مقالات وآراء
حادثة حزن ..// خديجة جعفر
- تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 18 أيلول/سبتمبر 2024 20:03
- كتب بواسطة: خديجة جعفر
- الزيارات: 560
خديجة جعفر
حادثة حزن ..
خديجة جعفر
انطلاقا من اعتبار الانسان كائن اجتماعي، يتحقق معنى وجوده ارتباطا بآخر مخَولا بلوائح من معايير التوصيف والتقييم والارشاد والنقد بحجة الافضل، ولا يجدر بنا الظن ان في ذلك قصور، بقدر ما يراد به تفاعل يصب في خانة تقسيم الادوار والتكامل الاجتماعي...
ثم، فجاة، او مُنذِرا، يأتينا الموت، هذه القطيعة من الحضور مع هذا الاخر ، لتعلن فترة الحداد التي اتفق على تحديدها اطراف الشرع والمجتمع بمدة ثلاث ايام دون الزوج للمراة الذي يفرض مدة اربعة اشهر وعشرة ايام... يتم تجميد دور المرأة عن الاداء الاغوائي عرفا ، وهو الامر الذي لا يعنينا في هذا الطرح بقدر ما يهم تفصيل معنى وارتدادات واغلفة الموت كفكرة اجتماعية ...
الموت مجتمعيا، حالة انفصال، انقطاع عن الاداء، سهوا عن الدور المفترض من هذه الالة الاجتماعية التي تعني كل منا باستفادة وإفادة.. فنحن هنا اسنان رحى لآلة تدور ابدا، فنحيا مرفهين او نموت جماعة مع توقف هذه الالة لتلغى استمراريتنا...
مقابل هذا الانفصال الاجتماعي موتا، نهدي فقيدنا فترة زمنية من الحداد ،ثلاثة ايام، تنكس الاعلام على دوائرنا الرسمية عند الفقد المهيب ،مدة ثلاثة ايام باعتماد البعض كافية لحجم الحزن على الغياب.. ما يعني بان الفرد منا يعادل عطلة إنتاجية تعادل قيمة ثلاثة ايام .. وقس على ذلك في التقييم.
فأن تكن قيمة إنتاجية الفرد في المجتمعات، تحدد قيمة العطلة ، بالتالي الحزن على فقدانه مما يفرض على القيمين الالتزام بسياسات وتشريعات تؤدي دورها وظيفيا للاهتمام به وبمعنى وجوده ودوره و استمرارية حياته ، فالفرد المنتج في دول التقدم يوزن أثقالا مضاعفة عن الفرد في بلاد التخلف ، بالتالي فللعيش والحياة قيمة لا تتساوى مع تناسب الحزن المقدرة والمتفق عليها ثلاثة ايام، الشخص المنتج يترك نقصا وعطلة في الالة الجمعية اكثر من غير المنتح، بالتالي يفترض حزنا أقل في المجتمعات الريعية غير المنتجة، فكيف يتعادل الحزن في البلدين مع فوارق الإنتاجية قيمة مادية ومعنوية؟
لذا كان لا بد من دعم يغلف فكرة الفقد في بلاد التخلف ، تعطي الفقيد حقوق الحزن عليه، بعيدا عن مقاييس الفراغ تفاعلا، لا بد من انتاحية ما لجواز قيمة حزننا عليه حتى لو اختصرت بحكم النصوص والاعراف بثلاث ايام..
غيابنا في دول التخلف لن يترك عطلة تقدر بثمن يستحق الحزن، لا بد من ثمن، فيكون بالاغلب هذا الثمن فكرة ، شعار او قضية لنتحول الى شعوب منتجة الشعارات والقضايا التي لا تتحقق بالاغلب ،حتى نستحق هذا الحزن علينا..
هذا الفقد غير المعطِل، المغلف بالشعارات، دفاعا عن القضايا الكبرى بغض النظر عن احقيتها من عدمه لاننا بصدد عرض لتسعير الفرد مقايضة بحجم الحزن استحقاقا، فالموت هنا لا يعني عطلة انتاجية تستحق حزن الفقد على مستوى العقل الجمعي بمجمله ليستحق كم الحزن... بل انه موت للفكرة التي تستحق حزننا، دفاعنا، غضبنا، عداءنا وقلق توازناتنا..
في بلاد التخلف يسهل الموت لانه لا يترك فراغا انتاجيا، فالافكار تتوارث بكل قيافتها ونضارتها ،بل انها تحيا على رفاتنا ، تتالق بغياباتنا، ليصبح الموت الحامل للافكار موتا يستحق حزنه ، فمع كل فقد نحن لا نخسر جسد بقدر ما نخسر حرف من فكرة، هكذا يحتسب الموت في بلادنا ولهذا نموت جماعات كاسراب العصافير في الاعاصير ولا نموت في حوادث الصيد، فالحوادث قدرية، والاقدار مُسَلَمات لا تحتمل الحزن ...
في بلاد التخلف، تتسطر الشعارات بالخط العريض ،تتصدر مقدمات الكتب المدرسية ، تسطو على اصوات المذيعين ، تمحى من الصفحات تشريعات التنمية حفاظا على موت يستحق حزنه ..
فكم اننا حزانى، وكم اننا هلاميين وسط هذا الكم من شيطنات الافكار .....
ويبقى السؤال مرعبا حين تَفَكُر:
" هل اننا شعوب لا نملك الا الموت لنسرق استحقاق الحزن غيابا؟...."
خديجة جعفر
17 /9 /2024