اخر الاخبار:
زيلينسكي: مستعد لوقف إطلاق النار مع روسيا - الأربعاء, 17 أيلول/سبتمبر 2025 19:03
الإعدام بحق إرهابي أقدم على قتل خمسة عراقيين - الثلاثاء, 16 أيلول/سبتمبر 2025 10:36
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

علي السباك: الكاتب الذي جعل من الحلة سطرًا أول في دفتر الحكاية// محمد علي محيي الدين

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد علي محيي الدين

 

عرض صفحة الكاتب 

علي السباك: الكاتب الذي جعل من الحلة سطرًا أول في دفتر الحكاية

محمد علي محيي الدين

 

ثمة أسماء لا تأتي إلى الأدب زائرة أو عابرة، بل تولد منه وفيه، وتشق لنفسها طريقًا من الحبر والوجع، من الطين والمجاز، ومن هؤلاء يقف القاص والشاعر علي السباك شاهقًا بقامته السردية، ممتدًا بين الحلة وبغداد، حيث نشأ أولًا قارئًا متوهج النظرة، ثم غدا كاتبًا تتقاطع في كتاباته الحساسية الشعرية مع العمق السردي، والتوتر النفسي مع التأمل الوجودي، والفكرة مع الوجدان.

 

ولد علي عزيز حسن السباك في مدينة الحلة بتاريخ 13 كانون الثاني 1970، ونشأ في بيئة عراقية تتقاطع فيها الريف بالمدينة، والصمت بالعاصفة، مما طبع أعماله بنبرة داخلية تنوس بين دفء الحنين وقسوة الواقع. درس الإعلام في جامعة بغداد، ثم الفن في جامعة بابل، فكان نتاجه الأدبي مراوحًا بين الحس الصحفي، والرؤية الجمالية، والبنية الفنية المحكمة.

 

منذ بداياته، أدرك السباك أن الكتابة ليست ترفًا، بل خيار وجودي، فكتب القصة أولًا، ونشر مجموعته "للنساء بقية" عام 2008، والتي استوقفت النقاد عند براعة الاشتغال على ثيمة المرأة، بوصفها معادلًا موضوعيًا للهشاشة والقوة، للغياب والحضور، كما أشار إلى ذلك الناقد طالب المعموري في مقالته التحليلية حول المجموعة، معتبرًا أن السباك لا يكتب عن المرأة، بل ينطق من داخلها.

 

لكن علي السباك لم يكتف بالسرد، بل واصل اشتغاله على منطقة الشعر، فكانت مجموعاته "حمى" و"من ذاكرة الوجع" و"امرأة من سكر"، محطات مهمة في تلمّس ملامح وجعه الشخصي وجراح جيله. في هذه القصائد، يتبدى القلق الوجودي، والبحث عن المعنى، والحنين إلى مدينة تتشظى على إيقاع الخراب والانتظار.

 

أما روايته "ذلك الجانب من الجحيم"، فقد شكلت منعطفًا نقديًّا وقرائيًّا هامًا في مسيرته. فقد وجد فيها النقاد مادة خصبة للتأويل، ولغة متينة تقود القارئ عبر تضاريس السرد نحو مناطق مظلمة من النفس والهوية. الناقد عبد الأمير خليل مراد رأى فيها مرآة للبطل المأزوم في مجتمع مضطرب، فيما رصدت الكاتبة تحرير الساير تمثلات المرأة في الرواية بوصفها كائنًا محاصرًا بالحلم والانكسار. والناقد غانم عمران المعموري حلل البنية الزمنية عبر اللغة، متتبعًا تداخل الحقب والأزمنة في الرواية.

 

أعمال السباك لا تُقرأ بوصفها حكايات فحسب، بل بوصفها أدلّة نفسية واجتماعية وثقافية على مجتمع ما بعد الحرب، حيث الإنسان ممزق بين ماضٍ لم يغادره، وحاضر يعيد تدوير الفقد. في روايته الجديدة "فثمة سؤال"، عاد إلى تيمات الهوية والانتماء، وتناولها بأسلوب سردي متماسك، دفع الناقد غانم المعموري ليصف الرواية بأنها بحث مؤلم عن الذات في مواجهة العدم، متوقفًا عند “شقاء الهوية” كعنوان للتجربة العراقية الحديثة.

 

علي السباك لم يكن مجرد قاص أو شاعر عابر في الصحف والمجلات، بل كان صانعًا لمزاجه الأدبي الخاص، عضويًّا في مؤسسات ثقافية، ومؤمنًا بدور الثقافة في إعادة تشكيل الوعي. فقد عمل مديرًا للبيت الثقافي البابلي بعد 2003، وأسهم في تنشيط الحركة الثقافية في محافظة بابل، واحتضن من خلال نادي السرد كثيرًا من الأصوات الجديدة، مؤمنًا أن الأدب، إن لم يكن مُلهِمًا، فهو عابر لا يُقيم في ذاكرة أحد.

 

ما يميّز السباك في جميع تجاربه، هو أنه يكتب وهو يتألم، لكنه لا يشكو. الكتابة عنده ليست استعراضًا بل محاولة لتضميد جرح قديم، لتأريخ ما لا يمكن نسيانه، وللإمساك بجمر التفاصيل قبل أن يتحول إلى رماد. وبهذا، فإن تجربته تمثل وجهًا حقيقيًا من وجوه الأدب العراقي المعاصر، الذي ينهض من بين الركام، ويكتب من قلب النكسة، ليصوغ بالأمل ما تبقى من المعنى.

 

وفي زمن تتناسل فيه الأسماء وتتشابه الوجوه، يبقى اسم علي السباك منحوتًا على جدار الأدب بيديه الاثنتين: يد القاص التي تصوغ المأساة، ويد الشاعر التي تبللها الدموع.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.