مقالات وآراء
تحول هائل نحو اليمين في الولايات المتحدة// ترجمة حازم كويي
- تم إنشاءه بتاريخ الإثنين, 25 تشرين2/نوفمبر 2024 20:45
- كتب بواسطة: حازم كويي
- الزيارات: 525
ترجمة حازم كويي
تحول هائل نحو اليمين في الولايات المتحدة
ستيفان ليبش*
ترجمة حازم كويي
سيُسجل يوم الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) 2024 في التاريخ باعتباره يوماً أسود لجميع أولئك الذين يدافعون عن الديمقراطية والقضاء المستقل في الولايات المتحدة والعالم، ومن أجل وسائل إعلام حرة ومكافحة تغير المناخ، ومن أجل الكرامة الإنسانية. فقد كان ترامب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، ليكون أيضاً الآن الرئيس السابع والأربعين: ففي الإنتخابات هذه حصل ترامب على ما يقرب من 75 مليون صوت، أي أكثر بكثير من نائبة رئيس الولايات المتحدة الحالية، كامالا هاريس، التي صوت لها 71 مليون صوت. ترامب حصل على 312 صوتاً في المجمع الانتخابي، أي أكثر بكثير من 270 صوتاً اللازمة لانتخابه. ويُعد الرجل البالغ من العمر 78 عاماً أكبر شخص يتم إنتخابه رئيساً على الإطلاق في تاريخ الولايات المتحدة الممتد لـ 248 عاماً. وسيكون أيضاً أول رئيس يُدان في محاكمة جنائية.
كما أستعاد الجمهوريون الأغلبية في مجلس الشيوخ: في المستقبل سيكون هناك 53 عضواً جمهورياً و47 عضواً ديمقراطياً فقط. ورغم أنه يجري حاليا فرز الأصوات الأخيرة لمجلس النواب، فمن المؤكد الآن أن الجمهوريين سيكونون قادرين على الدفاع عن أغلبيتهم الضئيلة. ونظراً لوجود أغلبية محافظة أيضاً (6: 3) في المحكمة الدستورية، أي المحكمة العليا، فإن الجمهوريين يسيطرون الآن على جميع فروع الحكومة الثلاثة: التنفيذية والتشريعية والقضائية. وهذا يعني أن ترامب يملك كل مفاتيح السلطة بيده.
من صوت لترامب؟
وخلافاً لما حدث في عام 2016، عندما تم إنتخاب ترامب رئيساً دون أغلبية الأصوات المدلى بها، فقد فاز بالتصويت الشعبي للمرة الأولى في محاولته الثالثة. علاوة على ذلك، باستثناء ولاية يوتا وواشنطن، أنتقلت كل الولايات في هذه الإنتخابات إلى اليمين.
إذا نظرت إلى إستطلاعات الرأي التي أعقبت الانتخابات، فإن الصورة لن تتحسن. وبينما تمكنت هاريس من جمع أغلبية أصوات النساء خلفها (53 مقابل 45 بالمئة)، فاز ترامب بين الرجال بنسبة 55 مقابل 42 بالمئة. وكان تقدمهُ مُرتفعاً مرة أخرى بشكل خاص بين الرجال البيض (60:37)، لكن ترامب تمكن أيضاً - للمرة الثالثة على التوالي - من تأمين أغلبية واضحة من النساء البيض (53:45). في حين فشلت جهود هاريس للانضمام إلى هذه المجموعة فشلاً ذريعاً.
لم تكن هناك سوى مجموعتين من الناخبين الذين دعموا الحزب الديمقراطي بشكل واضح مثل جو بايدن قبل أربع سنوات: الأمريكيون من أصل أفريقي (85:13) واليهود (78:22). أما ترامب فلم يشهد سوى مكاسب صغيرة بين الرجال السود (77:23 لهاريس). وحققت هاريس أعلى مُعدلات لجميع مجموعات الناخبات بين النساء الأميركيات من أصل أفريقي (91:7) وكبار السن (93:5).
ترامب حقق مكاسب في جميع المجموعات الديموغرافية تقريباً، وفي بعض الحالات حتى المجموعات الكبيرة. ومن بين اللاتينيين حصل على 46 في المائة (هاريس: 52 في المائة)، في مجموعة الرجال اللاتينيين فاز بنسبة 55:43 في المائة. أن أغلبية الذكور اللاتينيين صوتوا لصالح ترامب، على الرغم من أنه كان يقوم بحملة ضد المهاجرين من أمريكا اللاتينية لسنوات،والتي صدمت المُراقبين التقدميين. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن اللاتينيين ليسوا مجموعة مُتجانسة؛ في حين أن الأميركيين الكوبيين على وجه الخصوص يقفون بقوة إلى جانب الجمهوريين، إلا أن الدعم أقل بين البورتوريكيين أو المواطنين من أصل مكسيكي.
ومع ذلك، يبدو أن قرارات التصويت يتم إتخاذها بشكل أقل على أساس الخلفية العرقية، وفي المقابل، يصبح مستوى التعليم أكثر أهمية.فقد فازت هاريس، كما هو متوقع، بين الناخبين من خريجي الجامعات، لكن ترامب فاز بين المجموعة (الأكبر) من الناخبين الذين لا يحملون شهادة جامعية وخاصة بين أولئك الذين لم يلتحقوا بالجامعة مطلقاً (63:35).
وهذا يدل على أن الحزب الجمهوري نجح في كسب تأييد أجزاء من الطبقة العاملة. وحتى بين أولئك الذين تضم أسرهم عضواً نقابياً واحداً على الأقل، وفيها حصل ترامب على 45%. وفاز بأغلبية الأصوات من الأسر التي يقل دخلها السنوي عن 50 ألف دولار، في حين فازت هاريس بين الأسر الميسورة التي تكسب أكثر من 100 ألف دولار سنوياً. ومن بين الذين قالوا إنهم عانوا من التضخم في السنوات الأخيرة، حصل ترامب على 74 في المائة، فيما نالت هاريس 77 في المائة من مجموعة الأشخاص الذين قالوا إنهم لم يعانون من التضخم.
وكان السبب الأهم الذي دفع أغلب الناخبين إلى إتخاذ قرار التصويت هو الوضع الاقتصادي. تسبب التضخم الناجم عن جائحة كوفيد في إرتفاع أسعار المواد الغذائية والإيجارات والمنازل بشكل حاد. ورغم أن إدارة بايدن تمكنت من السيطرة على التضخم، فإن ذلك لم يعني إنخفاض الأسعار، بل تباطؤ في إرتفاع الأسعار.
ولا عجب أن العديد من الناس يلقون اللوم على الحكومة الحالية ــ التي تشغل هاريس منصب نائب الرئيس ــ في هذا الأمر. المفارقة المريرة هي أن حكومة بايدن حاولت التحول الديمقراطي الاجتماعي عن الوصفات القديمة لليبرالية الجديدة، ولكن تم إحباطها من داخل صفوفها. وبالإضافة إلى ذلك، فحيثما نجح بايدن ــ برنامج البنية الأساسية، والنمو الاقتصادي، وإنخفاض عدد العاطلين عن العمل ــ فإن هذه النجاحات كانت ملحوظة حقاً، فقط بالنسبة لعدد قليل للغاية من الناس. وكما هو معروف، فإن الناخبين عموماً لا يصوتون على برامج أو إحصائيات سياسية مجردة، بل على أساس ما يشعرون به في حياتهم اليومية.
وقد عبر بيرني ساندرز، من ولاية فيرمونت، وهو اليساري الأكثر نفوذاً في الولايات المتحدة، والذي تم تثبيته عضواً في مجلس الشيوخ لمدة ست سنوات أخرى،وعبر عنه على هذا النحو: "لا ينبغي أن يكون من المُستغرب أن يجد الحزب الديمقراطي الذي خذل الطبقة العاملة،ليجد نفسه الآن أن الطبقة العاملة تتخلى عنه. […] وبينما تدافع القيادة الديمقراطية عن الوضع الراهن، فإن الشعب الأمريكي غاضب ويريد التغيير". ولم يوعدهم الديمقراطيون، باعتبارهم حزب الوضع الراهن، بإجراء هذه التغييرات، لكن ترامب وعدهم بذلك. وكما هو الحال في عامي 2016 و2020، فقد أعتمد على الاستياء الكبير للمواطنين من السياسات الراسخة في واشنطن العاصمة. بنجاح.
ومع ذلك، ستؤكد إدارة ترامب بلا شك أن الجمهوريين يظلون حزب مالكي الأموال الكبيرة.هم لن يحاربوا الفقر في البلاد، بل على العكس سيخففون العبء عن الأغنياء ويقيدون حقوق النقابات العمالية.
الإجهاض والهجرة
قضية أخرى في يوم الانتخابات كانت حقوق الإجهاض. في تحالف ترامب مع المسيحيين الإنجيليين حصل على(82:17 بالنسبة لترامب)، وجعل الجمهوريون القضية مشحونة سياسياً في العقود الأخيرة. لقد صوت كل من يريد إنهاء الحق في الإجهاض تقريباً لصالح ترامب.
وبعد أن أثبت الإجهاض أنه قضية رابحة للديمقراطيين في إنتخابات الكونغرس عام 2022، إعتمدت هاريس أيضاً على تأثيره الحشدي. لكن هذا الحساب لم ينجح، على الرغم من أن الديمقراطيين تمكنوا من جدولة الاستفتاءات حول الإجهاض في عشر ولايات. وتم تأمين الحق في الإجهاض في سبع ولايات وحصل على أغلبية في ولاية أخرى (فلوريدا) لكنه فشل هناك عند العقبة العالية البالغة 60 بالمائة.
ومع ذلك، وكما كان الديمقراطيون يأملون، فإن هذا لا يعني أن جميع المدافعين عن حقوق الإجهاض صوتوا لصالح المرشح الذي يدعمه. قال 14% فقط من الناخبين في إستطلاعات الرأي التي أعقبت الانتخابات إن الإجهاض كان أهم قضية إنتخابية بالنسبة لهم - ومن بين هؤلاء، صوت واحد من كل أربعة أشخاص لصالح ترامب. (للمقارنة: اعتبر 32% أن حالة الاقتصاد هي العامل الحاسم في هذا السؤال).
وكما هو الحال في ألمانيا، يهيمن الخطاب اليميني، عندما يتعلق الأمر بالهجرة إلى الولايات المتحدة. ويعتقد 87% من ناخبي ترامب أنه يجب ترحيل المهاجرين الذين يعيشون في الولايات المتحدة دون وثائق إقامة صالحة. وخلال الحملة الانتخابية، دخل الديمقراطيون في منافسة لمعرفة من يستطيع إغلاق الحدود بشكل أفضل. وهنا أيضاً، كان من الواضح أن ترامب يتمتع بقدر أكبر من الحزم.
مسألة السياسة الخارجية.
عادة ما يكون لقضايا السياسة الخارجية تأثير بسيط على الانتخابات في الولايات المتحدة. وكان الأمر نفسه هذه المرة، حيث أعلن 4% فقط أنها القضية الأكثر أهمية. ولم تلعب الحرب الروسية ضد أوكرانيا أي دور يذكر في الحملة الانتخابية.
وكانت الحرب في الشرق الأوسط مختلفة. فقد اختلف العديد من الناخبين الديمقراطيين مع سياسة إدارة بايدن/هاريس المتمثلة في تزويد الجيش الإسرائيلي بالأسلحة دون قيد أو شرط. وكان هناك غضب كبير إزاء ذلك، خاصة بين الأميركيين من ذوي الأصول العربية. وفي ديربورن بولاية ميشيغان، المدينة التي يبلغ عدد سكانها 100 ألف نسمة وجالية عربية كبيرة، فاز ترامب بنسبة 42:36 في المئة. قبل أربع سنوات، كان جو بايدن قد فاز بثلثي الأصوات هناك. وحصلت مرشحة حزب الخضر (الذي يصعب مقارنته أيديولوجياً بحزب الخضر الألماني)، التي ركزت حملتها بشكل شبه كامل على الحرب في غزة، على 18%. ومع ذلك، لم يكن لذلك تأثير يذكر على الصعيد الوطني،فقد فازت غيل ستاين فقط بنصف بالمائة من إجمالي الأصوات، وهو ما يعادل تقريباً نفس نسبة روبرت إف كينيدي السيناتور، الذي سحب ترشيحه داعياً إلى إنتخاب ترامب. وحتى لو كان عدم إلتزام حملة هاريس بإنهاء مبيعات الأسلحة لإسرائيل،فلن تأتيها الاصوات الكافية، بالنظر إلى الفجوة الكبيرة مع ترامب، فيمكن القول إن القضية لم تكن حاسمة في نهاية المطاف بالنسبة للانتخابات.
هزيمة مريرة.
وتجدر الإشارة، إلى أنه كانت هناك أيضاً (قليلًا) من الأخبار الجيدة من الجانب الآخر من الطيف السياسي في يوم الإنتخابات. ليعود اليساريون الراسخون إلى الكونغرس مرة أخرى. وسيظل بيرني ساندرز وإليزابيث وارين قادرين على رفع أصواتهما في مجلس الشيوخ، وألكساندريا أوكازيو كورتيز، وإلهان عمر، ورشيدة طليب، وسمر لي في مجلس النواب. وكذلك سارة ماكبرايد، بالإضافة إلى ذلك، تمكن بعض اليساريين، بما في ذلك أعضاء حزب الاشتراكيين الديمقراطيين الأمريكيين (DSA)، من الفوز بمقاعد على مستوى الولايات.
مع ذلك، ونظراً لنتائج الانتخابات، يبدو من الصعب رؤية أي جانب إيجابي. مع فوز ترامب في الانتخابات، أصبح من الواضح أن المعركة العالمية ضد صعود الاستبداد اليميني تعرضت لهزيمة مريرة. ولأن الفوز بالانتخابات تم في الدولة التي لا تزال أقوى دولة إقتصادياً وعسكرياً على الإطلاق، فإن العالم كله سوف يشعر بالعواقب الوخيمة.
لقد أتسمت الأيام التي تلت إعلان نتائج الانتخابات بالاكتئاب والحزن في الجزء التقدمي من الولايات المتحدة. وتدور حالياً مناقشات ساخنة بين اليسار الأمريكي والديمقراطيين حول أسباب الهزيمة. يعارض العديد من الوسطيين المرشح الديمقراطي ويقولون إن السبب الرئيسي وراء ذلك هو أن كامالا هاريس لم تتمكن من دخول الحملة الانتخابية إلا في وقت متأخر جداً. لكن هذا يتجاهل حقيقة أن حملة هاريس كانت عُرضة لسوء التقدير على نطاق واسع. إن إستراتيجيتها المتمثلة في الفوز بالأصوات من المنافسة من خلال الظهور في حملة مشتركة مع الجمهورية المخلوعة ليز تشيني فشلت بنفس القدر لمحاولتها إقناع النساء (البيض) في الضواحي. إن حقيقة إدعاء كبار الديمقراطيين الآن أنهم أداروا حملة "لا تشوبها شائبة" ربما ترجع إلى حقيقة أنهم لا يريدون تغيير سياساتهم على الرغم من الهزيمة المريرة.
ويعارض كريس مورفي، عضو مجلس الشيوخ من ولاية كونيتيكت، هذا قائلا: "عندما يتصرف التقدميون مثل بيرني [ساندرز] بشكل عدواني ضد النخب التي تحبط الناس، فإنهم يتجنبونهم [من قبل الديمقراطيين] باعتبارهم شعبويين خطرين. لماذا في الواقع؟ ربما لأن الشعبوية الاقتصادية الحقيقية ضارة بالناخبين من ذوي الدخل المرتفع؟ […] نحن بحاجة إلى قطيعة واضحة مع الليبرالية الجديدة. ويؤكد إستطلاع أجرته مؤسسة "بيانات من أجل التقدم" في يوليو/تموز من هذا العام أن مطالب اليسار، مثل توسيع فوائد الرعاية الصحية (60%) وزيادة الضرائب على الأغنياء والشركات (64%)، تحظى بدعم أغلبية واضحة من المواطنين.
ومن أجل ترجمة مواضيع الاستطلاعات إلى أغلبيات في صناديق الاقتراع، فمن الواضح أن هناك حاجة إلى تغيير المسار - بعيداً عن همسات الأموال الطائلة ونحو المصالح الملموسة للموظفين التابعين. ولكن مع الحزب الديمقراطي هذا، فمن المؤكد أن الأمر لن يكون سهلاً على الإطلاق.
ستيفان ليبش*: عضو في البرلمان الألماني(البوند ستاغ) سابقاً ،حالياً رئيس مكتب مؤسسة روزا لوكسمبورغ في نيويورك.