مقالات وآراء
الكاتب بوصفه مناضلا// مصطفى معروفي
- تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 08 تشرين1/أكتوير 2024 19:35
- كتب بواسطة: مصطفى معروفي
- الزيارات: 683
مصطفى معروفي
الكاتب بوصفه مناضلا
مصطفى معروفي
لقد كان من الطبيعي جدا أن يتأثر الكاتب العربي بالتيارات الفكرية والأدبية التي تتدفق من حوله والقادمة من القارة الأوربية تحديدا أوالقادمة من المعسكر الاشتراكي، وخاصة الكاتب من الكتاب الشباب التقدميين ، فرأينا أن ظهرت كتابة من نمط جديد سواء خضعت هذه الكتابة لشروط الإبداع الأصيل أم أخذت بناصية الاقتداء ـ لا أقول التقليد ـ في الأسلوب وفي المضمون عامة، فكان الأمر في هذه الكتابة كالتالي:
الجدة في طريقة التناول، ومحاولة القبض ما أمكن على المضمون الاجتماعي وتسطيره مع بسطه لتقريبه إلى الأفهام، وكذلك المنظور الجديد والمغاير للدلالات والقضايا التي تدخل ضمن اهتمام المواطن العربي وتشغل حيزا معينا من فكره وباله.
في البداية اقتنع الكاتب العربي بالأخذ بالنهج الثوري إيمانا منه بأن الثورة هي السبيل القويم لبعث الإنسان العربي من جديد والدفع بمجتمعه إلى سنك مسالك النمو والارتقاء في مدارج التقدم، مع حرص الكاتب إياه على الالتفاف حول ثقافته العربية محليا ولو أنه كان يرى أحيانا في هذه الثقافة استلابا مزدوجا سواء كان هذا الاستلاب على المستوى القومي أو كان على المستوى العالمي، فمثلا على المستوى القومي هناك كتابات تتكئ على التراث اتكاء يمنعها من أن تفتح عينيها على ما تزخر به الساحة الثقافية الكونية فتأخذ منه ما يعينها على التفتح والانفتاح لتحقق لنفسها النجاعة في المعالجة والتقدم في الفهم، وعلى المستوى العالمي كان الاستلاب ظاهرا في تبني كل ما هو منبثق عن الثقافة الغربية أو عن ثقافة المعسكر الاشتراكي، وأحيانا دون تمحيص لفرز ما يصلح منها لبيئتنا وما لا يصلح منها، فكانت النتيجة هي الوشوك على ضياع الهوية وفقدانها والوقوع في مخالب التبعية الفكرية والاغتراب الثقافي.
في خضم هذا الواقع الذي تأسس على الإنغماس اللامشروط في التراث وجعله وقودا للحركة الثقافية وعلى التوجه اللامشروط كذلك نحو ثقافة الغرب وجعلها المطية التي لا تتعب ولا تكل ولا مندوحة عنها من أجل الحصول على ثقافة عالية القيمة ظهر من يدعو إلى الاعتدال والأخذ بالثقافتين معا ، مع تمحيص كل ثقافة على حدة ، وتبني الملائم من كليهما للمجتمع العربي وما يخدم مصالحة ويحقق أهدافه.
ولما كان المجتمع العربي له تطلعاته التي يتوق إلى بلوغها، وأزماته التي يسعى لحلها ويريد التخلص منها، فقد عكس الكاتب العربي باعتباره مرآة لمجتمعه كل ذلك في كتابته، سواء كان هذا الكاتب ملتزما التزاما فنيا خالصا أو كان ملتزما التزاما إيديولوجيا، وهو قد فعل هذا مع زملائه من الكتاب الآخرين رغم التباعد الجغرافي بينه وبينهم، ورغم تفاوت نوعية السلطة والحكم في كل جغرافية.
إن نضوج الكاتب العربي والتصاقه الوثيق بأوضاع مجتمعه وتناوله لمواضيع جديدة ظهر جليا في نوعية الأسلوب ومعالجة المشاكل ، كما أظهر هذا النضوج أن الكاتب العربي يمتلك ثقافة متينة ورؤية ثاقبة للظواهر والأفكار والأشخاص والحياة عامة. وهو بهذا الوعي الراقي ما زال متشبثا وسيبقى متشبثا بالقيم الإنسانية السامية ، ولذا دائما نراه يرفض ما ينافي كرامة الإنسان ويقف ضد الصهيونية والامبريالية، ويعمل جاهدا في وطنه على تحطيم أغلال التخلف والدعوة إلى المضي أماما في تحقيق المكتسبات وتبوؤ وتأكيد المكانة المستحقة للأمة العربية بين الأمم الأخرى في الكون.
وشخصيا يبدو لي أن الكاتب العربي قدره أن يكون مناضلا لا يلين له جانب في الممارسة النضالية، وأن يبقى متطوعا وملتزما أخلاقيا بقضايا مجتمعه مهما كانت الظروف ومهما كانت الأحوال. إذ هو بالتعبير عن قضايا مجتمعه سيحقق ذاته ، وبالتالي يدعو أو يجبر الآخرين بأن يعرفوا ويفهموا بأن مجتمعه كائن حي ويستحق أن يكون كذلك.