مقالات وآراء
شخابيط ذات معنى: الانسان الشرقي ومشاكل الاغتراب// د. عامر ملوكا
- تم إنشاءه بتاريخ الإثنين, 13 كانون2/يناير 2025 20:18
- كتب بواسطة: د. عامر ملوكا
- الزيارات: 625
د. عامر ملوكا
شخابيط ذات معنى:
الانسان الشرقي ومشاكل الاغتراب
د. عامر ملوكا
يعد الاغتراب تجربة معقدة متعددة الأبعاد، تمزج بين التطلعات والطموحات من جهة، والتحديات المرتبطة بالهوية الثقافية، العلاقات الأسرية، والضغوط الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى. هذه التجربة تمثل نقطة تحوّل كبيرة في حياة العديد من الأفراد في المجتمعات الشرقية، حيث يمتزج الحلم بالهجرة مع واقع التحديات التي تواجه الأسرة بعد الوصول إلى بلاد المهجر.
الهجرة: بين الحلم والواقع
لطالما كانت الهجرة حلماً يسعى لتحقيقه الكثيرون في المجتمعات الشرقية، خاصةً في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية المحلية. غالباً ما يُنظر إلى الهجرة على أنها وسيلة لتحقيق الاستقرار المادي والاجتماعي في بيئة تضمن التعليم المتطور، الرعاية الصحية، والفرص الاقتصادية. إلا أن رحلة الاندماج في المجتمع الجديد تأتي بمراحل معقدة تبدأ بإشباع الاحتياجات الأساسية مثل الأمان والمسكن، ثم السعي نحو تحقيق الاستقلال المادي، وتنتهي بمحاولة إيجاد مكان للفرد داخل المجتمع الجديد عبر النجاح المهني والاجتماعي.
الإشكاليات الاجتماعية داخل الأسرة الشرقية في المهجر
تفكك الروابط الأسرية والاستقلال المادي
في بلاد المهجر، تتغير ديناميكيات الأسرة بشكل كبير. إذ يصبح لجميع أفراد الأسرة مصادر دخل خاصة بهم، مما يؤدي إلى تراجع التبعية التقليدية داخل الأسرة. بينما كانت الأسرة الشرقية تعتمد تاريخياً على الرجل كمعيل أساسي، فإن النساء والأطفال يجدون في الاغتراب مساحة لاستقلالهم المالي والشخصي. هذا التحول يمكن أن يضعف الروابط الأسرية ويخلق صراعات جديدة، حيث تُعيد كل شخصية داخل الأسرة تقييم دورها التقليدي. في بعض الحالات، قد تُعبر النساء عن رغبة في الانفصال نتيجة شعورهن بالظلم أو الحرمان في أدوارهن السابقة.
سوء فهم مفهوم الحرية
تشكل الحرية الفردية قيمة أساسية في المجتمعات الغربية، إلا أن فهمها الخاطئ من قبل بعض المهاجرين يؤدي إلى قرارات قد تضر باستقرار الأسرة. يجد البعض أنفسهم منغمسين في سلوكيات تهدف إلى "تعويض" سنوات من الكبت في مجتمعاتهم الأصلية، مما يعرضهم لمخاطر تتعلق بغياب المسؤولية والتوازن.
تحديات الهوية الثقافية
يمثل التوازن بين الهوية الثقافية الأصلية وقيم المجتمع الجديد معضلة شائكة للمهاجرين الشرقيين. يُعاني الأطفال، الذين ينشأون في بيئات غربية، من فجوة ثقافية مع أهاليهم نتيجة تبنيهم لقيم جديدة قد تختلف جذرياً عن تقاليدهم الأصلية. هذا التباين يؤدي إلى صراعات بين الأجيال، ويُضعف التواصل الأسري.
نحو حلول تعزز استقرار الأسرة الشرقية في بلاد المهجر
لضمان استقرار الأسرة الشرقية في الاغتراب، يجب تبني استراتيجيات تعتمد على تعزيز الحوار الأسري والتواصل البناء. من الضروري تثقيف الأسر حول التحديات الاجتماعية والثقافية التي قد تواجهها، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على الهوية الثقافية الأصلية واحترام قوانين المجتمع الجديد.
أهمية بناء الدعم النفسي والاجتماعي
يعد إنشاء مراكز مجتمعية داعمة ضرورة لتوفير منصات تُعزز التفاعل الاجتماعي وتبادل الخبرات بين العائلات. هذه المراكز يمكن أن تقدم استشارات متخصصة تساعد الأسر في مواجهة الضغوطات وتدريبها على كيفية التعامل مع التغيرات.
إعادة التوازن بين الأدوار الأسرية
يمكن تحقيق هذا التوازن من خلال الحوار المفتوح حول إعادة تعريف الأدوار داخل الأسرة، وتحديد المسؤوليات المشتركة بما يتماشى مع الواقع الجديد. كما يُمكن أن يُساعد إشراك الأفراد في اتخاذ القرارات العائلية على تعزيز الثقة المتبادلة.
تعزيز الهوية الثقافية والدينية
تُعتبر الهوية الثقافية والدينية أحد أعمدة الاستقرار الأسري. لذا، من المهم تعزيز القيم التي تدعم الرحمة والمودة داخل الأسرة. يمكن تحقيق ذلك من خلال أنشطة اجتماعية ودينية تُرسخ الهوية الثقافية، وتشجع على قبول الفروقات بين الأجيال، وتعزز الاحترام المتبادل.
إشراك العائلة في المجتمع المحلي
الانخراط في الأنشطة التطوعية والمجتمعية يساعد الأسرة على بناء شعور بالانتماء ويتيح لها فرصة التعلم من تجارب عائلات أخرى واجهت تحديات مشابهة.
يواجه المهاجر الشرقي تحديات معقدة في محاولة للتأقلم مع واقعه الجديد. إلا أن التمسك بروح الحوار، تعزيز قيم التواصل، واستثمار العلاقات الاجتماعية والعائلية قد يكون المفتاح لتحقيق التوازن والاستقرار. فالأسرة، رغم كل التحولات، تظل النواة الأساسية لأي مجتمع، وحمايتها وتعزيز استقرارها يعكس قوة الإنسان الشرقي في مواجهة الاغتراب.
د. عامر ملوكا
...