بنيامين يوخنا دانيال
الاحتباس الحراري يهدد السياحة
بنيامين يوخنا دانيال
تأتي التأثيرات الكبيرة للاحتباس الحراري (الاحترار العالمي) على السياحة من العلاقة الجوهرية التي تربط الأخيرة بالبيئة الطبيعية والمناخ والتنوع البيولوجي (الحيوي) والمقومات والموارد الطبيعية التي باتت مهددة بفعل هذه الظاهرة المدمرة التي أرخت بظلالها الثقيلة على مناطق كثيرة من كوكبنا من خلال ذوبان طبقات الثلوج بالمناطق المتجمدة وارتفاع مستوى المياه في البحار والمحيطات والفيضانات العارمة والأمطار الغزيرة, وتزايد العواصف الثلجية وانتشار موجات الجفاف الحادة والتصحر وارتفاع درجة حرارة المحيطات, وتراجع التساقطات الثلجية وفقدان التنوع البيولوجي وتهديد الأنواع والسلالات الحيوانية المهمة سياحيا (الفراشات الملكية في إسبانيا والدب القطبي والنو في شرق أفريقيا وطير الغواص ذي العنف الأحمر في اسكتلندا والشعاب المرجانية في أمريكا الوسطى وفراشة رينجلت في بريطانيا والغوريلا قي رواندا وأوغندا) وغيرها بحسب الخبراء.
وكان من البديهي أن تأخذ بعض النشاطات والفعاليات السياحية المرتبطة بالسواحل والجزر والغابات المغطاة بالثلوج بالانحصار بحسب خبراء وعلماء السياحة, وأن تظهر تغيرات في سلوكيات واتجاهات واختيارات السياح, وأن تتضرر بعض المواقع والمقاصد السياحية وأن تفقد أهميتها من على خارطة السياحة إن الآن أو في المستقبل القريب أو البعيد, مثل جزر المالديف ومدينة البندقية وباتاغونيا في الأرجنتين وتشيلي وجبال كلمنجارو في تنزانيا والحيد المرجاني في أستراليا ومنتجعات التزلج والرياضات الشتوية في جبال الألب وجبل القمر في اوغندا وجبال الأنديز في أمريكا اللاتينية.
ووفقا لتقرير صدر عن (منظمة السياحة العالمية) التابعة لمظمة الأمم المتحدة في عام 2007 فإن ارتفاع درجة الحرارة (1) درجة مئوية على نحو إضافي يعني تراجع (60) بالمائة من مناطق التزلج على الجليد في ألمانيا مع احتمال عدم صلاحيتها لهذا النشاط السياحي المهم في حال ارتفاع درجات الحرارة بمعدلات أكثر.
أما في فرنسا فإن ارتفاع درجة الحرارة (2) درجة مئوية سيفضي إلى انخفاض عدد الأيام الجليدية في جبال الألب الجنوبية والبرانس وجبال الألب الشمالية بدرجات مختلفة, لينعكس الأمر سلبا على الرياضات والأنشطة السياحية الشتوية فيها, والمنتشرة في (شاموني مونيلا, لاباني, كارت بلانش, ولوزان ) وغيرها.
أما في سويسرا فقد توقعت (مارتين ريبيتيز) الخبيرة في (المعهد الفدرالي للأبحاث حول الغابات والثلوج والمناظر الطبيعية) السويسري ومؤلفة كتاب (حرارة سويسرا ترتفع) باحتمال زوال محطات تزلج معروفة جراء الاحتباس الحراري, وهي كثيرة وتنتشر في مناطق (انجليبرغ, دافوس, سانت موريتز, غريندلناد, فيلازر, ليسين, ومونترو) وغيرها.
كذلك الأمر في نيوزيلندا المعروفة بحلبات التزلج على الجليد (15 حلبة حتى 2008) خصوصا في منطقة (راويو) وبالقرب من (واناكا) و (كوينز تاون).
وتشير نتائج دراسة حديثة صادرة عن (معهد ستوكهولم للبيئة) بعنوان (تثمين المحيطات) نشرت مؤخرا إلى احتمال أن تتكبد السياحة الدولية لخسائر جسيمة بقيمة (301) بليون دولار في عام 2100 في حالة ارتفاع درجة الحرارة (2,2) درجة مئوية, وبقيمة (639) بليون دولار في حالة ارتفاع درجة الحرارة (4) درجات مئوية بسبب الاحتباس الحراري وارتفاع درجة الحرارة بمعدلات أكبر من المعدلات السائدة في الوقت الحاضر, وذلك نتيجة الإخفاق في معالجة او الحد من الظاهرة الخطيرة التي تحول دون الاستدامة البيئية وتعيق مسيرة التنمية السياحية المستدامة على المستوى الوطني للعديد من البلدان التي التحقت بركبها.
لقد شهدت السنوات ال (26) الأخيرة اجراء الكثير من البحوث والنقاشات الأكاديمية الجادة حول العلاقة المتبادلة بين ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ وصناعة السياحة والسفر على المستوى الدولى وعلى المستوى الوطني للعديد من الدول حتى بلغ عدد المنشورات العلمية الخاصة بها في عام 2012 (25) منشورا مقابل (83) منشورا في عام 2011 و (34) منشورا في عام 2005 بحسب دراسة بعنوان (مراجعة للسياحة وتغير المناخ كمجال معرفي متطور) للدكتورة (سوزان بيكين) الأستاذة في قسم السياحة والترفيه والفنادق وإدارة الرياضة في جامعة (جريفيت – أستراليا). وهي تغطي ثلاثة جوانب مهمة هي:-
أولا : الآثار السلبية المترتبة عليها .
ثانيا : التكيف وآليات و كيفيات معالجتها أو الحد منها .
ثالثا : التخفيف من تلك الآثار بقدر الإمكان على ضوء اتجاهات مبتكرة.
وذلك لما تمثله طاهرة الاحتباس الحراري من تحدي كبير لصناعة السياحة والسفر الدولية, ولما تشكله من عائق امام خطط التنمية السياحية في العديد من الوجهات السياحية. وتظهر آثارها جلية في السياحة في القرن الحادي والعشرين من خلال:-
أولا: حصول تغيرات في اختيارات السواح للوجهات السياحية .
ثانيا: التأثير على القدرات التنافسية لتلك الوجهات .
ثاثا: تغير مساهمة السياحة في الاقتصاد الوطني .
رابعا: تأثر القطاعات والنشاطات الاقتصادية الأخرى المرتبطة بالسياحة على نحو مباشر وغير مباشر.
خامسا: تأثر جوانب مهمة مرتبطة بالسياحة مثل عدد الليالي الفندقية وفرص العمل والعائدات النقدية والهجرة و الفقر .