مقالات وآراء
ضجيج الكلمات...// خديجة جعفر
- تم إنشاءه بتاريخ الإثنين, 23 حزيران/يونيو 2025 21:03
- كتب بواسطة: خديجة جعفر
- الزيارات: 920
خديجة جعفر
ضجيج الكلمات...
خديجة جعفر
يعرف "الضجيج "في الموسوعة العربية باعتباره مجموعة الإشارات الصوتية غير المرغوب فيها، والتي تؤثر سلبا على حسن استقبال الإشارات المفيدة...
هذا وقد تبوأ مفهوم الضجيج مكانته واتخذ موضوعا للبحث والتحليل كشفا عن نعكاساته، لا سيما بعد التطور التقني الحديث... إلا أنه ارتبط تاريخياً بالصوت الذي يؤدي إلى نتائج سلبية على مستوى النمو الفكري للمتلقي..
قد ذكّرت دراسة نُشرت في مجلة "بروسيدينغز أوف ذي رويال سوسايتي" بأن التلوث الضوضائي يمكن أن يؤثر سلبا على الأداء الفكري لدى البشر، كما بيّنت الدراسات التي أجريت على تلاميذ المدارس القريبة من المطارات.كذلك تثبت الدراسات والابحاث الاثر السلبي للضجيج على الحيوان لجهة القلق في قدرته على التكيف البيئي والتفكير والتوالد فقد لوحظ أن الطيور التي عُرّضَت للضوضاء،قد انخفضت قدرتها على التعلم بشكل كبير . فبحسب تمبلتون، احتاجت هذه الفئات من الطيور إلى ضعف الوقت الذي احتاجت إليه الطيور الأخرى لحل المشاكل...
إن يكن " الضجيج" ضوضاء سمعية عصية على فهم المحتوى وكنتيحة مباشرة لتقدم الاختراعات و الالات والتقنيات التي اخترعها البشر في لحظات الصمت التأملي ، فهل يمكن أن تُحدث الكلمات فعل المكننة في خلق مساحات ضجيج تتحدى أمن النمو الفكري ؟
لطالما لجأ الاقدمون في تفسير الظواهر المتأتية من الطبيعة والغير مفهومة بشريا باغلبيتها الى تفسيرات دينية أسطورية الى ان سيطر العقل بمبرراته العلمية والمنطقية ليتخطى المبهم عن كونه ضجيجا وبات يتخذ التسمية والتوصيف،فنسمي ضجيج الارض "تحرك طبقات الارض زلازل وبراكين" كابسط الأمثلة.
يبقى من الكلمات اصواتها، فكيف يمكن تأويلها وتفسيرها والكشف عن اسرارها وانعكاساتها؟
واين تتموضع الكلمات من توصيف الضجيج وتاثيراته السامة على النمو الفكري ؟
تتجه الكلمات غالبا لان تكون قصدية ، لا تملك ان تكون صريحة ومباشرة بالاغلب، الكلمات بنات الافكار ورهن بها فلا تعلو على امهاتها..
لطالما تلاعب الخطاب بالكلمات ولم ينصفها او يحررها فكانت وسيلته المادية لخطو الفكرة نحو واقع معاش. الكلمات تختبئ في ظل الافكار
وليس إثم الخطاب كلماته ،بقدر ما يكون الاثم لأفكاره،فالخطاب الان يملك ابنا لا شرعيا يضاف الى الكلمة،يملك التقنيات والتكنولوجيا التي تستطيع أن تُسيل الكلمات ، فيسود الصمت ويستمر الاثر. فلا يمكن لصمت التكنولوجيا تقنيةً التاثير على محو الاثر من الكلمات.
ضجيج الكلمات في الخطاب يتخطى حدود الظاهرة الطبيعية، بل أنه حرفة وصناعة، يصدر لاسباب مدروسة ويراد منه تحقيق أهداف مباشرة حينا وغير مباشرة أحيانا ..
يذهب برهان غليون ، المفكر السوري، أستاذ علم الاجتماع السياسي في باريس،في كتابه اغتيال العقل - محنة الثقافة العربية بين السلفية والتبعية"
الصادر في طبعته الأولى عن المركز الثقافي العربي في بيروت ، والذي يُعد تحليلًا نقديًا لبنية الفكر العربي الحديث، خاصة في علاقته بالسلطة والأيديولوجيا، والحداثة ليخلص الى اعتبار
الفكر العربي المعاصر أسيرًا للأيديولوجيا السياسية (القومية، الدينية، أو الماركسية) بدلًا من أن يكون أداة نقد وتحرر ، وان المثقف العربي انخرط في تبرير السلطة بدلًا من مساءلتها، مما أدى إلى "اغتيال" دوره كضمير نقدي، وان المثقفين الذين تحوّلوا إلى أدوات في يد الأنظمة أو الأحزاب، وابتعدوا عن دورهم المستقل في قيادة التغيير،
فيعتبر غليون أن الحداثة لم تُنجِز في العالم العربي، بل استُخدمت كواجهة من قبل الأنظمة الاستبدادية،
بالتالي فإن الخطاب الحداثي مجرد اصدار لذبذبات صوتية تؤدي رسالة تردد صدى خارجي يتداخل بشكل مبهم وغير واضح مع الفكر العربي مستخدما كلمات و لغات تتشابك مصدرا وتعبيرا كوسائل للبث الخطابي، فتصل مشوهة بعيدا عن عوالم المنشأ، الأمر والتوجه الذي عرضه لحملة انتقاد واسعة من مروجي الخطاب الديني الإسلامي، النصوص التسليمية ترويجا صوتيا ببثها اياتا الهية لا تقبل الجدل بقوة المقدس ،ارتدادات صوتية أحادية الاتجاه والمصب لخدمة توجيه السلوك والافكار، في ما يشبه تردد الصدى الملزم استبطانا مع كل ما يتركه ذلك من أثر وتاثير على مساحة توالد الافكار الفاعلة ....
للخطاب الان تقنياته الممكننة،تصلك دون ضوضاء الصوت، لصالح صفوة الكلمات فقط، الخطاب يمتلك الكلمات التي تُحدث ضجيج،مسخرا لذلك أحدث التقنيات الاعلامبة بدء من مواقع التواصل التي تبث بالكلمات أفكارا وايديولوجيات أحادية المنشأ والعمق ، وبنفس قواعد التسليم، مهما بدت شكليات الجدل واقعية،فللخطاب سلطة الحضور بقوة الترويج والانتشار من جهة وبقوة قابلية النقاش نفسه، ليتضح أن الاختلاف وجملة ردود الأفعال والاراء والمواقف مجرد روافد للحضور ،فها اننا اليوم نناقش مسائل متنوعة تهتم بالانسانية وصالحها ورفاهيتها وتقدمها فرضا،فنتخذ مواقفنا وانقساماتنا وصراعاتنا الجدلية التوافقية او المعترصة من موضوع بات متداولا كأصل..
فنحن مثلا، نناصر قيم الأسرة والتنشئة واهمية التضامن الإنساني، إلا اننا في الوقت عينه نناصر أو نناهض المثلية كحق من الحقوق الفردية ، نناصر استخدام التكنولوجيا وتقدمها لخدمة إلانسانية ورفاهيتها وتطور افكارها لكننا نتخذ موقفا مؤيدا ومعارضا من اطراف الصراع في الحروب الكونية المسلحة تكنولوجيا وصولا لبحث وحوب استخدام النووي في الحرب من عدمه...
فأي إنسانية نناصر في ظل التغني، والاصطفاف ونصرة أو عداء تجاه الحروب والاقتتال ؟
واين يكمن الخطاب الاصل من ذاك البحث؟ و الذي لو نتامل لحظة سنجده ثانويا فيما يكون مفهوم التفوق والنقص معيارا للتوصيف بين الأفراد والمجتمات ، ومقياسا لتحديد : الدور والموقع والاهمية وحصرية الحقوق، في كافة المجالات الحياتية، هو الموضوع الاساس الحاضر بطريقة غير مباشرة و الذي تم نشره..
اي اسرة نشجع في ظل مثلية تُكَسِر مفاهيم الأسرة وقواعدها واهميتها اصلا ؟
بالتالي فإن الخطاب ضجيجا اضافيا على المسامع لا يسمح للتعمق بقدر ما ينتج التسطيح واللهو الكلامي بين المتناقضات...
انسان اليوم،مرغم على الاستماع وعلى الطرف المحايد من جودة الانصات، الآلة وضجيجها لا تسمح بالانصات، تشغلنا بالتركيز على ما يقال اكثر من المعنى المتخفي وراء القول..
يذهب ماركيز دي ساد مؤسس السادية في توصيف مأساة الإنسان المعاصر بشاعة ،لجهة سطوة الأنا نصرة لخطاب ما، وكيفما اختلف محتوى الخطاب فيقول :
"بسبب النذالة البشرية الفطرية، نفرح دائمًا بمصائب الآخرين ومآسيهم"..منا يظهرنا بنقالي من يستمتع بمآسي الآخرين تأكيدا لنصرة خطابنا..ومن النذالة البشرية استسهال الموت قيمة دفاعية، فلم يعد من معنى للموت اكثر من عددية إقامة الجنائز ،بعدما استطاع الخطاب وضجيح الكلمات تشويها للتلقي وتسطيحا للمعنى فاحالنا ارقاما متحركة...
يبكي نيتشيه الما على إنسانية تشهد هلاكها كنتيجة مباشرة لما تعانية من عبء الضجيج الكلامي في كتابه " انسان مفرط في انسانيته" مقارنا حضور الفرح بين انسان الامس واليوم معتبرا أن القدامى أكثر قدرة على الفرح فيما نحن اليوم أكثر دراية بجعل الحياة أقل الما فنُسَخِر كل عقلنا لحل المسائل المتعلقة بتقليص الألم وتحييد كل أسباب الاشمئزاز"..
قد لا يجوز ربما صحة الاعتقاد بدعوة نيتشيه عودة للزمن القديم ولا التغني بجماله، بقدر ما هي دعوة للتساؤل عن مستقبل إنساني فاعل في استخدام استحداث الذكاءات، لكنه قاصر عن فعالية حضور انسانيته ..
فهل تشهد الانسانية لاحقا صحوة البحث في معنى الوجود ام تترك للخطاب وضجيج الكلمات قيادة المستقبل على ضبابيته؟
خديجة جعفر
24 /6 /2025