مقالات وآراء
التساؤلات "الاستفزازية" حول مصداقية الردع الإيراني// صائب خليل
- تم إنشاءه بتاريخ السبت, 14 حزيران/يونيو 2025 20:25
- كتب بواسطة: صائب خليل
- الزيارات: 552
صائب خليل
التساؤلات "الاستفزازية" حول مصداقية الردع الإيراني
صائب خليل
14 حزيران 25
كتبت في منشوري الأخير النص التالي الذي استفز العديد من الاصدقاء: "معذرة، لكننا نريد هذه المرة ارقام قتلى واسماء مجرمين كبار يوازون ولو بعض من شهدائكم.. وإلا فهي "صعادات" كسابقاتها!
عليكم ايها الاعزاء ان تدركوا أنها معركة وجود بالنسبة لكم أيضا، فإذا خسرتم بقية مصداقيتكم أمام شعبكم ومحيطه، فقد خسرتم فرصتكم الأخيرة كنظام حكم لإيران، وستكون مسألة وقت ليزاح نظامكم بالكامل!"
....
لماذا اكتب منشورا مستفزا وقت "الاحتفال" بضربة ايران الأقوى تجاه الكيان؟ اليس اجمل ان نؤجل الشكوك والأسئلة ونحتفل؟
بالتأكيد أنه اجمل واريح واكثر كسبا للقراء، لكنه يسهم في دفن الحقائق..
فالتجارب السابقة المماثلة اثبتت ان حكومات ايران ليست "معصومة" لا من الخطأ ولا حتى من "الزغل". خاصة وان غالبية المؤسسات الايرانية مخترقة كما يبدو، وتحديدا الاعلامية والسياسية والخارجية منها، وبشكل لا نعرف حدوده ويفاجئنا كل يوم.
إضافة الى الاختراق، ففي هذه الحالات بالذات، تتوافق مصلحة الحكومة الايرانية مع مصلحة من يتم الانتقام منه بشكل مؤقت لفترة من الزمن، وهي حالة نادرة وغريبة بعض الشيء. ففي وقت توجيه الرد، تصير مصلحة الحكومة الإيرانية بإقناع شعبها بأن الضربة قوية وأنها كانت عند حسن ظنه، ومن مصلحة المعتدي أيضاً أن يقتنع الشعب الإيراني بذلك. فبهذا، تستطيع حكومة إيران أن تكتفي بضربة خفيفة يتم تضخيم تأثيرها فتقنع شعبها ومؤيديها، ولا تؤذي المعتدي، وسيكون هذا سعيدا بدعم ذلك التضخيم من خلال تصريحات غامضة توحي بحجم غير حقيقي من خسائره، على الأقل حتى تهدأ الأمور.
التجارب السابقة مع هذا الموضوع تؤكد ضرورة الانتباه والتساؤل..
ففي الرد على اغتيال قادتهم ودبلوماسييهم (وكذلك ضيفهم الشهيد هنية)، صنعت الحكومة الايرانية (ولم تكن في ذلك الوقت حكومة اصلاحيين!) مسرحية من الالعاب النارية (كما وصفها المعادون لإيران، وكانوا محقين للأسف)!
القصف، الذي اختير ليكون في الليل، (ربما لتقليل عدد الضحايا، وربما لزيادة الانطباع السينمائي له) كان يبدو وكأنه موجه بدقة لكي لا يصيب أحد!! لا عسكري ولا مدني! حتى ان قطعة من صاروخ تم اعتراضه، سقطت على مدني وقتلته!
كان هناك حديث عن اصابات اخرى، لكن بشكل لا يتناسب ابدا مع حجم الضربة وعدد صواريخها واستعراضيتها والضجة الإعلامية التي اثيرت حولها.
دعونا نعود الى الوراء في الضربة الايرانية انتقاما للشهيد الجنرال، فقد قامت ايران بقصف قاعدة عين الاسد الامريكية بكم كبير من الصورايخ، لكن بعد ابلاغ الحكومة العراقية بموعد الضربة ومكانها، كما صرحت الحكومة الايرانية بنفسها! إيران لم تكن مضطرة تماما لهذه "الدبلوماسية" لأن الحكومة العراقية سمحت باغتيال شهيدها دون اي اجراء يذكر!
هذا يعني انه لم يكن في القاعدة عند ضربها، جندي واحد! بل لم يكن فيها اي جهاز مهم او وثيقة مهمة! واي شخص يعتقد بأن الحكومة العراقية يمكن ان تخفي "سرا" مثل هذا عن الامريكان، او انها تستطيع، أو ان اميركا يمكن ان تترك جنديا واحدا في قاعدة تعلم انها ستقصف بشدة، غارق في وهم يستحق الشفقة!
والنتيجة: اميركا لم تخسر حتى جريح واحد مقابل جريمة اغتيالها لأهم شخصية عسكرية في ايران، واحب شخصية لدى الشعب الإيراني ولدى المرشد بالذات!
ورغم ذلك جرى التطبيل لما جرى وحديث عن "طائرات تنقل الجرحى والقتلى" ونشر فيديو بدعوى ان جنديا سجله تحت القصف من داخل القاعدة .. الخ من الكلام الذي يحتاج الى مختل ليصدقه! ورغم ذلك، كان هناك الملايين يرقصون!
مضت المأساة بسلام على اميركا، وعندما جاء ترمب قال كلاما عن تلك الحادثة يسخر منها، وللأسف، يدرك كل من لا يريد ان يخدع نفسه، ان ما قاله كان صحيحاً! لقد مضت فترة مصلحتهما المشتركة في المسرحية ولم يعد هناك مبرر لإخفاء الحقيقة.!
ليست هذه هي المواقف الوحيدة التي لدي علامات استفهام حولها من مواقف بعض الحكومات الإيرانية، لكني اركز على المواقف الخاصة بالرد والردع، وكما ترون فهناك مبررات موضوعية جدا لطرح التساؤلات.
وعلى ذكر الردع تحضرني لسيد شهداء الأمة الكبير كلمة بقيت في ذاكرتي حينما كان يتحدث عن ردع إسرائيل، فقال بما معناه: أن الردع يجب ان يكون ليس فقط بإظهار امتلاكك للقدرة العسكرية، ولكن أيضا، بالجرأة على استعمالها! إنه تنبيه مهم إلى ان امتلاك القدرة لا يكفي، وان الجرأة على استعمالها ليست مسألة أكيدة لكل من امتلك سلاحا. وأنا، حتى الآن، افتقد جرأة الاستعمال في ردود إيران حتى اليوم، وهو ما قد يفسر بمواقف إنسانية أو دينية، لكنه يفسد ردعها بشكل واضح، حيث لا يبدو ان إسرائيل او اميركا تخشى أن تقوم بأي اعتداء عليها، وهي مطمئنة بأنها لن تخسر شيئا يذكر!
لا احد يستطيع ان يطالب ايران او غيرها بما هو فوق طاقتها، وصحيح ان ايران تتجرأ اكثر من غيرها، وصحيح ان شعوب المنطقة شديدة الشوق الى أي ردع يعيد لها بعض كرامتها المهانة وتستقبل ذلك بسعادة غامرة، خاصة وان باقي الدول الإسلامية (عدا اليمن) تنكفئ على نفسها بخذلان، لكن المقارنة بالعملاء لا تكفي لتجعل عملك صحيحا وكافيا. وصحيح أيضا ان الرد والردع يجب ان لا يعبر حدودا ليتحول الى حرب شاملة، لكن للردع شروطه وحدوده الدنيا أيضا، وهي أن تجعل العدو "يخسر أكثر مما كسب باعتدائه"، وعليك أن تفعل كل ما تستطيع لتحقيق هذا الشرط، فإن لم تستطع ان تجعله يدفع ذلك الثمن، فأن الاعتداء يبقى صفقة رابحة له، وليس هناك مبرر له للتوقف عنها، وهذا ما نراه في موقف اميركا وإسرائيل من إيران.
عودة على الاستفزاز والمحتجين عليه أقول: هناك ملايين تحتفل، فلا بأس ببضعة ممن يؤجلون احتفالهم ويطرحون الأسئلة المزعجة، فبدون تلك الأسئلة سنفقد الفرصة لرؤية الكثير من الحقائق المهمة، وقد فقدنا الكثير جدا حتى الآن.