المراة والاسرة

عقاقير «قاهرة للشيخوخة» تركيبة دوائية لإطالة العمر وإحباط عوارض أمراض الهرم

 

لندن: «الشرق الأوسط»

قد يكون الهرم أمراً طبيعياً جداً، ولكن عملية انطلاقه في الجسد البشري، تبدو أحياناً كأنّها مرض... ويقول العلماء الآن إنه مرض قابل للعلاج ربّما.

 

خلايا هرمة

في دراسة جديدة، كشف باحثون أميركيون أنّ التقدّم في السن هو عملية تبدأ مع تزايد قوى خبيثة تعرف بالخلايا الهرمة «senescent cells»، تسيطر تدريجياً على الجسم وتدخله في مسار مخيف. ومع التقدّم في السنّ، تتولّى هذه الخلايا القيادة ويدخل الجسم في نفق من الحالات المرضية من السرطان والسكري إلى التهاب المفاصل ومشكلات الرؤية والخرف.

 

مع ازدياد أعداد الخلايا الهرمة، تتراجع سرعة المشي، وسرعة المعالجة الإدراكية لدى الإنسان، وتضعف قوة قبضته وتتصاعد مشكلاته الحركية. وأخيراً، وبفعل تراكم هذه المصاعب، يصل الإنسان إلى نهايته.

 

بالطبع، لا يمكن تفادي مرحلة الشيخوخة، ولكنّ العلماء يعملون على استكشاف مجموعة من الوسائل الجديدة التي من شأنها أن تجعل ملحمة المرض والوهن الذي تسبقها أقصر وأقلّ إنهاكاً... حتى إنّها قد تستطيع أن تؤخّر وصول الإنسان إلى نهاية حياته أيضاً.

 

وفي الدراسة التي نُشرت في العاشر من شهر يوليو (تموز) في دورية «نيتشر ميديسين»، لم يكتفِ فريق بحثي يقوده الباحث المتخصص في محاربة الشيخوخة جيمس كيركلاند من «مايو كلينيك»، بتقديم نظرة واضحة حول قوة الخلايا الهرمة في قيادة عملية التقدّم في السن فحسب، بل إنه عرض تركيبة دوائية تبطئ عملية الشيخوخة أو حتى تبطلها، لدى الفئران على الأقل.

 

قهر الشيخوخة

ونجحت هذه التركيبة «القاهرة للشيخوخة»، والتي تتألف من جرعة من عقار «داساتينيب dasatinib» الخاص بعلاج مرضى اللوكيميا وأحد المكملات الغذائية المسمى «كيرسيتين quercetin»، في تقليل عدد الخلايا الهرمة وكبح الالتهابات التي تسببها، وتخفيض مستويات الإعاقات الجسدية التي تنتج عن أمراض التقدّم في السن، لدى الفئران التي قطعت شوطاً طويلاً في مرحلة الشيخوخة.

 

وعندما حقن الباحثون هذا المزيج في فئران أصغر سناً كانت قد بدأت لديها عملية التقدم في السنّ بعد تزويدها بخلايا هرمة غريبة، نجحت التركيبة في إحباط بداية الأمراض المرتبطة بالتقدّم في السن. وتَبيّن أنّ مرحلة واحدة استمرّت لخمسة أيّام من الحقن بهذه التركيبة دام تأثيرها لأشهر، أي ما يعادل عقوداً لدى البشر.

 

ومقارنةً بالفئران التي تقدّمت في السن بشكل طبيعي، انتهى الأمر بالفئران التي حصلت على حقن التركيبة «القاهرة للشيخوخة» في مرحلة تعادل 75 إلى 90 سنة لدى البشر، بالاستمرار على قيد الحياة لفترة أطول بنسبة 36 في المائة ومع الحفاظ على وظائف جسدية أفضل.

 

ويمكن القول إن الفترة الإضافية التي عاشتها هذه الفئران لم يتخلّلها المرض والإنهاك؛ ففي الشهرين الأخيرين من حياتها، كانت الوظائف الجسدية لدى تلك الفئران المحقونة بالتركيبة جيّدة وبنفس مستوى وظائف الفئران التي تقدّمت في السنّ بشكل طبيعي وماتت قبلها. وظهرت هذه النتائج من خلال اختبارات لسرعة المشي، وقوة القبضة، والقدرة على التشبث، أُجريت على هذه الحيوانات في الأسابيع والأشهر الأخيرة من حياتها.

 

في النهاية، ماتت جميع الفئران في المجموعتين، ولم يجد فريق كيركلاند أي فرق بين الأمراض التي أدّت إلى موتها.

 

تجارب الخلايا البشرية

قدّمت التركيبة «القاهرة للشيخوخة» في اختبارات أُجريت على أنابيب تحتوي على خلايا بشرية، كما هو الحال مع الفئران التي حُقنت بخلايا هرمة، نتائج واعدة من خلال استهدافها للخلايا الهرمة دون المساس بالخلايا السليمة.

 

وهذه التركيبة القاهرة للشيخوخة والتي استُخدمت على الفئران في الدراسة الجديدة كان قد استُخدمت سابقاً في تجربة بشرية سريرية هدفت إلى قياس سلامتها على المرضى الذين يعانون من أمراض الكلى المزمنة، أحد الأمراض الكثيرة المرتبطة بالتقدم في السن. ومن المتوقّع أن تنتهي هذه التجربة السريرية في عام 2021.

 

ومن المزمع أيضاَ أن تجري التجارب المقترحة الأخرى اختبارات على تركيبات قاهرة للشيخوخة تستخدم «مشتقات معززة» من عقار «داساتينيب» ومكمّل «كيرسيتين» لدى المرضى الذين يعانون من أكثر من مرض مرتبط بالشيخوخة، حسبما أفاد معدّو الدراسة. ومن المرجّح أن تفيد هذه التجارب أيضاً في استكشاف فاعلية مركبات العقار القاهر للشيخوخة لدى المرضى الأصغر سناً، كالأشخاص المتعافين من السرطان والمعرّضين للإصابة بأمراض مرتبطة بالشيخوخة في وقت مبكّر.

 

كما يعمل الباحثون على تجربة استخدام عقار «ميتفورمين» الذي يُعطى لمرضى السكري كأحد عناصر التركيبة القاهرة للشيخوخة.

 

نافورة الشباب

هل ترجّح هذه النتائج اكتشاف الباحثين لنافورة للشباب؟ لا، حسبما قال كيركلاند، المتخصص بأمراض الشيخوخة من «مايو كلينيك» في روتشيستر، مينيسوتا، مضيفاً: «إنهم لا يسعون أصلاً إلى اكتشافها». وأضاف: «الهدف هنا ليس إطالة عمر الإنسان، بل إطالة أمد الصحّة لديه، أي الفترة التي يكون فيها قادراً على العيش من دون أمراض واضطرابات ومشكلات صحية».

 

وقال كيركلاند في حديث نقلته «لوس أنجليس تايمز»: «ما يريده مرضاي، وما أريده أنا لنفسي، ولوالدتي ولأي إنسان أهتمّ لأمره، هو طريقة للحفاظ قدر الإمكان على استقلاليته في حياته الصحية في سنواته الأخيرة. إذ إنّ معظم الناس لا يريدون أن يعيشوا لسن 130 عاماً ويشعروا أنهم في عامهم الـ130. بل يفضلون الشعور كأنّهم الـ60 من عمرهم». وأظهرت الدراسة أن عقار «داساتينيب» ومكمّل «كيرسيتين» يعملان بشكل منسجم لاستهداف الخلايا الهرمة، التي لم تتمكّن مع الوقت من تطوير عنصر لمقاومتهما، حسب ما أوضح كيركلاند. ولكنّه حذّر الأشخاص الراغبين في إحباط التقدّم في السنّ من البدء بتناول العقار أو المتمم بناءً على قرار شخصي.

 

وقال الطبيب المتخصص بأمراض الشيخوخة: «هذا المجال ليس المكان الصحيح للاختبارات الذاتية»، مضيفاً أنّهم كباحثين لا يعرفون ما قد يطرأ قبل استكمال اختبارات السلامة. وشرح كيركلاند أنّه وفي حال ثبتت فاعلية التركيبة القاهرة للشيخوخة، فإنّها لن تغيّر طريقة علاج الكثير من الأمراض فحسب، بل إنّها قد تغيّر طريقة تقدّم البشر في السنّ أيضاً.

 

ولفت كيركلاند إلى أنّ الأمر ليس لعبة. إذ إنّ علاج سرطان أحد المرضى مثلاً قد يؤدّي إلى إصابته بأمراض القلب في السنوات القليلة اللاحقة. لذا، فإن هذه التركيبة قد تسهم أيضاً في تقليل التكاليف الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على الاهتمام بكبار السنّ الأكثر تعباً.

 

تركيبة ساحرة

يبدو سحر هذه التركيبة واضحاً، فقد اعتبر العالم دايفيد سينكلير، المتخصص بالشيخوخة في جامعة هارفارد والذي لم يشارك في الدراسة، أنّ المركبات التي تستهدف العمليّة الأساسية للتقدّم بالسن «أصبحت الموضوع الأكثر جذباً لاهتمام الناس». وأضاف: «إن احتمال استخدام التركيبة القاهرة للشيخوخة في محاربة مجموعة كبيرة من أمراض التقدّم في السنّ يبدو كبيراً جداً».

 

وكان فريق بحثي بقيادة سينكلير قد نشر في شهر مارس (آذار)، دراسة يربط فيها الوهن وغيره من أمراض الشيخوخة بتراجع في إنتاج الأوعية الدموية التي تغذّي العضلات. فقد أثبت الفريق أنّ حقن الفئران الطاعنة في السنّ بمركّب يعرف باسم «نيكوتيناميد مونونوكليوتيد (MNN)» قد أسهم في زيادة القدرة على الاحتمال وأبطل إشارات التقدّم في السن، من خلال تنشيط العمليات الخلوية التي تحفّزها التمارين القوية لدى الحيوانات الأصغر سناً.

 

يسعى الكثير من الشركات المتخصصة في التكنولوجيا الحيوية إلى انتزاع نتائج كهذه من تجارب سريرية على البشر، إذ تعتزم شركة «يونيتي بيوتيك» إطلاق تجربة سريرية مبكرة لعقار مرشّح لعلاج مرض التهاب المفصل التنكسي، أحد الأمراض المبكرة المرتبطة بالشيخوخة وأكثرها شيوعاً وقدرة على شلّ حركة الإنسان.

 

وتصف الشركة عقارها المرشح والذي منحته اسم «UBX0101» بأنّه «عقار فعال قاهر للشيخوخة» يعمل على القضاء على الخلايا الهرمة من خلال عرقلة تفاعل بروتين تحتاج إليه هذه الخلايا للاستمرار. كما تتجه «يونيتي بايوتيك» نحو إجراء تجارب سريرية على عقاقير لعلاج المياه الزرقاء، والضمور العضلي، واعتلال الأعصاب السكري، والتي تعد جميعها من أمراض الشيخوخة.