مقالات وآراء
رحلة دون تدخل في كتاب محمد الماغوط: سأخون بلدي- (9) الحديقة قرب الغابة// عبد الرضا حمد جاسم
- تم إنشاءه بتاريخ الإثنين, 28 تشرين1/أكتوير 2024 20:09
- كتب بواسطة: عبد الرضا حمد جاسم
- الزيارات: 960
عبد الرضا حمد جاسم
رحلة دون تدخل في كتاب محمد الماغوط: سأخون بلدي
(9) الحديقة قرب الغابة
عبد الرضا حمد جاسم
أجمل شعارات هذه الامة وأعرقها... بل ثوب زفافها الأبيض... ماذا حل بها؟ ماذا بقي منها غير الازرار الصدئة والاكمام المتهدله والجيوب الفارغة؟
شعارات نقية يطلقها أناس انقياء وبلمح البصر تصبح كثياب عمال الدباغة مع ان الكل يدعي النظافة وتعقيم اليدين...
معاهد جامعات مخابر تكنولوجيا، ومع ذلك حكمة قيلت قبل أربعين قرناً على ظهر بعير تحكمنا وتسيطر على افعالنا ونحن على متن الجامبو والكارافيل وعلى ارتفاع أربعين الف قدم عن سطح الأرض... ما اذرب السنتنا في اطلاق الشعارات وما ارشق أيدينا في التصفيق وما اعظم جلدنا في انتظار ثمارها ومع ذلك فان منظر ثائر عربي يتحدث عن ألام شعبه للصحفيين وهو يداعب كلبه الخارج لتوه من الحمام او منظر طفل مقنزع في صدر سيارة بمفرده امام مدرسة خاصة او حضانة اطفل وعلى مسافة امتار من ظل السيارة يقف المئات تحت الشمس المحرقة بانتظار باص، يلغي مفعول عشرين دراسة ومئة محاضرة والف اغنية واهزوجة عن العدالة والاشتراكية،
كأن هناك من اختص في تحريف الشعارات العربية وتفريغها كالخلد من أي محتوى ولا يقر له قرار ما لم يتركها لمن سيجئ من بعده وهي كالطبخة المنهوشة بالأسنان حتى القشرة البيضاء، كأني بهؤلاء وامثالهم منذ اول مظاهرة عام 1948 اصطفوا على طريق النضال العربي وكل منهم وضع شعار من الشعارات في "حله" ووقف وراءها وبيده مغرفة وراح يفرغ ما بها كبائع السحلب وعندما تصبح هذه الشعارات ضجة بلا محتوى يعودون الى الصف مرة ثانية ويقفون رتلا احاديا وراء بعضهم كما في النظام المنّضم وكل منهم يحمل فرشاة في يمينه وسطل دهان في يساره ويبدأ بلصق التهمة تلو التهمة على ظهر الذي امامه بينما تكون فرشاة الذي وراؤه تعمل في ظهره وتلصق عليه الف تهمة مماثلة حتى اصبح ظهر المواطن العربي مع مرور الأيام والعهود والمراحل كواجهة السينما او لوحة الإعلانات
وفي المقابل هناك فريق ثالث يتألم و يخبط كف بكف لهذه الحالة ويدعو الى الشفقة والرحمة بهذه الامة ثم يتلفت يمنة ويسرى وينهش منها ثمن سيارة ويمضي
ويأتي اخر ينهش منها ثمن كنبات
واخر ثمن مزرعة دواجن
واخر ثمن كباريه
واخر ثمن شاليه
واخر محضر بناء
واخر تعهد قمامات
وهذه خاتم سوليتير
وتلك فستان سواريه للصيف
وتلك معطف فرو للشتاء
وهذه الامة ترتجف كالنعجة في موسم القصاص بعد ان جُردت من كل ما يسترها ولم يبقى منها الا الانسجة والاعصاب.
ولكن حذار:
يحكى ان نمراً في سيرك هندي بعد ان تقدم به العمر واحيل على التقاعد كأي دركي عجوز، دفن رأسه بين قائمتيه وانزوى بعيداً عن الأعين، لكن الحيوانات الأخرى لم تتركه وشأنه فراح كل ما في السيرك من قطط صغيرات وقردة وثعالب وسحالي وببغاوات وسعادين يتحرش به ذهاباً واياباً وهو صامت لا يروم تعففاً وسأماً ولكن في يوم من الأيام عندما زادوا من تحرشهم لم يطق صبراً على ذلك فانتظرهم حتى مروا قافلة واحدة ورفع يده وهوى بها عليهم فقضى على الجميع بضربة واحدة.
.........................
التالية (10) الجاحظ
عبد الرضا حمد جاسم