مقالات وآراء
سبعون عاما من السِفر المجيد- الثقافة الجديدة.. ثقافة الموقف!// يوسف أبو الفوز
- تم إنشاءه بتاريخ السبت, 18 تشرين2/نوفمبر 2023 10:22
- كتب بواسطة: يوسف أبو الفوز
- الزيارات: 1033
يوسف أبو الفوز
سبعون عاما من السِفر المجيد
الثقافة الجديدة ... ثقافة الموقف!
يوسف أبو الفوز
مساهمة في ملف الاحتفاء بالذكرى السبعين لصدور العدد الاول من مجلة (الثقافة الجديدة) العراقية .
الثقافة الجديدة العدد المزدوج 440 ــ 441الصادر في تشرين الثاني 2023
حين صدر العدد الاول من مجلة )الثقافة الجديدة( في تشرين الثاني/ نوفمبر 1953، لم يأت صدورها، تلبية لرغبة نخبة من المثقفين المتنورين، بل جاء لاسباب عديدة أفرزتها نضالات الشعب العراقي، وقواه الوطنية، والتي عبرت عنها بشكل واضح وثبة كانون المجيدة عام 1948، ثم انتفاضة تشرين 1952، حيث كانتا سببا، للتقريب بين الاحزاب الوطنية وبروز ما سماه حنا بطاطو (الحشد الجماهيري) كنموذج جديد للنضال، فبرزت حاجة المجتمع العراقي، وشريحة المثقفين خصوصا، الى صوت ثقافي يتميز عن السائد بنبرة مختلفة، يدعو لأفكار جديدة، حديثة، اكثر عمقا وارتباطا بتطلعات ابناء شعبنا للتغيير والخروج من عباءة الثقافات التقليدية، التي زرعتها ورعتها سلطات المستعمر والحكومات الذيلية المرتبطة بها، التي تواصل قمع الاحزاب الوطنية، في حين يعيش المجتمع العراقي واقع التباين الطبقي الكبير نتيجة لاستئثار عوائل مقربة من حاشية العائلة الملكية بالامتيازات وسيطرة وتحكم قوى الاقطاع ومسؤولين فاسدين في السلطة على آلاف الدونمات من الأراضي، الى جانب الامتيازات التي تتمتع بها شركات النفط الاجنبية واستغلالها ونهبها لثروات العراق، في حين يعاني عموم الشعب من انتشار الفقر والجهل، فكان صدور مجلة )الثقافة الجديدة (بشعارها العتيد (فكر علمي ثقافة تقدمية) واللوغو (الشعلة والعجلة) الذي صممه لها الفنان إسماعيل الشيخلي، صرخة مدوية بوجه جدار التخلف والرجعية الذي يمنع مثقفي العراق ومتنوريه، عربا وكردا، من التواصل مع الثقافات التقدمية الاخرى والتلاقح معها وامتلاك صوتهم الخاص للدعوة والعمل لبناء عراق مختلف.
ومعروف، كما اشار الى ذلك العديد من الباحثين والكتاب ( كاظم حبيب، صفاء الحافظ، وغيرهم ) ان المجلة صدرت بتوجيه واشراف من الحزب الشيوعي العراقي، وهكذا لم يكن مفاجئا انه في مقدمة العدد الاول من المجلة، جاء فيها انها (تقدمية تؤمن بوجود أفكار رجعية تحاول منع المجتمع وعرقلة سيره، فتحارب هذه الأفكار- معتمدة على دروس التاريخ القيمة وعلى التفكير العلمي الصحيح ). وتضيف المقدمة ايضا (إن الأفكار وان كانت تنشأ في ظروف اقتصادية واجتماعية ونفسية وتاريخية معينة، فأنها قوة ذات أثر فعال في تقدم المجتمع أو تأخره ، لذا نرى من واجبها استخدام هذا السلاح الماضي للتقدم، لا للتأخر، والسير للإمام، لا للرجوع إلى الوراء) .
وبحكم ارتباط الحياة الثقافية في العراق، بالتطورات السياسية، فان مجلة )الثقافة الجديدة( عانت من التنكيل والعسف، والمضايقات والمصادرة والمنع، مرات عديدة، وفي عهود مختلفة، تبعا لاهواء الحكام، الذين كانوا دائما يخافون الكلمة الحرة، والافكار الجديدة والثورية، التي يدركون جيدا انها تهدم وتثلم لهم جدارهم المقيت. لقد توالى على العمل في رئاسة تحرير )الثقافة الجديدة( وعضوية مجلس تحريرها، العديد من المثقفين والاكاديمين الذين كانوا مناضلين وفدائيين بحق، ومخلصين لتحمل وبمسؤولية مهمة عسيرة وشاقة، فتعرض البعض منهم للمضايقات والسجن والنفي بسبب من هذه المهمة، واستشهد العديد منهم ببطولة ونكران ذات نادرة، مثال الدكتور صفاء الحافظ ،صباح الدرة، شمران الياسري، كامل شياع واخرين، لكنهم رغم كل المعاناة بذلوا جهودهم ليتركوا بصماتهم في حياتنا الثقافية، واسدوا خدمات متميزة لاجيال من المثقفين تدربوا وتعلموا وتفتحت اذهانهم بفضل ما نشر على صفحات المجلة، من كتابات ودراسات اكاديمية لابرز كتاب التنوير والتجديد من الاكاديمين المتخصصين وجمهرة من الادباء والشعراء والروائيين والمسرحيين، مرورا ببدر شاكر السياب، محمد مهدي الجواهري، كاظم السماوي، عبد الله گوران، غائب طعمة فرمان، فيصل السامر، مهدي المخزومي، نزيهة الدليمي، عبد الملك نوري، وفؤاد التكرلي، وكثير غيرهم، اضافة الى الاعمال المترجمة لابرز المفكرين والكتاب العالميين.
واكاد اجزم بان النشر في المجلة ظل على الدوام معيارا مهما لتزكية وطنية وتقدمية اي كاتب، والاعتراف بقدراته وامكانياته، لاسباب عدة، يأتي في المقدمة منها، الصرامة في اختيار الموضوعات المنشورة والشروط المعلنة وغير المعلنة لاحقية النشر والتي تتعلق بالمستوى الفكري والفني والادبي الرصين والجاد لأي نص. وأزعم بأن اي باحث جاد، في هذه الايام، لا يمكنه تجاوز مجلة )الثقافة الجديدة( والاستغناء عنها، كمصدر هام وارشيف لابرز الكتابات في مختلف القطاعات الادبية والاكاديمية ، ومن هنا أدعو للعمل لاصدار فهرس بتبويب خاص بالموضوعات المنشورة في اعداد مجلة )الثقافة الجديدة( ليكون عونا للباحثين والدارسين وطالبي العلم والمعرفة.
واذا كان لابد من ذكر اسم، من اسماء العاملين في مجلة )الثقافة الجديدة(، فشخصيا،لا يمكن لي تجاوز اسم استاذي وصديقي، الراحل الدكتور غانم حمدون، ففي اصعب الظروف التي واجهتها المجلة، وهي تصدر خارج العراق،في العقدين الاخيرين من القرن الماضي، بذل جهودا متميزة لانتظام صدورها بشكل دوري، وتواصل بمثابرة كبيرة وبمشقة للبحث عن اسماء جديدة خصوصا بين الشباب ليفتح ابواب المجلة لهم للنشر، فتواصل مع مثقفين وشعراء وكتاب في ارجاء المنفى العراقي، وبذل جهودا حثيثة للتواصل مع مثقفين في مخيمات اللجوء في العربية السعودية (مخيمات رفحا والأرطاوية)، لينشر كتاباتهم التي تحمل موقفهم الرافض للديكتاتورية وحروب النظام العفلقي الصدامي العدوانية، ضد الجيران وابناء الشعب العراقي في الاهوار وفي كردستان.وتواصل مع الكتاب في صفوف الانصارالشيوعيين، في جبال كردستان، لينشر قصصهم ونصوصهم الشعرية،بل وليكتب بنفسه مقدمات تشجيعية تشيد وتعرف بها، وكان لي الشرف ان اكون واحدا من الذين تابع نشاطاتهم الادبية، واهتم بها ونشرها ولم يبخل يوما بملاحظاته المستندة الى خبرة ومسؤولية عالية.
وفي ظل ظاهرة تهافت وتساقط بعض المثقفين،وتنكر بعضهم بشكل فج لتأريخه،وتحولهم الى طبالين وذيول بل و(كتبة تقارير) للانظمة الحاكمة القمعية، خصوصا في ايام حكم الطاغية المجرم صدام حسين، ظلت مجلة )الثقافة الجديدة( أمينة لكونها موقعا صلبا لثقافة الموقف والثقافة الثورية، ليس لرفض الديكتاتورية والحروب والشوفينية وفضحهما، بل وفضح الكتاب المرتزقة ممن ارتأوا التحول الى طبالين ومساحين جوغ في حفلات الديكتاتور الدموية، من خلال نشر الدراسات والموضوعات التي تدين ثقافة العنف والأذلال والتبعية، ومن خلال ان تكون مجلة )الثقافة الجديدة( مجلة لكل المثقفين العراقيين، عربا وكردا ومن مختلف الطيف العراقي،تدعو لثقافة تقدمية أنسانية،هدفها التحديث والتغيير وبناء مجتمع ديمقراطي تسوده العدالة الاجتماعية.
تحية لمجلة )الثقافة الجديدة( العريقة في ذكرى صدور عددها الاول !
المجد للشهداء ممن عملوا على تواصل صدورها وممن نشروا نصوصهم على صفحاتها!
تحية لمثقفي العراق اينما كانوا ـ داخل وخارج الوطن ـ وهم يحتفون بمجلتهم الرائدة وهي تشعل في مسيرتها شمعة جديدة ، بعد السبعين !
هلسنكي
أيلول2023