اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

حول الدفتر المهرب من سجن الحلة لقصائد النواب// د. لبيب سلطان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. لبيب سلطان

 

حول الدفتر المهرب من سجن الحلة لقصائد النواب

د. لبيب سلطان

 

كان العراق عام 1964  يموج بريح ونقاشات حادة عن وضع الردة  مذهولا عما حدث في السنة التي  قبلها من أسقاط الحكم الوطني  وأغتيال الزعيم والتصفيات بالجملة للتيار الوطني الذي يقوده اليسار والوطنيين والمثقفين العراقيين .  وكانت هذه الريح تطالنا نحن ايضا رغم كوننا طلبة صغارالسن بعمر 13 عاما في بداية الدراسة المتوسطة ولم نكن مجرد مستمعين بل نتداول ونناقش مانسمعه و نبحث عن الأخبار هنا وهناك . وجاء يوما ابن جيراننا , وكان افضل لاعب كرة في فريقنا في الحي وقال لنا وكنا ثلاثة ان صديقا لهم اتى من الصويرة اليوم ومعه دفتر ابو تلاثين (أي 30  ورقة) فيه قصائد مهربة لمظفر النواب من سجن الحلة وترك الدفتر ليوم واحد مع أخيه الكبير ليستنسخه  على ان يعود ليأخذه  في اليوم التالي. وهاهو الدفترمعي اخذته خلسة  من البيت ..نحن لم نسمع قبلها بمظفر النواب وسألناه من يكون، فقال انه شاعر وطني مشهور.  ابتدأ  خالد صويرة (كما كنا نسميه لأن عائلتهم نزحت من الصويرة بعد أنقلاب عام 1963 وأستأجرت منزلا في منطقتنا) بقراءة قصيدة صويحب و هو شاب اغتاله اقطاعي رجعي ربما في الكوت او العمارة وهاهي اخته في القصيدة تنعاه بلغة وروح ثائرة وتجعل من دمه وذكراه قربانا ودعوة لثورة لدك مرابض الأقطاع و الرجعيين، لقد ألهمتنا  وطلبنا منه ان يعيد مقاطعها مرارا  واذهلتنا القصيدة نحن الشباب الصغار من اولاد المحلة الذين اختلى بنا خالد صويرة الذي كان يكبرنا بعامين. ثم بدأ بقراءة قصيدة براءة حيث تعاتب ام ابنها انه نشر براءة من الحزب الشيوعي في الجرائد كي يطلق سراحه (كان ذاك شرطا وضعته السلطات لأطلاق سراح المسجونين السياسيين), وعتاب الأم هنا هو تجاوز ابنها على احلامها والامها وانتظارها الطويل اياما مقابل السجن المركزي لتعرف مصيره  وهاهو يقايضها "بخلك وصلة جريدة".هزتنا هذه القصيدة أيضا وكنا نكاد نبكي "بقلب الأم  يقصد به مظفر هو معناه آلام كل الشعب" كما قال خالد  الصويرة. ثم قرأ لنا الريل وحمد وقصائد اخرى من الدفتر جعلتنا نترنم بجوها وبوجدانيتها العراقية الأصيلة فهي من تلك القطع الخالدة التي بقيت معنا طوال حياتنا وتركت فينا منذ نعومة اظفارنا شدخا ادعوه  فيضا من"الوجدان الوطني العراقي" الذي يجمعنا كعراقيين بخصوصيتنا الثقافية وتراثنا وعواطفنا من الجنوب الى الوسط والى الشمال ببودقة واحدة ووجدان واحد اسميه الروح الوطنية العراقية.

 

في عام 1967 حصلت النكبة في 5 حزيران وبدئنا نسمع بالمقاومة الفلسطينية وقبلها كنا نتابع المقاومة البطلة للشعب الفيتنامي وكيف ان شعبا صغيرا بامكانه هزيمة قوة امبريالية عظمى مثل أمريكا،وكنا نسمع ان مظفر وزملاءه من الوطنيين يحضرون لخوض حركة للكفاح المسلح ضد السلطة ووصلتنا اخبارا ان الحركة بدأت فعلا في الأهوار ويقودها شاب وطني جاء من لندن اسمه خالد احمد زكي "اذا مات لا يدخل الجنة لأنه ملحد"  قالها عدنان ابو لحية وهو الوحيد الذي كان يصوم ويصلي في صفنا الأول في الأعدادية المركزية عام 1967 وكان يضم المتفوقين الأوائل من جميع متوسطات بغداد في شعبة واحدة تضم 35 طالبا جميعنا من الوطنيين عدا اثنين احدهما ابو لحية والأخر قومي (طاح حظ هيج جنة اذا بيها مثل اشكولك  يامتخلف) كما أجبناه . بعد أنقلاب البعثيين صيف عام 1968 رجعنا للدوام وقلوبنا معتصرة.  وجائت خسارة البعثيين في انتخابات الطلبة التي جرت في ذلك العام, وهي الأخيرة,  كان صفنا بالتحديد من وجه ضربة كبيرة لهم في الأعدادية المركزية مما دفعهم خلال نفس الأسبوع بأجبار المدير الأستاذ حخي الحسيني على ألغاء شعبتنا وتوزيعها على بقية  الصفوف, وبدؤا بعدها بتهديداتهم لنا فرادا. أذكر ان مسؤول ثانويات القطر للأتحاد الوطني ( وكان أعور" قد طلب اخراجي يوما من درس الفيزياء الخاص الذي كان ينظمه الأستاذ المصري الفريد نصري

 

لبعض الطلبة ليقول لي " انهم قادرون على تكشيرجلدي مثل ما تتكشر الخيارة" ,اتهمني اني هددت أحد أتباع البعث, وكدت اقع بمصيبة عندما أجبته أنه خاطيء "شنو عينك ما تشوف اني ماعندي عضلات حتى أهدد"    وثاروحاول الأعتداء لأنه أعتقد أني قصدت انه كان أعور رغم أني لم أقصدها,  وخلصني منه الحضور المفاجئ للأستاذ محيي الذي كان يعرف والدي بصحبة الأستاذ الفريد نصري الذي كان بعتبرني موهوبا في الفيزياء.

 

في بداية عام 1969 كان ظهور من يسمونه شاعر الشعب محمد صالح بحر العلوم على التلفزيون يمدح البعثيين والنظام الجديد ثم باسابيع تبعه ظهور عزيز الحاج سكرتير القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي التي كانت أمل العراقيين كما كنا نعتقد في التخلص من البعث وهو يخرط منهارا من على شاشة التلفزيون ان النظام الجديد سيقارع الأمبريالية وأنه يدعولمساندة النظام الجديد للبعث. كانت هذه الأنهيارات  قد قوضت احلامنا الشابة بان العراق يمكن ان يكون يوما تحت حكم شعبي وطني  يتلائم مع وجدانه وثقافته  وتاريخه وحضارته وتضحياته وسنكون نحن بناة مستقبله , ولكن, ان أحلامنا قد تقوضت بقينا نحمل هذا الهم طوال السنوات التي تلت مع القلة الوطنية التي لم  تؤيد الجبهة مع البعثيين ولم تقبل بمقولات وتقولات من زكاهم امام الشعب. وهنا يأتي مظفر النواب من قاوم بشخصه ودوره وحياته ومواقفه على رأس من قاوم المساومة مع البعث وأضعه مع هادي العلوي والكثيرين من الوطنيين والمثقفين العراقيين الذين بقوا طول حياتهم في الغربة يحملون الهم الوطني العراقي ولم تتلوث اقلامهم ولا مواقفهم وبقوا امينين على عصاميتهم ولعل مظفر هو ابو العصاميين وحاملي الوجدانية العراقية الوطنية وبقي مخلصا لها لآخر يوم في حياته.

 

د. لبيب سلطان- كاليفورنيا

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.