اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ألمكتبة

الإسلام / الماركسية: علاقة الالتقاء والاختلاف// محمد الحنفي - 6

 

أهداف الإسلام و أهداف الماركسية أو علاقة الالتقاء و الاختلاف :

و للحديث عن أهداف الإسلام و أهداف الماركسية يجب أن نستحضر منذ البداية أن الدين الإسلامي نشأ في ظروف موضوعية تختلف كليا و جزئيا عن الشروط الموضوعية التي نشأت فيها الماركسية. فالدين الإسلامي نشأ في الجزيرة العربية خلال القرن السابع الميلادي و في مجتمع قبلي متخلف، و في ظل سيادة عبادة الأوثان التي لا تتناسب مع عبادة الإنسان لها، و التي جاء الإسلام لنفي عبادتها، و إخلاص العبادة لله وحده بناءا على ما جاء في القرآن الكريم، و السنة الشريفة.

و المجتمع الذي نشأ فيه الدين الإسلامي هو مجتمع عبودي/قبلي/رعوي يعتمد الغنيمة التي تكلف الناس أرواحهم أثناء خوض حروب الكر و الفر كوسيلة اقتصادية للحصول على المتاع و الرقيق. كما يجب أن نستحضر الشروط الموضوعية التي ظهرت فيها الماركسية. فقد نشأت في أوربا و خلال القرن التاسع عشر، و كنتيجة لتفاقم أوضاع الطبقة العاملة بسبب شراسة ما تتعرض له من استغلال، و هذا يعني أنها ظهرت في مجتمع متطور بالقياس إلى ما كانت عليه الجزيرة العربية في القرن السابع. و قد ظهرت الماركسية على يد ماركس و انجلز، و الهدف من ظهورها هو محاربة الاستغلال البشع و الشرس الذي  تتعرض له الطبقة العاملة على يد كبار البورجوازيين الذين يملكون وسائل الإنتاج.

و بصفة عامة فالإسلام دين يهدف إلى إخلاص العبادة لله، أما الماركسية فليست دينا، إنها مذهب اقتصادي اجتماعي ثقافي سياسي يهدف إلى تغيير علاقات الإنتاج من علاقات إنتاج رأسمالية في بناء الدولة الرأسمالية، و الرأسمالية التابعة إلى علاقات إنتاج اشتراكية. ثم إن الدين الإسلامي هو دين جميع الناس سواء كانوا رأسماليين أو اشتراكيين، و سواء كانوا شرقيين أو غربيين أو شماليين أو جنوبيين، و يكفي لكي يصبح الإنسان مسلما أن يشهد أن لا اله إلا الله و أن محمدا رسول الله.

أما الماركسية فهي مذهب يحق لجميع الناس أن يقتنعوا به و يسعوا إلى تحقيق الاشتراكية بناء على ذلك الاقتناع الذي لا ينفي الاعتقاد بالدين الإسلامي و لا يحول دون اعتناقه.

الاقتناع بالماركسية معناه الاقتناع بالمنهج الاشتراكي العلمي الذي أبدعه منظرو الاشتراكية  ماركس و انجلز و توظيف ذلك المنهج في تحليل الواقع، و الوصول إلى ما يجب فعله لتغييره حتى يصبح في مصلحة الكادحين و طليعتهم الطبقة العاملة.

و انطلاقا من هذا التوضيح يمكن أن نسجل نقط الالتقاء و الاختلاف بين الإسلام و الماركسية مع إخضاع كل نقطة للمناقشة حتى نتبين التمايز الواضح بين الإسلام و الماركسية على مستوى الأهداف ؟

1) فالدين الإسلامي يسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي نذكر منها :

أ- إخلاص العبادة لله تعالى وحده دون سواه "قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفؤا أحد" لأنه لو لم يسع إلى ذلك ما عرف هذا الإقبال الواسع، و هذا الانتشار السريع كالنار في الهشيم بسبب كون الدعوة إلى توحيد عبادة الله تعالى قد تعد بداية للتحرر من عبادة الأوثان التي تقود إلى تقديس الأشخاص و تأليههم أو احتقارهم و استعبادهم. فتوحيد عبادة الله إذن هي بداية تحرر الإنسان من التبعية. إلا أن هذا التحرر اكتفى بالتحرر من عبادة الأوثان. و ما سوى ذلك يترك لتطور الإنسان على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. فكلما تطور المجتمع، إلا و نجد أن الإنسان يحصل على مستوى معين من الحرية إلى أن وصلنا إلى المرحلة التي يتحرر فيها الإنسان من التبعية لمالكي وسائل الإنتاج التي تصبح مملوكة للمجتمع بدل الأفراد و يصبح الإنتاج موزعا بين جميع أفراد المجتمع على أساس مبدأ " على كل حسب قدرته و لكل حسب حاجته" فتوحيد عبادة الله هي بداية انفلات الإنسان من عبودية الأسياد في بداية خلخلة المجتمع العبودي.

ب- احترام العقائد التوحيدية التي تجمعها بالدين الإسلامي عبادة الله تعالى مع الاختلاف في طريقة العبادة انطلاقا من "مبدأ التعدد في خدمة الوحدة". فاختلاف الرسل و طرق العبادة لا يلغي وحدانية العبادة، و احترام العقائد الأخرى يدخل في إطار انفتاح الإسلام على تلك العقائد و إقراره بحق الإنسان في اختيار العقيدة التي يؤمن بها أو البقاء بدون عقيدة. فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى " فمن شاء فليومن و من شاء فليكفر"و قوله تعالى " لا إكراه في الدين" و قوله تعالى "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم أن لا نعبد إلا الله" و قوله تعالى " قل يا أيها الكافرون لا اعبد ما تعبدون و لا انتم عابدون ما اعبد و لا أنا عابد ما عبدتم و لا انتم عابدون ما اعبد لكم دينكم و لي دين" و هي أقوال تؤكد كلها موقف الإسلام من حرية العقيدة التي يجب أن تكون سائدة في المجتمع البشري. و هو ما جاءت به المواثيق الدولية عندما يتعلق الأمر بحرية العقيدة و هي خلاف ما يجري في المجتمعات الإسلامية حيث يرغم غير المسلمين على اعتناق الإسلام ، أو يرغمون على اعتناق دين معين إذا كانوا لا يقتنعون به.

ج- تحقيق كرامة الإنسان انطلاقا مما جاء في الكتاب و السنة حيث تختصر كرامة الإنسان في تسخير ما يوجد في الطبيعة لخدمة الإنسان. و قد ورد في القرآن الكريم ما يفيد ذلك و منه قوله تعالى "و لقد كرمنا بني آدم" و قوله تعالى " و من الثمرات و النخيل و الأعناب تتخذون منه سكرا و رزقا حسنا" هذا بالإضافة إلى سوق مجموعة من الأحكام التي ترفع مكانة الإنسان على جميع الكائنات الأخرى التي ميزه عنها بالعقل  و بالكلام و بالقدرة على الاسترجاع و الاستفادة من التجارب السابقة. و من تجارب الآخرين لأجل صياغة تجربة جديدة و متطورة و نوعية " انا خلقناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم".

د- بث القيم الإنسانية بين البشر كقيم الخير و الشر، و قيم الجمال و الحب و كل ما يؤدي إلى قيام مجتمع للمسلمين خال من الأمراض التي تسيء إلى كرامة الإنسان. فأول آية نزلت على محمد (ص) "اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق" تبين أهمية العلم و المعرفة  كقيمتين إنسانيتين و نحن إذا قرأنا القرآن الكريم من أوله إلى آخره نجده يزخر بالقيم الإنسانية النبيلة التي يرى الإسلام تجسيدها  في المسلمين و قد جاء في السنة ما يؤكد ذلك و ما يغنيه.

ه- تمتيع الناس بمجموعة من الحقوق التي يقتضيها الاعتقاد بالدين الإسلامي كحقوق الآباء على الأبناء و حقوق الأبناء على الآباء. و حقوق الفقراء على الأغنياء و حقوق الجار و حقوق الصحبة. و قد جاء في هذا الإطار قوله تعالى " و لا تقل لهما أف و لا تنهرهما و قل لهما قولا كريما و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة" و قوله تعالى "و حمله و فصاله في عامين" و قوله تعالى " إنما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و الغارمين وفي سبيل الله و ابن سبيل فريضة من الله" إلى غير ذلك من الآيات و الأحاديث التي تنص على مختلف الحقوق التي يسعى الإسلام من وراء الحرص عليها إلى بث روح التعاضد بين المسلمين بما يضمن سلامة مجتمع المسلمين من التمزق و الانحلال .

و- بناء مجتمع سليم من الأمراض الاجتماعية. و في أفق ذلك حرم السرقة و القمار و شرب الخمر و الدعارة. فقد ورد قوله تعالى " و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله" و قوله تعالى "يا أيها الذين ءامنوا إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" و قوله تعالى " الزاني و الزانية فاجلدوا  كل واحد منهما مائة جلدة". و لكن قبل هذه الصرامة يحرص الإسلام على بث العدل الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي بين الناس فقد قال تعالى " إن الله يامر بالعدل و الإحسان" إلى آخره.

ز- و الهدف من مجتمع صالح خال من الأمراض المختلفة هو إعداد الإنسان الصالح  الذي يعرف حدود الله و لا يتجاوزها، و بناء عليها يحرص على التمتع بحقوقه دون سواها و لا يلحق الأذى بغيره، يقوم بواجبه تجاه الناس، و يكون كريما معهم في المعاملة، و "الدين المعاملة" و ينصحهم، و يستمع إلى نصيحتهم و "الدين النصيحة" حتى يكون بذلك مساهما في بناء مجتمع المسلمين المنشود الذي يحرص في إطاره  المسلمون على تجسيد معنى الحديث الشريف "المومن للمومن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا" فيكون كل مسلم قويا في مجتمعه، و بتلك القوة الجماعية يسعى المسلمون إلى بناء الاقتصاد و الاجتماع و الثقافة، و يختارون النظام السياسي الذي يناسبهم دون إملاء من أحد " و أمرهم شورى بينهم".

 و بذلك يتبين أن الأهداف التي  يسعى الإسلام إلى تحقيقها هي أهداف تتمحور حول هدف مركزي واحد هو ضمان تحقيق كرامة الإنسان.

2) و كما يسعى الإسلام إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي أبرزنا بعضها بما له علاقة بالقيم النبيلة و بناء مجتمع سليم، و تحقيق كرامة الإنسان، فإن الماركسية بدورها تسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي نذكر منها :

أ- إشاعة الوعي الطبقي بين أفراد المجتمع، لأن إشاعة هذا الوعي هو المسألة المركزية في الماركسية و بدونه تفقد الماركسية قيمتها، و تتحول إلى مجرد مذهب مثالي كباقي المذاهب المثالية الأخرى. فالماركسية منهج للتحليل و التفكير تسعى إلى جعل الطبقات المقهورة في جميع المجتمعات البشرية تمتلك وعيها، و تدرك بدقة موقفها من الإنتاج الذي يمكنها من إدراك ما يمارس عليها من استغلال بشع، و البحث عن القوانين الاجتماعية المكرسة للاستغلال، و معرفة ما يجب عمله للتخفيف من وطأته في أفق القضاء عليه. وبذلك يدرك المقهورون ما يجب عمله، و عند ذلك يشرعون في امتلاك وعيهم الذي لا يكون إلا طبقيا، و هو ما يقاومه المستغلون بنشرهم بين الناس كل أشكال التضليل الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي. و الوعي الطبقي هو الوسيلة المثلى لإزالة الوعي الزائف، الناتج عن أشكال التضليل الممارسة على المستغلين.

و الماركسية عندما تحرص على نشر الوعي الطبقي الحقيقي فلأنها تحرص على تثوير المجتمع، و جعل وعيه يتجدد باستمرار من اجل الوصول إلى تغيير بنياته الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و إنضاج شروط استمرار ذلك التغيير إلى الأحسن لقطع الطريق أمام عودة الاستغلال.

ب- لكن هل يمكن حدوث ذلك التغيير بدون أداة تناضل من اجله ؟ و لذلك نجد أن الماركسية لابد لها من أداة تعمل على نشر فكرها و وعيها و تحقيق أهدافها في المجتمع، إنها الحزب الماركسي الذي ليس إلا حزبا للكادحين و طليعتهم الطبقة العاملة. حزب يقوم على أساس مبادئ الاشتراكية العلمية باعتبارها أيديولوجية الكادحين، و تصور تنظيمي ينسجم معها، و موقف سياسي يعبر عن رغبة الكادحين في التغيير. و هذه الأداة تعمل على تنظيم العمال و الفلاحين و المثقفين الثوريين و سائر أصحاب المصلحة في التغيير بعد اقتناعهم بذلك و العمل على نشر الوعي الطبقي في صفوف أفراد المجتمع، و وضع كل أشكال التضليل التي تستهدفهم، و ربطهم بالمنظمات الجماهيرية النقابية و الثقافية و الحقوقية التي تعمل على تحسين أوضاعهم المادية و المعنوية وصولا إلى التغيير الجذري و الشامل للأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية لصالح الجماهير الشعبية الكادحة، و طليعتها الطبقة العاملة.

ج- و مما يعمل من اجل تحقيقه الحزب الماركسي قبل تحقيق هدفه الاستراتيجي، العمل على بناء مجتمع متطور، و المجتمع المتطور هو كل مجتمع تتوفر فيه شروط إمكانية التحرر و الممارسة الديمقراطية باعتبارهما شرطين للنضال من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية كمقدمة لتحقيق المجتمع الاشتراكي، و للوصول إلى مجتمع من هذا النوع يسعى الحزب الماركسي من خلال برنامجه المرحلي الذي يسعى إلى تحقيق الحرية الفردية و الجماعية في نسيج المجتمع، و في القوانين المتبعة حتى يتمكن أفراد المجتمع  من التعبير عن إرادتهم و تقرير مصيرهم الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، و العمل على تحقيق الأغلبية في تلك المجالس للوصول إلى السلطة التنفيذية حتى يكون هناك تكامل بين البرنامج المحلي و البرنامج الاستراتيجي و المتمثل في إقدام الأغلبية على فرض تحقيق الاشتراكية إلى جانب تحقيق الحرية و الديمقراطية، و قيام الحكومة بالإشراف على بناء المجتمع الاشتراكي.

د- و من معالم تحقيق المجتمع الاشتراكي، العمل على حفظ كرامة الإنسان عن طريق تمتيعه بحقوقه الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و هذا المجتمع لا يقف عند حدود الإجراءات القانونية الصرفة، بل لابد من إيجاد المؤسسات المشرفة على حفظ تلك الكرامة سواء تعلق الأمر بالتربية و التعليم أو الصحة أو التشغيل، أو الثقافة أو الترفيه أو السياسية. لأنه بدون وجود تلك المؤسسات التي تقدم خدماتها بالمجان تبقى كرامة الإنسان مهدورة ، و معرضة لكافة أشكال الإهانة التي تلاحقها من كل الجهات المعنية بتقديم الخدمات بالمقابل، بل قد يعجز الإنسان عن أداء واجب الخدمات فيحرم منها. لذلك تحرص الماركسية في نهاية المطاف على تحقيق الاشتراكية كمنهج، و كهدف استراتيجي تسعى إلى تحقيقه على المدى البعيد، لأن المجتمع الاشتراكي هو الإطار الذي تحفظ فيه كرامة الإنسان بالمعنى الاشتراكي العلمي، على خلاف المجتمعين الإقطاعي و البورجوازي اللذين لا يعبئان أبدا بتقديم الخدمات، و تعميمها على المجتمع ككل، و دون مقابل مادام أفراده في خدمة المجتمع. و الماركسية بذلك تلتقي مع الإسلام في هذه النقطة، و تختلف في وسيلة تحقيقها كما سنرى ذلك في مكان آخر من هذه المعالجة.

ه- و تبعا لحفظ كرامة الإنسان بالمفهوم الماركسي الاشتراكي العلمي، نجد الحرص على تمتيع أفراد المجتمع بجميع الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية في إطار المجتمع الاشتراكي الذي يحرص على التوزيع العادل للإنتاج الاقتصادي الذي تكون فيه وسائل الإنتاج في ملكية المجتمع مع تقديم الخدمات الاجتماعية للجميع على أساس المساواة سواء تعلق الأمر بالتعليم أو بالصحة أو بالسكن أو بالشغل أو بالترفيه. و إتاحة الفرصة أمام المكونات الثقافية للشعب الواحد من اجل التفاعل فيما بينها على أسس ديمقراطية حتى لا يطغى مكون على باقي المكونات الأخرى. و أن يتم تمكينهم من اختيار ممثليهم في المؤسسات المختلفة على أسس تتناسب مع الديمقراطية بمفهومها الماركسي الاشتراكي العلمي. و بذلك يكون المجتمع الاشتراكي إطارا لتمتع جميع الناس بجميع الحقوق باعتبارها هدفا أسمى تسعى إلى تحقيقه الماركسية بعد تحطيم قلاع الاستغلال الرأسمالي الهمجي الذي اصبح يهيمن على العالم في ظل ما اصبح يعرف بالعولمة التي لا تعني إلا عولمة اقتصاد السوق التي تساهم في تعميق إهدار كرامة الإنسان.

و- و حتى يتمتع جميع أفراد المجتمع بجميع حقوقهم في ظل النظام الاشتراكي، يتم الحرص على تغيير الممارسة الاجتماعية و الفردية من الأمراض البورجوازية. فمحاربة أمراض النظام البورجوازي يعتبر من الأهداف الأساسية للماركسية، فلا وجود للرشوة و الفساد الإداري و القضائي و المحسوبية و الزبونية و كل أشكال التضليل الإيديولوجي التي تستهدف تكريس الاستغلال و الحيف الطبقي. و كل الأمراض التي يظهر أنها لصيقة بالأخلاق البورجوازية و المنطلقة من المبدأ الليبرالي "دعه يعمل، دعه يمر" وصولا إلى بناء مجتمع سليم من الأمراض الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية.

ز- احترام العقائد المختلفة التي يزخر بها الواقع و ضمان حق ممارسة الطقوس التي لها علاقة بتلك العقائد و حماية مؤسساتها. و تجريم إيذاء ممارسيها، و اعتبارها عاملا من عوامل التنوع في إطار الوحدة.و في هذا الإطار يتمتع المسلمون بكامل الحرية في ممارسة طقوسهم في المباني المخصصة لذلك كما هو الشأن بالنسبة لباقي الديانات الأخرى. و ما ينسب إلى الماركسية في هذا المجال مما لا يتناسب مع جوهرها ما هو إلا مجرد تجن يستهدف التضييق على الماركسيين، و التحريض ضدهم من اجل تأبيد السيطرة الرأسمالية أو الرأسمالية التابعة. لذلك تتصدى الماركسية إلى كل أشكال التضليل التي يقودها عتاة التنظيم البورجوازي المتعفن.

د- و حتى نصل إلى تحقيق الغاية من تحقيق البناء الاشتراكي المنشود كما تطمح الماركسية إلى ذلك. نجد أن من بين أهداف الماركسية : إعداد الإنسان الاشتراكي الذي يتحمل البناء الاشتراكي الذي يشترط فيه الاقتناع بالاشتراكية كهدف استراتيجي و بالبرنامج المرحلي المؤدي إلى تحقيقه، و الانخراط في النضال الديمقراطي الحقيقي من اجل استنهاض جميع أفراد المجتمع و إعدادهم أيديولوجيا، و سياسيا للارتباط  بالحركة الاشتراكية وصولا إلى  تحقيق البرنامج المرحلي ثم الدخول في بناء الاشتراكية.

ط- و تتويجا للأهداف المشار إليها، تسعى الماركسية إلى بناء المجتمع الاشتراكي على أنقاض المجتمع الرأسمالي و الرأسمالي التبعي عن طريق استبدال علاقات الإنتاج الرأسمالية أو الرأسمالية التبعية بعلاقات الإنتاج الاشتراكية كمدخل لبناء الاقتصاد الاشتراكي الذي يستهدف أولا و أخيرا بناء الإنسان و إسعاده بالتوزيع العادل للثروة في ظل المجتمع الاشتراكي الذي لا يكفي الوصول إلى تحقيقه، بل لابد من التخطيط لتحقيق ضمان تطويره و تطوره و استمراره، و حمايته من كل ما يؤدي إلى التشكيك في نجاعته، و صلاحيته للإنسان.

و تطوير و تطور المجتمع الاشتراكي يقتضي قطع الطريق أمام الدوغمائية، و الحرص على الممارسة الديمقراطية، و الاهتمام ببناء و سلامة الأدوات المساعدة على ذلك.

و بتحقيق هذه الأهداف الماركسية جزئيا أو كليا، تكون الماركسية قد برهنت فعلا عن صلاحيتها كإطار للنضال من اجل تحقيق سعادة الإنسان.

3) و انطلاقا من وقوفنا على أهداف الإسلام و أهداف الماركسية نجد أن هناك نقطا للالتقاء، و نقطا للاختلاف مع اعتبار اختلاف الشروط الموضوعية التي ظهر فيها الإسلام عن الشروط الموضوعية التي ظهرت فيها الماركسية، و اعتبار انه لا داعي للقول بوجود تناقض صارخ بين الإسلام و الماركسية كما يدعي ذلك مؤدلجو الدين الإسلامي الذين وهبوا أنفسهم لخدمة الرأسمالية و الرأسمالية التابعة، خاصة و أن مؤسسي الماركسية لم تكن لهما دراية كافية بالإسلام. و أن مقولة ماركس الشهيرة "الدين أفيون الشعوب" جاءت في سياق الدور الذي كانت تلعبه الكنيسة لصالح الرأسماليين كما كانت تلعبه لصالح الإقطاعيين من قبل دون سائر الطبقات في النظاميين الإقطاعي ثم الرأسمالي. ثم إن الدين الإسلامي ليس دينا لطبقة معينة دون سائر الطبقات، فهو دين لجميع الناس يعتنقه الإقطاعي و البورجوازي و العامل و التاجر، و كل الذين يختارونه دينا لهم. و لذلك لا نجد تناقضا واضحا بين الماركسية و الإسلام، خاصة و انه لم تكن هناك  ماركسية في فترة ظهور الإسلام. و الماركسيون الأوائل لم تكن لهم معرفة بالإسلام. و إلى جانب ذلك، فالإسلام دين و الماركسية علم. و الإسلام ليس ضد العلم بل يدعو إليه، و الماركسية كعلم لم تضع أسسا لذلك المنهج. و إذا ظهر في المنهج أو في أسسه ما يوحي بمعاداة الماركسية للدين –أي دين- فذلك ليس شأن الماركسية، انه شأن العلم نفسه الذي يستفيد من نتائجه البورجوازي و الإقطاعي و العامل و الفلاح و المسلم و المسيحي و اليهودي و البوذي، و لذلك لا نرى تناقضا بين الإسلام و الماركسية و هو ما يبيح لنا القول بنقط للالتقاء، و نقط للاختلاف.

فالإسلام و الماركسية يتفقان في :

أ- تمتيع الناس بحقوقهم التي تقتضيها الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، مع اعتبار الاختلاف القائم بين تصور الإسلام و تصور الماركسية لتلك الحقوق.

ب- تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع مع استحضار الاختلاف في تصور العدالة و كيفية تطبيقها بين الإسلام و الماركسية. فالعدالة في الإسلام هي عدالة الله في الأرض التي تتحقق بين العباد من خلال أخذهم بالأوامر و اجتنابهم النواهي، و عملهم على تطبيق الحدود كما جاءت في الكتاب و السنة مع فتح باب الاجتهاد في القضايا التي لم يرد فيها نص. و العدالة في الماركسية هي عدالة في توزيع الثروة، و في تقديم الخدمات إلى جميع البشر، أنى كان لونهم أو جنسهم، أو عقيدتهم، و إتاحة الفرصة أمام المكونات للفعل في المجتمع على أساس المساواة فيما بينها، و التعامل مع الناس جميعا على أساس المساواة فيما بينهم أمام القانون، و تمكينهم من التمتع بجميع الحقوق.

ج- حفظ كرامة الإنسان التي تعتبر قرارا إلهيا، يجب احترامه و العمل على تحقيقه على ارض الواقع بكل الوسائل التي يقرها الإسلام و تعتبرها الماركسية نتيجة لتحقيق الاشتراكية في المجتمع، لأنها ترى أن المجتمع الاستغلالي العبودي أو الإقطاعي أو الرأسمالي أو الرأسمالي التابع تهدر فيه كرامة الإنسان بكافة الأشكال حتى و إن كان أفراد المجتمع الاستغلالي يعتقدون ديانة معينة. لذلك فربط تحقيق كرامة الإنسان بالحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية لا يتحقق إلا في إطار المجتمع الاشتراكي الذي تسعى الماركسية إلى تحقيقه.

د- احترام العقائد الذي يراه الإسلام خاصا بالعقائد التوحيدية، و تراه الماركسية شاملا لكل العقائد التي تعتبر أن من حق حامليها التواجد. و هو اختلاف ناتج عن اختلاف تصور المجتمعات. فالإسلام و إن كان يقر بحرية الاعتقاد "لا إكراه في الدين" فإنه لا يحاور إلا أهل الكتاب كقوله تعالى " و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي احسن" و قوله " يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم أن لا نعبد إلا الله" أما الماركسية فتتعامل مع الأديان بصفة عامة كمعتقدات من حقها أن تتواجد كمكونات ثقافية مختلفة تساهم في إثراء ثقافة المجتمع.

و بذلك يصير الإسلام و الماركسية متفقين على الأسس المتعلقة بتمتيع الناس بالحقوق المختلفة، و تحقيق العدالة ، و حفظ كرامة الإنسان، و احترام العقائد المختلفة مع الاختلاف في التصور الذي يرجع إلى طبيعة كل منهما بسبب اختلاف شروط ظهور الإسلام عن شروط ظهور الماركسية، و كون الإسلام عقيدة، و الماركسية مذهبا اقتصاديا، سياسيا، اجتماعيا، ثقافيا. و لذلك نجد أن الاختلاف في فهم طبيعة الحقوق، و كيفية تحقيق كرامة الإنسان، و كيفية التعامل مع العقائد المختلفة، و كيفية تحقيق العدالة مسألة إنسانية طبيعية جدا. و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هذا الاختلاف مصدرا للعداوة بين الإسلام و الماركسية في :

أ- بناء المجتمع يقتصر  الإسلام على مجرد بث القيم الإنسانية في التعامل بين الناس مما يؤدي إلى امتثال الناس لأوامر الله تعالى و نواهيه، مما لا يتناقض مع سيادة مجتمع الأسياد و العبيد، و مجتمع الإقطاع و الأقنان، أو مجتمع البورجوازيين و العمال، أو مجتمع الاشتراكيين. فالعلاقة الاستغلالية لم يحرمها الإسلام. بل دعا إلى التخفيف منها فقط. أما الماركسية فتعمل على تقويض الهياكل الاستغلالية، العبودية و الإقطاعية، و شبه الإقطاعية و الرأسمالية و شبه الرأسمالية، و إقامة المجتمع الاشتراكي الذي يستوعب القيم الإسلامية، و يعتبرها جزءا من القيم الاشتراكية التي يعمل على سيادتها.

ب- الفهم المختلف للإخلاص، فالإخلاص في الإسلام هو إخلاص عقائدي لله و لرسوله و للمسلمين، و الالتزام بعدم إلحاق الأذى بالمومن سواء كان سيدا أو عبدا، أو إقطاعيا، أو قنا، أو رأسماليا أو عاملا مادام يومن بالإسلام، و يمكن للمومن أن يوسع مفهوم الإخلاص ليشمل أهل الكتاب بخلاف المشركين الذين لا حوار معهم، بخلاف الماركسية التي ترى الإخلاص للإنسان و للقيم الاشتراكية التي تحفظ كرامة الإنسان بقطع النظر عن العقيدة التي يومن بها، و يعادي المستغلين مهما كانت عقيدتهم حتى و إن كانت هي الإسلام. فالماركسية جاءت لتقاوم الاستغلال أنى كان مصدره في أفق القضاء عليه و إقامة المجتمع الاشتراكي: فالإخلاص في الإسلام له مقومات و الإخلاص الماركسي له مقومات أخرى، و لا يلتقيان أبدا، و لا يمكن أن يكون هذا الاختلاف وراء العداوة، و الذين يعادون الماركسية هم المستغلون من المسلمين و خاصة منهم الذين يؤدلجون الدين الإسلامي. أما المسلمون الذين يعانون من الاستغلال و يتحررون من استلاب ادلجة الدين الإسلامي فيجدون في الماركسية الخلاص.

ج- مصدر القيم الإنسانية التي رآها الإسلام في المثل العليا، و في ممارسة الأنبياء و الرسل و المومنين، و في الوحي الذي ينزل من عند الله مما هو متضمن في الكتب المنزلة التي يمكن الرجوع إليها من اجل التشبع بالقيم الإنسانية كما هي في الكتب السماوية و في سير الأنبياء و المومنين، في الوقت الذي ترى الماركسية أن مصدر القيم الإنسانية في تحقيق الاشتراكية، و القضاء على كل أشكال الاستغلال الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي مع الاعتراف التام بالقيم الإنسانية النبيلة التي جاء بها الإسلام بالخصوص.

د- طبيعة الملكية التي يراها الإسلام حقا لكل إنسان سواء كان مسلما أو غير مسلم، و سواء كانت تلك الملكية صغيرة أو كبيرة، عبودية أو إقطاعية أو رأسمالية. و المهم بالنسبة للإسلام أن يؤدي المسلم الزكاة، و أن يؤدي غير المسلم الجزية لبيت مال المسلمين، بينما نجد أن الماركسية تفصل بين الملكية التي تقتضيها ضرورة الحياة التي تساعد الماركسية على توفرها، و حمايتها. أما الملكية الكبيرة التي تعني وسائل الإنتاج، فتعود إلى المجتمع ككل، و هذا ما يثير حفيظة الإقطاعيين، و البورجوازيين الذين يوظفون كل الإمكانيات الأيديولوجية بما فيها ادلجة الدين الإسلامي لمحاربة الماركسية، و بلا هوادة حتى تندحر، و تعود الملكية الخاصة بوسائل الإنتاج إلى الرأسماليين، و ملكية الأرض إلى الإقطاعيين. و هو ما حصل في الاتحاد السوفياتي السابق و في العديد من الدول التي تحققت فيها الاشتراكية خلال القرن العشرين.

فالماركسية لم تنكر الملكية بقدر ما فصلت فيها، و الإسلام لم يميز بين الملكية التي تقتضيها ضرورات الحياة، و الملكية التي تؤدي إلى استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، الأمر الذي يرجع إلى اختلاف الشروط التي ظهر فيها الإسلام عن الشروط التي ظهرت فيها الماركسية، و إلا فإن الموقف من الملكية سيتفق لو اتحدت الشروط بالنسبة لكل منهما.

و بذلك نصل إلى أن اوجه الالتقاء و الاختلاف بين الإسلام و الماركسية تتمحور حول الإنسان، من اجل إعداده إعدادا مختلفا بسبب اختلاف المنطلقات، و اختلاف الشروط الموضوعية التي لا يمكن المقارنة بينها بأي شكل من الأشكال. فالإسلام هو الإسلام يعد الإنسان إعدادا دينيا لتحقيق سعادة الدنيا و الآخرة. و الماركسية هي الماركسية تعد الإنسان لتحقيق المجتمع الاشتراكي و وضع حد نهائي للاستغلال الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و السياسي، و التمكن من تحقيق مصيره الذي يضمن له الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية لضمان التطور بدون حدود.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.