مقالات وآراء
لا تخافوا… صرخة إيمانٍ في وجه الموت// رانية مرجية
- تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 24 حزيران/يونيو 2025 11:23
- كتب بواسطة: رانية مرجية
- الزيارات: 652
رانية مرجية
لا تخافوا… صرخة إيمانٍ في وجه الموت
قراءة في مقالة زهير دعيم عن تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق
رانية مرجية
“من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم خطر أم سيف؟”
بهذه الآية الملتهبة من رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، يبدأ المربي والأديب الفلسطيني زهير دعيم مقاله المؤثر “لا تخافوا”. ولعلّه، بذلك، لا يفتتح النص فقط، بل يفتتح جرحًا إنسانيًا موصولًا بدمٍ حيّ سال بالأمس في كنيسة مار إلياس بدمشق، حيث ارتُكب مجزرة رهيبة بحق مصلّين أبرياء، حملوا قلوبهم إلى الله، فعادوا منها إلى السماء، ضحايا إرهابٍ لا دين له.
■ نبوءة الألم… ولغة المصلوب
زهير دعيم لا يكتب بوصفه مراقبًا من بعيد، بل بوصفه شاهدًا مؤمنًا يعتصره الألم، ويمسح دموعه بكلمات الكتاب المقدس. يقولها صريحة: “ما قام به يوم أمس في كنيسة مار إلياس… لهو عمل إجرامي لا ترضى عنه السماء، بل وتبغضه النفوس الصالحة”.
وهو لا يتردّد في تسمية الجريمة كما هي: تفجير شيطاني في قلب كنيسة، وسط المصلّين، في زمن ما زلنا نحسب فيه أن دور العبادة محصنة بالسلام.
كأننا نسمع عبر سطور زهير دعيم صرخة المسيح من على الصليب: “يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون”، ولكنها هنا ممزوجة بدهشة الإنسان من وحشية أخيه الإنسان، ومن أولئك الذين يظنون أن القتل يرضي الله!
■ كاتب يحمل صليب المشرقيين
زهير دعيم هو أحد أبرز الأصوات المسيحية الفلسطينية التي حملت في كتابتها دوماً همّ الشرق. هو لا ينتمي فقط إلى طائفة أو ديانة، بل إلى هوية أوسع: هوية إنسانية مشرقية ترى أن الانتماء الحقيقي هو للمحبة، وأن البقاء في هذا الشرق رسالة.
ولهذا، نجده في مقاله يردّد:
“سأنتفض بمحبّة… سنبقى في هذا الشرق نورًا يضيء الدروب، وزنبقًا يعطّر الحياة، وأملًا يلوّن الأيام”.
ليؤكد أن الكنائس، كما المساجد، ليست أهدافًا مشروعة لأحد، وأن صلوات البشر لا تُنسف بالمتفجرات، بل تزداد صلابة وبهاء كلما نزف أصحابها.
■ تديّن لا يقبل الانتقام
ذروة النص لا تكمن في وصف المأساة، بل في الطريقة التي يُفكّك بها الكاتب الإغراء بالانتقام. يختم مقاله بقول الكتاب المقدّس:
“لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ… لِيَ النَّقْمَةُ، أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبّ” (رومية 12: 19).
وكأنّه يريدنا أن نفهم أنّ من اختار درب المسيح، اختار حمل صليب الغفران، لا سيف الثأر.
في زمن العنف، تصبح الكلمات التي تدعو للمحبة أكثر راديكالية من رصاص البنادق. وزهير دعيم، بتاريخه كمعلم وكاهن للحروف ومربٍّ للأجيال، يعرف أن ردّنا الحقيقي على الإرهاب لا يكون إلا بتجذير ثقافة الحياة، وزرع قيم التسامح، لا بالشعارات الفارغة، بل بالوعي والموقف والضمير.
■ في الختام: لا تخافوا…
“لا تخافوا”، ليست مجرد عبارة افتتاحية في هذا النص، بل هي شعار حياة.
هي شجرة زيتون ترفض أن تنكسر أمام العاصفة.
هي صليب منصوب فوق بيوت القدس، يضيء وإن أطفأوا الشموع حوله.
هي قلب امرأة في حلب، أو طفل في بيت لحم، أو شيخ في الموصل، ما زال يصلّي من أجل السلام، في وطنٍ تحوّل إلى رماد.
زهير دعيم، في مقاله هذا، لا يكتب فقط عن الكنيسة التي فُجّرت، بل عن الإنسان الذي يجب أن يُبنى من جديد. الإنسان الذي لا يخاف، لأنه يعرف أن الحقيقة لا تموت، وأن الله لا يرضى بالقتل، وأن المحبة لا تُهزم