اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

درس حضاري من اسكتلاندا// د. عبدالخالق حسين

اقرأ ايضا للكاتب

درس حضاري من اسكتلاندا

د. عبدالخالق حسين

 

يمكن اعتبار استفتاء الشعب السكتلاندي يوم 18 أيلول/سبتمبر 2014، عملاً تاريخياً مهماً، ودرساً حضارياً بليغاً، ليس لشعوب المملكة المتحدة البريطانية فحسب، بل وللعالم أجمع، وبالأخص لشعبنا العراقي ذو التعددية القومية والدينية المشابهة لبريطانيا، مع الفارق في المرحلة التاريخية والحضارية.

 

لقد رفض 2001926 أي بنسبة 55% من الاسكتلنديين الانفصال عن الاتحاد البريطاني مقابل 1617989 أي بنسبة 45% مؤيدون للاستقلال، بفارق 10% لصالح الاتحاد. وقد شارك في التصويت 3619915، وهي مشاركة عالية جداً بنسبة 84% من الذين يحق لهم التصويت من عمر 16 سنة فما فوق.

إن مطالبة الحزب القومي السكتلاندي (SNP) بقيادة أليكس ساموند (الوزير الأول لحكومة الإقليم)، بالاستقلال هي انعكاس للشعور القومي القوي لدى نسبة عالية من هذا الشعب في تحقيق دولته القومية، وهو حق مشروع وفق مبدأ تقرير المصير (مبدأ ويلسون، رئيس الولايات المتحدة)، الذي أقرته الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. فالشعب السكتلاندي فخور جداً بهويته القومية، وبتاريخيه المجيد الذي أنجب شخصيات تاريخية فذة تركت بصماتها على الحضارة البشرية من أمثال آدم سميث، وديفيد هيوم، وجيمس واط وغيرهم كثيرون في مختلف مجالات المعرفة، إضافة إلى ما يتمتع به من ثروات طبيعية.

ولكن ما يهمنا هنا هو الدرس الحضاري الذي يجب ان نستخلصه من هذه التجربة، وهو أن ما حصل عن طريق الاستفتاء كان يتم في الماضي، ولحد الآن في شعوب العالم الثالث، عن طريق الحروب المدمرة. إذ بدأت حملة الاستفتاء قبل عامين، ومارس كل فريق حقه في ترويج لـ(نعم) أو(لا) للاستقلال بمنتهى الحرية وبروح رياضية عالية يسودها المرح في أعلب الأحيان، وبدون أي حادث من شأنه أن يعكر صفاء الأجواء. والجدير بالذكر أن الاتحاد بين مملكتي سكوتلاندا وإنكلترا قد حصل اختيارياً قبل 300 سنة في عام 1707، والذي وضع نهاية وإلى الأبد للحروب الطاحنة بين المملكتين قبل ذلك التاريخ. 

إن أول استفتاء اسكوتلاندي للحكم الذاتي كان قد جرى في عهد حكومة حزب العمال برئاسة الراحل جيمس كالاهان عام 1979، وفشل. ثم تلاه استفتاء آخر عام 1997، وكان أيضاً في عهد حكومة العمال، وبرئاسة توني بلير وبدعم من الحزب، والذي نجح في تحقيق الحكم الذاتي، وتأسيس برلمان يتمتع بصلاحيات واسعة ما عدا تقرير الضريبة وأمور أخرى قليلة بقيت من شأن البرلمان المركزي (مجلس العموم) في لندن. وهذا النجاح شجع القوميين فيما بعد إلى المطالبة بالانفصال والاستقلال التام والذي فشل يوم أمس.

إن سبب الفشل هو أن أغلبية الشعب السكتلاندي أدركت أن الاتحاد أفضل من الانفصال والاستقلال لأن خلال 300 سنة من عمر الاتحاد حصل اندماج كلي في مختلف المجالات بين الشعب السكوتلاندي وبقية شعوب المملكة المتحدة، وأهمها الاندماج الاقتصادي والثقافي والعسكري..الخ. فمن الصعوبة على حكومة اسكوتلاندا المستقلة أن تُبقي الجنيه الاسترليني عملة لها، وحتى الحفاظ على الاستقلال الاقتصادي بدون دعم المملكة المتحدة، وعلى سبيل المثال، انهار قبل أعوام البنك الملكي السكوتلاندي (Royal Bank of Scotland)، فقام البنك المركزي الإنكليزي بإنقاذه، ولولا هذا الدعم لحصل إنهيار مريع في الاقتصاد السكوتلاندي. هذه الحقيقة باتت معروفة لدا الشعب السكوتلاندي. إضافة إلى نظام الرعاية الصحية الوطنية (NHS) التي هي من أروع الخدمات في العالم، والتي هي مضمونة أكثر في ظل الاتحاد. ولذلك وجد 55% من الشعب السكوتلاندي مصلحتهم مع البقاء في الاتحاد بدلاً من مغامرة الانفصال ومخاطر المستقبل المجهول.     

 

ما بعد الاستفتاء

هذا الاستفتاء قد يكون الأخير من نوعه، ولن يتكرر في المستقبل لجيل واحد على الأقل، وهو لم يمنع إنفصال اسكوتلاندا من المملكة المتحدة فحسب، بل قدم تحذيراً للقوميين الآخرين في إقليم ويلز، وشمال أيرلندا أيضاً، فهؤلاء كانوا ينتظرون نتائج الاستفتاء، ففي حالة نجاحه كانوا ينوون السير على نفس الخطى ويركبوا الموجة ويجربوا حظوظهم في استفتاء مماثل والمطالبة بالاستقلال وبالتالي تفتيت المملكة المتحدة، إلا إن فشل التجربة السكوتلندية وضع حداً لطموحاتهم القومية.

 

ولكن مع ذلك، فهذا الاستفتاء ليس نهاية المطاف، بل هو أشبه بزلزال سياسي أجبر قيادات الأحزاب الكبرى الثلاثة (المحافظين، والعمال، والأحرار) إلى أن تعيد النظر في دستور الاتحاد. فجميع الأقاليم (سكوتلاند، ويلز، وشمال أيرلاندا) عدا إنكلترا، تتمتع بالحكم الذاتي حيث لها برلماناتها وحكوماتها الإقليمية.

ولهذا السبب، فهناك مطالبة من الشعب الانكليزي، ووعود من قيادات الأحزاب الرئيسية بالشروع في سن قانون يعتبر نقلة نوعية في الديمقراطية، يزيد من صلاحيات برلمانات الأقاليم وحكوماتها بما فيها تحديد الضريبة، ولكن في نفس الوقت أن ينصف الشعب الإنكليزي بتأسيس برلمانه الإقليمي الخاص به أسوة ببقية الأقاليم، وربما تنقسم إنكلترا إلى ثلاثة أقاليم، (جنوب، ووسط، وشمال)، والحفاظ على البرلمان المركزي الاتحادي (مجلس العموم البريطاني) والحكومة المركزية الاتحادية في لندن.

 

والمشكلة الأخرى بعد هذا الاستفتاء هو التغييرات التي وعد بها قادة الأحزاب الكبرى المشار إليها أعلاه. حيث بدأ التذمر وسط نواب الأحزاب وخاصة حزب المحافظين (الحاكم)، أن قادتهم أجزلوا بوعودهم لسكوتلاندا وغيرها بصلاحيات واسعة دون مشاورة نواب أحزابهم. وهذا فتح الباب أمام جدل واسع قد يستغرق وقتاً طويلاً، وربما يؤدي إلى إنشقاقات وعدم إمكانية الإيفاء بالوعود كلها.

 

وبعد إعلان النتائج، اعترف بها زعيم الحزب القومي السكوتلندي، أليكس ساموند، ودعا أتباعه بقبولها، ولم يحاول أحد من فريقه التشكيك بها كما هي الحال في دول العالم الثالث ومن ثم فاجأ حزبه والعالم بتقديم اسنقالته من قيادة الحزب ورئاسة حكومة سكوتلاندا كوزير أول. كما ورحب رؤساء الأحزاب المعارضة للإنفصال بالنتائج دون أية شماتة أو تشفي بالجهة الخاسرة. وفي هذا الخصوص قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون: "أن هناك فرصة الآن لتغيير المملكة المتحدة نحو الأفضل". ولكنه أضاف "أنه يجب توفير توازن عادل في عملية تصويت النواب البريطانيين الإنجليز على قوانين تخص إنجلترا." وهذا يعني أن نواب (سكوتلاندا و ويلز، وشمال أيرلندا)، لا يحق لهم التصويت في البرلمان العمومي على قوانين تخص إنكلترا. وإذا تحقق هذا النظام الجديد فسيكون حزب العمال من أكثر المتضررين به لأن نسبة كبيرة من نوابه هم من سكوتلاندا وويلز.

 

أما الدرس الذي يمكن أن تستفيد منه القيادات السياسية العراقية من مختلف مكونات الشعب العراقي من هذه التجربة، أولاً، حضارية الحملة الانتخابية بصورة هادئة وروح رياضية عالية وبدون تسقيط المنافسين، أو تشكيك بهم. كذلك، على قيادات المكونات الطامحة في الانفصال أن لا تتسرع في اتخاذ أية خطوة انفصالية في هذه المرحلة العاصفة من تاريخ العراق يصعب عليهم التراجع عنها عندما تثبت فيما بعد أنها كانت خاطئة. وإنما العمل على إنضاج التجربة الديمقراطية، واستعادة الثقة، ومن ثم اتخاذ الخطوات التدريجية العلمية لإنشاء الأقاليم وتوسيع صلاحياتها.

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. 

http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.