مقالات وآراء
الحرب والأخلاق!// د. ادم عربي
- تم إنشاءه بتاريخ الجمعة, 24 كانون2/يناير 2025 20:21
- كتب بواسطة: د. ادم عربي
- الزيارات: 1060
د. ادم عربي
الحرب والأخلاق!
د. ادم عربي
لا يزال المجتمع البشري، في قيمه الأخلاقية والحضارية والإنسانية، وفي أنظمته وتشريعاته، بعيداً عن الوصول إلى مرحلة تمنع قتل النفس البشرية بشكل قاطع رغم تطوره الحضاري ، وربما لنْ يبلغ هذه المرحلة مطلقاً ، فتاريخ البشرية يظهر بوضوح أنَّ القتل، بمعنى إنهاء الإنسان لحياة غيره، ظل أداة ضرورية لتحقيق التطور الاجتماعي والثقافي. على مر العصور، عمل الإنسان على إعادة صياغة المفاهيم الأخلاقية والقانونية والفلسفية المتعلقة بظاهرة القتل أوْ التطوير الأخلاقي والقانوني والفلسفي للقتل ، لدرجة أنَّ بعض أشكال القتل أصبحت تُقدَّم في بعض الثقافات كأفعال تعكس قيماً عليا من الأخلاق والإنسانية والسمو الأخلاقي، وحتى الفكر.
هل يُعتبر قتل الإنسان لأخيه الإنسان جائزاً أم محرماً؟ مشروعاً أمْ غير مشروع؟ فضيلة أم جريمة؟ هناك من يطرح هذا السؤال كما لو كان يشبه التساؤل: "هل المطر نافع أم ضار؟" ومن الواضح أنَّ الإجابة تعتمد على الظروف: المطر يمكن أنْ يكون نافعاً في ظروف معينة وضاراً في أخرى. بناءً على هذا المنطق، يرون أنَّ الأهم هو تحديد متى يصبح القتل فعلاً يحمل الخير، ومتى يتحول إلى شر. ووفقاً لهذا التفكير، صاغ البشر منظومات أخلاقية تناسب احتياجاتهم، لتبرير أعمال القتل في سياقات محددة.
الحرب أثارتْ جدلاً واسعاً لمْ يُحسم بعد حول الموقف الأخلاقي تجاهها ، ومع ذلك، استطاع هذا الجدل أنْ يقود إلى توافق نسبي بشأن بعض القضايا، حيث اتفق أغلب الأطراف تقريباً على أنَّ "الدفاع عن النفس" يُعتبر حقاً مشروعاً. لكن هذا الإجماع سرعان ما يتلاشى عند محاولة تطبيقه على مواقف حقيقية تدخل ضمن إطار هذا "الحق المشروع". على سبيل المثال، قد يقوم مجرم أو سارق بقتل شخص أثناء محاولته الدفاع عن نفسه، أو قد يكون المدافع عن نفسه شخصاً ارتكب جرائم جسيمة، مما يثير التساؤل عما إذا كان جديراً بالحياة.
لا يمكن للحق في الدفاع عن النفس أنْ يحتفظ بمعناه الكامل إذا اعتُبرت بعض تبعات ممارسته جرائم يُحاسَب مرتكبها عليها، حتى وإنْ كان في سياق الدفاع عن حياته ، ففي كثير من الأحيان، قد يجد المدافع عن نفسه نفسه مضطراً لارتكاب فعل القتل، مما يضع هذا الحق في موضع تساؤل.
من الواضح أنَّ العديد من الأشخاص يرون أنَّ أفعال القتل التي يرتكبونها، والتي نصنفها نحن كـجرائم، هي في نظرهم ممارسة لحق مشروع في الدفاع عن النفس. فالقاتل، في العموم، لا يُقدم على القتل لذاته، بلْ بدافع حماية نفسه، وهو ما قد يختلط عليه أحياناً فلا يميز بوضوح بين الدفاع عن وجوده وبين حماية مصالحه وامتيازاته الشخصية.
من هنا يمكننا أنْ نستنتج أنَّ المصالح الواقعية وحدها هي التي تشكّل رؤيتنا الأخلاقية تجاه فعل القتل. فالقتل يصبح مقبولاً ومشروعاً، بلْ ويمجَّد، عندما يخدم تلك المصالح الواقعية والمادية ، التي قد تتطلب أحياناً تغليفها بغلاف من القيم الأخلاقية والإنسانية، أوْ تغطيتها بشعارات الديمقراطية والمبادئ الأيديولوجية. إضافة إلى ذلك، قد تستدعي تلك المصالح تسليحها بدوافع عاطفية أو عصبية. ومن ثم، فإنَّ الشخص الذي تتطلب مصلحتنا قتله، نحرص على صياغة صورة أخلاقية أوْ أيديولوجية له تجعل من قتله أمراً مُبرَّراً ومحموداً، بلْ يستحق القاتل عليه التقدير والمكافأة!
في ميدان السياسة، حيث تُعتبر الحرب الأداة الأكثر فاعلية لتغيير الواقع، يصعب على الإنسان تمييز الأسباب الحقيقية الكامنة وراءها ، فعادةً ما تُغلف هذه الأسباب برداء أيديولوجي يحجبها عن الإدراك الواضح، سواء بالعقل أوْ بالبصيرة. وعندما يُطرح السؤال عن دوافع الحرب، تُقدَّم إجابات سطحية وواهية، تلبي رغبات الجماهير التي تميل بفعل العصبيات أوْ التلاعب الأيديولوجي إلى تجاهل الحقائق. أما من يحاول الكشف عن الأسباب الواقعية للحرب، فقد يُنظر إليه على أنَّه بعيد عن المنطق أو فاقد للحكمة.
الحرب ليست سوى القتل في سياق سياسي، إنها عملية قتل الأفراد بهدف تحقيق هدف سياسي ، والسياسة في جوهرها، هي أولاً وأخيراً متعلقة بـ "المصالح الاقتصادية"، التي تُترجم إلى أهداف سياسية ، لتحقيق هذه الأهداف، يمكن إما اللجوء إلى الإقناع عبر الدبلوماسية، أوْ الانزلاق إلى الإكراه من خلال الحرب. وقد أوضح كلاوزفيتس العلاقة بين الحرب والسياسة، مشيراً إلى أنَّه من أجل الوصول إلى الهدف السياسي ، نبدأ أولاً بمحاولة الإقناع ، أي إقناع الخصم بضرورة تلبية مطالبنا ، فإذا تحقق ذلك، تكون الدبلوماسية قد نجحت ، أما إذا استمر في العناد ورفض التعاون، فلا خيار سوى الانتقال من الإقناع إلى الإكراه ، وبالتالي اللجوء إلى الحرب.
إنَّ الفشل الدبلوماسي هو ما يدفع ويفاقم الحاجة إلى القتل السياسي ، أوْ الحرب. ومن هذا المنطلق، يمكن اعتبار السياسة بمثابة فن إلحاق الضرر الجماعي بالبشر، أوْ القتل الجماعي للبشر.