مقالات وآراء
البطريرك الشهيد مارشمعون بنيامين.. ومقتل ابن عمه نمرود وعائلته- الجزء 27// يعكوب ابونا
- تم إنشاءه بتاريخ الإثنين, 28 تشرين1/أكتوير 2024 21:51
- كتب بواسطة: يعكوب ابونا
- الزيارات: 577
يعكوب ابونا
البطريرك الشهيد مارشمعون بنيامين ..
ومقتل ابن عمه نمرود وعائلته- الجزء 27
يعكوب ابونا
في الحلقة السابقة تحدثنا عن البطريرك مارروئيل " روبين "شمعون 1861 – 1903 م ، وعن صفاته ومدى تسامحه وطيبة خلقة وسلامة نيته، فبالرغم من تصرفات ابن عمه نمرود المشبوه الا انه لم يتخذ بحقه اي اجراء، بل سمح لمراسلي رئيس اساقفة كنتر بري بان يقدموا المساعدة للكنيسة ، رغم ان مساعدتهم لم تكن بطيبة خاطر وحسن نيه ، بل لاهداف كانوا يسعونة لتحقيقها من خلال تلك المساعدات ، فاستقروا في مدينة اورميا، وفتحوا فيها مدارس لأبناء الامة.
كما قدمت جماعة من الراهبات لتعليم البنات بعض انواع المعرفة وبعض الفنون المنزلية. كما استقدم المرسلون طابعة جيدة ونصبوها في اورميا، وطبعت بها كتب مختارة لمساعدة واعانة الكنيسة، واختير احد المرسلين ليقيم في قوجانوس ليكون تحت امرة البطريرك باستمرار. وفي البداية قدم السيد هيزل" والسيد "براون" ، وهذا الأخير كان رجلا ماهرا وطبيبا حاذقا، عاش في قودشانوس اكثر من عشرين سنة..
كما ذكرنا بان اوراهام بن اسحق اخو نمرود كان منذورا للبطريركية، كما كان شمعون بنيامين ابن ايشاي شقيق روئيل البطريرك هو الاخرمنذورا لهذا المنصب ،
يذكر المطران ايليا ابونا في ص 143 من كتابه تاريخ بطاركة البيت الابوي ، بان نمرود واخوته أبناء اسحق لم ينتظروا العناية الألهية التي ترتب وترسم مصائرنا بمشيئتها ، بل ارادوا ان يفرضوا بالقوة ارادتهم، حينما قدموا الى الموصل آملين ان ينتصروا ويظفروا بهدفهم متشبثون بأمل فارغ،
ويضيف في هذه الاثناء دوّى في الموصل خبر موت البطريرك روئيل وانتقاله من العالم الفاني الى جنة النعيم. وان الأمة كلها زعقت بصوت واحد قائلة: راعينا وبطريركنا هو بنيامين وليس انسانا آخر مطلقاً.
وأخبر القيمون على شؤون الكنيسة حاكم "وان" بوفاة البطريرك كما العادة، وطلبوا منه ان يأمر باستقدام مار حنانيشوع ميطرا فوليط الرستاق التي هي "شمزدين" ليرسم البطريرك ويجلس على الكرسي ذلك الذي اختاره الله واختارته الكنيسة. وللحال اصدر حاكم "وان" أمرا لنائبه حاكم شمزدين ان يرسل الميطرا فوليط حنانيشوع بصحبة شلة من العساكر الى قودشانوس لرسامة البطريرك الجديد.
انصاع حاكم "شمزدين" لأمر سيده حاكم "وان" دون تأخير. وكان الشعب كله ينتظر وصول الميطرا فوليط، وقد هيئت كل متطلبات ذلك كالعادة. وحين سمع أهل بيت نمرود بذلك لبسهم الحزن واعترتهم رعدة الأسى فندموا ندما لا يجدي ولا ينفع على كل ما فعلوه،.
فبادر نمرود في الحال وأبرق الى حاكم مدينة "وان" يخبره بموت البطريرك روئيل، وقال له اطلب من نائبك في "شمزدين" ان لا يرسل حنانيشوع للرسامة البطريركية وان لا يمنح الرتبة البطريركية لأي شخص حتى عودتنا الى قودشانوس ،وحين قرأ حاكم "وان" كلام" نمرود هذا اندهش واستغرب من جسارته وصفاقته،
لان الحاكم المذكور كان قد سمع بخبر نمرود وأهل بيته، وكيف انهم قد خرجوا من حظيرة الكنيسة القديمة وتبعوا الكنيسة الجديدة، متحدين مع روما، وعليه فقد اعتبر ان لا علاقة لهم بأبناء الكنيسة القديمة ان أقاموا لهم بطريركا أو لم يقيموا . لذلك أهملت المملكة كلام نمرود، بل عملت بعكس ارادة نمرود وسعت جاهدة للاستعجال باتمام مهمة رسامة البطريرك..
وتهيأ الميطرا فوليط حنانيشوع امتثالا لأمر الحاكم، وفي كنيسة مار شليطا رسم ولي العهد بنيامين بطريركا، وكان ذلك عام 1903 م ، ودعي شمعون بنيامين. "وهو البطريرك الرابع والعشرون الذي قام في البيت الأبوي وهو السابع عشر في سلسلة الشمعونيين والسابع في سلسلة بطاركة قودشانس ،
وأخرجوه من الكنيسة وطافوا به ، باحتفال كبير حاملين القناديل المنيرة مع التراتيل والتسابيح الآلهية العذبة، ويشاطران الشعب افراحه ،.
واذ اعتلى مار شمعون السدة البطريركية تقدمت بين يديه اجواق الكهنة ووجوه الشعب ورؤساؤه لتقديم التهاني، ويتقبلون بركته، وعلى أفواههم ابتسامات الفرح والانشراح والسنتهم ترفع التسبيح ل الله الحي المسجود على نعمه ومواهبه التي منحها اياهم وأقام لهم هذا الراعي الحكيم، فكان الراعي التقي النقي، عمل بكل ما أوتي من قوة لحد تسليم نفسه فداء رعيته لينقذهم من الموت والفناء بسفك دمه الطاهر، لم يكن البطريرك الجديد قد تخرج في المدارس الكبرى وتلقن فيها العلوم والمعارف المختلفة، الا ان الله له المجد قد منحه النعمه والبركة الذي لا حد ولا وصف لمواهبه وحكمته ومعرفته ليكون رأسا وملكا روحانيا لشعبه،
كان يدير بذكائه اليقظ شؤون كنيسته ويقود دفتها بحكمته ومعرفته واطلاعه الدقيق على شؤون شعبه بشكل عجيب مدهش، يعطف على المساكين ويطعم الجياع ويغفر لحاقديه ويسامحهم..
وكان يعامل مار اوراهام اخو نمرود الذي وقف ضده دائما هو واخوته وأقاربه وبالحسنى، يقربهم اليه ويبدي لهم الود والمحبة الصادقة ويساعدهم ويجالسهم يوميا على مائدته يأكلون ويشربون معه.
ومع ذلك فهؤلاء الناس "يقصد نمرود وجماعته" توسلوا ببطريرك الموصل "الكلداني" ورجوه ان يسعى في رسالته في المناطق الجبلية اكثر من السابق، وطلبوا منه ان يرسل لهم اسقفا " لمدينة "وان" ، فاستجاب لذلك، وجاء المرسل وبنى قصرا كبيرا في "وان ".. وراح يرسل الكهنة والمبشرين الدومنيكان الذين راحوا يوزعون النقود بكميات كبيرة بلا عد ولا حساب على كل القرى المحيطة بمدينة "وان" و "جولميرك"
ويضيف المطران ايليا ابونا ..
لقد توفقت قليلا ارسالية البطريرك عمانوئيل وبخاصة في السنين الأولى، وذلك بتأثير النقود الكثيرة التي وزعت على الناس، فتبعهم بعض الجماعات من محبي المال من النساطرة والارمن..
اما البطريرك مار شمعون فلم يكن ليهتم بذلك مطلقا، ولكن منذ اليوم الأول الذي جلس فيه البطريرك مار شمعون لم تهدأ النزاعات والخصومات بين ابناء الأمة السيئة الحظ، واشتدت المماحكات والانشقاقات، وانقسمت الامة على نفسها، فصار هناك كنيستان، الكنيسة القديمة والكنيسة الجديدة. وبدورهم زاد الاكراد في الطين بلة، وغدوا هما فوق هم، اذ راحوا وباستمرار يمارسون النهب والسلب والقتل في الليل والنهار.
ولكن بالمقابل كانوا اذا ما ثارت بينهم نزاعات وخصومات تحيل استنبول قضاياهم بأمر رسمي الى مار شمعون ليكون حكما بينهم ينظر في مشاكلهم ويقضي بها. وكان الطرفان المتنازعان يرضخان ويخضعان لقضائه وللأوامر التي كان يصدرها بحق كلا الطرفين. وكان البطريرك يتقاضى راتبا من المملكة التركية يبلغ مقداره مائتين من الليرات سكة الذهب الخالص، انتهى الاقتباس
يذكر عبد المجيد القيسي في ص 5 من كتابه الاثوريون " كانت الحكومة العثمانية تمنح الملل "ملت" هم اتباع مذهب ديني معين "الغير المسلمين من رعايا الدولة العثمانية، نوع من الحكم الذاتي والاستقلال المحلي، فتمنح الرئيس الديني للمله البطريرك او الحاخام الرئاسة الدينية على اتباعه علاوة على رئاسته الدينية فيتولى سلطة تحكم على افراد ملته ويقتصر دور الحكومة بارسال الموظف المسؤول عن جباية الضرائب بزيارة الملة مرة واحده كل عام ويعود بعدها الى استنبول حاملا ماجمعه من الاموال.
ويضيف القيسي لكن تمتع الاثوريين بهذا الاستقلال الذاتي لم يحقق لهم الراحة والاستقرار والامان، فقد ظلت حروبهم من اجل الارض والمرعى والخلاف الديني مستمرة بضراوة بينهم وبين جيرانهم ،"الاتراك والاكراد" وتكلف كلا منهم المئات من القتلى من رجال ونساء واطفال علاوة على نهب الاملاك وحرق الدور والزروعات وهدم القرى ،
ورغم حالة ضعف الحكومة العثمانية الا انها لم تتردد عن تجريد حملات تاديبية عسكرية كلما انست من الاثوريين تباطوا في دفع الضرائب الباهضة او ميلا الى التمرد والعصيان، وللطبيعة الجهادية لهذه التجريدات، كما كان يسميها الاتراك، ولانتهاز الفرصة في الثار والانتقام بحماية الدولة فقد كان الاكراد يشاركون العساكر في اعمال القمع والتاديب وما تجراليه من ويل وثبورعلى الاثوريين..
لم يجد الاثوريين من ملجا يلجئون اليه لمساعدتهم على تخفيف من بلواهم سوى روسيا القيصرية، فهي اقرب الدول المسيحية جوارا اليهم ولذلك ارسل مار شمعون في عام 1868 رسالة الى قيصر روسيا يناشده العون والحماية من اعتداء الاكراد..
الا ان القيصر لم يستطيع الى مساعدتهم سبيلا الا التدخل عند السلطان العثماني ، والطلب بتخفيف معاناة الاثوريين ، وهو طلب لا يعيره السلطان اهتماما،
ولكن ما ان تغيرت الظروف والمعطيات فجلب موقع بلاد الاثوريين الاستراتيجي الهام وسط جبال حكاري التي تلامس الحدود الايرانية الروسية التركية، كما جلبت قدرة الاثوريين االقتالية وشدة باسهم انظار الانكليز والروس، بدأت روسيا تتودد اليهم مستغلة الرابطة المسيحية بينهما، لتاليبهم على الاتراك، كما اقدمت الكنيسة الانكليزية بتوثيق صلاتها بالكنيسة النسطورية الاثورية ، " انتهى الاقتباس " ..
كان الموقع الجغرافي الاستراتيجي للاثوريين لا يسمح لهم بالوقوف بالحياد، وكونهم رعيا الدولة العثمانية فاما ان يحاربوا معها او يتمردوا عليها،؟ ولما كانت ذكريات الاثوريين مع العثمانيين مريره وليس هناك ما يغريهم بالبقاء الى جانبهم او القتال معهم،
يذكر الملفونو عبد المسيح نعمان قره باشي في ص 120 من كتابه "الدم المسفوك" يقول في يوم الخميس 15 تشرين الثاني 1914 رفعت اعلانات على الاسوار والساحات العامة في المدن مكتوبا عليها " صدرت اوامر ملكية انها حرب مقدسة ضد فرنسا وانكلترا وروسيا، لان ملك انكلترا يتوعد المسلمين ويرغب في ابادتهم كليا وهو يقول "لن يكون امن وسلام في الارض ويعيش العالم براحة اذا لم يلغ كتاب القران"
ويضيف الكاتب وهذا كان افتراء روجه الالمان ليحركوا المسلمين ويحرضوهم على الحرب وكذلك ليثيروا البغضاء والحقد على المسيحين المقميين في بلاد تركيا " العثمانية " انتهى الاقتباس
واما نينوس نيراري يذكرفي ص60 و 61 من كتابه "اغا بطرس" عن اسباب انحياز الاشوريون الى روسيا،" بعد تنحى السلطان عبد الحميد عن الحكم وقيام تركيا الفتاة دعم الاشوريون الوضع الجديد وعلقوا عليه الامال برفع الاضطهاد عنهم ومنحهم مزيدا من الحرية، لكن القوميين الترك سرعان ما كشفوا عن نواياهم الخبيثه، بدعوى صهر جميع القوميات الصغيرة في امبراطوريتهم التركية من خلال عملية تتريك واسعة تبدا بالمسيحيين كونهم اعداء وليسوا مواطنين،
جاء في تصريح احد المسؤولين بالحرف الواحد "نحن نريد ان نعيش على هذه الارض اتراك فقط" اما القوميات الاخرى لتترك الارض التي نريدها مطهرة من كل غريب، وقال اخر" بثقافتنا القومية، نتيح للنبته التركية النو والازدهار، وعليه من الواجب تطهير البلد من بقية القوميات واستصال شافتها كنبته ضارة وهذا هو هدفنا" واما تصريح انور باشا احد القادة الثلاثة، "انا لم اعد اطيق تحمل وجود المسيحيين على ارض تركيا" وقد اعلن طلعت باشا عن هدف السلطة التركية باتخاذ من الحرب العالمية ذريعة للتخلص من الاعداء في الداخل وهم المسيحيين في تركيا " انتهى الاقتباس
هذه الاراء والمواقف الانتقامية من الاشوريين كانت قبل الحرب، لذلك ما ذهب اليه عبد المجيد القيسي في ص 9 من كتابه الاثوريون "وما ان علم الاتراك بعزم الاثوريين على الجلاء عن ديارهم حتى تقدموا الى مار شمعون بعروض مغرية وخطط للمصالحة تقضي بوجوب فك ارتباطه مع الروس مقابل السماح له ولقومه بالعودة الى ديبارهم في حكاري والبقاء فيها....
ويضيف الكاتب كان هذا العرض فرصة لمارشمعون الذهبية للعودة الى بلاده والوقوف على الحياد وانقاذ من تبقى من بني قومه من مغبة القتل والعذاب.. الا ان مارشمعون اغلق اذنيه عن نداء الاتراك ولم يملك الا الطاعة والامتثال لقرار الروس؟.. انتهى الاقتباس
نقول ان تاريخ الدولة العثمانية مع المسيحيين عموما والاشوريين على وجه الخصوص ملء بالاعتداءات وقتل ونهب وضرائب عالية وتتريك كما لاحظنا هدف الاتراك وتوجههم للنيل من المسيحيين وهذا كان قبل الحرب،
فكيف كان لمارشمعون ان يثق بالاتراك ووعودهم؟ وما ارتكبوه عبر تاريخهم الاجرامي مع المسيحيين عموما،؟؟ فكانت الثقة معدومه بالاتراك، وتصرفاتها الشائنه والمقيته، لا تجعل منها وسيله للتقارب بل كانت فرصة متاحه للاشوريين بالابتعاد عن ظلم وقمع الاتراك لهم ، هكذا كان الواقع يقرأ انذاك؟؟
لهذا الاسباب وغيرها اعتقد كانت سببا لعدم تجاوب البطريرك مع طلب الاتراك، لذلك اجد مع التقدير بان ما ذهب اليه السيد عبد المجيد القيسي ونقده لموقف البطريرك كان في غير محله، لان الثقة لا تعطى جزافا، لاناس لايستحقونها فالاتراك والاكراد كانوا من ضمن هؤلاء؟.
ومن ناحية اخرى كان لابد من قراءة الواقع العثماني وما تمر به الدولة العثمانية من ضعف وهوان، مقارنة بما هي عليه قوة الروس والحلفاء الانكليز والفرنسيين، فكانت الكفة لصالح الحلفاء، كانوا الاشوريون ياملون التخلص من نير العثمانيين باي وسيلة او طريقة ممكنه تنجدهم مما هم عليه، فالتحاقهم بالحلفاء والعمل معهم وبجانبهم كان حلمهم بتحقيق ماربهم بالتخلص من الاتراك والتمتع بالاستقرار والامن وبناء مستقبلهم السياسي كما وعودهم الحلفاء بذلك. فكان قرار الانضمام الى الحلفاء مطلوبا وفق تلك المعطيات،
ففي اجتماع ديز في 18 نيسان 1915 قرروا التحالف مع الروس، وكان هذا نص القرار .
" بما ان الحكومة التركية فشلت في القيام بالتزاماتها لحماية ارواح وممتلكات الاشوريين فقد قبلت الامة الاشورية دعوة الحلفاء وبشكل خاص انلكترا وروسيا وفرنسا بالانضمام الى قواتهم والقتال معهم حتى النهاية" ..
ويذكر القيسي في ص 7 من كتابه اعلاه، بان ملك خوشابا وهو احد الزعماء القبليين الكبار عارض ذلك، انتهى الاقتباس
وكما ظهر لاحقا بان ملك خوشابا كان احد عملاء السلطة العثمانية واستمرت عمالته للحكومة العراقية منذ نشأتها ولحين وفاته في 1954 م .
اعلن مار شمعون بنيامين الانتفاضة ضد الاتراك ودخول الحرب الى جانب الحلفاء، في 10 ايار 1915 ، فاصبح الاشوريين في وضع الهجوم بعد ان كانوا في وضع الدفاع، فوقفوا بوجه الهجمات التركية والكردية، فكبدوا العدو خسائر فادحه ، في 10 اب 1915 تسلم مار شمعون رسالة من محافظ الموصل حيدر بك يقول فيها:
" اخوك هرمز في يدي واذ لم توعز لرجالك بالكف عن القتال فسيكون مصير اخوك هرمز الاعدام "..
اجابه مار شمعون قائلا "انا قائد امة وشعبي كله كاولادي واخوتي وهم كثيرون وهرمز اخي ولكنه واحد، لتكون حياته قربانا لامته ".. وهكذا اعدم هرمز اخو البطريرك ..
وبعد صمود اربعة اشهر في القتال، طلب الروس من الاشوريين الانسحاب من جبال هكاري الى اورميه في بلاد ايران التي كان الروس قد احتلوها، وكان لقاء بين البطريرك مارشمعون والامير نيقولاي رومانوف بتفليس وتم تكريس التحالف ووضع خطة للعمل المشترك، ..
توجهوا الجميع الا اورمية الا ابن عم البطريرك نمرود وعائلته بقوا في قوجانس ورفعوا العلم التركي فوق منزلهم، كان من الطبيعي ان يبقى نمرود تحت الراية التركية كونه نائب في البرلمان التركي، بالاضافة الى انه كان قد ترك كنيسة ابائه وانتمى الى كنيسة الكاثوليكية الكلدانية في الموصل،..
وفي 19 ايار 1915 قتل نمرود وابنه شليطا وابن أخته يوناثان وستة من أولاد إخوته في قرية قوجانس، اختلفت الروايات بسرد احداث هذه الجريمة النكراء، فالمقربين من عائلة نمرود يتهمون "زيا وبثيو" من عشيرة البازيين بارتكاب هذه الجريمة، وغيرهم يتهم عشائر تخوما وباز وديز، وهناك من يتهم القس الياس والد المطران نرساي دي باز، ومجموعة من ابناء باز ومرزا، ومنهم من يتهم البطريرك لانه اوعزو لهؤلاء لارتكاب هذه الجريمة النكراء،
ولغرض تقيم الحدث عن قرب لا بد ان نسمع لما قيل بحق البطريرك مارشمعون بنيامين.
يقول نينوس نيراري في كتابه اغا بطرس سنحاريب القرن العشرين ، ص 81 -83 دخل اللاجئون الاشوريسون النازحون من حكاري الى ايران وتمركزوا في ثلاث مدن هي اورميا، وسلامس، وخوي ، وعاشوا هناك حياة صعبة للغاية، ما بين سنة 1915 - 1916 م فكابدوا الفاقة والحرمات والعوز، وكل لوزام الحياة من ماكل ومشرب وماوئ، ولما علم اغا بطرس ما حل ببني قومه ال على نفسه ان يعمل المستحيل لانقاذهم مما هم فيه،
فوقف خطيبا قائلا ان وطننا غارق بدماء اخوتكم، وقرانا محروقه ومخربة، واموالنا مسلوبه وكنائسنا مدنسة من الاتراك الاكراد، ونواياهم الشريرة ابادة جميع المسيحيين، ..... ويختم خطابه بالقول صلوا ثلاثا في اليوم من اجل انتصارنا، وصلوا من اجل مقاتلي الحلف الذين يقاتولون اعدائنا، وبلا شك سيكون النصر حليفهم وسيتحقق لنا اعيش الكريم على ارضنا وفي قرانا بسلام وامان، ويضيف تضرعوا من الله تعالى ان يمد في عمر البطريرك "مار شمعون بنيامين" الذي يعمل ليل نهار من اجل مستقبل هذا الشعب واطلبوا السلامة لعائلته الكريمه.. " انتهى الاقتباس
ماذا نفهم من خطاب اغا بطرس وهو احد المقربيين لزمن الحدث، فان كان للبطريرك يد بمقتل نمرود وعائلته لكان اغا يطرس اول العارفين بذلك، وان كان عارف بذلك كيف يكون هذا خطابه وتقيمه للبطريرك الشهيد بهذا الاحترام والاجلال؟؟ وخاصة اغا بطرس لم يكن بالرجل الذي يداري الخواطر، للقارء نترك التقدير..
ولكن يذكر الدكتور رياض السندي في مقال نظام (نَاطِر كُرسِيَّا)- للوراثة البطريركية الشرقية- (1318- 1976) . يقول
"لقد كُتِب الكثير عن هذه الحادثة. ودار الجدل حول دور عائلة البطريرك بنيامين في مقتل عائلة نمرود بأسرها، فمنهم من نسبها إلى تحريض وتخطيط عائلة البطريرك، ومنهم من برأها منها.".. ويضيف وبعد الإطلاع على العديد من المصادر التاريخية يمكن إستخلاص ما يلي:
نقول ان المصادر التي اعتمدها الدكتور السندي هي ما ورد بكتاب يوسف مالك خوشابا من الصفحة 26 – 28 وليس سواها .. يقول
أولا. إنها إحدى حلقات الصراع على الكرسي البطريركي ..
نقول ان الكرسي البطريركية كان قد حسم امره منذ 1903 ، لصالح البطريرك بنيامين، ولم يكن هناك اي صراع بين الطرفين، في 1915 وقت ارتكاب الجريمه.
ثانيا. يقول إن تمرد نمرود على حرمانه من منصب البطريرك قاده إلى تغيير مذهبه من النسطرة إلى الكثلكة عام 1903، وهو أسلوب طالما كرره المعارضون للوراثة البطريركية منذ 1552.
نقول هذا خطا لان نمرود لم يغير مذهبة بسبب حرمانه من منصب البطريركية، لانه اصلا كان قد غير مذهبة قبل 1903 ومنذ زمن البطريرك مار روبين شمعون، فهذا الطرح مردود لانه لايستقيم مع الواقع المعاش انذاك ..
ثالثا. يقول إن الخلاف بين البطريرك الشاب بنيامين ونمرود قد إنتقل من الولاء المذهبي إلى الولاء السياسي، فإنصب على البقاء إلى جانب تركيا كرعايا أتراك أو الإنضمام إلى جانب الحلفاء كعملاء لروسيا أبتداءا وبريطانيا لاحقا ..
كذلك نقول هذه الحجة مردوده من اصلها لان نمرود اصلا كان نائبا في البرلمان التركي من الطبيعي ان يكون ولائه للاتراك، ولم يكن هذا بالشئ الجديد عند البطريرك، ليفاجئ به الاخرين، ولم نجد اي صراع او خلاف بين الطرفين ظاهر للعيان تحدثوا به الاخرين او المقربين على الاقل .. .
رابعا. يقول السندي، إن دور البطريرك وعائلته في هذه المأساة لا يمكن إخفاؤه رغم عدم ظهوره بشكل مباشر، ويدل على ذلك، القصد من هذه الجريمة التي يمكن وصفها بالجريمة السياسية لتعارض المصالح السياسية بين طرفيها،
وهذا السبب هو الاخر مردود لانه اجتهاد في غير محله، لان لم يبين لنا السيد السندي ماذا كانت مصالح نمرود المختلف عليها مع البطريرك بعد ان كان قد التحق بالكنيسة الكاثوليكية من زمن البطريرك مارروئيل وليس بزمن مار شمعون بنيامين، ومن جهة اخرى لم يكن لنمرود وعائلته اي دور سياسي وتاثير حكومي تركي مؤثر على البطريركية، ولم يكن بامكانه ان يحد من سلطة البطريرك الدينية او السياسية، ليكون ذلك سببا بتعارض وتضارب مصالح الطرفين لتصل حتى الانتقام من الاخر؟.
ويختم السيد السندي بالقول، وهو القضاء على أي معارضة لإنضمام الأثوريين إلى جانب الحلفاء والذي أعلنه البطريرك ذاته رسميا بالحرب على الدولة العثمانية في 10 أيار 1915 في إندفاع مبالغ فيه، .
نقول وهذا الاجتهاد هو الاخر مردود جملة وتفصيلا لان لا سند موضوعي للسيد السندي يمكن الاعتداد به، لانه لو كان القضاء على كل معارض للانظمام للحلفاء مصيره القتل لكانوا قتلوا ملك خوشابه، الذي كان يعلن صارحة بانه مناؤء للعائلة البطريركية وضد شخص البطريرك مار شمعون ، فلماذا لم يقتل بل عاش لغاية 1954 ...
يذكر يوسف مالك خوشابا في ص 28 من كتابه اعلاه، بان السيد ياقو مالك اسماعيل بان مارشمعون لا علاقة له بالامر وانه تالم كثيرا لمقتلهم ،" يقصد نمرود وعائلته" .. انتهى الاقتباس
ولكن نقول هناك من خفايا الامور ما لم تظهر لعيان بشكل واضح، منها الخلافات والصراعات بين العشائر رؤساء "ملوك "القبائل الاشورية التي كان يعاني منها البطريرك، لانها انعكست على مجرى الاحداث واحدثت ما احدثته، بسب تلك الصراعات والخلافات؟ في زمن كانت الامة بامس الحاجة الى وحدتها وكلمتها؟. فماذا كانت نتيجة تلك الخلافات والصراعات؟؟
من هنا نقول صراحة بان كل المعطيات والوقائع التاريخية تشير الى عدم وجود اي صلة او دور للبطريرك الشهيد مار شمعون بنيامين، في هذه الجريمه النكراء، لانه ببساطة لم يكن له اية مصلحه بقتل ابن عمه نمرود، بل كانت بالنسبه له ماساة حقيقية لانه فقد بهذه الجريمه الشنعاء اقرب الناس له،
هناك مثل يقال ،"حب أحجي، واكره وأحجي" وهذا ما حدث فعلا للاسف بان زمرة من المرائين والحاقدين الكارهين لعائلة مارشمعون ولعائلة بيت ابونا في القوش، فسوقوا اباطيل واكاذيب، لتشويه سمعت هذه العائلة التي قدمت الغالي والنفيس من اجل كنيستهم المشرقية وعقيدتهم المسيحية،. فان مرت تلك الاباطيل والاكاذيب على البسطاء من ابناء شعبنا، كان يجب ان لا تكون كذلك بالنسبة للمثقفين، لانه كان الاجدربهم ان يكونوا اعلى من هذا المستوى بقبول وتصديق الاباطيل والاكاذيب؟ بل كان عليهم ان يقيموا الواقع بموضوعية بعيدا عن الانحياز والتعصب المذهبي او الطائفي او القومي.؟ لان مهما طال الزمن "الحق يعلو ولا يعلو عليه" ..
كما لايفوتني ان اذكر بان في عام 1908 حدث خلاف بين جماعة من كهنة القوش والبطريركية الكلدانية ادى ذلك الى انشقاق بعضهم والتحاقهم بالكنيسة الشرقية ، ..
في الحلقة القادمة سنتحدث عن ذلك.. بعون الله ..
يعكوب ابونا .................... 28 /10 /2024