اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ألمكتبة

الإسلام / الماركسية: علاقة الالتقاء والاختلاف// محمد الحنفي - 4

 

الأمر الأول : الاستبداد بالثروة دون سائر مستحقي تلك الثروة  كما يحصل في النظام الاستغلالي.

الأمر الثاني : التقاعس عن العمل الواجب حتى تتم الاستفادة من الدخل بشرط أن يكون العمل متناسبا مع المؤهلات التي يتمتع بها الإنسان.

و المضمون الاجتماعي لا يتحقق إلا بتعميم الخدمات الاجتماعية على جميع أفراد المجتمع كالتعليم و الصحة و السكن و التشغيل و كل الخدمات الأخرى لأنه بتلك الخدمات تتحقق إنسانية الإنسان على المديين القريب و البعيد، و بانعدامها يحال الإنسان على الحرمان الجزئي أو الكلي من تلك الخدمات، و هو ما يعتبر مسا بكرامة الإنسان و إهدارا لها.

أما المضمون الثقافي فيعني إتاحة الفرصة أمام المكونات الثقافية من اجل المساهمة في الإثراء الثقافي، و منع قمع أي مكون كيفما كان، ذلك أن القمع يتناقض مع الممارسة الديمقراطية.

وبخصوص المضمون المدني للديمقراطية فيتجسد في المساواة بين الناس بقطع النظر عن جنسهم أو لغتهم أو عرقهم أو لونهم أمام القانون كيفما كان مستواهم المادي أو الأدبي، و مهما كانت مسؤولياتهم الإدارية و السياسية.

و على المستوى السياسي فإن مضمون الديمقراطية يستهدف الحريات العامة، و حرية الانتماء الحزبي و النقابي، و المساهمة في إقرار دستور ديمقراطي، و وضع قوانين انتخابية سليمة، و اكتساب حق الترشيح و التصويت لكل الناس على أساس المساواة و حق تحمل المسؤولية السياسية أنى كان مستواها.

و نظرا لأن العلاقة القائمة بين الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و ما يصطلح على تسميته بالديمقراطية في ظل مجتمع استغلالي تنتفي فيه الحرية و العدالة إنما هو ممارسة تهدف إلى التضليل، و تلميع الأنظمة الاستغلالية الاستبدادية و إكسابها شرعية الاستمرار، و إيهام الناس بصلاحيته. و بذلك تصبح الديمقراطية محرفة عن الهدف من وجودها لتخدم أهدافا لا ديمقراطية في إطار اختيارات لا شعبية، و هو ما يجب التصدي له و تعريته على المستويات القريبة و المتوسطة و البعيدة من اجل إعادة الاعتبار إلى المفهوم الصحيح للديمقراطية الذي لا يتحقق إلا في إطار الربط الجدلي بين الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية التي لا تعني في عمقها إلا تحقيق المجتمع الاشتراكي في نهاية المطاف. و لكن برؤى جديدة، و تصور جديد يعكس حقيقة المنهج الماركسي العلمي، و يأخذ بعين الاعتبار مظاهر التحريف التي لحقت الاشتراكية و المجتمع الاشتراكي الذي لا يكون إلا عادلا و متحررا و ديمقراطيا، و ينبذ الممارسة الدوغمائية التي لا تعني إلا إيجاد مبرر لتكريس استبداد معين، و مصادرة الآراء الأخرى.

16) التعامل مع الواقع باعتباره كيانا متطورا في جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و على مستوى العلوم و الآداب و الفنون، لأن علمية العلم الماركسي تقتضي التعامل مع الأشياء على أنها متحولة باستمرار و هذا التحول يسير في اتجاه التطور :

أ- على المستوى الاقتصادي نجد أن العلم الماركسي أتبث أن المجتمعات البشرية مرت بمراحل اقتصادية رئيسية تتلخص في مراحل المشاعة، و العبودية، و الإقطاع و الرأسمالية ثم الاشتراكية مع اختلاف في المرور من نفس المراحل من منطقة إلى أخرى. نظرا لاختلاف الشروط الموضوعية التي تؤدي إلى إنضاج شروط بروز مراحل معينة أو عدم إنضاجها.

ب- على المستوى الاجتماعي نجد أن المجتمع يرتبط بشكل كبير بالمراحل الاقتصادية  المختلفة، فيتطور بتطور الاقتصاد و تتطور تبعا لذلك معارفه، و طرق عيش الناس، و كيفية التفكير و التعامل، مما ينعكس على تطور العادات و التقاليد و الأعراف و القوانين لينتقل الناس من مستوى اجتماعي إلى مستوى آخر مختلف عنه. فالمجتمع المشاعي ليس هو المجتمع العبودي، و ليس هو المجتمع الإقطاعي، و ليس هو المجتمع الرأسمالي، و ليس هو المجتمع الاشتراكي. لأن كل مجتمع يشكل نقلة نوعية عن المرحلة التي سبقته و سيستمر ذلك التطور إلى ما لا نهاية حتى في إطار النظام الواحد فإنه يستمر في التطور حتى يستنفذ مهامه، و يجنح إلى التفسخ لاعطاء نظام آخر.

ج- و على المستوى الثقافي نجد أن الثقافة أيضا تتطور تبعا لتطور أحوال الناس الاقتصادية و الاجتماعية. فالثقافة باعتبارها تعبيرا عن مختلف المقومات التي تحكم سلوك الناس و توجهه، لا يمكن أن تبقى ثابتة، بل تتطور تبعا لتطور المجتمع الذي يعرف تطورا في القيم التي تكون سائدة فيه.

د- و على المستوى المدني، فالنظرة إلى الإنسان تتغير من مرحلة إلى أخرى فهو في مرحلة المشاعة عاش المساواة الطبيعية، و في مرحلة العبودية يفقد جزء مهم المجتمع حريته، و في مرحلة الإقطاع يستعبد الإقطاعيون معظم البشر بواسطة الأرض التي يسيطرون عليها، و في مرحلة الرأسمالية يرغم العمال على بيع قوة عملهم إلى الرأسماليين الذين يملكون وسائل الإنتاج. أما في المرحلة الاشتراكية، فالناس أمام القانون سواء و لا وجود لأي تمييز على أساس جنسي أو عرقي أو لغوي أو ديني لأن أهم ما تقوم به الاشتراكية هو تذويب الفروق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و القومية و الجنسية و اللغوية و الدينية.

ه- و على المستوى السياسي نجد أن الممارسة السياسية في مرحلة المشاعة رهينة بإرادة الطبيعة و في العبودية تصير السلطة المطلقة بيد الأسياد الذين يفعلون ما يشاءون في العبيد دون حسيب أو رقيب  و في الإقطاع يكون الأمر بيد الإقطاعيين الذين يتحكمون في كل شيء. و في المرحلة الرأسمالية يكون النظام الرأسمالي ملمعا نفسه بما يسميه بالديمقراطية المنتجة للنظام البرلماني، أما المرحلة الاشتراكية الحقيقية – إذا تحققت- فالذي يسود هو الشعب الذي يستطيع –حينذاك- تقرير مصيره بنفسه.

و تبعا للتطور الذي يحصل في المجال السياسي نجد تطورا آخر يتعلق بالممارسة الأيديولوجية التي تختلف من مرحلة إلى أخرى، كما تختلف حسب تطور و اختلاف الطبقات الاجتماعية.

17) و من أهم ما أنجزه العلم الماركسي اكتشاف أن تاريخ البشرية هو تاريخ الصراع بين الطبقات، و ليس تاريخ الوقائع و الأحداث و السلالات و السلوك و الأنظمة التي حكمت.

و هذا الاكتشاف العلمي في مجال التاريخ يعيد الأمور إلى حقيقتها و يسعى إلى إعادة الاعتبار للطبقات الاجتماعية التي تنسب صراعاتها إلى الأفراد، و هو ما لم يكن واردا في التاريخ حسب المفهوم الماركسي. فالأفراد يمكن أن يلعبوا دورا تاريخيا معينا إلا أن ذلك الدور لا يتجاوز مجرد تجسيد دور الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها ذلك الفرد.

و بناء على هذا الاكتشاف العلمي الماركسي العظيم، فإن تاريخ البشرية ابتدأ بانقسام المجتمع إلى طبقتين رئيسيتين تسيطر فيه إحداهما على الطبقة الأخرى و تسخر الطبقات الوسطى لخدمة تلك السيطرة و دعمها.

و لذلك لا نجد حديثا وافيا عن مرحلة المشاعة، لأن هذه المرحلة لم تعرف صراعا بين البشر الذين كانوا يشكلون جزءا من الطبيعة و يصارعون ضمنها انطلاقا من حاجتهم إلى الغذاء و الكهوف و الأمن من الحيوانات المفترسة. و هي أمور وظف فيها البشر وسائل بدائية للحصول على حاجتهم، و الدفاع عن أنفسهم، و ضمان استمرار الجنس البشري. و هذه الوسائل تطورت مع مرور الوقت لتصبح وسيلة للسيطرة على مكونات الطبيعة بما فيها جزء مهم من البشر الذين يرغمون على خدمة من يملك وسائل التطور لينقسم المجتمع إلى طبقة الأسياد المالكين لوسائل السيطرة الطبقية، و العبيد الذين لا يملكون أي شيء من ذلك. و نظرا للاستغلال البشع الذي مورس على العبيد في هذه المرحلة فإنهم ينتفضون للخلاص من العبودية و يصارعون من اجل ذلك. و قد أدى صراع العبيد إلى انفراز مرحلة أخرى بعد اكتشاف الزراعة و أهمية الأرض و هذه المرحلة هي مرحلة الإقطاع التي يتحول فيها العبيد إلى اقنان (عبيد الأرض) يخدمون الأرض لصالح الإقطاعيين الذين يملكونها. و عملية استغلال الأرض كانت وراء أبحاث عدة اقتضت تطوير المعارف المختلفة المتعلقة بإنتاج البضائع المستعملة في استغلال الأرض، و هو ما يؤدي إلى حصول تطور في العلوم و الآداب و الثقافة، و هو ما أدى إلى اكتشاف الآلة البخارية التي شكلت ثورة في حياة البشرية لمساهمتها في تطوير وسائل إنتاج البضائع التي أفرزت أهمية العمل في المشاغل التي تحولت فيما بعد إلى معامل تجذب إليها عبيد الأرض الذين كانوا يصارعون من اجل التحرر من الارتباط بالأرض لتأتي بعد ذلك المرحلة الرأسمالية التي ينقسم فيها المجتمع إلى طبقتين رئيسيتين : طبقة البورجوازيين الذين يملكون وسائل إنتاج البضائع و الطبقة العاملة. و هذه المرحلة التي قامت على رفع شعارات الحرية و الديمقراطية، و حقوق الإنسان في بدايتها، ثم تحولت إلى مرحلة يعاني فيها العمال من همجية الاستغلال الذي يزداد همجية مع مرور الأيام. و بسبب قدرة الرأسمالية على الاستفادة من تطور العلوم و الآداب و الفنون و الثقافة و بسبب قصور الاشتراكيين عن تطوير الفكر الاشتراكي حتى يستطيع استيعاب التحولات المتسارعة في مختلف المجالات، و يوظفها لصالح الفكر الاشتراكي العلمي و النضال من اجل الاشتراكية.

18) اعتبار الواقع المادي أساسا لذلك الصراع، لأن الواقع المادي بتحوله و تطوره هو موضوع الصراع. فهو في مرحلة المشاعة مجرد ملاذ نلجأ إليه للحصول على حاجتنا الضرورية في الأكل و الشرب و المأوى و تلبية الرغبات... و في مرحلة العبودية يتحول إلى رغبة في السيطرة على بعض مكونات الطبيعة بعد اختراع وسائل معينة مكنت جزءا من الناس من اصطياد الحيوانات و تدجينها، و السيطرة على جزء من البشر كعبيد ليكون في خدمة الإنسان.

و في مرحلة الإقطاع تتحول الحاجة إلى الأرض و إلى من يعمل فيها لانتاج الخيرات لصالح الإقطاعيين . و ما يقتضيه ذلك من تطوير للوسائل المستعملة في مجال الزراعة . و هو ما ولد حاجة أخرى إلى صناعات معينة ترتبت عنها الرغبة في تطوير المعرفة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و هو ما انتج لنا ثورة علمية و تقنية انعكست على الإنتاج الصناعي الذي ظهرت أهميته و نجاعته، و هو ما انعكس على تطور الطبقات الاجتماعية لتحل مرحلة أخرى تتناسب مع الواقع الجديد هي المرحلة الرأسمالية التي تتصارع فيها طبقتان رئيسيتان هما : الطبقة البورجوازية و الطبقة العاملة. فالطبقة البورجوازية تحرص على التراكم الرأسمالي. و توظف في سبيل ذلك كل الإمكانيات، و الطبقة العاملة تحرص على التوزيع العادل للخيرات التي تنتجها.

و بذلك نجد أن الواقع المادي المتطور هو موضوع الصراع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي من اجل السيطرة عليه و السعي إلى مضاعفة الاستفادة منه لصالح الطبقة التي تملك أدوات السيطرة الطبقية القمعية و الأيديولوجية لتأبيد سيطرتها على جميع المستويات لاجل استدامة استفادتها.

29) تفنيد الأسس العرقية و الدينية و اللغوية للصراع، و اعتبارها مجرد تحريف للصراع الطبقي الحقيقي لأن الصراع القائم على هذه الأسس هو صراع غير حقيقي. و حتى تتجنب الماركسية صراعا من هذا النوع تعترف بتعدد الأعراق و اللغات و القوميات و الديانات. ذلك التعدد الذي يقوم على أسس موضوعية، و الذي يجب أن يتحول إلى  ممارسة أيديولوجية معبرة عن مصلحة طبقية مبطنة.

فالتفاعل بين الأعراق و اللغات و القوميات و الديانات يجب أن يحصل في مناخ ديمقراطي لا توجد فيه أية سيطرة لعرق أو لغة أو قومية أو دين على الباقي. و بالتالي فالصراع الواحد الشرعي هو الصراع الطبقي الذي يعرف عدة مستويات نستعرض منها :

أ- المستوى الاقتصادي الذي يقتضي الصراع من اجل تقليص الفوارق الطبقية و تمكين جميع أفراد المجتمع من الاستفادة من الدخل الوطني.

ب- المستوى الاجتماعي الذي يعرف صراعا من اجل التمتع بحق التعليم و التطبيب و السكن و الشغل بما يتناسب مع المواثيق الدولية  المتعلقة بحقوق الإنسان.

ج- المستوى الثقافي الذي يسمح بتفاعل الثقافات التي يجب أن تتاح لها الفرصة في التفاعل و الاستفادة من مختلف الأدوات الثقافية و من وسائل الإعلام المختلفة على أساس المساواة.

د- المستوى المدني حيث يتم الصراع في هذا الإطار من اجل تحقيق المساواة بين الناس أمام القانون مهما كانت الطبقة التي ينتمون إليها و مهما كانت مسؤولياتهم، و كيفما كان عرقهم أو لغتهم أو جنسيتهم أو دينهم أو قوميتهم. و بتحقيق تلك المساواة على المستوى القانوني و على مستوى الممارسة تتحقق دولة القانون.

ه- المستوى السياسي الذي يجري فيه الصراع من اجل اكتساب حق تقرير المصير على المستوى الدستوري  من اجل اكتساب حق التصويت و الترشيح، و وضع قوانين نزاهة الانتخابات الحرة و انتخاب مجالس محلية و جهوية و وطنية.

و هذه المستويات من الصراع التي أتينا على ذكرها تدخل في إطار ما يصطلح على تسميته بالنضال الحقوقي أو النضال الديمقراطي الذي يكتسي صفة الديمومة باعتباره صراعا يوميا و لحظيا و هادفا و لا يتم اللجوء إلى الصراع التناحري إلا في مرحلة معينة قد لا تدعو إليها الضرورة إذا تم احترام الممارسة الصحيحة في الصراع.

30) بيان أن الصراع ليس بين السماء و الأرض بقدر ما هو صراع بين البشر على الأرض. و من اجل فرض نمط معين من الإنتاج لأن ما كان سائدا قبل الماركسية هو اعتقاد الناس أن الصراع القائم يجري بين السماء و الأرض و بين الخير و الشر، و بين الإيمان و الإلحاد. و هذا النوع من الصراع هو مجرد تفسير يبثه المستغلون لتضليل الكادحين، و جعلهم يحملون معتقدات خاطئة حول الصراع. و لما ظهرت الماركسية و وظفت منهجها العلمي كشفت عن حقيقة الصراع، و بيان مدلوله و الوقوف على موضوعه.

و الماركسية عندما قامت بذلك إنما أنزلت الصراع من السماء إلى الأرض و جعلته قائما بين البشر باعتبارهم منقسمين إلى طبقات اجتماعية أصبحت تصنف في خانات اليمين و اليسار و الوسط. و هي بذلك تبعد العقائد المختلفة من الإقحام في الصراع، و تعتبرها قيما سامية تدخل في إطار المعتقدات الإنسانية التي يجب احترامها. إلا إذا تحولت إلى ممارسة إيديولوجية تظهر فيها تلك المعتقدات و كأنها متحيزة إلى المستغلين المالكين لوسائل الإنتاج المستفيدين من تراكم فائض القيمة ضد المستغلين الذين يشغلون تلك الوسائل بأجور قد لا ترتفع إلى مستوى تلبية الحاجيات الضرورية. و الماركسية بذلك تكشف عن مكونات عملية الإنتاج، و العلاقات القائمة فيها و درجة الاستغلال الممارس على المنتجين الحقيقيين و مدى معاناتهم و ما يجب عمله للتقليص من الاستغلال، و آفاق عمل القضاء النهائي على الاستغلال، و ما توصلت إليه الماركسية في هذا الإطار، و بمنهجها العلمي يوضح بشكل دقيق أن الصراع لا يمكن أبدا  أن يجري بين السماء و الأرض بقدر ما يجري على الأرض و بين البشر. و بذلك يتحول الصراع من صراع مثالي إلى صراع مادي صرف، محكوم بشروط مادية، و يسعى إلى تحقيق أهداف مادية.

31) بيان افتعال الصراعات العرقية و العقائدية و القومية و اللغوية خدمة للطبقات المستغلة. و هذا الافتعال ليس إلا تعبيرا عن الممارسة الإيديولوجية الهادفة إلى تضليل الشعب و تضليل طليعته الطبقة العاملة. فالطبقة التي تستغل مجموع الشعب الكادح تسعى باستمرار إلى صرفه عن التفكير في مصدر الاستغلال و جعله يعتقد :

أ- أن السيطرة  العرقية هي التي تقف وراء تجسيد الصراع بين الأعراق المختلفة التي يتكون منها الشعب فتصبح قبيلة ضد قبيلة مثلا ... و هكذا.

ب- أو أن تلك السيطرة تكون لدين على بقية الأديان أو لمذهب على بقية المذاهب في إطار الدين الواحد لتنتشر بذلك الطائفية و يشرع الناس في إذكاء الصراع فيما بينها.

ج- أو أنها تكون لقومية على باقي القوميات الأخرى فيمتد الصراع بين المنتمين إلى قومية معينة ضد قومية أخرى تسود.

د- أو أنها تكون للذين يتكلمون لغة معينة على باقي اللغات الأخرى، فتحتد الصراعات اللغوية بين متكلمي اللغات المختلفة.

و في جميع الأحوال فالصراع هنا غير طبيعي، و غير علمي و غير حقيقي، لأنه ليس صراعا طبقيا، و لأن المستغلين المالكين لوسائل الإنتاج ينتمون إلى مختلف الأعراق، و الأديان، و المذاهب، و القوميات، و اللغات. و لذلك يكون من الضرورة العلمية إتاحة الفرصة لمختلف المكونات من اجل البقاء في المجتمع بشكل طبيعي، و أن يتم تمكينها من وسائل التطوير و التطور على قاعدة احترام وحدة المجتمع و تجنب قيام تنظيمات جماهيرية على أساس عرقي، أو لغوي أو ديني أو قومي نظرا لما يترتب عن ذلك من روح النعرة الطائفية.

و في المقابل فالتنظيمات التي تقوم في المجتمع يجب أن تعبر عن الانتماء الأيديولوجي/الطبقي الذي يوجد في المجتمع ككل، سواء كان ذلك التنظيم مهنيا أو سياسيا. و أن يكون محدد الأهداف في حالة بناء تنظيم جماهيري واضح، و بذلك يحدث تنظيم الصراع بعيدا عن النعرة الطائفية التي تبقى عائقا أمام تطور المجتمعات و الشعوب.

32) بث الوعي العلمي الحقيقي في الفكر و في الممارسة، و الحرص على بث الوعي الحقيقي يعتبر جوهر الممارسة باعتبار ذلك الوعي وسيلة لمناهضة الوعي الزائف الذي يبثه المستغلون في المجتمع، و يعملون على تغلغله بين أفراد المجتمع. و الوعي العلمي لا يكون إلا طبقيا، لأنه يلعب دورا كبيرا في جعل الكادحين، و بالتحليل الملموس للواقع الملموس، يدركون خطورة ما يمارس عليهم من استغلال أيديولوجي و سياسي بالإضافة إلى الاستغلال المادي المترتب عن عدم  تمتع الكادحين بمجموعة من الحقوق الاقتصادية التي تسرق لصالح المستغلين.

فالعلم الماركسي لا يكون علما إلا إذا عمل على جعل العلم قائما في وجدان الناس و فكرهم و في ممارستهم. لأنه بالعلم و بالعلم وحده، يتحول المجتمع إلى حامل للوعي الطبقي الذي يؤهل حامليه إلى إدراك أسباب الاستغلال الممارس عليهم. و من يمارسه ؟ و ما الغاية من ممارسة ذلك الاستغلال ؟ و ما طبيعته ؟ و بالبحث المستمر عن الإجابة تتم ممارسة الصراع الفكري و الأيديولوجي و يتعمق الوعي العلمي.

و بذلك يتبين أن دور الماركسية هو دور شمولي لا يدخل في اعتباره الصراع ضد الأديان و القوميات، و الأعراق و اللغات، بقدر ما يسعى إلى إكساب ذلك الصراع بعده الطبقي من اجل جعل الطبقات التي يمارس عليها الاستغلال الاقتصادي و الأيديولوجي و السياسي تقاوم ذلك الاستغلال و تسعى إلى القضاء عليه.

و هكذا نقف على مظاهر دور الإسلام، و دور الماركسية لنصل إلى أن جوهر كل منهما هو حفظ كرامة الإنسان. لكن هل يبقى للإسلام ذلك الدور ؟ و هل يبقى للماركسية دورها ؟ إن ما يمكن أن نسجله هنا هو أن الإسلام استهدف بتحويله إلى أيديولوجية، و الماركسية استهدفت بتحويلها إلى عقيدة.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.