مقالات وآراء
هل انتصرنا أم هزمنا؟ محاولة لتقييم موضوعي// صائب خليل
- تم إنشاءه بتاريخ الأحد, 09 شباط/فبراير 2025 20:21
- كتب بواسطة: صائب خليل
- الزيارات: 606
صائب خليل
هل انتصرنا أم هزمنا؟ محاولة لتقييم موضوعي
صائب خليل
7 شباط 2025
التساؤلات عن توصيف نتيجة معركة الإبادة الجماعية في غزة لا تخلو من الشرعية التي تخشى اننا نندفع إلى تصوير الأمر انتصارا لإرضاء أنفسنا مبتعدين عن أمانة الحكم الموضوعي.
لكن هذا الأمر، رغم فداحة الخسائر، ليس بهذا الشكل. إنما الصعوبة في تحديد الربح والخسارة في هذه المعركة تتكون من عاملين:
الأول هو اختلاف نوع الخسائر بين الطرفين.
فالخسائر الهائلة في البنية التحتية لغزة وأقل منها في لبنان، والخسائر البشرية الهائلة وخاصة لأعظم القيادات في لبنان وغزة، تقابلها خسارة من نوع آخر، هي خسارة ابدية للسمعة الإسرائيلية التي بنيت عبر عشرات السنين وفرضت نفسها على الإعلام والتاريخ، والسقوط الأخلاقي لها، ليس في نظر العالم فقط بل في نظر الإسرائيليين انفسهم أيضا. وهذه خسارة لا يمكن الاستهانة بها ولن يعرف حجمها إلا بعد سنوات طويلة يتبين فيها مدى نجاح إسرائيل وجيشها الإعلامي في غسل ذلك العار من ذاكرة البشرية، او بالعكس تزايد الغضب العالمي بشكل لا يمكن مجابهته.
العامل الثاني هو ان تحديد نتيجة هذه الإبادة لن يكون ممكنا الا بعد زمن غير قصير، يتبين منه كيف ستجري الأمور تاريخيا. وهل ستستفيد إسرائيل من الدمار والقتل الجماعي الذي ارتكبته وتنجو؟ هل سيتعب أهل غزة ويسلموا امرهم؟ هل سيجبرون بطريقة ما على مغادرة غزة؟ إن لم يحدث هذا، ويبدو لي انه لن يحدث، فإسرائيل مهزومة رغم الخسائر الهائلة التي قدمتها فلسطين ولبنان وأيضا اليمن الذي شارك ببسالة نادرة رغم البعد.
كذلك يجب ان ننتبه في تقييم 7 أكتوبر، ان ليس كل الخسائر التي حدثت للمقاومة بعدها، هي بسببها. فالخسائر الأساسية الهائلة التي منيت بها المقاومة اللبنانية ليست بسبب 7 أكتوبر. لقد تحققت أعظم تلك الخسائر بسبب التفوق التقني والاستخباراتي الإسرائيلي الهائل، في التمكن من زرع المتفجرات في البيجرات وأجهزة اللاسلكي، ثم معرفة موقع السيد، وامتلاك تلك القنابل الهائلة. هذا تفوق لا علاقة لـ 7 أكتوبر به، ولقد كانت المقاومة محكومة بتلك الخسائر عاجلا أم آجلا، ولم تقدم 7 أكتوبر لإسرائيل إلا الحجة، وهي قضية لا تعجز إسرائيل عن اختلاقها في أي وقت تشاء.
كذلك فأن خسارة سوريا ليس له اية علاقة بـ 7 أكتوبر، وكما يبدو فأن خسارتها كانت طازجة وجاهزة للأكل، بوجود 7 أكتوبر او بدونها. لكننا مازلنا نجهل حقيقة ما جرى للرئيس السابق بشار الأسد وكيف حدث الاستسلام الغريب، وكل القصص التي قيلت حول الامر تبريرية غير مقنعة وتخفي ما تخفي. لقد كانت تلك الخسائر "خسائر كامنة" تنتظر الإعلان عنها فقط، وليست جزءا من تلك المعركة.
فلسنا الوحيدين الذين نتحدث عن "نصر" رغم الخسائر الكبيرة او شكل الهزيمة بالمفهوم الكلاسيكي العسكري.
فقد قال الجنرال رومل بعد "هزيمته" في معركة العلمين: "أن معركة العلمين اكبر انتصاراتي"! حيث اعتبر ان انتصار البريطانيين فيها لم يكن بالمستوى الذي كان تفوقهم العسكري في الدبابات يؤهلهم له.
ويشرح المبدأ، الناشط الإسرائيلي "أوري افنري" بعد اشتباك إسرائيلي قبل عقود مع المقاومة، بالشكل التالي: "إذا تقابل ملاكم من وزن الريشة مع ملاكم من الوزن الثقيل، واستمر النزال حتى الجول الخامسة، فملاكم وزن الريشة هو الفائز بغض النظر عن نتيجة النزال"!
إذن القول بانتصار مقاومة غزة ولبنان واليمن، ليس كلاما إعلاميا ودفاعا نفسيا ضروريا، بل له أساس حقيقي، ولسنا من اخترع ذلك الأساس لنحمي انفسنا من صدمة الخسارة، كما تصور الكثيرين.
لقد حققت المقاومة معجزة اسطورية حقيقية وانتصارا حقيقيا بهذا المعنى على الأقل. أما الانتصار النهائي العملي فلن يتقرر الا بعد سنوات، ويعتمد على قدرة كل من الطرفين من تجيير الظروف التي نشأت عن المعركة لصالحه، وهي ظروف في غاية التعقيد. وأحد اخطار هذه المرحلة هي معركة المفاوضات.
يمكننا أيضا ان نضع ضمن علامات النصر ما قاله الكثير من المسؤولين الإسرائيليين عن النتيجة وما نشرته وسائل الاعلام الإسرائيلية تؤكد هزيمة اسرائيل. هذا مع ضرورة الحذر في اخذ تلك الاقوال على علاتها كدليل على النصر، لأن في الكيان من الوحشية ما لا يعتبر نصرا إلا التدمير الكامل والتام لغزة وللمقاومة، وقد يسمي "هزيمة" أي نصر غير كامل لجيشه. ومع ذلك، وحتى مع اخذ هذا الحذر بنظر الاعتبار، فأن تلك التصريحات تشي بهزيمة حقيقية لهم وانتصار للمقاومة.
للإحاطة بالموضوع من كل جوانبه المهمة، وختاما لهذه المقالة أدرج بعضا من اهم تلك التصريحات السياسية والصحفية للإسرائيليين والمقربين منهم وبعض المستقلين.
الفيلسوف جون ميرشايمر:
المشهد يبين ان إسرائيل عانت من هزيمة مؤثرة في غزة. بعد وقف اطلاق النار، لم تبق حماس نشطة في غزة فقط بل اننا نرى الإسرائيليون ينسحبون منها. لقد أراد الإسرائيليون التطهير العرقي لأهل غزة، لكنها حصلت على هزيمة خطيرة.
هلال بيتون روزن، صحفي في القناة 14 الإسرائيلية:
"من كان يصدق أنه بعد المذبحة المروعة التي ارتكبت ضدنا في 7 أكتوبر، وبعد أقل من عام ونصف، سنُهان من قبل الذين ارتكبوها، ونخضع لهم، ونمنحهم بالضبط كل ما طلبوه بينما نستعيد فقط مجموعة صغيرة من المخطوفين الذين تم اختطافهم بوحشية منا."
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن:
"حماس لا يمكن هزيمتها بحلول عسكرية، وما يحدث في شمال غزة دليل على ذلك."
الكاتب الصحفي الإسرائيلي زيف روبنشتاين:
"لو كان يحيى السنوار على قيد الحياة اليوم، لكان أبو الأمة العربية."
صحيفة يديعوت أحرونوت:
"نتنياهو فشل سياسياً، والجيش ورئيس أركانه فشلوا عسكرياً بعد 15 شهراً من الحرب."
آلون ميزراحي:
"حماس أسطورة للأجيال القادمة. لقد انتصروا علينا وحتى على الغرب، وصمدوا في المواجهة."
هيئة البث الإسرائيلية كان:
"في الساعات الماضية، تقوم حماس بمراجعة كل كلمة في الاتفاق بدقة - ليس فقط الكلمات والتفاصيل الصغيرة، بل أيضاً مكان الكلمات في الجمل وتفسيراتها المحتملة، لتجنب الخداع أو التلاعب."
صفحة أرييل كهانا:
"في الواقع، يمكن انتقاد "الجيش الإسرائيلي" على حقيقة أن حماس لا تزال قوية بعد 15 شهراً من 7 أكتوبر."
هادشوت لو تزنزورا (أخبار غير خاضعة للرقابة):
2023 | نتنياهو: لن يكون هناك وجود لحماس في غزة.
2025 | نتنياهو: ننتظر رد حماس على اقتراح وقف إطلاق النار.
قناة i24NEWS:
• نجحت حماس في منع إسرائيل من الحصول على موطئ قدم في غزة، وبالتالي، فشلنا في تحقيق أهداف الحرب.
عوفير إليام، رئيس قسم العمليات في الموساد السابق:
يجب ألا نخدع أنفسنا - أغلبية سكان غزة يدعمون حماس."
محلل عسكري يوآف زيتون:
"ستظل حماس نشطة وقوية، وستشكل تهديداً عسكرياً طويل الأمد من خلال أنفاقها، التي أصبحت جزءاً من بنيتها التحتية العسكرية الموسعة، تمتد عشرات الكيلومترات تحت الأرض لتخزين الأسلحة وتدريب العمليات."
صحيفة يديعوت أحرونوت - يوآف زيتون:
"لا تزال حماس تمتلك عشرات الكيلومترات من الأنفاق التي لم يكتشفها الجيش الإسرائيلي بعد في غزة. تشير التقديرات إلى نقص في الاستخبارات، خاصة في وسط وجنوب غزة. يمكن لحماس استخدام هذه الأنفاق لاستئناف الإنتاج الجزئي للأسلحة مثل الصواريخ وقذائف الهاون، بالإضافة إلى إخفاء آلاف الأسلحة والمعدات القتالية التي لا تزال بحوزتها، بالإضافة إلى حماية قادتها البارزين."
وسائل الإعلام العبرية:
"في السجون الإسرائيلية، يتم اتخاذ تدابير لمنع مشاهد علامات النصر من الأسرى الفلسطينيين أثناء عمليات النقل. من المحتمل نقل الأسرى في حافلات ذات نوافذ علوية معتمة أو بدون نوافذ علوية لمنع مثل هذه العروض."
عوزي رابي، مركز دايان للدراسات الشرق أوسطية:
يجب ألا نعتمد على الضرر الكبير في غزة أو عدد الضحايا. حماس هي حركة مقاومة وستعيد بناء نفسها مهما طال الزمن.
الجنرال الإسرائيلي المتقاعد أمير أفيفي، لصحيفة وول ستريت جورنال:
"نحن في وضع تتجاوز فيه سرعة حماس في إعادة بناء نفسها قدرة إسرائيل على اقتلاعها."
سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل جاك لو، لصحيفة تايمز أوف إسرائيل:
"ما قلته للناس هو أن ما يجب أن يخشوه عندما تنتهي هذه الحرب هو أن ذاكرة هذا الجيل لن تمتد إلى تأسيس إسرائيل، أو حرب الأيام الستة، أو حرب يوم كيبور - بل حتى الانتفاضة، بل ستبدأ بهذه الحرب، "طوفان الأقصى."
الكاتب البريطاني ديفيد هيرست:
• هذا إنجاز رائع بالنظر إلى أن المنطقة، التي تبلغ مساحتها 360 كيلومتراً مربعاً فقط، كانت معزولة تماماً عن العالم، بدون حلفاء لكسر الحصار، وبدون تضاريس طبيعية للمساعدة في الاختباء.
• لم يكسر تصميمهم على البقاء على أرضهم، لا المجاعة القسرية، ولا البرد، ولا المرض، ولا القمع الوحشي من قبل الغزاة.
ميكا كوبي، مسؤول سابق في الشاباك الإسرائيلي:
• فشلت إسرائيل بوضوح في حماية جنودها ومستوطنيها المحتجزين، مما أجبرها في النهاية على دفع ثمن باهظ لإطلاق سراحهم.
• ما حدث هو نجاح كبير من وجهة نظر حماس؛ إنهم يعتقدون أنهم انتصروا بتجنيد المزيد من الناس تحت هجوم شديد، والتمسك بمطالبهم من إسرائيل، وعدم التنازل عنها.
وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير:
بن غفير: "من ما تراه من الاحتفالات في غزة، نعرف أي جانب استسلم."
قائد البحرية الإسرائيلية السابق، اللواء احتياط إيليزر "تشيني" ماروم:
"لم نتمكن لمدة 15 شهراً من تحقيق أي من أهداف الحرب. في يوم توقيعنا للصفقة، كانت حماس لا تزال تسيطر على قطاع غزة بأكمله - الخطة العسكرية والسياسية كانت معيبة."
انتهت الاقتباسات، وهي تعكس رؤية الإسرائيليين لفشل تاريخي لهم لتحقيق حرب الإبادة التي خاضوها ضد الفلسطينيين لأهدافها، جاءت مع إعلان وقف إطلاق النار. ونلاحظ شدة الإحساس بالهزيمة تتجاوز مجرد الأسف لـ "عدم تحقيق كامل اهداف الإبادة" المرجوة، الى إحساس حقيقي بالهزيمة.
لقد كانت معركة غزة ومعارك الاسناد، بلا شك، من اندر البطولات الأسطورية في تاريخ البشرية، بل قد لا تقارن بها أية اسطورة أخرى! اما عن النتائج العملية، فسيبقى الحكم النهائي للسنوات القادمة.
نشرت المقالة على: https://alrad0.blogspot.com/2025/02/blog-post.html