اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

هَلْ نَشهدُ إطفاءَ الظُلْمَةِ... وَشيوعَ رَغيدَ العَيشِ؟// محمود حمد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمود حمد

 

عرض صفحة الكاتب 

في مثل هذا اليوم (الأول من آيار)

هَلْ نَشهدُ إطفاءَ الظُلْمَةِ... وَشيوعَ رَغيدَ العَيشِ؟

محمود حمد

 

كلما التقيه يمورُ في ذهني ذات التساؤل:

هل هو منتمي للماضي لأنه مُكَبَّلٌ به؟!

أم أن الماضي منتمي إليه لأنه شريك في صنعه؟!

كنت كل صباح اتأمل خطواته بمهابة، وهو يسير على الرصيف بثبات، منتزعاً أقدامه العارية من تشبث الأرض الترابية بسنوات عمره الثمانين... اتطلع إلى طوله الفارع كنخلة تأبى الانحناء للريح، وإلى وجهه المتجلد المُحْتَدِم الملامح بالعزيمة والصبر، وقبضتيه الفولاذيتين اللتين تحكيان أزمنة من الصراع مع الآلة، وأطواراً من الألم في غرف التعذيب... أُصغي بانتباه شديد إلى حديثه المفعم بالوِدِّ رغم اقتضابه... وهو لم يكف عن سرد تاريخ رفاقه لي دون ذكر دوره في مقارعة عناد الأيام لهم، وبطش السلطات بهم!

 

إعتاد كل صباح باكرٍ شرب الشاي معي في باحة الدار الترابية الخارجية، قبل ذهابه إلى دكانه الصغير المجاور لبيتي، ليعزف على الحديد بمطرقته الثقيلة، ويُذيب الفولاذ بشواظ لهيب "الكير" الذي يوقده عند الشروق ولا يخمده إلاّ بعد الغروب.

لطالما ردد في أحاديثه:

"إن تفكك التنظيمات العمالية لا يعني انقراض الحركة العمالية!"

 

في مثل هذا اليوم (الأول من آيار) يستعرض باعتزاز تاريخ الحركة العمالية الملازم لتاريخ حياته...عندما تحرك العمال في شركة (بيت لنج) الانجليزية في البصرة مطالبين بإنصاف حقوقهم عام ستة عشر وتسعمئة وألف، وإضرابهم العفوي الذي قمعته سلطة الاحتلال الانجليزي بقوة السلاح!

مُنَوِّهاً إلى مشاركته في الإضرابات العفوية في العقد الثالث من القرن الماضي، التي تكللت بتأسيس أول جمعية "مُرَخَّصَة" للعمال في تموز عام تسع وعشرين وتسعمئة وألف، باسم (جمعية أصحاب الصنائع) ...التي أصبحت بفعل اتساع وقوة الحركة العمالية (اتحاد عمال العراق) في فبراير عام ثلاثة وثلاثين وتسعمئة وألف!

 

وبحديث عابرٍ أشارَ إلى مشاركته بعد ثورة تموز بالمؤتمر التأسيسي لـ(الاتحاد العام لنقابات العمال) الذي عُقِدَ في الحادي عشر من تموز سنة تسع وخمسين وتسعمئة وألف، وإلى (المؤتمر الأول للاتحاد العام لنقابات العمال) الذي عُقِدَ في التاسع من فبراير عام ستين وتسعمئة وألف!

دون ان ينسى حكاية (معطف "ما وتسي تونك" الذي اهداه له الزعيم الصيني خلال مشاركته بوفد عمالي زار الصين بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1959) ويحرص عليه كـ (إرث ثوري اممي وشخصي)!

 

لم يخف إحباطه مما آلت إليه (الحركة العمالية) بعد النكسات التي تعرضت لها بفعل القمع الدموي لقادتها وكوادرها، ونتيجة تجويف (اتحاد العمال) الحكومي من أهدافه النقابية ومضمونه الطبقي، وتحويله إلى جهاز بوليسي لقمع العمال وتكميم أفواههم!

 

لكنه رغم جفاف الريق، وانفراط عقد رفاق الأمس، وتصحر الوعي الجَمْعي بفعل الخوف، ألاّ أنه لم يكف عن الحلم... والتساؤل:

هَلْ نَشهدُ إطفاءَ الظُلْمَةِ...

وَشيوعَ رَغيدَ العَيشِ؟! 

 

فكتبت:

كُنّا مُنذُ لقائي الأولِ مَعَهُ قَبلَ سنينٍ...

نَتَحاورُ خَلفَ جدارٍ من أحداقٍ قاتلةٍ ومسامعَ سوءٍ...

نَتَفَكَرُ...

نُقَلِّبُ من وَجَعٍ صَفحاتَ عُقودٍ مأسورة...

نَتَذَكَرُ أياماً ما وِلِدَت بَعدُ...

ورفاقاً خَرَجوا عِندَ شروقِ الشمسِ...

وما عادوا...

نَتَساءلُ عن ضيمٍ حازمٍ يَنضحُ مِن بينَ أخاديدِ الوَجهِ المُتَغَضِنِ...

سبعونَ شتاءً مَرَّتْ يَعقِبُها صيفٌ وسنينَ عجافٍ...

وسجونٌ تَعرفُهُ مثلَ أنينِ المُعتقلينَ النازفِ في أقبيةِ التعذيبِ...

يَتساءَلُ دوماً... كُلَّ لقاءٍ:

"هَلْ نَشهدُ إطفاءَ الظُلمةِ... وشيوعَ رغيدِ العَيشِ؟!"

****     

الليلُ ثقيلٌ وطويلٌ...

والشُرطَةُ غائرةٌ خَلْفَ فتاةٍ دونَ العشرين بِـ... حاراتِ الكَرْخِ (1)..

عُمالُ المَخْبزِ في أقصى الشارعِ... يَرتَصفونَ لدفء التنورِ!

أكياسُ طحينٍ مصفوفةٍ كجدارِ الثَلجِ الراسخ وسطِ المَخبزِ...

وفتىً في مُقتَبَلِ العُمرِ يُسابِقُ فِكرَتَهُ...

"إيقادُ الجَذْوةِ في حاجاتِ المِعوَّزينَ"!

****

فتاة... تَمْرِقُ خاطفةً وسطَ الظُلمَةِ بجوارِ الحائطِ...

يَلْمَحُها...

يُدرِكُ إن طَريدَ الشُرطَةِ في هذا الليلِ القارِصِ... لابُدَّ نَبيلٌ!

يَتبَعُها...

يومئُ للمخبزِ... سِتْراً ومَلاذاً من قطعانِ الشُرطةِ!

يَفتحُ عُمالُ المَخبزِ نَخوَتَهُم...

تأتي الشُرطةُ تَسألُ عن امرأةٍ...

من تَحتِ عباءَتِها تَعصِفُ بعروشِ السُلطةِ...

يَكتِمُ عُمالُ المَخبزِ سِرَّ فتاةٍ دونَ العشرين...

تُهَدِدُ أركانَ القَمْعِ الأزليِّ...

تَمضي الشُرطَةُ غاضبةً...

يَخرِجُ صاحبُنا وفتاةٌ لا يعرفُها من خلفِ جدارِ الثَلجِ...

يوصِلُها لطريقٍ آمنٍ...

ويَعودُ!

****

تأتيهُ الشُرطَةُ في غَبَشِ الصُبْحِ...

تَتُّلُّ أباهُ الطاعنُ من شَيْبَتِهِ...

تُلْقِيهِ وأبيهِ وراءَ القُضْبانِ!

يَعرفُ أخبارَ فتاةٍ لا يَعرفُها من نزلاءِ السجنِ...

يَشعِرُ بالزَهو...

يَكْبَرُ في عينِ أبيهِ!

****     

مُذْ وَدَّعَني آخرَ ليلةٍ...

قَبلَ رحيلِ الغُربَةِ قَسْراً...

لَمْ نَتَواصَل..

أوصاني... حَذَراً:

" شَبكاتُ الهاتفِ أعشاشُ تَجَسَسٍ... وفِخاخٌ لا تَقْرَبْ مِنها!"

****

حالَ سُقوطِ السُلطةِ في شاشاتِ التِلفازِ...

طَرَقْتُ البابَ على بغداد...

قالَتْ جارته تَخنِقُها العَبَراتُ:

باتَ "أبو شلالٌ"(2) تُرابٌ تَسْفيهِ الريحُ...

وتَذَكَرنا قَولَتَهُ...

"هَلْ نَشهدُ إطفاءَ الظُلمةِ... وشيوعَ رغيدِ العَيشِ؟!"...

وبَكَيْنا!

 

1)   السيدة ثمينة عادل زوجة (سلام عادل)!

2)   (أبو شلال) القائد النقابي عبد الأمير عباس:

قبل فراقي لأبي شلال كنا نلتقي وندون (على حافة دفتر مدرسي لطلاب الصف الخامس الابتدائي كان يخفيه تحت طي قميصه!) جوانب من تاريخه الوطني والطبقي الغني، وبينها "حكاية حمايته لفتاة لا يعرفها وتطاردها الشرطة في الثامن من آذار!" التي وقعت في خمسينات القرن الماضي...!

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.