من سنتين كانت بعض دول اوربا الشمالية قد رفضت منح الاقامة ولو بصفة الانسانية او سياسية لاكثر من (750)عراقيا وغالبيتهم من المسيحيين.

فحالا اعلنت الولايات المتحدة الامريكية قبولهم ومنحهم الاقامة فيها. ويعتبر هذا فعلا تشجيع مباشر لهجرة العراقيين بصورة عامة والمسيحيين منهم بصورة خاصة.لوطنهم الام. عدا ما خلفتهُ ومنذ عقود الحروب والنزاعات الداخلية التي حصلت في المنطقة خلال الاعوام, 1948 , 1956 , 1967 , 1973 ومع اسرائيل مباشرةً والمدعومة من الدول الغربية , وشاركت فيها جميع الدول المجاورة لفلسطين ومن ضمنها العراق. وكانت نتائجها قد انعكست على مجمل شعوب الدول العربية بصورة عامة, وفي مقدمتها مصر , سوريا, وفلسطين. وشعر المسيحيون ان هذه الحروب قامت بين العرب ظاهريا والاسلام باطنيا من جهة , وبين اليهود ودولة اسرائيل وبسبب الاراضي المقدسة في فلسطين من جهة ثانية.

ولا يخفي على احد ان الديانة المسيحية هي الاخرى وحسب القدم, كانت المستهدفة ايضا من قبل الحركة الصهيونية العالمية. وان تعداد المسيحيين في مدينة القدس حصراً قبل الحروب المذكروة كان بحدود مائة وخمسون الف نسمة, وحاليا لم يبقى منهم سوى خمسون الف نسمة فقط وباعتراف الجهات الرسمية الفلسطينية موخراً.

ومعلوم ايضا ان الشعب الفلسطيني بجميع مكوناته الاجتماعية والدينية قاس الامرين من تلك الحروب ولازال.

الا ان ما أصاب الاقلية المسيحية فيها , كانت كنكبة كبرى بسبب نسبة ما تلقته من دعم مادي ومعنوي من الدول العربية قياسا لغيرهم من العرب المسلمين الذين تلقوا بعض الدعم من الدول العربية المجاورة وان الدعم الغربي للمسيحيين ولازال هو تشجيعهم على الهجرة فقط. ولم يمض وقت طويل على محنتهم , وقبل ان تلتئم جروحهم القديمة في عموم الدول العربية ومن جراء الحروب المذكورة. حتى هبت العاصفة الصفراء والتي اجتاحت العراق مباشرةً, وكان تأثيرها ولا زال قائما على مجمل مكوناته الاجتماعية بصورة عامة وقاسية. حتى شملت شعوب جميع دول منطقة الخليج بدءاً بالحرب العراقية الايرانية منذ عام 1980 حتى عام 1988 , وثم غزوة دولة الكويت عام 1990.

واخيرا حرب عام 2003 واحتلال العراق من قبل قوات الدول الغربية وبمقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد 9/4/2003. ثم تلتها فترة حكم بول برايمر التي قضت على جميع مؤسسات الدولة العراقية التاريخية, الاقتصادية , الثقافية والأمنية وغيرها. حتى عام 2005 حين تولت السلطة فئات متصارعة على كراسي الحكم وبواجهات دينية طائفية ومذهبية مكشوفة , ثم المحاصصة المقيتة في توزيع كراسي الحكم , والتي من جرائها اصبح العراق بحكم الواقع ساحة حرب اهلية وغير معلنة بين الشيعة والسنة دون ارادة الشعب, واستشر الفساد المالي والاداري والسياسي وفقدان الامن على يد المنظمات الدينية والقومية المتطرفة , وبشكل منظم ومكشوف والموجه بصورة مباشرة  اولا  ضد جميع الاقليات الدينية المذكورة وفي مقدمتها المسيحية ولازال الاعتداء يمارس ضدها, وعن طريق الاغتيالات الفردية والجماعية لكثير من اصحاب الاعمال التجارية والكوادر العلمية والمهنية ورجال الدين. عدا تفجير الكنائس ودور العبادة وتحت بصر وانظار المسئولين دون ان تتمكن الاجهزة الامنية لوضع حد لها او حمايتها.

اما الحرب الاهلية في سورية والتي بداة قبل اكثر من سنتين وهجرة غالبية المسيحيين من المدن والقصبات الرئيسية فيها الى الدول المجاورة. وان كانت هذه الحرب كلفت وتكلف الشعب السوري الكثير من الكوارث والمصائب. الا انها بالنسبة لاي اقلية منها تعتبر محنة ونقمة كبيرة.

ولابد ان نعود الى ماكان سائدا في مصر من التطرف الديني من قبل التيار السلفي المتشدد فيها منذ ايام الرئيس المعزول حسني مبارك ولعدة عقود قبله , ولازال الاعتداء مستمرا على المسيحيين الاقباط بشكل مباشر وشرس.

وفي مخاض الازمات التي عاشتها وتعيشها الاقليات الدينية في دول المنطقة, فقد توالت في الاونةالاخيرى عقد عدة موتمرات بحجة الدفاع عنها ومنها المنعقد بتاريخ 2/11/2013 في بيروت تحت شعار(الموتمر المسيحي المشرقي) "اللقاء المسيحي ". والذي حضره الكثير من ممثلي دول المنطقة ومنها مصر , العراق , لبنان, سوريا, الاردن, وفلسطين, كما حضره الكثير من رجال الدين المسيحي ممثلة عن كنائسهم في الدول المذكورة الى جانب ممثلي بعص الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وشخصيات قانونية وغيرها. مطالبين فيه استحداث محافظة في سهل نينوى وبمشاركة جميع المكونات القومية والدينية المتعايشة في جغرافيته وغيرها من التوصيات.

كما عقد في اربيل بتاريخ 23/11/2013 موتمرا اخر تحت شعار (لا للتغيير الديمغرافي لمناطق المسيحيين الاصلية في العراق) وسمي (موتمر اصدقاء برطلة). وبحضور شخصيات من اقليم كردستان وعدد كبير من المسؤولين الحكوميين والسياسيين من الاقليم ورجال الدين المسيحي ايضا. والقيت الكثير من الكلمات وبشكل مسهب لما تعرض ويتعرض عليه المسيحيين في العراق و واصبحوا في كثير من قصباتهم وقراهم القديمة اقلية مهمشة والتي كانوا يمثلون فيها قبل عقود نسبة 100% من ابنائها , وحاليا لم تعد نسبتهم اكثر من 40 % بسبب التغيير الديموغرافي القصري الذي زحف على مناطقهم, ومنها سهل نينوى بالذات.

وناحية برطلة هي من اعمال قضاء الحمدانية احدى النماذج الحية وغيرها المنسية. وذلك بسبب هجرة نسبة كبيرة من عوائلهم خارج الوطن من جراء الاضطهاد المباشر لهم وفقدان الأمن بصورة عامة.

وان انتهاء انعقاد هذاالموتمر في مركز ناحية برطلة من بعد التاريخ اعلاه والذي كان برعاية حكومة اقليم كردستان وبتحريك بعض الشخصيات السياسية اليسارية منذ يوم الاول لانعقاده , له اهميته الامنية حاليا والادارية مستقبلا بالنسبة للاقليم حيث ان سهل نينوى بالذات يعتبر اوسع مساحة جغرافية استقطبت فيه الديانة المسيحية منذ مئات السنين وانهم يُعتبرون الامتداد التاريخي الحضاري  لكلدواشوريين سريان. وفي نفس الوقت ان سهل نينوى من المناطق الساخنة والمتنازع عليه بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة اقليم كردستان في اربيل.

علما ان نسبة المسيحيين قبل نصف قرن او اكثر كانت بحدود 11 % من سكان العراق, وحاليا وكما ورد على لسان بعض المسؤولين الرسميين بان تعدادهم لا يتجاوز ال (300000 نسمة) وتقدير اخر بحدود (500000نسمة) من اصل مليون ونصف مليون نسمة سابقا. اي بمعنى ان نسبتهم اقل من 1 او 2 % من سكان العراق, فقد فقدوا مكانتهم في وطنهم الاصلي واصبحوا كشتات متشظية في ارجاء القارات الثلاث اوربا , اميركا , استراليا وكلاجئين انسانيين لاغير فيها.

فان جميع الحكومات التي توالت في العراق والقائمة حاليا تتحمل القسط الاكبر من المسئولية الادبية والتاريخية لما حصل على هذا المكون المسالم من الشعب العراقي ومعه الاحزاب  السياسية على اختلاف اديولوجياتها سابقا ولاحقا تعتبر شريكة في العملية المذكورة. وذلك لالتزامها الصمت اتجاه هذا الغبن الذي لحق بهذه الاقلية, وبباقي الاقليات الدينية الاخرى كاليزيدية والشبك والصابئة وغيرهم.

واخيرا نقول فما زال مفهوم الاقلية والاكثرية وباي صفة كان متداولاً رسميا وشعبيا بين اروقة البرلمان العراقي وتحت اقبية جميع مباني الحكومة القضائية والتنفيذية. بمعنى انه يبقى الظلم والغبن هو السائد على ارض الواقع وان مفهوم حقوق الانسان المعترف بها عبر الكثير من الوثائق والعهود الدولية, ليس الا صخب اعلامي وتاكيدا لشريعة الغاب (القوي ياكل الضعيف) وسياسة التمضحك على الذقون.

ولابد من الكفاح الطويل لكل القوة الديمقراطية والقومية والدينية التي تحترم الانسان (كأثمن رأس مال) حتى يتحقق الحلم بالمساواة بين ابناء هذا الشعب امام القانون , بغض النظر عن لونه وجنسه ودينه وقوميته.

والا الكل في مركب متهرىْ وفي وسط محيط هائج

4/12/2013

 

25- دولة العراق على كرسي الاعتراف.. إما للافتراق او الانعتاق

إذا كان التجمع البشري من بعد المشاعية البدائية في بقاع المعمورة ومنها وادي الرافدين، قد خلف قسراً (العقد الاجتماعي) أول تشكيل للمفهوم الدولة البدائية، كفرضية حتمية لحركة المجتمع الإنساني، والذي ولده النظام الطبقي الإقطاعي. فكان كأول محاولة لتنظيم الحياة اليومية وفق ضوابط أدت إلى بدء استغلال الأرض بشكل شبه منسق، ولابد أن يؤدي إلى استقرار الإنسان بمواقع جغرافية كوطن له. كما ان المجتمع الإقطاعي سعى إلى ظهور الزراعة البدائية وروابط ذات طابع اجتماعي واقتصادي ومهني أساسها الأسرة. وان علاقة الفرد بغيره ضمن المشاعية المذكورة. كانت علاقة اجتماعية هامشية، أي كانت علاقة شبيهة بالعائلة الحيوانية وضمن محميات جغرافية ومفتوحة طيلة مرحلة الصيد.

وبظهور النظام الإقطاعي، ظهرت شريحة الاقنان والعبيد كطبقة مملوكة لأصحاب النفوذ، يباعون ويشترون كسلعة، منهم مرتبطون بالأرض يعملون فيها بدون اجر وبدون حق أي تملك ولو لقطعة صغيرة منها. ومنهم كخدم لدى النظام المذكور ولا يحق لاي فرد ترك موقعه الذي يعمل فيه دون إذن من مالكه، ألقن في الأرض والعبد في البيت، حتى تطورت القرية الزراعية واتسعت سكنياً، وظهرت الحرف والمهن البسيطة، وحسب فرضية حاجة المجتمع أيضا. كلما زاد نفوذ الإقطاع أدى إلى زيادة أعضائه كسلالة وراثية تتحكم بأمور المجتمع أطول مدة وبدون منافس. مما أدى إلى انبثاق دولة المدن وبدء انقسام مجتمعاتها الى فئات طبقية شبه متخصصة تقنياً مهنياً وخدمياً. وأكثر تماسكاً ببعضها مما زاد احتكاكها السلبي مع النظام القائم وبدأت الاحداث تتسارع وتتسارع بقيام دولة المدن الموحدة وبمركزية كعاصمة لها. وأننا لسنا بصدد كتابة بحث اجتماعي تاريخي مختصر، بل كنموذج قيام الدولة على ارض هذا الوادي وقبل أكثر من خمسة آلاف عام.

فكان ذلك نشوء الحضارة في وسطه وشماله وجنوبه. إلا أن حركة المجتمع الإنساني لا توقف لها، وحاجته على امتداد الزمن بالتغير والتجدد نحو الأفضل. إنها وثيقة من الماضي السحيق فكان لكرسي الاعتراف (تشبيها) كمكانة ضرورية ومفروضة، يمثل التاريخ ويحق له محاكمة الحكام جيلاً بعد جيل لتبيان وبشكل صريح ومكشوف وصدق الكلمة أمام الشعب، لينطق بكلمة الحق بهم ومدى صلاحيتهم في استمرار تولي المسؤولية وبصلاحيات جديدة وحسب متطلبات حاجة المجتمع بكل مفرداته اليومية. وإلا كان القرار للشعب العراقي ولا رجعة منه. وبين ليلة وضحاها يسقط النظام وحاشيته ويقوم نظام جديد ببزة جديدة وبعلاقات وضوابط وخدمات اجتماعية، اقتصادية وإدارية أفضل من سابقها. مع توسع مهمات النظام وزيادة ثقل وحجم المسؤولية عليه. وهذا ما عشناه منذ قيام الحكم الوطني في العراق عام 1921 وحتى هذا اليوم. فلازال التاريخ شاهد على كل من قدم عبر عقود وقرون من الخدمة الصادقة المطلوبة منه إلى هذا الإنسان الوفي لأرضه ودافع عنها وروى ترابها بدمائه الزكية. ولم يخل سجله من المآسي والويلات والمحن التي أصابته من جراء الاعتداءات والغزوات التي قامت بها الكثير من الأقوام المجاورة والقادمة من أصقاع بعيدة وقريبة. ومن حكام مستبدين من الداخل. ولابد أن ننقل إلى واقعنا المزري ونقول:- إلا أن هذا الشعب لم يستكن ولم يهدأ لحظة واحدة، بل ظل وظل يداوي جروحه العميقة، ويشحذ الهمم ليكون صاحب الكلمة والوطن. وصاحب الحق بالعيش الكريم في ضل أوسع مفاهيم القيم الإنسانية كاستحقاق  زمني لائق ومعاصر ولجميع مكوناته الاجتماعية وبدون استثناء. انها شهادة حية لها. انها دولة العراق التاريخية. فإلى أين يسير بها المتنفذون ؟.

وها هي الأحداث تؤكد على ما نقول، ومنذ سقوط النظام السابق تعقدت الأمور يوماً بعد يوم على هذا الشعب وعلى دولته التاريخية، وذلك بسبب الصراع المحتدم على كراسي الحكم، ظاهره سياسي وباطنه ديني ومذهبي. واستشراء الفساد المالي والإداري والمحسوبية والنظرة الحسبية الضيقة. مما أدى إلى فقدان الأمن بشكل خطير ونفاذ صبر المواطن، وامتداد ظاهرة الاغتيالات والإرهاب المنظم إلى غالبية أجزاء الوطن، حتى أصبح الفرد البسيط لا يأتمن على سلامته وسلامة عائلته ليوم واحد. وان ارتفاع الأبواق لما تسمى بالقبلية والعشائرية هنا وهناك ما هي إلا للإرهاب والتطرف القومي والديني، سواء علمت بذلك أم لا. والحكومة المركزية وأجهزتها الأمنية من غير قصد أو قصد أمام واقع صعب لأنها عاجزة عن وضع حد لها. سواء في المحافظات ومنها، كركوك، صلاح الدين، ديالى، بابل، وبغداد وأخيراً وبشكل تصعيد خطير في محافظة الانبار.

فنداء الوطن يصرخ بوجه جميع المسؤولين الحكوميين والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمرجعيات الدينية. بان تتحمل المهمة التاريخية، وتبادر وبأسرع وقت ممكن لمعالجة الأمر. وإلا فالحرب الأهلية قادمة وبشراسة أبشع مما في سوريا. فالكل وفي مقدمتهم الحكومة المركزية وحكومات المحافظات وإقليم كردستان مجبرون على الجلوس على كرسي الاعتراف. لقول الكلمة الأخيرة بحق وجوب بقاء الدولة العراقية. فأما الافتراق أو الانعتاق. وهي أمانة برقاب الجميع أمام التاريخ... ولابد من عراق ديمقراطي امن وفدرالي مزدهر انه نداء الضعفاء والفقراء... أيها الأقوياء.

31/12/2013

 

رأيت ان يكون بعد هذا المقال السياسي احدى القصائد الشعرية لي وما يلائم محتواها المأساوي ورديفها كقطعة أدبية ضمن هذه المخطوطة وبأسلوب رمزي ساخر مقارنة بين تقلبات فصول السنة الطبيعية وسلوك الانسان غير المنضبط والمنفلت عبر التاريخ وهي بعنوان :

26- يُقال...إنها سنة الحياة

    1- في فصل الخريف

        وفي كل مكان

        تسقطُ الأوراق الصفراء

        وتضحى الجدوع شخوصاً

        عريانة بلا حياء

        وخجولة بلا كبرياء

        فيقال... إنها سُنةُ الحياة

       وايعاز لكل الانسان أينما كان

       2- وفي الغاباتِ

       تموتُ الأشجارُ وحتى السامقة

       وهي واقفة

       ثم تسقط

       فترقص فوقَ حُطامِها

       البوَمُ والجُرذانُ

       فيهرُبَمنها

       الشموخُ والعصيان

       فيقال... إنها سُنةُ الحياة

      وايعازٌ لكل ذي سلطانٍ

       3- في فصلِ الشتاءِ

       حالما تسقطُ الثلوج

       تتسكعْ كل الضواري

      في ظلمةِ الكهوفِ

      وفي متاهةِ السهوبِ

      تَتَلصَصُ

      وتَتَربصُ

      بِواهِنِ الأحياءِ

      وحتى فرخُ طيرِ

      بلا زغبٍ

      كوَجبةِ غَذائيٍ

      شهيةٌ وقتية

      وترتعِدُ فَرائصها

      لعواءٍ... حتى لثعلبٍ

      ردَ صداهُ الغاب

      فيُقال... إنها سُنةُ الحياة

     وايعازٌ لمتجبر على حكم الزمان

     4- في فصلِ الربيع

      تتفتحُ البراعمُ في كلِ شجرٍ

      وتنبجسُ عيون المياه

      بين الصخور

      وفي قاع الوديان

      لتملأَ الغدران

      فتتبارى الطيور

      قبل الانسانِ

      بأشكالها... أسراباً

      تطير وتطير

      فوق الروابي

      فوق الجبال

      مغردة... بكل الألحان

      طرباً لولادةٍ من جديد

      فيقال... إنها سُنُ الحياة

      وعرسٌ لكل الشابات والشبان

      5- وفي فصل القيظِ

       تشحبُ الاعشاب

       في كل السهولِ

       في كل البراري

       وتوشك الينابيع

       أن تنضُبَ

      فيضطرب كل حيِّ ودبيب

      لجمع القوت

      لايامِ القحطِ

      من جديد

      ويعلو الى السماء صراخٍ

      هيَّا... هيَّا

      وهيَّا ايها الانسان العنيد

     ليومٍ متغير وعتيد

      فيقال ايضاً...

      نعم... إنها سُنةُ الحياة

      وايعازٌ لكل الفتيات والفتيان

      لنهضةِ البنيان

22\3\2014

27- الأقطاب العسكرية والخطوط الحمراء

منذ ظهور الاتحاد السوفياتي على الساحة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية المنتهية في عام 1945 حصراً كقوة عسكرية بالدرجة الأولى. فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية في دور النمو العسكري والاقتصادي أيضاً على الساحة الدولية كوريثة للدول الكبرى لأوربا الاستعمارية الكولنيانية، وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا واللتان أنهكتهما الحرب العالمية المذكورة اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً ونفسياً، عكس أمريكا لأنها كانت جغرافيا بعيدة عن الحرب.

      بمعنى ان نجم الولايات المتحدة، وبعد الحرب الكونية المذكورة. بدأ يتألق ويفرض وجوده العسكري في كثير من بقاع العالم وبشكل مبرمج إعلامياً وسياسياً وضد خطر ما سُميَ بزحف المد الشيوعي السوفياتي الى دول أوربا الغربية المنهارة كما جاء أعلاه. بعد ان تمكن الجيش الأحمر السوفياتي المساهمة الفعالة في تحرير غالبية دول اوربا الشرقية من فلول الجيوش النازية لألمانيا الهتلرية والفاشية الإيطالية الموسولينية والتي سقطت حكوماتها تحت ضربات الجيوش المذكورة منذ الأيام الأولى للحرب أعلاه عام 1939 حتى عام 1945 وسقط الرايخ الألماني. وطرحت أمريكا مشروع المارشال لمساعدة الدول الغربية المذكورة في إعادة بناء هيكليتها الاقتصادية والعسكرية وباقي المؤسسات لها بغية صد الزحف السوفياتي نحوها.

      فبدأ التدخل الأمريكي في كل من آسيا واحتلت مكانتها في فيتنام الجنوبية بعد انهيار القوة العسكرية الفرنسية فيها اثر سقوط قلعة (بيان بيان فو) على أيدي قوات الثوار والجيش الشعبي لفيتنام الشمالية. وكذلك باسم قوات هيئة الأمم المتحدة تدخلها في كوريا الجنوبية في حرب الخمسينيات من القرن الماضي وبكل ثقلها العسكري في الدولتين المذكورتين.

      ثم جاءت هزيمتها في فيتنام وخروجها مهانة عسكرياً. وفي كوريا استمر الدعم العسكري المباشر واللوجستي لحلفائها في القسم الجنوبي حتى توقفت الحرب في عام 1955 وإعلان كوريا دولتين وحتى هذا اليوم الشمالي بقيادة الحزب الشيوعي الكوري والجنوبي تحت وصاية أمريكا.

       فكان اول الاحتدام المباشر بين القطبين السوفياتي والأمريكي عسكريا خارج جغرافية الدولتين تحديداً عام 1961. في أزمة الصواريخ السوفياتية في عهد زعيمها – نيكيتا – س – خروشوف. وشعور أمريكا بقرب خطر القطب العسكري المرهب والمرعب من أراضيها في حالة تم نصب تلك الصواريخ في دولة كوبا الصغيرة والتي لا تبعد عن سواحلها إلا بضع كيلو مترات، فكان ذلك وللمرة الأولى الإنذار الأمريكي للاتحاد السوفياتي (كخط احمر) إذا لم تتوقف السفن السوفياتية في عرض المحيط الأطلسي وتعود إلى قواعدها.

      ولم يتوان الاتحاد السوفياتي أن يعلن إنذاره لأمريكا (كخط احمر) إذا غزت كوبا وإلا الحرب لا محال. فتراجع الطرفان وتعهدا ان يلتزمان بالشرطين التاريخيين وبدون أي تأخير وتخلصت البشرية من كارثة حرب كونية مدمرة وتنفست شعوبها الصعداء.

      إلا إن أمريكا لم تهدأ تفكر وتعمل مع غيرها لخلق الظروف المناسبة لغرض سيطرتها العسكرية على الساحة الدولية كقطب واحد، ومنها منابع الثروات الطبيعية في كل من الشرق الأوسط والدول العربية وشمال أفريقيا وفي مقدمتها ليبيا وغيرها.

      وفعلا تحقق ذلك واختل ميزان القوى المؤثرة في الساحة الدولية بعد انهيار دولة الاتحاد السوفياتي وحلفاءها في دول أوربا الشرقية عام 1991 فغاب قطب التحدي، واختل التوازن لصالح أمريكا كقطب واحد فقط. فبدأت مرحلة احتلال المواقع ذات النفوذ السوفياتي بانتهاء عصر ما سمي (الحرب الباردة) ولم يكن بوسع أي منهما شنحرب فعلية (ساخنة) على الأخر لما يملكان من أسلحة الدمار الشامل لبعضهما ولجزء كبير من القارة الأوربية من الأسلحة النووية والصواريخ البالستية حاملة القنابل الذرية وبعيدة المدى. وكانت الهدنة الجبرية واللاإرادية بين الطرفين ولصالح البشرية، ولكن الكل ظل متربصاً بالآخر للنيل منه ومحاولة إنهائه نفسياً أولاً واقتصادياً واجتماعياً ثانياً.

      مرت ثلاثة عقود على انهيار الاتحاد السوفياتي وبدأت روسيا بلم أوصالها وتطبيب جروحها الداخلية مع احتفاظها بمستوى خزينها الاستراتيجي المقتدر عسكرياً للدفاع عن الذات حتى انتعشت اقتصادياً ورأت إنها قادرة على العودة إلى الساحة الدولية والوقوف بوجه القطب الأمريكي المنفلت وتمكنت أمريكا خلال عقد من السنين إسقاط عدة أنظمة وفعلاً فاسدة ومستبدة، ولكن تعلم انها هي التي صنعت حكامها ومنها إسقاط نظام صدام في 9/4/2003 واحتلال العراق عسكرياً. وثم نظام معمر القذافي في ليبيا ونظام علي عبد الله صالح في اليمن. وكل ذلك لم ترضَ أمريكا من بسط نفوذها العسكري بل أججت القوى المعارضة في سوريا (النظام العروبي الوحيد) الباقي في المنطقة العربية ومجاور لإسرائيل والمساند لكل حركة قومية او دينية مناهضة لإسرائيل في كل من فلسطين – غزا -  وحزب الله في لبنان.

      فتحركت روسيا فعلاً وأنذرت أمريكا وحلفاؤها الأوربيين بان سقوط النظام في سوريا يعتبر (الخط الأحمر) بينهما. وان أوربا خذلت أمريكا بامتناعها مشاركتها بالتدخل المباشر في سوريا كما فعلت في العراق وليبيا.

      في الأيام الأخيرة ومن دون سابق إنذار وبعد تنحية رئيس جمهورية أوكرانيا من منصبه وتولي الأطراف السياسية اليمينية المتطرفة المدعومة من الغرب (الاتحاد الأوربي) وأمريكا مباشرة. فجاء الإنذار الروسي الثاني لأمريكا وحلفاءها بعد سيطرتها على شبه جزيرة القرم عسكريا ذات الغالبية الروسية وبطلب من حكامها مباشرة. بانأي تدخل عسكري في أي جزء من أوكرانية يعتبر (خط احمر) بين الطرفين. وفعلا تحركت روسيا عسكرياً وجوياً وبحرياً، استعراضاً للقوى وإنذارا للطرف الثاني.

      وكان فشل أمريكا وحلفائها من محاصرة روسيا في حالة نجاحها في السيطرة غير المباشرة، بواسطة قوى متطرفة يمينية على عموم أوكرانية وان (القرم) أصلاً كانت هبة خروشوف للدولة الأوكرانية التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي. وهكذا يلعب (الخط الأحمر) الفاصل الذي يحد من جبروت كل قطب يسعى فقط لتحقيق مصالحه على حساب الشعوب المغلوبة على أمرها وحتى الكبيرة عندما تكون في غفلة من التاريخ.

      وما حل بالشعب العراقي من نظام حكم المحاصصة الطائفية والمذهبية والقومية وفقدان الأمن واستفحال الفساد المالي والإداري وتهميش الدستور من قبل الجهازين التنفيذي والتشريعي وسيطرة القوى الإرهابية على الكثير من مواقع العراق ومحافظاته واستفحال خطر الحرب الأهلية، وكذلك في ليبيا واليمن وسوريا بالذات منذ ما يقارب أكثر من ثلاث سنوات، فكانت الساحة الدولية يصول بها ويجول القطب الواحد أمريكا وغرب أوربا فقط.

      فلابد ان تتوازن الساحة الدولية وان لا يبقى مصير الشعوب الضعيفة تحت رحمة القوي المتغطرس كما هو الحال القائم، ولا حول ولا قوة لشعوبها وطليعتها النخبة التقدمية المتقصية في الدول المذكورة أعلاه.

 

 

17/3/2014

28- شرعية عضو البرلمان... مصداقيته

      إن أهم العناصر التي تؤثر في تكوين شخصية الفرد، هي البيئة الاجتماعية والدينية والمناخية وأخيرا الجغرافية. إضافة مدى تمكن الفرد التمتع بالاستقلالية الشخصية نسبيا سلوكيا، مقارنة لما هو سائد في الوسط المعايش فيه. والتي نادراً ما قد ينفرد من الطفولة شخص بهذه الصفة وتنمو معه حتى مرحلة الوعي النسبي أيضا التي تهيئه لولوج معترك الحياة وتحديد مسارها وحسب ما يمكن تحقيقه وكسبه من القيم والأعراف ذات المفاهيم الفكرية والاجتماعية. تؤهله لبناء شخصيته المستقلة ويحدد بموجبها علاقاته مع جميع مكونات المجتمع وترافقها بتوازي معها أحيانا وبتقاطع أخرى. وهذه المواقف قد تكون ضرورية، لا بل إحدى مقومات شخصيته ونموها وفق أفق واسع يسهل عليه استيعاب مِحنِها وعبورها. ثم تخزين الإيجابي منها كمكاسب أنية لما يصادفه في مسيرته من العوارض  والأقدار غير محسوبة الوقوع. وهو قادر على تجاوزها بأقل خسارة، إن لم تكن بدون أية صعوبة وعناء وتكون كنموذج لعلاقة الفرد بالوطن وخدمته له.

      إن غالبية شعوب العالم المتقدم والتي أثبتت وجودها من خلال كفاءتها بدرجة كبيرة عن غيرها. ومنها معظم الدول الأوربية وثم بعض شعوب أمريكا وشرق أسيا وغيرها. ولم يتم تحقيق هذه الصفة الإيجابية كهبة ومعرفة شاملة للحياة من احد، بل تمكنها من شق طريقها بصعوبة بالغة وأسبابها الرئيسية الأدبية والأخلاقية وثم مصداقيتها. ترافقها ثقتها بنفسها في علاقاتها العامة والخاصة ضمن محيطها ومع غيرها عبر المفردات اليومية الضرورية سواء كانت ذات مسؤولية قانونية او شعوراً اجتماعياً تجاه غيرها.

      تأبى نفسها الانحراف عن خط النزاهة والحرص الشديد على السمعة الشخصية للفرد ضمن المجتمع وكمسؤولية باعتبارها خدمة يقدمها لمجتمعه وفق ضوابط إنسانية قبل القانونية ومطلوبة منه تجاه غيره. وبهذه الحالة يكون الشخص المعني في حلٍ من أية مسؤولية أدبية وأخلاقية ثم القانونية لما يقوم به ضمن الوسط الذي يشغله. ولا بد إن يكون في موضع تقدير واحترام المسؤولية عنه ويتمتع بشخصية موزونة في علاقاته مع الجميع بدون استثناء من المسؤولين وعامة الناس.

      إن ما ذهبنا إليه في الأسطر أعلاه، ليس إلا صورة حية لشخصية الفرد والعوامل التي تؤدي في بنائها، وكيف يمكن لها من تواصل المسيرة في حالة انتقال من وسط وظيفي واجتماعي دون اختياره الشخصي ولا قرار له به. وتفرض هذه الحالة عليه إن يرتفع إلى مستوى من الكفاءة في تحمل وأداء المسؤولية ومدى مصداقيته في حالة قيامه بتولي مهام ذات صفات قانونية ودستورية وذات مسؤولية أوسع من السابق وضمن مؤسسة كبيرة من مؤسسات الدولة كعضو في المجلس الوطني أو كوزير في الحكومة القادمة وكقاضي ضمن السلطة القضائية. وهذا لم يكن بغير حساب بل جاء بسبب اختياره ومشاركته في عملية ترشيحه ضمن القوائم السياسية المتنافسة أو بشكل مستقل. وكيف يجب إن يعمل في حالة تم انتخابه ويبقى موضع الثقة والكلمة الصادقة والتي بموجبها تعهد لمن انتخبوه ومنحوه أصواتهم بدون مقابل وأصبحوا أمانة في عنقه وعليه العمل بكل نزاهة وشفافية ضمن أمثاله في هذا المجلس ليقدموا الخدمات المطلوبة له والمستحقة وفق القوانين المرعية. وما الحالة التي يشكو منها الشعب العراقي خلال العشر السنوات من الفوضى العارمة وفقدان الأمن والصراع على كراسي الحكم والتطاحن بين الكتل السياسية التي تبنت قيام حكومة المحاصصة الطائفية والمذهبية وقد تتحول إلى عشائرية أو عنصرية قومية وغيرها. وأصبح التناحر على المناصب الوزارية والدرجات الخاصة وغيرها لا لتقديم الخدمات المطلوبة للشعب بأبسط مستحقاتها، بل للمنافع الشخصية وان ما يشهده الوطن من الاغتيالات الفردية والجماعية وضحايا الانفجارات والعبوات الناسفة يوميا، غير الحالة المستعصية على الحكومة في المحافظات التي دخل عليها الإرهاب المكشوف في كل من الانبار وصلاح الدين وديالى ونينوى وبابل وغيرها. عدا ما يحدث يوميا من الأعمال الإجرامية في بغداد العاصمة. كل هذا يحدث بسبب فقدان شرعية أجهزة الدولة من المؤسسات الرئيسية التشريعية والتنفيذية وانهيار ثقة الشعب بها لعدم مصداقيتها ولا أمل في وضع حد لها قريبا. وان موعد انتخابات أعضاء المجلس الوطني الثالث قريبا ولم يبق سوى أيام معدودة والاضطراب الأمني لا بل الحرب الأهلية المكشوفة في تلك المحافظات تتصاعد وتيرتها يوميا وبشكل شرس. فهل سيتمكن الشعب العراقي وقواه السياسية الوطنية والديمقراطية من خوض المعركة وانتخاب العناصر النزيهة وذات السمعة الوطنية كأعضاء للبرلمان القادم وثم تنبثق منه حكومة قادرة على إعادة هيبة القانون والدولة، ووضع حد للحالة الأمنية المنفلتة وإقامة حكومة وطنية بعيدة عن المحاصصات المذكورة انطلاقا من المبدأ القائل ((الرجل المناسب في المكان المناسب)) بغض النظر عن انتمائه الديني والقومي والمذهبي والسياسي وغيرها، ليتمكن هذا الشعب إعادة ثقته بقيادة جديدة وتبنيها سياسة رشيدة ومعالجة ما هو معلق من القوانين التي لم يتم إقرارها في الدورة المنتهية مدتها، وراب الصدأ الحاصل بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان لما له من التأثير المباشر على العلاقات غير الطبيعية بين جميع مكونات وكيانات المجتمع العراقي التاريخية من العرب والأكراد وباقي الأقليات الاجتماعية وبدون استثناء.

      أن التاريخ لا يمكن إن يمهل ولا يهمل ولابد إن يقول كلمته بلسان الشعب العراقي صاحب الحق الشرعي والقانوني في العيش الكريم وضمن نظام ديمقراطي فدرالي مزدهر لتتمتع جميع فصائله بالحقوق والواجبات التي اقرها الدستور العراقي، ولا يمكن لهذا الشعب ان ينسى فترة الحكم المظلمة للنظام الدكتاتوري الشوفيني السابق. ولا فترة حكم المحتل الأمريكي من بعد 9/4/2003 واستغلال الاحتقان التاريخي الديني والمذهبي والقومي، وتأثير تأجيجها من قبله لتعم الفوضى بين كيانات هذا الشعب بصورة أبشع من السابق وفق استراتيجيه عدوانية مدروسة في أقبية البنتاكون والى أمد غير معلوم.

15/4/2014

29- الانهيار الثالث... ودولة الإقليم

      على اثر سقوط بغداد عاصمة العراق الأولى في 9/4/2003، واحتلال الوطن من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وما ترتب على اثرها بعد عدة ساعات. الانهيار الكامل في جميع صفوف القوات المسلحة العراقية - الجوية والبرية – (الجيش التاريخي) الذي كان موضع حساب لدى أقوى الأنظمة  العسكرية، وما لحق بالدولة العراقية الفتية من الانهيار التدريجي وحسب الخطة المقررة مسبقاً من قبل قوات التحالف المذكورة (كإستراتيجية تشمل كل دول الشرق الأوسطية عامة والعربية خاصة).

      فكنا قد كتبنا مقالا بتاريخ 30/6/2003 بعنوان (أسقوط النظام بالعراق... أم سقوط دولة العراق ؟) ونشر في جريدة – (طريق كردستان) لسان حال الحزب الشيوعي الكردستاني – العدد 234 / 2003.

       وبعد انتهاء مرحلة حكم – بول برايمر – قامت عدة حكومات غير متجانسة في هويتها السياسية والوطنية. لا بل غير مؤهلة إداريا وبكفاءات مهنية ضعيفة، وذات آفاق سياسية قصيرة. الغاية منها ملئ الفراغ الحاصل في هيكلية الدولة وعلى شكل (ملاك وقتي) كحكومة تصريف أعمال – او واجهة لجمهورية العراق الثالثة. وتحت إمرة المحتل وتوجيهاته المباشرة وغير المباشرة لعدة دول مجاورة. ولازالت تلعب الدور الرئيسي في كثير من الأحداث الداخلية للدولة العراقية واستقرار الأمن فيها. وعبر أفراد وجماعات سياسية مرشحة مسبقاً. وبدأت تطفو مباشرة على سطح الأحداث ظاهرة الصراع الدفين بين المكونات الاجتماعية التاريخية ذات النفوذ الواسع عبر البنى التحتية – البسيطة للشعب العراقي – ومنها بالدرجة الأولى – المذهبية – ممثلة في المكون العربي الأكبر. وفي طياته الاحتقان التاريخي بين – السنة والشيعة – واستقطابه بعد قيام جمهورية إيران الإسلامية عام 1979 بقيادة الطائفة الشيعية ذات الأغلبية. وثم التناحر القومي التاريخي في شمال العراق (كردستان الحالية) بين الفصائل الكردية المسلحة ذات التوجه السياسي القومي وبين الحكومة المركزية في بغداد، وما آل ذلك حتى عام 1990 وبعد احتلال الكويت من قبل القوات العراقية. وثم خروجها على يد قوات متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أيضا. وحصل شبه انهيار في الجيش العراقي وللمرة الأولى في تاريخيه. وثم فرض حذر جوي وبري على القوات المذكورة خلف خط عرض 36،ْ فتمكنت القيادة السياسية للفصائل الكردية في الشروع بإقامة إدارة ذاتية لها، وبناء المؤسسات المهمة للدولة المستقبلية الاقتصادية والأمنية والثقافية وغيرها.

      إلا أن الطائفة الشيعية لم تركن على الحالة الجديدة بعد تسلم الدكتور إياد علاوي زمام أول وزارة مطعمة بعناصر تمثل عددياً المكونات الثلاثة الرئيسية المذكورة – الشيعية – السنية – الكردية – باعتبارها (الطائفة الشيعية) تمثل قرابة ثلثي المجتمع العراقي. فيجب إن تكون القيادة للجهاز التنفيذي بإمرتها. وان للمخابرات الغربية قاطبة الخبرة الكبيرة بما هو دفين تاريخيا من الاحتلال المذهبي بين السنة والشيعة منذ عهد الحكم العثماني لمئات السنين. وثم الدولة العراقية الحديثة عام 1921، والى جانب الصراع القومي بين المكونين العراقيين – العربي – الكردي – وما تمخض من الحروب والنزاعات المسلحة الداخلية. والتضحيات الجسام التي تكبدها الشعب العراقي بجميع مكوناته الاجتماعية والسياسية والقومية وبدون تمييز واستثناء، فكانت الفرصة الذهبية للمخابرات الغربية لتأجيج هذا الاحتقان التاريخي وبدء الصراع على كراسي السلطة، وكلٌ يحاول السيطرة عليها واستلام زمام الحكم. وفعلا نجح الائتلاف الوطني الشيعي واحد أطرافه (دولة القانون) لدورتي البرلمان وبقيادة نوري المالكي باحتكار السلطة إلى جانب محاولته الأخيرة فرض نوع من الوصاية الشخصية لمرحلة ثالثة وباستحقاق قانوني وما آل من حكمة خلال الدورتين السابقتين من تأجيج الصراع على كراسي الحكم عبر الفترة القصيرة للدكتور إبراهيم الجعفري لتوليه رئاسة الوزراء من بعد د. إياد علاوي وتنحيه وتولي نوري المالكي الحكم من بعده. وكان الحاصل لفترة حكمه حتى هذا اليوم، الانفلات الأمني والفساد الإداري في جميع أجهزة الحكم واستفحال البطالة وضعف الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء وغيرها. وشعور الطائفة السنية بأنها مهمشة لا بل مقصية عمداً وليس لها أي موقع في السلطة التنفيذية وغيرها. وتضييق الخناق على مكونها الثاني في المحافظات الشمالية عدى إقليم كردستان وهي – نينوى – الانبار – ديالى – صلاح الدين – وغيرها. والاعتقالات العشوائية لكل تحرك او تظاهر في المحافظات المذكورة. وان عجز البرلمان العراقي وفي دورته الأخيرة من استجواب أية شخصية من أتباع الطائفة المذكورة من الوزراء والدرجات الخاصة أو من قادة الأمن. وعدم قدرته على مساءلة شخصية رئيس الوزراء عن أسباب استفحال فقدان الأمن والاغتيالات المنظمة وعن الفساد المالي، وفي أية دائرة أو مؤسسة حكومية كانت مما أدى إلى فقدان الثقة بين جميع هذه المكونات المؤتلفة شكلياً في الحكومة الحالية والسابقة.

      وأخيرا إصرار شخصية رئيس الوزراء على تولي الحكم للدورة الثالثة وذلك بعد حصوله على عدد من المقاعد في البرلمان الجديد الذي جرى انتخابه في 30/4/2014 وتمكنه من إقناع الكثير من أنصار الكتل الأخرى للانضمام إلى قائمته وتشكيل الحكومة المقبلة. إلى جانب استفحال الوضع الأمني في محافظة الانبار وظهور فصائل مسلحة واقتحامها الكثير من المواقع المهمة في المدن، الرمادي والفلوجة والعامرية والكرمة وغيرها، وعدم تمكن القائد العام من تحقيق أي نصر عسكري عليها رغم استخدامه كافة الأسلحة من المدافع الميدانية والصواريخ والطائرات العمودية وغيرها. مما أدى الى هجرة مئات الآلاف من العوائل من تلك المدن وحصول الدمار الشامل في مساكنها ومشاريعها الصناعية والزراعية وغيرها. وعدم تجاوبه مع الفئات السياسية وتلبية مطاليبها بغية حل الأزمة سلميا ودون استخدام القوات المسلحة. وإراقة الدماء للأبرياء من النساء والشيوخ والأطفال.

      وإذا بمدينة الموصل كبرى مدن العراق بعد العاصمة بغداد، بين ليلة وضحاها تسقط فجأة بيد (داعش) صباح يوم الثلاثاء المصادف 10/6/2014 دون أية مقاومة من القطعات العسكرية – الجيش والشرطة – المتواجدة فيها وتسليمها كهدية لفصيل داعش المسلح – مما أدى الى توسع دائرة التعاطف للقاعدة العراقية للطائفة السنية في المحافظات المذكورة ودون إعلان مسبق منها. قدمت ولائها للفصيل المذكور وكأنها فرصة ضرورية وتاريخية لتحقيق ما تصبو إليه الطائفة المذكورة لإقامة إقليم خاص بها أسوة بإقليم كردستان العراق. وهناك دعوات قديمة لإقامة إقليم البصرة وإقليم الفرات الأوسط وغيرها.

      وها هو القائد العام يستنجد بالمحفل الدولي والى دول عربية للتدخل لصد الإرهاب بعد إن أصبح عاجزا عن تحقيق أي نصر عسكري للمساحة الجغرافية الواسعة التي شملتها واحتلتها الحركة المسلحة المسماة باسم (داعش). ولابد من التفكير الجدي من قبل الحكومة الاتحادية. وجميع الأطراف السياسية والكيانات الاجتماعية المعنية وغير المعنية، بالمبادرة لحل الأزمة سلمياً. ولا يمكن لأي قوى عسكرية التدخل ما لم تكن النتائج سيلٌ من الدماء للأبرياء ودمار شامل لكثير من المدن والقرى الكبيرة والصغيرة، وليس هناك رابح غير العدو التاريخي والحالي للشعب العراقي الطموح للحرية والديمقراطية والاستقرار الأمني والازدهار الاقتصادي.

      فأية جريمة ارتكبها هذا الشعب وبحق من ؟ لتنهار قواته المسلحة وتتشتت مكوناته الاجتماعية لعدة مرات وهي في عام 1990 (أزمة الكويت) وفي 9/4/2003. وسقوط النظام السابق، وفي صبيحة 10/6/2014 ودون سابقة إنذار.

 اشهد يا تاريخ اشهد.

11/6/2014


 

30- المتغيرات الأساسية... ولعبة الكبار دوليا وإقليميا

      يشهد عمق التاريخ، إن لا ثوابت لحركة المجتمع الإنساني لمفردات حياته الأساسية وحتى الثانوية، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية، قومية أو دينية، أثنية أو عنصرية. وخاضعة لتوازن القوى على ارض الواقع وتكون العلاقات الآنية لأي فئة منها كبيرة أو صغيرة مبنية على التحالف مع بعضها لفترة محدودة، ثم تنقلب الآية. ومن المتغيرات التي قد تحصل، يختل التوازن بينها، ويبدأ العمل بموجب (تكتيك ظرفي) وبمقتضى ما تمليه استمرارية تفوق المتغيرات للكتلة الكبيرة (ضمن مفهوم التيار السياسي المتذبذب)، على الطرف الثاني الحليف المؤقت. وتبادر كل جهة البحث عن البديل ليأتمن لأطول مدة (حالة الاستقرار السلبي) بغية تنفيذ مشروع معين على حساب الطرف أو الأطراف الأخرى، سواء كان المشروع حقوق إدارية سياسية أو اجتماعية اقتصادية أو فكرية عقائدية لأحدهم أو لغيرهم.

      ولابد من التحرك الآني ثانية مع الغير وفق شروط متفق عليها مسبقاً كوثيقة تاريخية يعمل بموجبها الأطراف كجبهة متحدة.

      وخير دليل بسيط وضمن القرن الماضي والعقد الأول من القرن الجديد حصراً، وكنموذج تاريخي ومؤثر لما حصل بين الدول الكبرى – الشرقية والغربية – ومنها الاتحاد السوفياتي سابقاً، كدولة شرقية اشتراكية تقاطعت مصالحها الاقتصادية والسياسية والفكرية مع جميع الدول الكبرى الغربية – بريطانية – فرنسا – أمريكا (أقطاب الرأسمالية العالمية). هذه المجموعة أعداء أمس (قبل عام 1939) بدء الحرب العالمية الثانية، وأصدقاء اليوم (فترة الحرب المذكورة لغاية عام 1945). ضد كل من الدول الكبرى – ألمانيا النازية – إيطاليا الفاشية (أوربا غربية) + اليابان (شرقية أسيوية). أي بمعنى – دولة شرقية + كتلة دول غربية. ضد دولة شرقية يابان + ألمانيا (محور الحرب) وايطالية. (كتلة غربية شريك لها).

      وجميع هذه الدول تحالفت مع بعضها وفق ما تمليه مصالحها الأساسية وبمقتضى إستراتيجية قادتها (مصدر قوتها) وسعة نفوذ كل طرف آنئذ. ومستقبلا عبر القارات الثلاثة – أوربا – أسيا – أمريكا.

      وبعد انتهاء تلك الحرب، والكل يعلم ما خلفته على شعوبها أولا والبشرية ثانياً من الدمار الاقتصادي والثقافي والتخلف الاجتماعي ومقتل عشرات الملايين من مختلف الجنسيات.

      وها هي ألمانيا اليوم – دولة عظمى + اليابان + إيطاليا (دول المحور) أعداء الحلفاء سابقاَ – أمريكا – بريطانيا – فرنسا – (أصدقاء اليوم) ضد روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي – والكل يحاول تقليم أظافرها كي لا تعيد المجد والجبروت السياسي والاقتصادي والعسكري للدولة السوفياتية الفتية سابقاً.

      وإذا أردنا إن نسلط الأضواء على ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط + شرق أوكرانيا بصورة خاصة وإفريقيا بصورة عامة. فلابد إن نستنتج بأنه لا يوجد شبر من البقعة الجغرافية فيها تسمى وطناً ذو سيادة ومعترف به دولياً وعضو في هيئة الأمم المتحدة، وليس هناك صراع محتدم بين جميع مكوناته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية. ظاهرهُ ديني – مذهبي – قومي قبلي – عنصري اثني (حصراً بدول الشرق الأوسط العربي وغير العربي). بدءاً بالكتل ذات النفوذ الديني الكبير – الإسلام – وانقسامه التاريخي آلى مذهبين متصارعين (سنة وشيعة) كل يحاول التحالف مع غيره وذات نفوذ مؤثر على ارض الواقع، كالعراق وسوريا وتركيا وإيران والأردن واليمن ودول الخليج العربي وغيرها.

      فكان التيار الديني العروبي ولأكثر من أربعة عقود يمثل مصدر القوى والنفوذ المتحكم في البنية التحتية للمجتمع والنخبة السياسية القائدة. وأصبح اليوم وبعد سقوط النظام في العراق في 9/4/2003. تياراً قومياً ضعيفاً ومهمشاً. لا بل مقصياً كلياً (حصراً في العراق). واحتل بديله ودخل حلبة الصراع على كراسي الحكم، المذهب الشيعي ذو النفوذ الأوسع في العراق بصورة خاصة. فلابد إن يتحالف هذا التيار مع نقيضه سياسياً وإداريا – التيار القومي الكردي صاحب النفوذ الأقوى الثاني على ارض الواقع وتقتضي مصلحة الطرفين حاليا ولفترة زمنية معينة، التحالف لاقصاء الطرف الثاني (المسلم) التيار السني القبلي والعروبي من الميدان السياسي المؤثر، وبسبب ذلك هو ظهور متغيرات مهمة في النفوذ السياسي، خلفتها استراتيجية الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا.

      بدءا بتأجيج ما مترسب ومحتقن تاريخيا بين المذهبين الإسلاميين (على اثر ظهور جمهورية إيران الإسلامية) كقطب مؤثر، ثم توظيف ذلك بتحريك الأقطاب الإقليمية ذات المصلحة المباشرة في المنطقة. وبغية خلق نوع من النزاعات وصراعات تمتد إلى عقود وعقود من السنين. ولابد من تحريك  القطب الثاني المتمثل بالمذهب السني الأوسع نفوذا في المنطقة متمثلة بـ (تركيا – السعودية – وبعض دول الخليج).

      فلا مصداقية بين أصحاب النفوذ الديني – المذهبي – والقومي – والاثني. إلا بصورة مؤقتة وحسب ميزان القوى والخلل الذي يطرأ عليه.

      فكل شيء في التغيير بدءا بالنمو والتحول والارتقاء ضمن اقوام وقبائل اجتماعية تتمثل فيها أقلية في النفوذ والسلطة، وأكثرية في النفوذ والسلطة معا.

وخلاصة القول:

1- لا يمكن بقاء النفوذ لأية عقيدة دينية في أية بقعة جغرافية كانت وهناك عدة منابر لزعامات مذهبية متصارعة على ارض الواقع، وعلى كراسي الحكم التي لا شرعية لها غير السلطة الموروثة، والشرعية الحاصلة في العراق خاصة من جراء عملية الانتخابات الصورية وللمرة الثالثة في 30/4/2014 وتحت خيمة الديمقراطية اللبرالية المهلهلة ودستور الدولة المشوه، والقوى الديمقراطية عامة مقصية لضعفها ولأسباب كثيرة.

2- لا يمكن بقاء النفوذ الديني بغطاء قومي أو مذهبي في أية دولة ضمن إقليم الشرق الأوسط عامة والعربي خاصة. وفي تركيبها الاجتماعي قبائل ومذاهب تتضارب وتتقاطع مصالحها لتنوع زعاماتها ومناهجها الفكرية والاجتماعية كما هو قائم فعلا في غالبية محافظات العراق – سنة – شيعة.

3- إما الأقليات الدينية والقومية والاثنية الأخرى في العراق وسوريا والأردن. فإنها منسية ومهمشة ولم تدخل في حسابات إستراتيجية أقطاب الدول الغربية والإقليمية لحمايتهم من الاندثار والضياع كما حدث للشعب الكردي في العراق عام 1991 وبقرار من مجلس الأمن (688) والذي حذر بموجبه تحرك القوات العراقية لحكومة النظام السابق البرية والجوية شمال خط عرض 36 وعلى أثره تمكن الشعب الكردي المباشر ببناء إقليمه والتمتع نسبيا بقدر من الاستقرار والأمن الداخلي.

4- وبدأ يفكر في تقرير المصير بسبب الاختلال الحاصل في ميزان القوى في العراق لصالح التيار الديني المذهبي الشيعي واستئثاره في الحكم وابعاد غيره عن مواقع السلطة المؤثرة في الحياة اليومية. واستفحال الفوضى وفقدان الامن في جميع المحافظات، بل وقد اجتاحت الشمالية والغربية والشرقية منها قوى مسلحة متعددة الجنسيات والتسميات الدينية ومدعومة من بعض الدول المجاورة ودخل العراق في حالة حرب شاملة. وقد تكون اشرس من الحرب في سوريا واطولها أعواما.

      مما اضطرت القيادة السياسية لإقليم كردستان التفكير في عملية تقرير المصير وقيام دولة كردية مستقلة عن بغداد.

ولابد إن تنظر القيادة السياسية المذكورة إلى الموضوع بانه لا يمكن إنجازه عمليا وأعداءه التقليديين متربصون له في كل من تركيا وإيران، والتيار القومي العربي في العراق وسوريا إن تمكن من النهوض واستلام السلطة عاجلا أم أجلا ويعيد التاريخ نفسه. لان الحقد القومي لدى غالبية الأقوام يبقى دفينا أجيال وأجيال.

5- إن ملامح تفكك العراق واضحة، فهل مصيره دولة فدرالية من مجموعة أقاليم هزيلة ومتصارعة، أم دولة (كونفدرالية) تضم عدة دويلات صغيرة غير متجانسة اجتماعيا وسياسيا وفكريا.

      أم يتجزأ العراق إلى عدة (كانتونات) شبه مستقلة تدور في فلك أقطاب المنطقة وغيرها.

6- وأيضا لابد إن نشير إلى الأصوات التي بدأت تصرخ من بعيد عبر دول المهجر بأسماء الجاليات للأقليات العراقية القومية والدينية والاثنية، من المسيحيين – كلدواشوريين وسريان – واليزيدية والصابئة وغيرهم، وهي مسلوبة الإرادة الصادقة ولا تأثير لها لان الحرب الأهلية قد مزقت نسيج مجتمعها التاريخي وأنها فقط أصوات للاستهلاك الإعلامي لا غير.

7- فان القوى الوطنية العراقية وبكل مكوناتها الاجتماعية  والسياسية والدينية والنخبة المثقفة من العرب والأكراد، إن يتحملوا جميعا المسؤولية التاريخية القانونية والأخلاقية. وان لا يغفلوا أو ينسوا ما حل وما سيحل بهذه الأقليات، لا وطن لهم ولا راعٍ يرعاهم. وان التاريخ لا يرحم ولا يستثني أحدا من هذه المهمة مهما طال. وجروح الكل لازالت تنزف الدم من ظلم الحكومات الرجعية والدكتاتورية السابقة.

      وليس بإمكان الأقلام المتواضعة هنا إلا المساهمة بالتذكير والتأكيد على ذلك وبدون كلل لا غير.

 

8/7/2014

ويلي هذا المقال قصيدة شعرية اعبر فيها عن محنة مدينة نينوى ارضاً وتاريخاً وبشراً والتي لم تشهده حينما كان اسمها التاريخي (نينوى) وما حل بها بعد 6/7/2014 وجاء بعنوان:

31- أيا نينوى

يا اُم حدباءَ واخت نمرود

      الى متى تحومُ حولكِ أشباهُ الأسود ؟

وتُسقَطُ الأجنةُ من الارحامِ

      كي لا يُبصِرَ لكِ وريثُ ولا مولود

أغدُرَ بكِ الزمانُ وغَفا

      أم بوغِتّ فجراً بعهدِ ظلامٍ جديد ؟

لا مَن يسألُ عنكِ ولا مجيب

      هلاَّ أحدٌ يعلمُ بالقادمِ من بعيد ؟

أيةُ حضارةٍ تُبيحُ تشرد شعبٍ

      وأيةُ ديانةٍ ترضى به وتسود ؟

والسلامُ موشحٌ براياتٍ سود

      تُرفرفُ فوقَ المعابدِ ودورَ السجود

والعوائل تتزاحمُ في قرى الاطرافِ

      تائهة في الازقةِ وحائرة كالمطرود

أغلبها من الأقلياتِ المهمشة

      وكأنهم قادمون من خلف الحدود

إنهم أبناءُ هذا الوطن التليد

      ومن صلبِ شعبٍ أبي وعتيد

لمن لائحة حقوق الانسان كتبت

      ام نسأل عنها الاجدادا في اللحود ؟

ألم يكن لقوم حُنَين بن اسحق

      يوماً ذا شأنٍ في بغدادَ الرشيد ؟

وطموحهُ بالعيشِ الرغيدِ شَرعٌ

      وهل يتحقق ذلك ببث الحقود ؟

نداءُ الاُمَمِ عِبرَ الأديان كانَ

محبةٌ وسلامٌ والتاريخ سباق بالشهود

إن كانت للحروب حُجَجٌ ومبرراتِ ؟

      فتجارها يُذكون سجرها بالوقود

فحق الشعوب لم ولن يموت

      مهما كان الباغي مُتجبراً وعنيد

23/7/2014

32- من يدفع الجزية كثمن للحياة

      وبدون مساومة على الحقيقة، لابد إن نسال ؛ هل تمرد القلم على قانون حركة الحياة، وفي مقدمتها الإنسان ومجتمعه ؟ وهل يقر بأنه عاجز عن فهم ماذا يعني التغيير، وما الغاية من التجدد، ولماذا البقاء للأفضل ؟ ولم يأتي الجواب.

وبهذا نعود ونسال أيضا...

      فهل كان القلم قد أصبح مغفلا وفقد الرؤية لمجرى التاريخ وفي ظنه انه غير ملام عن ذلك، ولا عن مسؤولية توثيقه لما مضى من قرون وقرون ؟ وهل عرف من سيتولى بعد عقود وعقود زمام المبادرة ويبدأ يشيد صروحا جديدة لعلاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية بأطر فكرية – عقائدية – ويكون اللاحق إما بعيدا أو قليل  الاهتمام باقتناء بعض منها، إن لم يكن كلها وحسب حاجته إليها. كما حدث عبر مسيرة الإنسان الطويلة وترك اثأرا لحضارات كانت قائمة على أسس ذات مفاهيم واقعية وأسطورية ومن صلب بنيانه الذاتي لحاجاته اليومية. وليس تخيلا سرابيا عن كيف بدأ وإلى أين المسار. وماذا تكون قيمه المادية لحياته الآنية بما فيها لمستقبله القريب والبعيد، ولابد من ذلك في كل زمان ومكان.

      أليس كل قلم عبر التاريخ سواء كان قطعة خشبية أو عظمة وبصم بها على ألواح الطين لرموز ومقاطع ذات دلالات لطقوس ومراسيم لشعب ما ؟

      أو كان القلم قصبة من الهور وبصم بها على رقم من الطين أحرفا للغة في وادي الرافدين، ومنذ أكثر من خمسة ألاف عام، سطر فيها ملاحمه الأدبية والاجتماعية والفلسفية ولازالت بعض مخلفاتها موضع اهتمام لكبار المفكرين والمحللين من العلماء والفلاسفة لذوي الاختصاص.

      وإذا كان الإنسان قد ترك ما هو موثق على الكثير من الألواح الطينية، بان فيضانا عارما غمر وادي الرافدين وقبل ما يقارب (14) إلف عام قبل الكتابة. أي قبل ظهورها ككتابة بأبجدية معلومة. ونسبت إلى شخصية تاريخية بعدة أسماء وحسب مواقعها الجغرافية ومنها – اتانبشتم – اتراخاسيس – وأخيرا – نوح – وحسب العهود، بدءا بالسومري ثم البابلي والأشوري. عبورا إلى الديانات السماوية الحالية.

      فكانت قساوة الطبيعة أكثر رفقا وإنصافا حينما غمرت سيول الطوفان العالم وتركت من الطمي والغرين طبقات وطبقات. ولكن لم تنل منها  بعد قرون وقرون لما خلفه الإنسان الرافديني ولم تزل ما تركه من البصمات البسيطة عليها. والتي غالبيتها استقرت في بطون الوديان والمغاور والكهوف وتحت أنقاض مساكنه البدائية، كأنها متاحف طبيعية. منها مكتشفة وغيرها مجهولة المواقع إلى هذا اليوم.

وإذا كان الإنسان الحالي قد ورث الكثير من البؤر الساخنة لما بعد الفيضان المذكور. وتميز سلوكه وطباعه بالتحدي الدائم. بمعنى ذلك ان مكوناته الاجتماعية كانت غير متجانسة اثنيا وقوميا ودينيا. وضلت متصارعة مع بعضها بهذه النسبة وتلك وحسب ما تحركها عوامل الاختلاف ذات تأثير مباشر عليها. ومنها المرجعيات الاجتماعية والقبلية – العشائرية – ذات الإرث المقدس، والذي لازال يمثل الطابع الطاغي لغالبية مكوناتها الاجتماعية إلى جانب المرجعيات الدينية وهي لا تقل تأثيرا على مجرى حياة الفرد والجمع وبشكل صارم ومركزي عن نفوذ المرجعيات السابقة.

      وإذا كان هذا الإرث المقدس – القبلي والديني قد أنكفى أو عزل جانبا في كثير من الشعوب الأوربية. فان عامل سرعة التطور والتغيير في نمط الحياة والتجدد فيها لم يكن هبة من السماء أو صدقة عملت دورها. بل جاء كانقلابات اجتماعية متواضعة عبر قرون وقرون وثم على شكل ثورات تبنت قياداتها دساتير جديدة أصبح الفرد والمجتمع في حل من مدى تمسكه بتلك التقاليد والقيم والأعراف الاجتماعية لا تقبل التغيير ولا التجدد. 

      إما في العالم العربي فرغم وصول الكثير من المظاهر المدنية للمجتمع الغربي لها. وقيام أنظمة حكم في غالبية دوله ظاهريا تتبنى الكثير من المفاهيم الحديثة في العلاقات الاجتماعية والفكرية إلا أنها ضلت باطنيا الموجه والمتابع والمسؤول المباشر عن الالتزام الكلي بتلك الروابط وتقديس الموروث، ممثلا فعليا ولصالحها مباشرة ولغرض ديمومتها وهي كالمرجعيات الاجتماعية (القبلية – العشائرية) والعقائدية على اختلاف  مذاهبها وطوائفها. كانت ولا زالت هذه الحكومات تغذي المؤسسات كمدارس منذ مرحلة الطفولة حتى أخر مراحل الحياة للفرد والمجتمع وكأنها محميات مغلقة يصعب على النخب ذات الثقافة النوعية صدها. سواء كانت علمية أو اجتماعية أو مدنية. إلا أنها ضمن جهاز الرقابة وبحكم النص المثبت في دساتيرها – دين الدولة – قانون العشائر وغيرها.

      وان ما يحصل على ارض الواقع ومنذ عدة عقود من ظهور منظمات بتسميات دينية أو مذهبية في العالم الإسلامي عامة والعربي المسلم خاصة. تتولى جهارا التحدي للمجتمع الإنساني مبدئياً وحسب نفوذها الكمي ومدى تواجد المرجعيات الدينية والمذهبية والاجتماعية القبلية بقربها وتواصل دعمها ماديا وبسخاء ومدها بالعنصر البشري ولاسيما من الشباب ذات الأعمار المتوسطة وشديدة الاحتكاك بمراكز التأثير الفكري والتربوي. وهناك لا ننسى وحتى في غالبية الدول العربية وغير العربية المسلمة وخاصة في الشرق الأوسط الأسيوي والإفريقي. تبقى في باطن مجتمعاتها الكثير من الخلايا الحية النائمة لصغر أعمارها (كأطفال) لحين تغذيتهم تدريجيا بالفكر الديني المتطرف والاجتماعي القبلي المتعصب و((جيش القدس والحرس القومي في النظام السابق خير دليل على ذلك وبصلاحيات استثنائية)).

      وتوظيفها من قبل الكثيرين من المنظمات الأوربية الغربية وفي مقدمتها الأمريكية كأدوات فعالة ضد الكثير من التيارات الفكرية والاقتصادية المتقاطعة مصالحها معها.

      وفعلا كان هذا الاستثمار من قبل هذه الدول لمثل هذا التيار الديني والقبلي وحتى المذهبي في الآونة الأخيرة ذات تأثير مباشر في انهيار المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي عام 1991. والدور الرئيسي ولازال في خلق ثورات ذات طابع فوضوي من دون هدف اجتماعي أو فكري أو اقتصادي وان كان الإعلام المستخدم من قبل محركيها لغرض تغيير نظام حكم أو تجديد علاقات اجتماعية وإدارية وغيرها. وباطنيا خلط الأوراق على من هم في سدة الحكم من الملوك والأمراء والمشايخ أو الأنظمة الجمهورية الحديثة التكوين والقديمة منها. وان غالبية حكامها هم ممن يعتبرون من السائرين في فلك الدول الغربية بصورة عامة وحسب مصالحها كزعامات مترسبة تاريخيا سواء كانت قبلية اجتماعية أو مذهبية دينية ولازال الكثير منها تحكم شعوبها بأسماء تاريخية قبلية. كآل سعود و آل هاشم وآل صباح وآل الثاني في دول عربية وخاصة خليجية. ونعلم إن هذه المنظمات المتطرفة والتي لازالت تغذيها مباشرة ماديا ومعنويا ومنها: القاعدة – جند الحق – جبهة النصره – وأخيرا (داعش) وقد أصبح خطرها يهدد حتى الحكومات العربية نفسها التي تبنت تأسيسها وتمويلها ماديا والى هذا اليوم وبتوجيه من جهات خاصة خارجية.

      ثم وصلت الحالة من الحرب الأهلية في كل من سوريا ومنذ ثلاثة أعوام. وامتد سعيرها إلى العراق وبشكل أشرس. وما حصل في غالبية الدول العربية مما يسمى بالربيع العربي وشمل تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين _ وهذا ليس ألا تحريك تلك الخلايا النائمة والنامية في أرضية مجتمعاتها وتوجيهها في الظرف المناسب سواء نجحت بهذه النسبة أو بتلك، أو فشلت فان استمراريتها يعتبر انتصارا لمحركيها من حكام الدول ذات الشأن داخليا ودول الغرب + أمريكا خارجيا. والغرض منه استمرار بقاء تلك القيادات بإطارها القبلي والديني والمذهبي والقومي، في خدمة للنظام الرأسمالي العالمي والى أمد غير معلوم.

      إما الأقليات الدينية والقومية والاثنية المتواجدة في هذه الدول وفي مقدمتها العراق وسوريا خاصة. فإنها مستهدفة من كلا الجانبين الحكام في الداخل وحلفائهم الغربيين في الخارج وأسبابها. أولا لكون هذه الأقليات أصبح وجودها اقل نفعا وغير مجدي للدول الكبرى والغربية منها خاصة. وعبئا ثقيلا داخليا على أنظمة الحكم التي فيها ولأسباب خاصة معلومة. وإنها أصبحت أيضا مهمشة من قبل مرجعياتها الدينية والاجتماعية لان الكثير منها وخاصة من تولى تنظيمها ضمن أحزاب ومنظمات سياسية واجتماعية وثقافية كانوا بغفلة من التاريخ. إن تصارعهم فيما بينهم على مسميات أثنية أو مذهبية جعلهم في اضعف واقع إمام نفوذ الأكثرية القومية والدينية. رغم ما لعب بعض الحكام وأصحاب النفوذ من دور باستمالة إفراد أو نخب ذات تأثير كبير على بقاء وحدتها (كطائفة) سواء كانت قومية او دينية. غير متماسكة. وتراجع مرجعياتها الدينية في تولي مسؤولية قيادتها لان المجتمع بحد ذاته أصبح غير واثق من مصداقيتها أيضا لوقوعها هي الأخرى تحت تأثير الصراع المذهبي وخاصة المسيحيين مذهبيا (كنيسة شرقية بشقيها والغربية بإعلامها الخاص. وأثنيا – (كلداني – أشوري – سرياني). وهذا هو القذى الذي قصم ظهر البعير منذ عقود لا بل قرون لهذه المجموعة. 

      عدى الأقليات الأخرى من الإخوان اليزيدية والشبك والتركمان وغيرهم. ولا يقل واقعهم عما جاء أعلاه من التشتت لهم والتشظي داخليا. وخارجيا في دول المهجر وأصبح كالنزيف الدموي لا يمكن إيقافه.

      وان ظهور حركة (داعش) المتطرفة بأسرع من سرعة البرق في شمال العراق في محافظات الحكومة الاتحادية قرب حدود إقليم كردستان، وانهيار جميع فصائل المجتمع المتواجدة على هذه البقعة الجغرافية العريضة، وسقوط مدينة الموصل والكثير من القصبات والقرى الكبيرة بعدة ساعات.

 والأسلوب الإرهابي الذي مارسته مع جميع الأقليات الدينية والقومية في المدينة وإطرافها. وتحديد لهم ثلاثة أيام إما الدخول في الإسلام أو دفع الجزية، وإلا يعمل السيف بقطع الرؤوس وسبي النساء. وهذا ما حصل فعلا في قضائي سنجار ذات الأغلبية اليزيدية، وتلعفر ذات الأغلبية المسلمة التركمانية – مذهب شيعي – وهجر عشرات الآلاف منهم لقراهم في سهل نينوى من المسيحيين واليزيدين إلى إقليم كردستان وبشكل عشوائي وبدون هدف. طلبا للنجاة بحياتهم فقط.

      وأصبحت جميع الأطراف السياسية ذات النفوذ الاجتماعي في هذه المنطقة – عراق – سوريا تشعر بخطرها المباشر وتهديد مصيرها المجهول، والى جانب ما تناقلته وسائل الإعلام الفضائية من الإخبار بضرب مصالح الدول الغربية مباشرة. أو بسقوط الأنظمة الموالية لها وداعمة لمنظمة داعش الإرهابية أيضا.

      وهرعت أمريكا مباشرة وبشكل اضطراري لتحريك جميع دول المنطقة بصورة خاصة. وتولت مهام ضربها عسكريا وبدون توقف. مما اضطر المحفل الدولي من له مصلحة مباشرة بذلك من قريب أو بعيد إن يهرع للمساهمة عسكريا ولوجستيا وفي مقدمتهم دول الخليج الراعي القديم ومغذي هذا التيار الإرهابي وغيره سابقا.

كما أصبح الجميع إمام أمر الواقع وإلا فان خطر التطرف الديني لهذه الزمر قد يمتد الى جميع الأطراف إقليميا وقاريا ودوليا. وان مصير الأقليات التي استهدفت مباشرة في العراق من المسيحيين واليزيدية والشبك (الشيعة) لا يمكن التكهن به ولا تحديد كم نسبة منهم سيعودون (إن قضي على هذا التيار كليا). إلى مدنهم وقصياتهم وقراهم، لأنهم أصبحوا شتات متشظية وكخراف في البيد لاراعي  لهم ولا من يمكن الاعتماد عليه بنجدتهم في محنتهم هذه.

وهذا فصل من فصول مآسي الصراع الفكري والقومي والديني للمجتمع الإنساني ونحن في العقد الأول من الألفية الثالثة وأخيرا لابد إن نسأل:

من سيدفع الجزية كثمن للحياة؟

                                                              24/9/2014

33- أمريكا : - وسياسة خلط الاوراق اقليمياً و دولياً

قبل عدة عقود من السنين، شعرت الولايات المتحدة الامريكية، أن هناك قوى اقتصادية وعسكرية متنامية بوتيرة عالية في اكثر من موقع جغرافي في آسيا، ومنها حصرا كل من الصين الشعبية والهند بصورة خاصة، ودخولهما مرحلة غزو الفضاء، وثم جمهورية ايران الاسلامية عدا نفوذها المذهبي في المنطقة.

وفي امريكا الجنوبية كل من الدولتين، الارجنتين والبرازيل في مجال الصناعات الخدمية وغيرها.

أما في اوربا. فكان ظهور روسيا كقطب اقتصادي وسياسي وعسكري وفضائي بديلاً عن الاتحاد السوفياتي السابق، ومؤثراً نسبياً في الساحة الدولية، واصبح لها حساب لدى الغرب عامة وامريكا خاصة.

وان جميع هذه الدول الخمس المذكورة اعلاه، خارج الاحلاف العسكرية التي لها دور فعال نسبيا في الساحة الدولية، ومنها حلف (ناتو) وبقيادة الولايات المتحدة الامريكية ايضاً. ولابد لهذه الدول الخمس أن يكون لها تأثير مباشر على النفوذ الاقتصادي وثم العسكري والسياسي في الكثير من الدول، وتزاحم النفوذ الغربي بهذه الدرجة او بتلك.

وكان قد طغى على القطب الواحد (ممثلاً بالولايات المتحدة الامريكية) خلال العقود المذكورة، الكثير من الغرور والغطرسة، وخاصة بعد نجاحها في اسقاط النظام الطالباني الديني المتشدد في افغانستان عام 2001. والنظام القومي العروبي المتطرف في العراق عام 2003. وثم نظام معمر القذافي في ليبيا عام 2012. وجميع هؤلاء الحكام من صنعها مع الكثير من الحركات الدينية الاسلامية السلفية المتشددة، والتي ظهرت في دول الشرق الاوسط العربي الآسيوي والافريقي، وفي مقدمتها الدول الخليجية، واحتضان قياداتها من قبل عدة دول اوربية، ومنها بريطانيا- فرنسا – المانيا. الى جانب الحاضن الرئيسي – امريكا – ومساهمة الدعم المالي والبشري والعسكري لهذه المنظمات، كل من السعودية و قطر والبحرين والكويت وتركيا وغيرها.

كل هذه الظواهر التي ازعجت الدول الغربية بصورة عامة وامريكا بصورة خاصة، واستفحل خطرها على شعوبها من الناحية الامنية والثقافية والاجتماعية.

ونؤكد الى جانب ذلك الخطر الداخلي عليها والذي اربكت الاستراتيجية الاقتصادية والعسكرية لها.

فبدأت الدول الغربية المذكروة وبقيادة امريكا. بخلق بؤر ومناطق مضطربة أمنياً، بتحريك الشرائح السياسية الدينية والقومية والطائفية النائمة، ودعمها مادياً وعسكرياً ولوجستياً.

بدءاً لما سمي بالربيع العربي لغالبية الدول لشمال أفريقيا ومنها تونس- ليبيا- مصر، وفي آسيا – اليمن – البحرين. وثم التركيز المباشر على سوريا بأشعالها الحرب الاهلية فيها ومنذ ثلاث سنوات، وعجزها من اسقاط نظام بشار أسد فيها. وثم تحفيزمباشر وبشكل مدروس لهيب التطرف الديني والقومي وباطار (مذهبي) مستقطب في العراق بين السنة والشيعة من جهة، وبين العرب والاكراد وبشكل شبه ظاهر من الجهة الثانية. ولازالت الحروب الاهلية مستمرة في غالبية الدول العربية المذكورة بدون استثناء. مع بعض الاطفاء في مصر بسبب نجاح الثورة الشعبية (النهضوية) واسقطت حكم الاخوان المسلمين الذي دام سنة واحدة وذلك عام2013.

لم تستكن الولايات المتحدة بهذا المستوى من خلط الاوراق الاقليمي في الشرق الاوسط.

فكانت قد حركت القوى اليمينية المتطرفة سابقاً في بعض دول اوربا الشرقية ومنها يوغسلافية. والكل يعلم بما حل بها وتمزيقها الى عدة دويلات مستنسخة غير فاعلة. وثم تحركها في اوكرانيا الأقرب الى روسيا كاستفزاز لها ومحاولة ضمها الى الحلف العسكري الغربي – ناتو – وما تشهده داخلياً بشكل حرب استنزاف في بعض أقاليمها الشرقية التي تطالب بالانفصال عنها.كما لم تغفل أمريكا تحرشها بدولة الصين الشعبية بتحريك حليفتها اليابان بحرياً ومطالبتها ببعض الجزر الواقعة في بحر الصين الشرقي وفشلت بذلك.

ثم تحريك عملائها داخل الصين كالتيار السلفي المسلم المتشدد في الاقليم الغربي منها. والاضطراب الأمني الداخلي ايضاً مؤخرا في اقليم هون كونك، وقد تفشل فيه ايضاً كما هو متوقع.

وهكذا، فأن المتابع السياسي لما آل اليه الوضع في سوريا مؤخراً من تنامي القدرات العسكرية لعدة فصائل سلفية متشددة ومنها القاعدة – جبهة النصرة. واخيراً لما يسمى (داعش) وامتداد أوج حريقه الى العراق واحتلال مساحات كبيرة من المحافظات الشمالية – خارج أقليم كوردستان – ومنها نينوى – الانبار – صلاح الدين – ديالى -. واقتراب اللهب الى حدود العاصمة بغداد. عدا لما لهذا التيار بعض النفوذ في محافظة بابل جنوب العاصمة وغيرها. حتى وصل الأمر في الاشهر الاخيرة الانهيار التام لجميع فصائل القوات المسلحة العراقية وفشلها في صد هذه الحركة التي احتلت الكثير من المدن الرئيسية – الموصل- وتلعفر، وهيت وفلوجة والرمادي وتكريت وغيرها.

الى جانب استفحال الارهاب اليومي في جميع المحافظات تقريباً.

بمعنى أن امريكا فعلاً نجحت في خلط الاوراق في الكثير من مناطق العالم الساخنة. واصبحت الباكية على شعوبها والداعية الى سرعة محاربة هذه التيارات المتطرفة. وفي مقدمتها – داعش – واستنفرت المحفل الدولي وهيئة الامم المتحدة للمساهمة المباشرة عسكرياً جواً وبراً. بغية جني الحاصل من سياستها العدوانية وابقائها القطب الواحد المتلاعب في مسيرة الشعوب المغلوبة والضعيفة. وجعل هذه المناطق في مخاض دائم.

وخير دليل على ذلك ما حل بالشعبين السوري والعراقي من هجرة الملايين من ابنائها الى الكثير من دول الجيران – تركيا – اردن – لبنان – ثم عبر البحار وبصورة غير شرعية الى دول غربية –اوربا– أمريكا – استراليا – وغيرها.

وفي مقدمتهم بالنسبة للاقليات الدينية خاصة من المسيحيين واليزيدية والتركمان من سهل نينوى. وهجروا قراهم بنسبة 95% واكثر وبدون هدف، لا بل الى مصير مجهول لان عصابات – داعش – اكتسحت قراهم بصورة مفاجئة وبدون اية حماية من القوات الحكومية المركزية تذكر وبعد سقوط مدينة الموصل مباشرة في 10/6/2014.

13/10/2014

34- واقع المسيحية في المنطقة وعوامل التشظي والاندثار

 بدأً لابد ان نقول:-

اذا كان المجتمع الانساني منذ عمق التاريخ قد احتاج الى تنظيم حياته اليومية ضمن المستوى الفكري البدائي حصراً. و ثم ضاق به الزمن في رؤيته البسيطة لما حوله من الظواهر الطبيعية وتقلبات المناخ, وعاش تحت عواملها المؤثرة عليه مباشرة فتره طويلة قد امتدت الى ألاف السنين,حتى اضطر الى التفكير تحت تأثيرات بايولوجية, في كيفية فهمها او ارضاءه لهذه الظواهر البعيدة من وعيه وادراكه كليا عليه. ومقررة لمصيره مما اضطر الى ابداع نوع من الحركات الجسدية ومقاطع صوتيه يعبر فيها خشوعة وطاعته لها. وحسب اعتقاده ان يرضيها ويعيش بأمان اكثر, ولا يمكن مقاومتها او تحديها.

وهكذا بدأ الانسان ومنذ القدم يعيش هاجس افكار معينه وسلوك خاص. فبدأبعبادة تلك الظواهر الطبيعية ومنها الزلازل والبراكين والفيضانات والقمر ليلا والشمس نهارا وغيرها.

ثم انتقاله الى عبادة الاسلاف,بعد ظهور ضمن المجتمع افراداً ذات مواصفات وسلوك مميز عن عامة الناس. واعتبارها القادرة على تنظيم الحياة اليومية الفكرية ثم الاجتماعية والاقتصادية وبدء استثمار الارض. وكهمزة وصل بينها كافراد والمجتمع من جانب، وبين القوى الغير المرئية والمتحكمة بأمور الأحياء ومنها الانسان.

وكان ذلك حصيلة فهمه وادراكه لمعظم تلك الظواهر الطبيعية كعوامل حتمية في كل زمان ومكان.

وهكذا مرت البشرية عبر قرون وقرون, وتعددت العبادات غير الطبيعية والاسلاف الى اناستقر فكرياً الى عبادة (الله) خالق الكون وصانع الحياة وعبر عدة معتقدات دينية ومنها السماوية,التي لازالت حية في اصقاع الكرة الارضيه, الى جانب ديانات وعقائد ذات طبيعة باطنية واخرى تحليلية ولها ايضاً تأثيرها على الكثير من المجتمعات القائمة في كل من اسيا وافريقيا وامريكا الجنوبية وبعض جزر الاوقيانوس القريبة من استراليا وغيرها.

وان جميع هذه الديانات جاءت عبر محاور لافراد ذات قدسية خاصة وبمنزلة الانبياء.

      ولكن لم يكتف المجتمع الانساني بهذا القدر من الاعتقاد ورسوخ العقيدة الدينية،فظهرت الاجتهادات وثم المذاهب ولها اتباعها وبيئتها الجغرافية والمدافعين عنها بهذا الشكل او ذلك.

أي بدء تأثير التغيير في نمط حياة الانسان الفكرية وثم الاجتماعية وفق ما تقتضيه عوامل التغير او التحول وصار لها كياناتها المتصارعة فيما بينها ولازال المجتمع الانساني وحتى المتحضر يعيش هذا الواقع من النزاعات والصراعات العقائدية. ويمكن القول، ان غالبية الحروب التي أدت الى زوال مجتمعات لأعراق بشرية ولحضارات عديدة. كان سببها الاختلافات العقائدية في المقدمة، علاوة على اطماع الكثير من الاباطرة والاسر الحاكمة في الكثير من الحضارات القديمة ومنها، وادي الرافدين- وادي النيل – وادي السند – النهر الاصفر في العالم القديم – حضارة مايا وانكا في امريكا الوسطى والجنوبية (العالم الجديد) وغيرها.

كانت اطماعها لغرض مد سلطانهم الى غيرهم من الشعوب الضعيفة واحتلال اراضيها وسبي نسائها واموالها.

بمعنى ان عامل التغيير في البنية التحتية للمجتمع الانساني، والانتقال من حالة فكرية واجتماعية واقتصادية. كان سلبياً عليها ضمنياً، وايجابياً لأسر الحاكمة كشريحة وحيدة مستفيدة من الحروب والنزاعات الاقليمية والقارية والى هذا اليوم.

فلازال المجتمع الانساني يرزح تحت هذا التناقض المستمر – كقانون للحياة – ويعيش في وسط محيط هائج تظل امواجه تتلاطم مع بعضها وثم تضرب سواحل اليابسة وتجتاحها وتخلف عليها التغير في طوبوغرافيتها وتضاريسها، وكتشبيه بالبشر بالمثل بهذا الشكل وبالآخر ولا ارادياً اي بمعنى وفق قوانين خاصة.

وان علماء الاجتماع والتاريخ خير مصدر للاعتراف بذلك. ويبقى سبب التغيير بواقع الانسان قائماً مدى الحياة على هذا الكون كظاهرة طبيعية وعلمية لا توقف لها. وهي من خصائص المادية التاريخية.

واننا لم نستعرض الماضي التاريخي البعيد والقريب لمراحل تطور الفكر الديني الانساني كدراسة مهمة بهذا الشكل البسيط. بل كمقدمة لتبيان ما حصل ويحصل في جميع المجتمعات البشرية من الصراع العقائدي والتطرف الديني وما أدى ويؤدي الى كوارث بشعة على الكل. وان التاريخ خير شاهد على ذلك.

فلم يكن سقوط (اورشليم – القدس) بيد الاسلام ابان الحروب التي امتدت الى عقود من السنين في اوائل القرن الثاني من الالفية الثانية. كما لحقها سقوط روما في اواسط القرب الخامس عشر وقبلها سقوط بيزنطا في القرن الثالث عشر على يد الخلافة العثمانية وتسميتها بـ (استنبول – او اسبتانا) و بغداد على يد هولاكو في عام 656هـ. وغيرها.

وان ما يشهده الشرق الاوسط بالذات والعالم ثانية من التغييرات الديمغرافية والسياسية والادارية عدا التداعيات الخاصة من جراء التطرف الديني والمذهبي والاثني والقومي. ومنه ما يخصنا في العراق اليوم. وما اصاب الاقليات الدينية بصورة خاصة من الهجرة القسرية والابادة الجماعية على يد المنظمة الدينية المتطرفة (داعش) لجميع قرى سهل نينوى وثم مدينة الموصل، وللمسيحيين واليزيدية وغيرهم. قد تكون بادرة مبيتة مسبقاً لإنهاء وجود هذه الاقليات واندثارها كلياً من المنطقة.

وان هذا التطرف الحالي ليس وليد اليوم. ولا جاء عفوياً من الداخل فهناك اكثر من اتهام للدول الغربية وفي مقدمتها امريكا بأن المحرك الرئيسي لهذا التطرف الديني والمذهبي ظاهرياً. ووفق ستراتيجية خاصة موثقة منذ عقود. لان عوامل التغيير السلبي في المجتمع العراقي خاصة. موروثة من قبل البنية التحتية له وتحت خيمة المذهبية المعلنة.

وما شمل ويشمل من الاثار المدمرة على الاقلية المسيحية في المنطقة.

ليس فقط هذه المظاهر المتطرفة لمنظمات دينية متعددة بل هناك عوامل داخلية متفاعلة سلبياً في المجتمع المسيحي ومنذ زمن بعيد ساعدت التطرف الحالي على الاستقطاب وسرعة التفاعل السلبي بمعنوية هذه الاقلية بالذات ومنها

وقبل ان ندخل في سرد تفاصيل هذه العوامل التاريخية والتي ادت وساهمت بصورة تفوق الخيال. بتمزيق وحدة وكيان النسيج الاجتماعي والديني للاقلية المسيحية.

فلابد ان نقول ان المكاشفة النزيهة للعوامل التاريخية التي قوضت وشتت هذه الاقلية، وبقلم نزيه متجرد من أية حسابات وتأثيرات لا ادبية و لا اخلاقية. هو الدافع الوحيد لما آل اليه الوضع الراهن للمسيحيين في العراق وباقي دول المجاورة. والتي لا تختلف اسبابها عن ما جاء اعلاه.

      وتأكيداً على بدء اندثار الديانة المسيحية بالذات في العراق وثم في الدول العربية الاخرى المذكورة اعلاه. جاء تشخيصاً لما يلي :-

1-   نقل مقر رئاسة الكنيسة الشرقية (النسطورية) لباطريركيتها من العراق وهي الاقدم تاريخياً فيه. الى امريكا – شيكاغو – وقبل عقود من السنين ودون سابق انذار ومبرر. ولم توجه أية دعوة منها لانصارها بالهجرة الى دولة واحدة. مما ادى الى تشتتهم في القارات الثلاث وبنسب متفاوتة وهي امريكا – استراليا – اوربا – والشريحة الباقية في العراق لا تتعدى عدة آلاف نسمة اكثرها في محافظتي نينوى ودهوك تعيش في قرى صغيرة غير مطمئنة امنياً لمصيرها ومستقبلها. وهناك اعلام مشجع للهجرة لها الى فرنسا مبدئياً.

2-  تصريحات قادة الكنيسة الكاثوليكية الغربية كلدان وثم سريان وبشكل مكشوف. بان مصير الديانة المسيحية في العراق سيكون كمصيرها في السعودية(الجزيرة العربية) وتركيا. وجاء ذلك نصاً على لسان رئيس ابرشية كركوك المطران يوسف توما وعقب سقوط مدينة الموصل على يد منظمة داعش. بعدة ايام. ولحق ذلك مؤخراً تصريح نيافة باطريرك الكلدان لويس ساكو. بانه لا مانع من هجرة أي مسيحي من العراق وبدون اي تحديد لجهة هجرتة. وقد يكون نيافة البطريرك لويس مرغماً بهذا التصريح نتيجة الضغط الحاصل من الواقع المؤلم لرعيته عليه، ولعدم مبادرة اية جهة رسمية حكومية محلية او دولية تحمل حماية انصار هذه الديانة بكافة مذاهبها.

3-  مغادرة غالبية رجال الدين المسيحي لكنائسهم وقراهم بعد سقوط مدينة نينوى 10/6/2014قبل رعاياهم وخاصة القرى الاكثر كثافة في سهل نينوى ومنها قرقوش (بخديدا)،كرمليس، برطلة، تلكيف، باطنايا، باقوفا، تللسقف، القوش. عدى شرفية وعين بقرى وغيرها من القرى الصغيرة هي الاخرى. ولم يرجع (رجال الدين) اليها الا بعد عدة اسابيع. مما أدى الى هبوط معنوي شديد لدى عامة الناس. باعتبارهم (رعاة) لهم. ولسنا بحاجة الى تسمية هؤلاء رجال الدين سواءً كانوا بمستوى رئيس ابرشية او كاهناً كي لا نتهم بالتشهير بهم وهذا معلوم للجميع. ولقلة من القرى التي عادت الحياة اليها...

واخيراً لا بد ان نعود ونوثق بعض الاسباب التاريخية التي كانت ذات تأثير مباشر وقاتل لتشتت وتشظي الطائفة المسيحية في العراق خاصة وباقي دول العربية المذكوره ومنها:-

 1-  الصراع المذهبي بين الكنيستين الشرقية النسطورية والغربية الكاثوليكية الكلدانية حصراً. عدا الانقسام الحاصل في طائفة السريان الى كنيستين ايضاً كاثوليكية وارثذوكسية وانشغالهم بذلك والى اليوم. مما أدى الى خلق صراع ونزاع داخل المجتمع المسيحي، تارة شبه مكشوف واخرى مبطن. وانعكاساتة على اهمية علاقة الفرد بوطنه ضمن ديانته، وتعصب مسؤولي تلك الكنائس بمواقفها الفكرية اللاهوتية (اي الفلسفية) والبنية التحتية العريضة للمجتمع المسيحي مهمشة كلياً.

2-  ضمور مكانة الفرد الواعي في المجتمع بعيداً عن علاقتهبالأرض كوطن تاريخي يضمن بقاء المجتمع فيه ومدافع عنه. وسبب ذلك ميل رجال الدين الى التعاطف مع المجتمع الغربي (الاوربي + الامريكي) كمجتمع مسيحي مدافع عن المسيحيين في العراق قبل الدولة التي هو من صلب مجتمعها وملزمة بالدفاع عنهم دستورياً. وهذه الظاهرة العاطفية كانت موجودة لدى مسيحي العراق ابان الحكم الفارسي للمنطقة وفي عهد بعض ملوكها المعادين للمسيحية. مما ادى الى ضعف مفهوم المواطنة كسبب رئيسي ومباشر. وثم امام انزواء واعتكاف الجميع تحت خيمة المذهبية دون الاهتمام بجوهر رسالة السيد المسيح الانسانية.

3-  تشبث بل استماتة قيادة جميع هذه المذاهب المذكورة بالسلطة الدنيوية عبر السلطة الدينية والعصمة لهم حسب اعتقادهم، وتكوين حاشية خاصة تحيط بهم وتسهل الامر لهم في جميع الحالات.

4-  إنزواء النخبة الثقافية الدينية غير المتعصبة والثقافية العلمانية بصورة عامة امام الفئة او الشريحة المترسبة والمتلونة وباسم (الوجهاء)والحاضنة للعقلية الاجتماعية ذات المسحة القبلية المبطنة، وبمؤازرة المرجعيات الدينية قاطبة ومحاصرتها للنخب المذكورة وتهميشها وعدم تمكنها من التفاعل مع القاعدة الاجتماعية العريقة و محاربتها.

5- تمكن المرجعيات الدينية وبقايا نفوذ الاجتماعي القبلي من تقديس ما سمي الارث المتوارث عبر الاجيال كسلاح بتار بيدهم. مما ادى الى بقاء غالبية فصائل المجتمع في ركود اجتماعي وفكري كشبه قاتل ولازال ايضاً مع فارق العصر.

6-  دور المخابرات الغربية وفي مقدمتها الامريكية خلال القرن الماضي خاصة والى اليوم. بخلق تنظيمات سياسية او ما يسمى بالمجتمع المدني ومنها ظاهرياً اما طائفية او دينية مذهبية او قومية أثنية لبقايا شرائح اجتماعية لحضارة ما بين النهرين – كلداني – اشوري – سرياني وغيرهم. مما ادى الى تعميق الانفصال والانقسام المجتمع الى اجزاء متقوقعة، وعجز اية فئة ثقافية خارجها للم الشمل والتقارب بينها ككتلة واحدة تعمل في خدمة الجميع ولأي منظمة كان الانتماء – سياسي – ثقافي – فني وغيرها. مما ادى الى فشل غالبية تلك المنظمات وانقسامها على بعضها وتلاشيها.

7-  إفتقار غالبية القيادات للمنظمات المذكورة الى ميزة العصر وأهمية وحدتها سياسياً واجتماعياً بعيدة عن مجاملة كل منها لمرجعية هذا المذهب او ذلك. وعلى حساب الخصوصية التاريخية الشبه متوارية كلياً او جزئياً.

8-  استثمار القوميات الكبيرة لضعف وحدة المجتمع المسيحي تاريخياً وحاضراً ومنها حصراً – القومية العربية ذات النفوذ الاجتماعي والديني والسياسي الاوسع في جميع الدول العربية المعنية. وثم القومية الكردية ثانية. دون ان يكون لها الدور المباشر علناً الاستفادة من الوضع المتشتت للمسيحيين وخاصة في العراق وسوريا. لاسباب لكونها هي الاخرى من القوميات المضطهدة تاريخياً ايضاً. بسبب صراعها الدائم مع القومية العربية. ولا بد ان نشير ان النخبة المثقفة من المسيحيين، وذات الافكار السياسية اليسارية والقومية تعاطفت مع التيار السياسي القومي الكردي طيلة العقود الماضية وساهمت معه حتى بالكفاح المسلح ولعدة عقود وحتى سقوط النظام السابق في 9/4/2003.

9-  وصولاً لقناعة تامة لا جدال فيه. ان هذه الاقليات، المسيحية واليزيدية وغيرهما لشدة ضعفها بسبب اوضاعها الداخلية الخاصة، وتشتتها داخل الوطن عدى الاسباب القسرية الخارجية الاخرى التي ألمت بها طيلة قرون أصبحت كرعية بدون راعي.

وتوضيحاً لذلك، لم يعد للديانتين تجمعات سكانية كبيرة الا ضمن قرى عديدة وضمن جغرافية ضيقة ومنها سهل نينوى خاصة وقرى صغيرة ضمن اقليم كردستان.

ووفق مصلحة الدول الكبرى والغربية منها قاطبة لم يعد يمكن الاستفادة منها حاليا ومستقبلاً. قيام كيانات سياسية وادارية معترف بها دولياً واقليمياً. وحتى من قبل القوميتين الكبريتين العربية والكردية وفق استراتيجية غربية خاصة بذلك.

10- لا بد من الاعتراف بواقع الحال مهما كانت الأسباب فلا بد ان يؤدي الى بدء الشتتوالتشظي بالكيان الاجتماعي التاريخي. وظاهره ليس تخلف هذه الكيانات عن الركب الحضاري فقط. بل الاندثار له وفقدان مقومات وجوده الانساني والجغرافي. وان التاريخ لا يمكن ان يعيد نفسه مهما كان السبب وليس الاعتراف بهذا الواقع اضعافاً لمعنوية المجتمع المسيحي ومكانة الفرد فيه. لان الانهيار قد اصاب البنية التحتية للمجتمع المسيحي منذ عقود. ولا بد ان هناك (ونكررها ثانية) مخطط دولي كبير ذات مصلحة بذلك حالياً ومستقبلاً. وليست وثيقة او لائحة حقوق الانسان الا استهلاكاً اعلامياً في الساحة الدولية تجاه جميع الاقليات الدينية والقومية والاثنية في اجزاء المعمورة.

كما ليست تلك اللائحة الا لوحة رملية بدون اطار، وحبر على ورق النشاف.

 والمكاشفة صعبة واقرارها اصعب وأمر لذي العلاقة والكل يعلم بذلك ولا مفر منه.

18/11/2014

الخاتمة

      تشير معظم ما ورد في المقالات السياسية البالغة بحدود الواحد والثلاثين موضوعاً ترافقها بعض قصائد شعرية. كلها تفضح ما لحق من الاجحاف وهضم الحقوق الحياتية الشرعية لجميع الكيانات الاجتماعية والسياسية للشعب العراقي من جراء الإرهاب اليومي المنظم وبدون رادع قانوني واخلاقي.

      الى جانب ما أصاب من الظلم والعدوان المباشر والاستهداف الشخصي للاقليات الدينية والقومية نتيجة التأمر الداخلي والدولي عليها، وفرض تهجيرها وسلب أموالها ومحلاتها قسرا. وما لحق بها من التضحيات الجسام من الشهداء والذين سقطوا في موافع عملهم ورزقهم وسكناهم الأصلي وفي كل من العاصمة بغداد – الموصل - البصرة وغيرها بواسطة العبوات الناسفة – رافقها الاغتيالات الفردية لكثير من الكوادر العلمية والتربوية والسياسية والدينية.

وشمل بالدرجة الأولى كل من الاقليتين المسيحية واليزيدية وثم باقي الأقليات.

      مما أدى الى استفحال الامر الى حرب أهلية في معظم المحافظات الشمالية غير الكردستانية.... وبحكم التناحر بين كياناته الاجتماعية فان الوطن قد تعرض الى تمزيق وحدته الجغرافية الى كيانات على أسس مذهبية لابد منها ويبقى امل كل الشعب العراقي المقهور بالخلاص من المأزق وقيام جمهورية ديمقراطية فدرالية تعددية وحكومة تقدمية تمثل كافة مكونات المجتمع العراقي بلا استثناء.عدا ما أصاب الكثير من شعوب الدول العربية وغيرها من الفوضى والاضطراب الأمني ونزاعات إقليمية ودولية، كان لامريكا وحلفائها الغربيون الدولا المباشر في حبكها كاستراتيجية انية ولمدة زمنية غير محددة وحسب ما تميله مصالحها الخاصة. متضرعة بضرورة تحرير هذه الشعوب من بعض حكامها المستبدون ونشر الديمقراطية اللبرالية فيها نظريا وبشكل مشوه لا غير وعلى لوحة رملية تزول بأقل رجة لها. او بهبوب عاصفة بسيطة

 

25/10/2014

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.