مقالات وآراء
حميد النصير الشيوعي الطيب البسيط// أمير أمين
- تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 13 تشرين2/نوفمبر 2024 21:12
- كتب بواسطة: أمير أمين
- الزيارات: 592
أمير أمين
حميد النصير الشيوعي الطيب البسيط
أمير أمين
حينما التحقت بقوات انصار الحزب الشيوعي أواخر عام 1979 في منطقة بهدينان, تعرفت على شيوعيين أكراد لاول مرة في حياتي الحزبية من خلال العمل اليومي والقيام بمهام تسمى حينذاك الخدمة الرفاقية كتقطيع ونقل الحطب وبناء الغرف وملحقاتها وعملية الطبخ لطعام الغذاء والعشاء وعمل الشاي وغيرها بالاضافة الى الحراسات النهارية والليلية .. كان معي في القاعة عدد من الرفاق الاكراد, كنا ننام على البطانيات لعدم وجود الافرشة الاسفنجية وعند كل واحد منا بطانية يلتحف بها وتوجد مدفئة تعمل على الحطب تقع وسط القاعة نقوم بتلقيمها قطعة او أكثر بين حين وآخر ..في أحدى المرات لاحظت أن الشهيد عادل وإسمه الصريح رمضان يحمل عصى طويلة وكان ينظر لي ويضحك ويقوم بوضعها تحت البطانية بيني وبينه..! قلت له.. ماذا تفعل.. رد .. أنك تأتي بساقك وتخترق منامي ..! تعجبت وأنكرت ذلك .. لكنه أكد حصوله لعدة مرات بينما كنت أغط في نوم عميق ..! وقال أن هذه العصى سوف تتحسسها أنت حينما تنام فلا تقرب ساقك الى منامي مرة أخرى ..تفهمت الموضوع ولكن المسألة تحصل دون إرادتي مما دفع عدد من الرفاق الاكراد بإستنكار فعلته والصياح عليه باللغة الكردية .. فهمت من خلالها أنهم يدافعون عني وكان هو يرد عليهم بنوع من العصبية وكونه لا يستطيع النوم بشكل مريح .. قلت لهم .. أنه على حق على الرغم من عدم تذكري ما إدعى من فعل ..لكنه بعد ذلك أخذ الامور ببساطة وصار يضحك وهو نصير طيب وشهم وقد إستشهد في سنوات لاحقة وعلمت أن له إبن شاب إنتمى الى بيشمرگة الحزب الديمقراطي الكردستاني .. سألته مرة عنه فضحك وقال إي والله هو في حدك وهو شاب ومسؤول عن نفسه وأحسست ان المسألة طبيعية بالنسبة له ..وفي السنة التالية أصبحت مسؤوله الحزبي في إحدى الخلايا وكان يمتاز بوعي جيد ويناقش ما نطرحه من أفكار ..كذلك تعرفت عن قرب على النصير أبو أسمر وهو من الاكراد الطيبين وأيضاً قدته مرة حينما إستلمت مهمة سكرتير لجنة قاعدية حيث كان هو عضواً فيها وكان يمتلك الوعي والحماس وينفذ توجيهات الحزب بشكل جيد دون ان يعترض على اي قرار حتى لو لم يكن مقتنعاً به وهو من مواليد عام 1918 من إحدى قرى دهوك وشغل فيما بعد إداري إحدى السرايا علماً أنه كان نصيراً منذ عام 1963 وتعلم القراءة والكتابة في الحركة الانصارية للحزب الشيوعي وبشكل محدود وسمي بأبي أسمر لأن له بنت وحيدة إسمها أسمر وإسمه الصريح هو جامي عيسى رسول وقد توفي عام 1987 في كردستان وبين رفاقه الانصار ..والرفيق الكردي الآخر هو حميد ..الانسان الطيب البسيط الذي ينفذ كل ما يطلب منه ..لم أعمل معه بشكل مباشر في اي هيئة حزبية لكني أحتك معه كل يوم من خلال العمل وهو من أشد الرفاق الذين يحترمون رأي القيادة والهيئات العليا وينفذ القرارات والتوجيهات بشكل عام دون مناقشة او اعتراض على العكس من بعض المثقفين الذين يجادلون ويعترضون كثيراً وأحياناً لا ينفذون إلاّ إذا إقتنعوا بشكل تام ..في إحدى المرات وكانت في مقر فصيل القيادة ندوة ..عرفنا أنهم سوف يوزعون علينا الجوز كوجبة للعشاء بالاضافة الى رغيف واحد لكل نصير زائداً قدح أو أكثر من الشاي ..كنت بالقرب من النصير الطيب ابو نرجس وهو من أهالي الناصرية وإسمه الصريح رشيد مهلهل ..كنا نتكلم ونضحك ثم دخل للقاعة النصير حميد وبيده گونية.. وهي كيس من الجنفاص وكان بها كمية جيدة من الجوز ..صار يوزع علينا لكل نصير خمس او ست جوزات, وهو يوزع كان يخبرنا ..رفاق أللي عندة جوزتين تالفتين أعطيه بدلها جوزة واحدة جيدة .! ثم يستكمل كلامه ..هذا قرار الحزب ..ضحكنا أنا وابو نرجس وبالصدفة وجد ابو نرجس ان لديه ثلاث جوزات تالفات اي غير صالحات للأكل ..صاح عليه ..كاكا حميد تعال بدّل هذه الجوزات بإثنتين مو خايسات ..! التفت اليه النصير حميد ورد عليه .. المهم سوف أخذ منك إثنتين تالفتين واعطيك واحدة زينة ..! ولأن ابو نرجس دهري رفض العرض وقال له ..لا ما أبدلهن ..!! ثم اعقب بالقول ..أعطيك كل الخايسات وهن ثلاث وتعطيني إثنتان صالحات للأكل ..لم يتعب النصير حميد نفسه بالرد سوى أنه قال له ..رفيق هذا قرار الحزب وإذا ما تريد آني رايح وغادرنا الى مكان آخر يوزع به لبقية الرفاق ..التفت ابو نرجس نحوي وقال ..شوف هذا صدّگ ما ابدلهن ..! ثم صاح عليه ..قائلاً أعطيني وحدة زينة وخذ إثنتين تالفتين وسوف أحتفظ بواحدة تالفة لكي استبدلها معك إذا ظهرت لي واحدة تالفة مرة أخرى ..إيتسم النصير حميد وقال له زين بس ضمها عندك وذكرني حينما أوزع عليكم الجوز مرة ثانية ..في القاعدة كنا نقوم بشراء الماعز الذي يسميه الاكراد البزن ونقوم بذبحه وحينما يكون العدد كثيراً تشتري القاعدة معزتين وبهذه الحالة يكون رأسيهما والارجل والاحشاء الداخلية لعمل ما يطلق عليه الباچة للفطور ..وفي أحد الايام سمعنا أنهم ذبحوا أكثر من بزن ووصلت الاخبار الى سريتنا أن صباح الغد سيكون الفطور باچة ..التي لم نذقها منذ زمن بعيد وربما هذه تحصل لأول مرة ..كنا فرحين ونمنا باكراً حتى ننهض مبكرين في الساعة السادسة ..وعند تمام الساعة السابعة والوقت شتاءً وكأن الدنيا ليل ..تم توزيع الخبز علينا ..كل نصير رغيف واحد كما هو المعتاد للتحضير لما يسمى الثريد في صحن يوزع لكل ثلاثة أنصار وتوجد عليه قطع صغيرة من لحم الرأس او القلب وغيرها ..سال لعابنا ونحن على موعد مع تناول الباچة وكل واحد منا يمسك برغيفه ....صاح أحد المسؤولين ..رفيق حميد خذ هذا السطل الى المقر وأجلب لنا الباچة وخليهم يضعون لك ماي زيادة لأن عددنة كبير ..! رد عليه النصير حميد ..صار رفيق جيب السطل وتناوله من يده وهو من الفافون وكان جديداً ونظيفاً ..صحنا عليه قبل الخروج ..حميد خليهم يحطون الك بالسطل الكثير من اللحم ..ضحك وهو يلتفت لنا وقال مو بيدي ..هذا قرار الحزب ..!!! صرنا نعد الدقائق وكل منا ينظر الى ساعته ويقول هسة راح يدخل للقاعة.. ويصيح آخر حضروا الصحون ..حتى ان بعضهم أخذ يقطع الخبز للتهيئة لعمل الثريد اللذيذ ..وما هي إلاّ برهة من الوقت حتى دخل النصير حميد وكأن أحد أفراد أسرته قد مات ..! ( إسم الله عليهم ) كان حزيناً يمسك بالسطل الفارغ ويتأسف من الرفاق كافة بالقول ..رفاق كان ظلام وزلت قدمي وأنا أعبر الجسر فسقطت كل محتويات السطل من ماء ولحم ! ولم يبقى شيء فيه ..! قلنا له صحيح تتكلم لو تمزح معنا ولم يعملوا الباچة ..قال لا والله رفاق لقد قلت الحقيقة وأنا حزين جداً لما حصل بس مو بكيفي ..علماً ان الباچة يتم عملها في المقر الذي يبعد عن السرية بمسافة حوالي ربع ساعة وعلى من يأتي ان يصعد للجسر المبني فوق نهر صغير إسمه الخابور والجسر من الاغصان والاوراق وعملية المرور فوقه صعبة وخاصة عند عدم وضوح الرؤيا وهذا ما حصل للنصير حميد ..قال له بعضنا ..مو مشكلة لا تحزن ..سوف نتناول فطور آخر بينما إنتقده البعض على عدم تماسكه اثناء المشي عليه ..حميد ذلك الانسان الكردي الرائع الذي يمتاز بالخجل والهدوء ومحبة الرفاق له وهو ينفذ ما يطلب منه دون تردد ويشعر أن جميع الانصار هم رفاقه لأنه يعتقد ان هؤلاء هم ابناء الحزب الشيوعي فينظر لهم بمحبة واحترام ويقدر مشاعرهم ولا يزعل من نقد او لوم له من قبل بعضهم.. إنه شيوعي مخلص لقضيته بوعيه الفطري الذي يلازم حياته ..
ملاحظة.. أرجوا من الذين يعرفون اي شيء عن النصير حميد وأين هو الآن .. وهل استشهد ام لا زال حياً .. أن يكتب معلومة عنه رجاءً ..