مقالات وآراء
أفكار حول 8 شباط الأسود 1963// د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة
- تم إنشاءه بتاريخ الإثنين, 10 شباط/فبراير 2025 16:05
- كتب بواسطة: د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة
- الزيارات: 616
د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة
أفكار حول 8 شباط الأسود 1963
د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة
لقد شكل الانقلاب انعطافا حاداً في كل محاور الحياة العراقية وامتد تأثيره وبدون مبالغة الى يومنا هذا. فقد مهد الأجواء وحرث الأرض لتحولات دراماتيكية لاحقة ومفتوحة على أكثر الاحتمالات سوءاً.
في مقدمة ذلك الامر، أن الانقلاب افرغ المسالة الوطنية التي كانت مطروحة وقتها والتي مازالت قائمة لحد الان، من محتواها والذي كان ومازال يتجسد بتقديري بمسألتين أساسيتين هما
+ بناء الدولة الحديثة والتي هي في جوهرها علمانية.
+ تحقيق الديمقراطية بمفهومهما السياسي والاجتماعي.
# شكل الانقلاب منعطف في تشويه الهوية الوطنية العراقية، بإخراجها من طابعها العراقي الجامع بشكل عام رغم كل الملاحظات والنواقص على هذا الامر الا انه كانت هناك إمكانيات لإغناء محتواها. استعيض هذا الامر بتصنيفات جديدة ذات طابع عروبي إسلامي. في السنوات اللاحقة تضخم الجانب العروبي على حساب الإسلامي.
# كان الانقلاب مدخل لتشويه طبيعة الصراعات السياسية في العراق والتي كانت قائمة بين أحزاب وقوى ذات تطلعات وتعبير عن روئ سياسية واجتماعية وثقافية تعبر بهذا الشكل او ذاك عما يعتمل داخل المجتمع العراقي. اُفرغ هذا الصراع من محتواه الى حد كبير وانحدر من الاتجاه العراقي الى القومي- المناطقي– الطائفي – العشائري وصولا الى العائلي، هذا الامر تطابق الى حد كبير مع تمثيل السلطة وانعكاس ذلك في بناء وادارة مؤسسات الدولة.
# فتح الانقلاب الشهية للصراع الغير مسبوق على السلطة وشهدت فترة 1963- 1970 أكبر عدد من المحاولات الانقلابية، ذلك ليس بسب الخلافات والصراعات من اطراف الحكم فيما بينهم او مع معارضيهم وانما بسب السهولة النسبية لنجاح الانقلاب الغير متوقع كما اظهر أهمية العامل الخارجي ودوره في هذه اللعبة الملغومة.
# سَيد ثقافة الغاء الاخر وتهشيم عظامه كما كان يردد علي صالح السعيدي، وانطلق جنون العنف والإرهاب غير المسبوق، وقتها تحولت الدولة الى راعية لميلشيات الحرس القومي المتوحشة وارهابها وهي ظاهرة لم يسبق ان شهدتها الدولة العراقية منذ نشأتها.
# كان الانقلاب البروفة الأولى لمأساة جمهورية الخوف اللاحقة بعد انقلاب 1968 والتي تمكن فيها البعث من اختراق المجتمع والتحكم فيه واخضاعه وكذلك تكريس الدولة لسياساته، وليدخلنا لاحقا في نفق الموت الذي لا نعرف لحد اليوم متى تلوح في الأفق القريب تباشر الخروج منه.
# كان عبد الكريم قاسم قائداً عسكرياً محنكا وجريئاً، بنفس الوقت كان شخصية اسخباراتية من الطراز الرفيع وبهذه الصفتين، بدرجة أساسية وغيرها من الصفات، استطاع ان يقود بنجاح الثورة في يوم 14 تموز 1958، وقتها كما يبدو كان القائد العسكري الأكثر كفاءة للقيام بهذا الامر ان لم يكن الوحيد. لقد تم اسقاط قاسم أيضا بطريقة استخباراتية مدروسة توافقت مع سماته الشخصية. بتقديري هناك ثلاث شخصيات أساسية وثق بها قاسم واعتمد عليه وبالذات في سياستيه في خلق التوازنات في القوات المسلحة، خانت قاسم وساعدت على نجاح الانقلاب. لعبت كُل منهم دوراً مدروسا بوعي في تخدير واضعاف الحس الاستخباراتي لقاسم واغراقه في الشكوك بمن حوله وأقرب أنصاره وبالذات من العسكريين. في النهاية خانوا قاسم وهم من سهل الانقلاب. الأول كان الحاكم العسكري العام ويد قاسم اليمنى في الجيش والاهم من ذلك، هو انه كان مسؤول تنفيذ خطة دفاع بغداد وبالذات وقت الانقلابات أو الطوارئ، الفريق أحمد صالح العبيدي، الذي تخادم او توطئ مع المخابرات البريطانية في 1959 عند أقامته في لندن للعلاج لمدة ثلاثة اشهر و(قام العبيدي بإنشاء الصلة بين لندن والمجموعة البعثية في الجيش العراقي التي يتزعمها صالح مهدي عماش (وزير الدفاع حالياً) وعلي صالح السعدي (حالياً نائب رئيس الوزراء) هذا ما ورد ذكره في تقرير مترجم بعنوان التواطؤ نشرته (جويش اوبزرفر) بتاريخ 8 اذار 1963. بعد 1963 اطلق سراحه بعد اعتقال قصير ومات مهملا في 1968 في بغداد ولم يعرف عنه شيء بعد 1963. الثاني هو مدير الامن العام العقيد عبدالمجيد جليل الذي اعدمه أو بالأحرى قتله حقداً، علي صالح السعدي في يوم 9 شباط 1963 وكانت كلمته الأخيرة شاهداً على تواطئه مع الانقلابين والذي اكد لولاي لما نجح الانقلاب (بطاطو). الثالث هو العقيد محسن الرفيعي، مدير الاستخبارات العسكرية والذي شغل لاحقاً خلال حكم القوميين والبعث مراكز رفيعة في الدولة ويمكن الرجوع لمذكراته المنشورة. هؤلاء الخونة الثلاث كانوا كعب أخيل في منظومة قاسم ولا يُعفى غيرهم من الأسماء الأخرى ولكنها أدوارهم كانت اقل شئناً من هؤلاء.
اتضحت مأساة قاسم يوم الانقلاب حين تخلى عنه او تأمر عليه معظم من قربهم ووثق بهم لخلق التوزان في الجيش والشارع (لم يدرك قاسم ان التوازن هو لحظة عابرة وقلقة في حركة التاريخ والمجتمع ولابد أن تحسم باتجاه طرف معين) كما اعتقد وعمل لهذا الامر وسلم قوى الانقلاب والردة كل المواقع العسكرية الحساسة والفعالة، بينما دافع عنه وعن ثورة تموز واهافها النبيلة واستشهد من اجل هذا الهدف النبيل، كل من ابعده قاسم او كان مصدر شكوكه ومخاوفه.
# لم يكن شباط الأسود حاضنة للعنف المجنون والمتوحش والسادية اللامحدودة في التعامل مع مؤيدي وانصار تموز وقاسم ومن كل الأطراف وبالذات الشيوعيين الذي نالوا من العذاب والتعذيب بما لا يوصف، انما كان مُولدأً للعنف في السنوات اللاحقة بشكل مباشر او غير مباشر. إضافة الى الجيل الذي حصد عذابات تلك الفترة قتلا وسجنا وتشريداً وغيرها من عذابات لا توصف، إضافة لما تحملته عوائلهم، كان هناك قطاعات واسعة بتقديري من جيلين لاحقين عاشوا على ضلال هذه الفترة السوداء وتعرضوا للعنف غير المباشر. هذه القطاعات الواسعة من أجيال شبابية صاعدة اختزنت الحقد والكره للبعث وحرسه القومي وشباط الأسود وأصبحت لاحقاً هي المادة الأساسية لنشاط وقوة الحزب الشيوعي العراقي (حشع) وعموم قوى اليسار والديمقراطية. لم تكن هناك مفارقة، في ان جيل الأطفال عند شباط الأسود شكل تقريبا 70% من قوات الأنصار لحشع ومقابل 30 % كما اعتقد من جيل الشباب من عاش شباط الأسود. أن العنف لا ينتهي بدورته الا مولداً عنف اخر وبإشكال متنوعة ربما تكون اشد قسوة.
# كان من نتائج شباط الأسود تدمر حركة اليسار العراقي وبالذات حشع، من خلال تصفية وقتل واعدام خيرة كوادره ومنضاليه وأصدقائه ومحبيه، ليس هذا فقط وانما عمق شباط الأسود ازمة حشع على كل المستويات الفكرية والسياسية والتنظيمية وبشكل مازالت اثاره ممتدة ليومنا هذا. عجزت قيادة حشع وكوارده رغم كل تضحياتهم وبطولاتهم من تقيم جاد وموضوعي لما حدث ورسم سياسية ومسار جديد للحزب يستطيع فيه اخذ زمام المبادرة مع شارع بقي متعاطف معه وزوده بخيرة ابناءه. بعد 1964 وبالذات مع بوادر إعادة الحياة لنشاط حشع، تحكمت في قيادة حشع قيادات مضطربة وقلقة اقلها في جانبها الفكري وانعكاساتها السياسية والتنظيمية. تشكلت كتلة او مجموعة وعلى مدى عقود، ربما نستطيع ان نطلق عليها جزافاً (القيادة التاريخية) والتي لا تتعدى 20 الى 25 شخصية تحكمت بالمسارات الأساسية لسياسية حشع على كل الأصعدة. كان هذا الامر تعبير عن تحكم تيار الوسط في قيادة حشع. هذا الوسط الذي اظهر نهجاً يميناً ولفترات طويلة لاحقة وبها تحولت ازمة حشع لاحقاً الى ازمة بنيوية لا تجد من يسعى بجد وليومنا هذا من يبحث عن حلول جدية او يرسم مساراً واضحاً للخروج من منها.